"طوفان الأقصى".. ومستقبل النظام الرسمي العربي
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
لا شك عندي أنَّ النظام الرسمي العربي بمختلف مشاربه وعقائده السياسية يعيش مرحلة انعدام الجاذبية منذ السابع من أكتوبر، وتحديدًا منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى، فقد كشف الطوفان حجم العجز الذي يشغله النظام الرسمي العربي في مساحة النُظم العاجزة في العالم، والتي سوقت نفسها للعالم بصور عاجزة، أو أختار لها الخصوم صفة من صفات العجز وقبلت به.
مُشكلة النظام الرسمي العربي اليوم أنه لم يعلم أو يُدرك أن الأمريكي والبريطاني والفرنسي والصهيوني أرجاس من عمل الشيطان، وأعداء للأمة العربية إلى أن تشرق الشمس من الغرب، لهذا ما زال يرجو منهم مكانة وعوناً ورفعة وقوة!!
بيَّن طوفان الأقصى أن العجز التام الذي يُعاني منه النظام الرسمي العربي، ناتج عن قبوله بصفة الفصيل السياسي المنزوع من القوة؛ حيث بيّن الطوفان أن النظام الرسمي العربي منزوع عن أسباب القوة التي تُمكِّنه من المناورة والضغط بالقوة الناعمة والقوة الخشنة كذلك.
صحيحٌ أن بشاعة الأحداث في غزة أظهرت حجم الوهن والضعف في العالم وخاصة ما يسمى بـ"العالم الثالث"، والذي وقف وقفة المُتفرِّج العاجِز الذي لا يمتلك سوى التنديد والاستنكار والشجب، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق العرب، فهُم إلى جوار فلسطين وأبناء جلدة الفلسطينيين ويشاركونهم الثوابت والمصير.
بلغ سوء الحال بالنظام الرسمي العربي أن قام بعض منه بإدانة أفعال فصائل المقاومة وصنفها بالجرائم والأعمال المروعة، وهذا الموقف لا يُعبِّر عن حجم الوهن والتبعية التي بلغها النظام الرسمي العربي فحسب؛ بل يُعبِّر في حقيقته عن حجم إعادة البرمجة التي تعرض لها من قبل الغرب حتى أصبح يرى الأمور بصور ومرايا من زوايا عكسية أنتجها الغرب.
لم نعد اليوم نتحدث بمرارة- وكما كُنّا- عن الوحدة العربية والتضامن العربي ومقومات العرب وقدراتهم الحقيقية؛ بل أوصلنا الطوفان إلى مرحلة القناعة بالتعبير اللفظي السليم عن المواقف المنزوع من أي عمل فقط لا غير، وبما يحفظ الحد الأدنى لصورة العربي أمام العالم.
عَجْزُ النظام الرسمي العربي اليوم وصمته تجاه ما يدور على أرض فلسطين من جرائم قتل وتدمير وتجويع وحصار، قد نجد له ما يُبرره من مواقف تراكمية سابقة أنتجت هذا الوهن الكبير، ولكن الجديد هو دعم بعض الأنظمة الرسمية العربية للعدو الصهيوني ومباركته لجرائمه، وتعويض خسائره بسخاء معيب.
هذا الموقف التاريخي المعيب من قبل بعض من النظام الرسمي العربي، لن يمُر في تقديري هذه المرة مرور الكرام، كما مرَّ قبله الكثير من الخيبات والعورات والمثالب؛ لأن السيناريو الغربي القسري القادم لهؤلاء بعد الطوفان، هو إعلان الحرب على أوطانهم وشعوبهم نهارًا جهارًا، وإشهارهم البواح لنصرة الصهيونية العالمية، ودعم الجرائم الغربية حول العالم ومباركتها.
هذا التسلسل من الإعابة التي وصل لها بعض النظام الرسمي العربي اليوم ما هو إلّا امتداد لعقود من التسويق المعيب للذات لدى الآخر، وعدم معرفة وإدراك ما يُحاك للأمة من قبل العدو الصهيوأمريكي، وبالنتيجة رقص البعض منَّا مع الشيطان وتحالف معه ورأى في السراب ماءً.
قبل اللقاء.. برهن الطوفان أنَّ العزة والكرامة تُنتزع قسرًا ولا تُوهب من أحد، وأن ثمنهما غالٍ جدًا؛ فالصراع يحتدم اليوم بين ثقافة الشرف وثقافة العلف.
وبالشكر تدوم النعم.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العالم يتغير
د. طارق عشيري
يشهد العالم في السنوات الأخيرة تحولات سياسية عميقة تعكس تغيرًا في موازين القوى ونمط إدارة العلاقات الدولية. فبعد عقود من الهيمنة الغربية وقيادة النظام الدولي بقيادة أحادية، بدأت ملامح نظام عالمي جديد تتشكل، تتعدد فيه الأقطاب وتتصاعد فيه التحديات العابرة للحدود.
وقد أسهمت الأزمات الكبرى، مثل جائحة كورونا، الحرب في أوكرانيا، وتصاعد النزاعات في مناطق متعددة، في كشف هشاشة النظام الدولي التقليدي، ودفعت الدول والمنظمات إلى إعادة النظر في استراتيجياتها. في هذا السياق، أصبحت مفاهيم السيادة، التعاون الدولي، والمصلحة القومية تأخذ أشكالًا جديدة، مما يفرض قراءة جديدة للواقع عالميا.
وفي ظل هذا التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، بات من الواضح أن الخريطة السياسية الدولية لم تعد كما كانت؛ إذ لم تعد القوى التقليدية تحتكر القرار العالمي، وظهور قوى أخرى مثل الصين والهند وروسيا غيّر ملامح المعادلات القديمة. إلى جانب ذلك، فإن الأزمات المتلاحقة، من جائحة كورونا إلى الحروب الإقليمية، كشفت عن عمق الخلل في النظام العالمي، وعجز المؤسسات الدولية عن مواكبة حجم التحديات.
ومنذ نهاية الحرب الباردة وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين، كانت السياسة العالمية تتسم بثبات نسبي وهيمنة واضحة للولايات المتحدة. أما اليوم، فقد دخل العالم مرحلة جديدة تتسم بالتعددية القطبية، وعودة الصراعات الجيوسياسية، وانقسام الرؤى حول النظام الدولي. هذه التغيرات ليست طارئة، بل هي نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية أعادت تشكيل المشهد العالمي.
بينما تعاني دول من ويلات الحروب والأزمات، وتحتدم المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ والسيطرة، تتغير قواعد اللعبة السياسية في العالم. فالتحالفات تتحول، والثقة في المؤسسات الدولية تتآكل، والقرارات المصيرية أصبحت رهينة لموازين القوى بدلًا من القيم العالمية المشتركة. في هذا الواقع الجديد، يتعين علينا أن نعيد النظر في فهمنا للسياسة العالمية وأدواتها.
تغيّر السياسة العالمية أصبح من أبرز سمات العصر الحديث، ويتأثر بعدة عوامل متشابكة، منها الاقتصادية والتكنولوجية والبيئية والعسكرية.
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، سيطرت أمريكا على المشهد العالمي كقوة وحيدة، لكن الآن تظهر قوى جديدة مثل الصين، وروسيا، والهند، وحتى تكتلات إقليمية كالاتحاد الأوروبي والبريكس، مما يعيد تشكيل ميزان القوى نحو عالم متعدد الأقطاب.
الصين أصبحت منافسًا اقتصاديًا واستراتيجيًا مباشرًا للولايات المتحدة، خاصة في مجالات التكنولوجيا، والتمويل الدولي، والطموحات الجيوسياسية مثل مبادرة الحزام والطريق.
وهناك دول كثيرة، تزايد الشعور لديها بأن الديمقراطية الليبرالية لم تعد تُلبي طموحات الشعوب، مما أدى إلى صعود التيارات اليمينية والقومية، كما نرى في أمريكا وأوروبا.
نشهد حروبًا بالوكالة في عدة مناطق مثل أوكرانيا، واليمن، والسودان، وسوريا، وأفريقيا. الدول الكبرى تتجنب المواجهة المباشرة وتلجأ لدعم أطراف محلية.
والحديث عن النظام الدولي الحالي الذي يُعد غير فعّال في حل النزاعات، خاصة مع هيمنة الدول الخمس دائمة العضوية، ما يدفع الكثيرين للمطالبة بإصلاحات جوهرية.
وظهور ادوات عديدة شكلت جزء من تغير العالم منها الذكاء الاصطناعي، والهجمات السيبرانية، والتضليل الإعلامي أصبحت أدوات جديدة في السياسة. والحروب الحديثة لا تُخاض فقط بالسلاح، بل بالمعلومة والبيانات أيضًا.
وتغير المناخ ادى إلى نزاعات على المياه، والغذاء، والهجرة الجماعية، مما يفرض تحديات جديدة على الأمن العالمي ويعيد تشكيل أولويات السياسات الخارجية للدول.
هذه ملامح عابرة عن تغير العالم، ومجاهل السياسية العميقة، أردنا ان نفتح بعضا منها لعلماء الدراسات الاستراتيجية والأكاديميين للكتابة عن ما يحدث من تغييرات في عالم اليوم.