الحلقة الثانية: قراءة في المشهد السياسي.. الرئيس الجديد والسنغال المتجدد
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
بقلم: د.صفوت ابريغيث*
اقرأ ايضاًوعودة إلى السنغال، وإلى الحقبة الحالية، فقد انتقد القاصي والداني لجوء السلطات إلى تسييس القضاء واستخدامه في سبيل التخلص من ابرز المعارضين والزج بهم في سجونها من خلال قضايا مركبة بذرائع متنوعة مما يضمن بالتالي منعهم بموجب القانون من التنافس الانتخابي.
وهذا ما حصل بالفعل بداية مع "كريم واد"ابن الرئيس السابق ثم مع عمدة بلدية العاصمة وأحد اقطاب الحزب الاشتراكي العريق "خليفة سال"، قبل أن يقوم الرئيس الحالي بالعفو عنهما ضمن صفقة تدخلت فيها حيناً دولة قطر التي لجأ اليها "كريم واد" لسنوات عديدة، وحيناً آخر من خلال صاحب النفوذ الكبير في البلاد الخليفة العام للطريقة المريدية الشيخ "محمد المنتقى امباكي" والذي استطاع أن يجمع في منزله الرئيسين الحالي "سال" ومعارضه الرئيس "واد" ويعلن عن تفاهمات وضمانات تتيح للابن "كريم واد" بالعودة إلى البلاد والعمل السياسي مجددا.
من هو "عثمان سونكو"؟أما عن المعارض الثالث والأبرز "عثمان سونكو" والذي جردته السلطات من مسؤولياته في دائرة الضريبة والاملاك العامة بسبب فضحه لعدد من قضايا الفساد في العام ٢٠١٦، فقد سطع نجمه في وقت قياسي واستطاع ان يحل ثالثا في ترتيب الانتخابات الرئاسية الاخيرة بالعام ٢٠١٩ ثم ليفوز حزبه "الباستيف" في معظم البلديات الكبرى في الانتخابات المحلية في آذار ٢٠٢٢ ولينهي بعدها بشهور قليلة سيطرة ائتلاف الحزب الحاكم على مقاعد البرلمان.
ويعتبر سونكو الاجرأ في مواجهة النفوذ الفرنسي عموماً وقد دعا مبكراً إلى الانسحاب من النظام النقدي للفرنك الإفريقي (CFA) وهي العملة الفرنسية التي تربط الدول الثمانية في منطقة غرب افريقيا والتي كانت تسمى سابقاً بالمستعمرات الفرنسية لافريقيا لتستبدل لاحقاً كلمة المستعمرات بكلمة “التجمعات”.
لقد تم استهداف “سونكو” مراراً وتعرض لاعتقالات متكررة كانت آخرها مسرحية مفبركة بتهمة الاغتصاب تم تبرئته منها لتنتظره تهمة اخرى وهي تحريض الشباب للإخلال بالنظام العام حيث لم يفلت منها وتمت إدانته واعلان سجنه لسنتين، حكماً كان كفيلاً بإبعاده عن السباق الانتخابي الجاري، وهو ما أراح العديد من خصومه.
مواجهات داميةولكن سجن“سونكو” وحل حزبه قد فاقم من الامور سوءً لتمتد المواجهات الدامية من الشارع إلى الرأي العالمي ولتؤدي الحملة القانونية الكبيرة المساندة للزعيم المسجون إلى تضييق الخناق على السلطات المحلية ووضع الرئيس الحالي بموقف حرج حاول بكل الوسائل احتواءه عبر الدعوة إلى الحوار ومحاولة احتواء اقطاب من المعارضة بل وتقديم تنازلات وصلت إلى حد التخلي عن طموحه في تمديد ولاية رئاسية ثالثة.
وبالرغم من صدور حكم جديد في ديسمبر الماضي يسمح بإعلان أهلية “سونكو” وإعادته للقوائم الانتخابية، إلا أن المجلس الدستوري رفض ترشحه بدعوى عدم اكتمال ملفه.
ولكن ذلك لم يمنع “سونكو” من ترشيح نائبه “بشيرو جوناي فاي”خلفاً له ضمن تسعة عشر مرشحاً للانتخابات الرئاسية كان هو و”كريم واد” ابرز المستبعدين عنها.
وكانت استطلاعات الرأي تشير في وقت سابق، إلى تقدم الشاب المغمور سياسياً “بشيرو جوماي فاي” على أبرز المرشحين وهما حصراً مرشح الحزب الحاكم رئيس الوزراء السابق “أمادو با”وعلى عمدة دكار السابق”خليفة سال”.
وبعد أن صدر قرار رئاسي بتأجيل الانتخابات الرئاسية لنهاية العام الجاري بدعوى الطعن بالفساد في نزاهة بعض القضاة في المجلس الدستوري الذي رفضه وأكد على ضرورة إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن، ثم صدور قرار آخر يحدد الرابع والعشرين من آذار الجاري موعداً للجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية.
عفو شاملوأمام الضغط الشعبي والانتقادات الدولية، قام البرلمان السنغالي بتبني قانون عفو شامل أتبعته الحكومة بقرار سحب الاستئناف المقدم في دعوى ربحها سابقاً المعارض “سونكو”، ثم جرى توقيع المرسوم الرئاسي بإبطال حل حزب “الباستيف” والسماح بعودته للعمل السياسي مجدداً، وعلى بعد أقل من عشرة أيام من تاريخ الجولة الاولى للانتخابات أطلقت السلطات كافة المعارضين السياسيين وعلى رأسهم “عثمان سونكو” ومرشحه “بشيرو جوماي فاي”، الذين باشروا حملتهم الانتخابية فور خروجهم وبتفاعل شعبي هائل عكس كل التوقعات.
أخيراً، وقبل يوم من بدء العملية الانتخابية، وبحكم متابعاتي للملف الافريقي عموماً وخبرتي في الغرب الافريقي وفي السنغال خصوصاً أتوقع أن يفوز “جوماي فاي” بشكل كبير ومن الجولة الاولى، كما أتوقع بحكم معرفتي الجيدة بالشخوص القيادية للائتلاف المرشح للفوز أن ترتقي السنغال بشكل ملفت في مسيرة الدفاع عن القضية الفلسطينية بالشكل كما بالمضمون وأن تشكل الضلع الثالث في المثلث الفلسطيني داخل القارة السمراء إضافة إلى جنوب إفريقيا والجزائر.
ملاحظة: المقال تمت كتابته قبل انتخابات الرئاسة في السنغال التي جرت يوم أمس الأحد 24/3/2024، حيث تشير النتائج الأولية إلى فوز “بشيرو جوناي فاي” في الانتخابات
*السفير الفلسطيني السابق لدى السنغال من العام ٢٠١٥-٢٠٢٢
المصدر: البوابة
كلمات دلالية: جومای فای
إقرأ أيضاً:
محنة الذكريات والصراع السياسي أو “وبسأل الشوق عن وطن”
الذكريات أحداث تخزتنها الذاكرة وفقا لطبيعتها فقد تكون، عامة / فردية/ جماعية / خاصة / ايجابية/ سلبية/ حزينة/ سعيدة وفقا لمسافتها وملامستها للشخص أو الأفراد أو منصة انتشارها العامة او التاريخية، فحيويتها انها قد تنعكس في حياة الأفراد والمجتمعات وفقا لطبيعتها، وترمي بثقلها في التشكيل المستقبلي سواء تراكما او استرجاعا .
تظل الذكريات الخاصة محمية بحقوق أطرافها وفقا لميثاق الخصوصية التي تعطي الحق في التعامل معها نشرا، حكيا أو استرجاع بهدف الاستخلاص، سكب القانون حماية للخصوصية لكنه لم يشمل بذلك الذكريات لأنها كما أشرت حمايتها تأتي من حيوية الخصوصية المرتبطة بقواعد الأخلاق، فالقيم المرتبطة بالوفاء والمروءة واحترام الآخر والذكريات كلحظات لها خصوصيتها تحمل بصمة أطرافها، لذا ترك ضمير المجتمع قضايا على احترام ما يجدر تقديره من الذكريات المحمية بالخصوصية الاخلاقية، فيكون الاستهجان احدى أشكال العقاب من ضمير المجتمع على انتهاك ذلك .
حفل الغناء السوداني بأغنيات عن الذكريات انزلتها منازل مختلفة وفقا لطبيعتها، فهي حينا في مقام السلوى ، وتارة تعبيراً عن الوفاء للفقد، وفي حالة تجدها تغني في مقامات السلوى وغيرها .
في الفضاء العام المرتبط بالعمل السياسي والمدني،برزت ظاهرة اقحام الذكريات في الخصومات المرتبطة بتباين المواقف اللاحقة سواء كانت سياسية أو غيرها، في إقصاء للحق في الاختيار وادراج للخاص في سياق الصراع العام، وانتهاك لإحترام الخصوصية، لعل الأمر قد يري البعض مره هو تجاوز الصراعات لقيم الاخلاق، لكن في العام قد يكون الأمر نابع عن التراجع في مفهوم الحوار والخلط بين المسافة الفاصلة بين العام والخاص كحالة تعبر عن البحث عن الانتصار على الآخر ولو بأدوات في غير موضوعها .
لم أجد تفسير للظاهرة لكن اجدني انحي منحي تأثير العنف المجتمعي والسياسي الممنهج باشكاله المختلفة والممارسة التي ظلت توجه ذلك نحو الخاص وفي الفضاء العام لاحداث حالة القهر والسيطرة على المجتمعات والأفراد، انعكاس ذلك التراكم في الحالات التي تم تسوير الفضاء العام والخاص فيها بإذن السلطات، مثل إذن إقامة حفل غناىي، إذن مظاهرة سلمية، وغيرها من تذاكر الاذونات جعل العنف ينفذ حتي للذكريات، ساهم في تسارع وتيرتها التراجع العام في الخطاب السياسي والمعرفي،واقحام قاموس الإساءة والتحقير في المنشور صوتا أو كتابة ، تستمر هذه الحالة بشكل متنامي في أحوال انتشار خطاب الكراهية وتبنيها بشكل واخر من قبل السلطات الرسمية الأمر الذي يفتح الاباحة في الاستخدام ويغيب الضوابط، وهنا تنعدم المسافة الفاصلة بين العام والخاص.
حرب أبريل ٢٠٢٣ في السودان امتد تأثيرها على النفس، والكرامة الإنسانية والمال باشكاله المختلفة المنقول وغيره، فهي انتجت حالة دمار شاملة بادوات مفرطة في العنف، ليمضي التأثير إلي انتهاكها لمحمول الذكريات في سياق الصراع السياسي كحالة تكشف عن مدي تأثير الحرب وعجز الأطراف المنخرطين في انتهاك الذكريات عن إنتاج فعل إيجابي لوقف الاقتتال .
تمضي الحرب في بلادنا التي تتوسع دائرتها بشكل مخيف يجبر على النظر على احتمالات عديدة منها تسرب الوطن منا جميعا، في ظل العجز العام لوقف الحرب اليس من الجدير أن نحمي الذكريات وما يشكل وجداننا من هذا المنعطف المقيت .
• بتذكرك، كلمات محمد نجيب محمد على، غناء احمد شاويش
badawi0050@gmail.com