مثل عدّاء سريع يمكنه العدْو تحت أشعة الشمس الحارقة والأراضي الجافة والوعرة، يبدو "دخن الفونيو" -المعروف علميا باسم "ديجيتاريا إكسيلس"- بالرغم من هذه الميزة المهمة لا يربح أبدا في سباق "العائد" عند دخوله في منافسة مع محاصيل الحبوب الرئيسية، إذ إن إنتاجيته أقل بكثير من الأرز والذرة والقمح.

و"دخن الفونيو" هو حبوب صغيرة الحجم وغنية بالقيمة الغذائية، ويشتهر بنموه السريع (يمكن حصاد حبوبه في غضون شهرين أو ثلاثة بعد الزراعة) وفترة نضجه القصيرة، وهو أقدم محصول محلي في غرب أفريقيا، ويُشار إليه أحيانا باسم "الأرز الجائع" نظرا لحبوبه التي تشبه الأرز، ولأهميته كغذاء أساسي في العديد من دول غرب أفريقيا، خاصة في المناطق التي ينتشر فيها ندرة الغذاء والجوع.

وقد اهتم العلماء بالبحث عن وسيلة يمكن من خلالها مساعدة هذا العدّاء السريع على الأداء بشكل أفضل من أجل الفوز في سباق "العائد". وأعلن فريق بحثي من جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" في دراسة نشرتها دورية "ميكروبيوم"، أنهم وجدوا الحل، ويكمن في تحسين حذاء الجري الخاص به وهو "الميكروبات الموجودة حول بذوره".

فإذا تخيّلنا البذرة -وفق هذا المثال- بمثابة "الحذاء" الذي يساعد العداء على العدو، فإن تحسين كفاءة أدائها يمكن أن يحقق النتيجة المرجوة. ووجد الباحثون أن كلمة السر لتحقيق ذلك تكمن في تحسين ارتباطها بـ"الميكروبيوم" الخاص بها.

ويشير "ميكروبيوم البذور" إلى مجتمع الكائنات الحية الدقيقة، بما في ذلك البكتيريا والفطريات والميكروبات الأخرى التي توجد داخل البذور وعلى سطحها، وهذه الكائنات الحية الدقيقة ضرورية لصحة النبات ولياقته.

هيريبرت هيرت (يسار) وناهيد تبسم درسا تنوع المجتمعات الميكروبية في بذور الفونيو (كاوست) سرّ أهمية "ميكروبيوم البذور"

ترتبط النباتات التي تنمو في الظروف القاحلة بميكروبات التربة وتتفاعل معها، مما يساعدها على مكافحة التحديات اللاأحيائية (العوامل أو الضغوط البيئية غير الحية التي يمكن أن تؤثر في نمو النباتات وتطورها وبقائها).

ولأن قائد الفريق البحثي الأستاذ ببرنامج علوم النبات بجامعة "كاوست" هيريبرت هيرت ومجموعته البحثية، متخصصون في التفاعلات بين الميكروبات والنبات، وتشخيص دور هذا التفاعل في نمو النبات وتطوره، وامتصاص العناصر الغذائية، والحماية من الإجهاد الحيوي، فقد أرادوا كشف دور "ميكروبيوم بذور الفونيو" في مختلف الظروف اللاأحيائية.

فبحثوا في مواقع مختلفة بغرب أفريقيا يخوض فيها "الفونيو" سباق الإنتاج، ودرسوا تنوّع الفطريات البكتيرية المصاحبة للبذور لمعرفة كيف أثرت في أدائه في السباق.

كما تحققوا مما إذا كانت الظروف الجوية المختلفة -مثل الطقس الحار أو الأيام الماطرة- غيّرت نوع الفطريات البكتيرية المصاحبة للبذور. وقاموا بدراسات الارتباط على مستوى الجينوم لأنواع مختلفة من الفونيو لتحديد المواقع الجينية المرتبطة بتنوع الفطريات الداخلية للبذور.

تحسين ميكروبيوم بذور دخن الفونيو يساعد على تحسين قدرته على التكيف مع الإجهاد المناخي ومن ثم زيادة إنتاجيته ماذا وجد الباحثون؟

وجد الباحثون أن "الميكروبيوم الأساسي" لبذور الفونيو كان متشابها بغض النظر عن المكان الذي عاش فيه النبات. ويشير "الميكروبيوم الأساسي" إلى الكائنات الحية الدقيقة التي تكون عادة مرتبطة بمضيف عبر عينات أو مواقع مختلفة. وفي سياق دخن الفونيو وجد الباحثون أن هناك مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة التي توجد باستمرار في بذوره بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو العوامل البيئية الأخرى.

وبخلاف هذا "الميكروبيوم الأساسي" الذي لا يتغير، وجدوا أن العوامل البيئية قد تؤثر في التنوع الميكروبي. ولاختبار تأثير العوامل البيئية، جمعوا بيانات الأرصاد الجوية وبيانات التربة (هطول الأمطار ودرجة الحرارة ودرجة الحموضة وبنية التربة) في مواقع التجميع المختلفة، ووجدوا علاقة بين العديد من هذه العوامل والتنوع الميكروبي، مما يشير إلى أن العوامل البيئية قد تؤثر في التركيب الميكروبي للبذرة.

كما نجحوا في تحديد عدد من الجينات المعروفة والجديدة التي يبدو أنها تؤثر في تنوع المجتمعات الميكروبية في مجموعات "الفونيو" المختلفة، مما يشير إلى أن مجموعات "الفونيو" المختلفة تنظم أيضا وراثيا تكوين ميكروبيومات البذور الخاصة بها.

هندسة الميكروبات.. طريق الاستفادة

وعن كيفية الاستفادرة من النتائج، تقول الباحثة ببرنامج علوم النبات بـ"كاوست" ناهد تبسم في بيان صحفي أصدرته الجامعة: "يوجد داخل البذرة بيئات أو مساحات مختلفة يمكن أن تعيش فيها الكائنات الحية الدقيقة، تشمل هذه المناطق غلاف البذرة (الطبقة الخارجية للبذور) وأنسجة التخزين (الجزء الداخلي من البذرة حيث يتم تخزين العناصر الغذائية)، وتوفر هاتان المنطقتان موائل فريدة للكائنات الحية الدقيقة، وعندما تنتقل الكائنات الحية الدقيقة من النبات الأم إلى ذريته من خلال البذور (عملية تعرف باسم الانتقال العمودي)، فمن المحتمل أن تعزز صحة ونشاط الجيل القادم من النباتات، والعمل على انتقال الكائنات الحية الدقيقة المفيدة من جيل إلى جيل يوفر فرصة جديدة لتحصين ذرية الأنواع النباتية، ويفتح تطبيقا جديدا في تربية المحاصيل".

وتضيف أن "هندسة ميكروبات البذور لإنتاج مستقلبات مستهدفة، يمكن أن يساعد في تحقيق ذلك، لضمان تحقيق خصائص محسنة، مثل زيادة الإنتاجية".

والمستقلبات جزيئات صغيرة تنتجها الكائنات الحية كجزء من عمليات التمثيل الغذائي الخاصة بها، ويهدف الباحثون من استهداف المستقلبات إلى التأثير على إنتاج مركّبات محددة ذات خصائص مرغوبة، يمكن أن تشمل هذه العناصر الغذائية أو المواد الكيميائية النباتية أو الهرمونات أو غيرها من المواد النشطة بيولوجيا.

ومن خلال "هندسة ميكروبات البذور" بإجراء معالجة أو تعديل في الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في البذور أو عليها؛ يمكن دفع الميكروبات إلى إنتاج جزيئات أو مركبات محددة لها خصائص أو وظائف مرغوبة، وذلك باستخدام طرق التكنولوجيا الحيوية المختلفة لتغيير التركيب الجيني أو المسارات الأيضية للكائنات الحية الدقيقة المرتبطة بالبذور، وقد تشمل هذه الأساليب تقنيات الهندسة الوراثية مثل تحرير الجينات أو أساليب البيولوجيا التركيبية.

دخن الفونيو (الأرز الجائع) أقدم محصول محلي في غرب أفريقيا ويشتهر بنموه السريع وفترة نضج قصيرة إثبات المفهوم لا يكفي

لا تخرج هذه الدراسة -رغم ما توصلت له من نتائج- عن كونها "إثباتا لمفهوم ما"، كما يقول أستاذ المحاصيل بجامعة جنوب الوادي (جنوب مصر) عبد المحسن عيد. ويرى عيد أنه حتى تكتمل الاستفادة مما توصلت له الدراسة، لا بد من دراسات لاحقة للإجابة على عده أسئلة هي:

ما هي الأدوار المحددة التي تلعبها الأصناف الميكروبية الفردية داخل ميكروبيوم البذور في نمو النبات وتطوره وتحمله للإجهاد؟ كيف تتفاعل الأنواع أو السلالات الميكروبية المختلفة مع بعضها البعض ومع النبات المضيف؟ ما هي الآليات الجزيئية الكامنة وراء التأثيرات المفيدة للميكروبات المرتبطة بالبذور على صحة النبات وإنتاجيته؟ كيف تؤثر هذه الميكروبات في عملية التمثيل الغذائي للنبات وتنظيم الهرمونات والاستجابات الدفاعية؟ ما هي الإستراتيجيات الأكثر فعالية لهندسة ميكروبات البذور لإنتاج مستقلبات مستهدفة أو تعزيز سمات النبات؟ كيف يمكننا ضمان استقرار وسلامة المجتمعات الميكروبية المهندسة في البيئات الزراعية؟

وبدوره أعلن قائد الفريق البحثي هيريبرت هيرت أنهم لن يتوقفوا، وقال في البيان الصحفي: إن" القيمة الأساسية لعملهم هي إظهار أنه توجد إمكانيات كبيرة لتعزيز الفهم للتفاعل بين ميكروبيوم النبات والبيئة وفي هندسة ميكروبيوم البذور للمحاصيل، والذي حُدد كهدف محتمل لتعزيز قدرة المحاصيل على مقاومة الإجهاد المناخي بطريقة مستدامة".

ويبقى الوصول إلى هذا الهدف مرهونا بالإجابة التفصيلية على الأسئلة الستة التي حددها عيد، والتي يمكن أن تقود في النهاية لمعرفة كيفية تحسين أداء الميكروبات بما يساعد "الأرز الجائع" على الأداء بشكل أفضل في سباق العائد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الکائنات الحیة الدقیقة تؤثر فی یمکن أن

إقرأ أيضاً:

سول تستأنف تدريبات بالذخيرة الحية بالقرب من الحدود مع بيونج يانج

استأنفت كوريا الجنوبية اليوم/ الثلاثاء/ تدريبات بالذخيرة الحية في نطاقات المدفعية بالقرب من الحدود مع بيونج يانج للمرة الأولى منذ 6 سنوات، بعد تعليق اتفاقية خفض التوتر بين الكوريتين التي قيدت مثل هذه التدريبات.

 

وذكر الجيش الكوري الجنوبي - وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الكورية الجنوبية (يونهاب) - أن "التدريبات، التي شملت مدافع هاوتزر ذاتية الدفع من طرازي K9 وK105A1، أجريت في نطاقات الخطوط الأمامية في اقليمي غيونغغي وغانغوون".

 

وجاءت هذه الخطوة بعد شهر تقريبًا من تعليق كوريا الجنوبية بالكامل للاتفاقية العسكرية بين الكوريتين لعام 2018 في 4 يونيو الماضي في أعقاب حملات بالونات القمامة التي قامت بها كوريا الشمالية ومحاولات تعطيل إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بالقرب من الجزر الحدودية.

 

وفي الأسبوع الماضي، استأنفت قوات مشاة البحرية الكورية الجنوبية مناورة واسعة النطاق بالذخيرة الحية، شملت مدافع هاوتزر من طراز K9 وأنظمة إطلاق صواريخ متعددة من طراز تشونمو، للمرة الأولى منذ 7 سنوات على جزر قريبة من الحدود البحرية الغربية بين الكوريتين الخاضعة لحراسة مشددة.

 

سرايا القدس: قصفنا بوابل من قذائف الهاون جنود وآليات العدو في محور التقدم بحي الشجاعية شرق غزة

 

أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أنها استهدفت بوابل من قذائف الهاون جنود وآليات الجيش الإسرائيلي في محور التقدم بحي الشجاعية شرق مدينة غزة.

 

وأفادت السرايا في بيان لها أن القصف أدى إلى إصابة العديد من الجنود وإلحاق أضرار بالآليات العسكرية التابعة للعدو. وأكدت أنها ستواصل تصديها للقوات الإسرائيلية وستستمر في توجيه ضربات مؤلمة رداً على العدوان المتواصل على قطاع غزة.

 

ويأتي هذا التصعيد في ظل اشتباكات متواصلة بين الفصائل الفلسطينية والقوات الإسرائيلية، فيما تتصاعد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات.

 

مصادر أمنية للعلام العبرى تزعم  بالإنجاز العسكري في غزة ويتوقعون بوقف القتال وتحريك ملف الحرب للمفاوضات

 

أفادت مصادر أمنية للقناة 12 الإسرائيلية بأن الإنجاز العسكري الذي حققته القوات الإسرائيلية في غزة يسمح الآن بوقف القتال إذا اضطرت إسرائيل لتحريك ملف المفاوضات.

 

وأضافت المصادر أن قوات الجيش تقترب من إنهاء المناورة البرية في قطاع غزة بعد 9 أشهر من اندلاع الحرب. وأشارت التقديرات إلى أن هناك حاجة إلى 4 أسابيع إضافية لإتمام العملية العسكرية في رفح.

 

وتأتي هذه التصريحات في وقت يشهد فيه القطاع تصعيداً مستمراً وتدهوراً للوضع الإنساني، مما يزيد من الضغط الدولي على إسرائيل للتوصل إلى هدنة وإنهاء العمليات القتالية.

 

وأكدت المصادر أن الجيش الإسرائيلي حقق أهدافاً استراتيجية مهمة في غزة، بما في ذلك تدمير بنية تحتية حماسية وتعطيل قدرات الفصائل المسلحة. وأوضحت أن هذا الإنجاز يمكن أن يشكل أساساً للانتقال إلى مرحلة جديدة من التفاوض والتوصل إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار.

 

 

مقالات مشابهة

  • باحثون صينيون يطورون أرزاً غنياً بالبروتين بتقنية زراعة اللحوم
  • حل لغز سبب انقراض الحيوانات الضخمة قبل 50 ألف سنة!
  • باحث زراعي يكشف عن تحديات استخدام نظم الري الحديث وفوائدة
  • يورو 2024.. ألمانيا تبدأ الاستعداد لمواجهة إسبانيا بدون
  • ‏المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: سنواصل تعزيز الاستعداد للحرب في الشمال والجهود الدفاعية على جميع حدودنا
  • سول تستأنف تدريبات بالذخيرة الحية بالقرب من الحدود مع بيونج يانج
  • بعد ارتفاع أسعاره.. منتجو زيت الزيتون يضاعفون جهودهم لمواجهة تأثيرات تغير المناخ
  • فوائد «الكركديه» وعلاقته بضغط الدم
  • زراعة النعناع في المنزل.. نصائح للمبتدئين
  • عامل في مشروع توشكى: إنتاجية النخيل تزداد من سنة لأخرى.. وأنا فخور بالعمل هنا