واشنطن -(د ب أ) – تعمل الصين على تعزيز نفوذها في منطقة القطب الشمالي ذات الأهمية الجيوسياسية، وسط قلق أمريكي من طموحات بكين في تلك المنطقة. ويقول جوردون جي تشانج، وهو أستاذ جامعي وكاتب ومؤرخ أمريكي، اشتهر بكتابه “الانهيار القادم للصين” في تقرير نشره معهد “جيتستون” الأمريكي أن معهد البحوث القطبية الصيني ومقره شنغهاي كشف عن أن “الصين أكملت الاختبار والتقييم الميداني لجهاز الاستماع تحت الماء الذي سيتم نشره على نطاق واسع في المحيط المتجمد الشمالي”.

ويضيف تشانج وهو أحد الزملاء البارزين بمعهد جيتستون وعضو في مجلسه الاستشاري، والذي استند إلى تقرير لصحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست في هونج كونج هذا الشهر، أن التقرير يخبرنا بأن الصين تعتزم شن حرب ضد الولايات المتحدة وكندا من القطب الشمالي. وقامت الصين بتركيب “نظام عوامة المراقبة الصوتية السطحية تحت الجليدية القطبية” على الجليد العائم في القطب الشمالي في 9 آب/أغسطس .2021 وتم ربط المعلومات التي تم الحصول عليها بواسطة الجهاز بالأقمار الاصطناعية الصينية. وذكر معهد الأبحاث، وهو هيئة حكومية مركزية صينية تخطط وتنسق الأنشطة القطبية للصين، أنه يمكن استخدام الأجهزة “للاتصال تحت الجليدي والملاحة وتحديد المواقع والكشف عن الأهداف وإعادة بناء المعايير البيئية البحرية”. وأوضح أن هذه العوامة “يمكن استخدامها على نطاق واسع في بناء شبكة المراقبة البيئية للمحيط المتجمد الشمالي”. وقال المعهد إنه بخلاف هذه العوامة ، فإن الصين “لم تزرع أبدا جهاز تنصت هناك”. ويقول تشانج إن هذا التأكيد ليس صحيحا. ففي الخريف الماضي ، أزال الجيش الكندي، وفقا لصحيفة “جلوب آند ميل” الكندية في شباط/فبراير، عوامات وضعتها الصين في المياه الكندية في القطب الشمالي. ولا يعرف الكثير عن الأجهزة الصينية التي تمت إزالتها. وقال بيير لوبلانك، القائد السابق للقوات المسلحة الكندية في القطب الشمالي، لـ “صوت أمريكا” إن كندا لم تكشف عن موقع العوامات التي تمت إزالتها أو نوعها، ولكن من الواضح مع ذلك أن الجيش الصيني وضعها في الممر الشمالي الغربي لكندا أو بالقرب منه دون إذن. وقال تشارلز بيرتون من معهد ماكدونالد لورييه ومقره أوتاوا لمعهد جيتستون: “إن نية الصين للسيطرة على منطقة القطب الشمالي في أمريكا الشمالية لها أولوية متزايدة لنظام شي جين بينج. وبالمضي قدما من التأكيد غير المنطقي على أن الصين هي دولة قريبة من القطب الشمالي وترويج شي لطريق الحرير القطبي، تعد الصين الآن سرا الأساس لعسكرة الأراضي الشمالية غير المحمية إلى حد كبير والطرق البحرية الحرجة في القطب الشمالي”. وقال اللفتنانت جنرال المتقاعد مايكل داي لصحيفة جلوب آند ميل إن عوامات الصين كانت على الأرجح ترسم خرائط للظروف البيئية مثل قاع البحر وسمك الجليد. ويمكن للعوامات أيضا مراقبة حركة الجليد وتيارات المحيط ودرجة حرارة الماء والملوحة. ويرى تشانج أن كل هذه البيانات مطلوبة للاستماع إلى الغواصات، وتحديدا الغواصات الأمريكية. وتريد الصين تتبع وتدمير الغواصات الأمريكية من أعلى العالم قبل أن تتمكن من اجتياح المياه الآسيوية. والقطب الشمالي المتجمد هو موضوع ساخن هذه الأيام ، وتحاول الصين السيطرة عليه. وحاول معهد البحوث القطبية في الصين شراء مطار في لابلاند بفنلندا ، ولكن تحت ضغط الولايات المتحدة ، منعت الحكومة هناك عملية الشراء. وبالإضافة إلى ذلك ، حاولت شركة تعدين حكومية صينية شراء أرض قريبة من منشأة تديرها قيادة الدفاع الجوي الفضائي لأمريكا الشمالية ، وهي القيادة العسكرية المشتركة بين كندا والولايات المتحدة التي توفر الإنذار المبكر. كما تم إيقاف عملية الشراء هذه. وقال جيمس فانيل من مركز جنيف للسياسة الأمنية: “منذ ظهور الحرب الباردة ، كان القطب الشمالي مجالا لقوتين نوويتين ، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، الاتحاد الروسي حاليا. وأظهرت هاتان الدولتان فهما لتوازن القوى وراعتا هدنة غير مستقرة داخل مياه القطب الشمالي. ومنذ عام 2017 ، أوضحت جمهورية الصين الشعبية ، بقيادة شي جين بينج، أنها تطمع في الوصول إلى القطب الشمالي والاعتراف بمكانتها كقوة كبرى هناك”. ويشير فانيل إلى أن الصين أعلنت عن ثلاثة ممرات اقتصادية زرقاء، أحدها يشمل القطب الشمالي. وتعد هذه الممرات جزءا من مبادرة الحزام والطريق العالمية التي أطلقها شي. وعلى عكس موسكو وواشنطن، فإن بكين، بتحركاتها في القطب الشمالي، تقلب الاستقرار رأسا على عقب. وكما يشير فانيل، وهو أيضا ضابط سابق في البحرية الأمريكية شغل منصب مدير عمليات الاستخبارات والمعلومات في أسطول المحيط الهادئ الأمريكي، فإن “بكين تعتقد بغطرسة أنها تستحق مكانا في مجلس القطب الشمالي من أجل اتخاذ القرارات وتوسيع النفوذ الصيني والوصول إلى هذه المنطقة الحيوية على رأس الكوكب”. وأدى نهج “الانخراط” السخي للولايات المتحدة تجاه الصين إلى حصول الصين على وضع مراقب في مجلس القطب الشمالي على الرغم من عدم وجود أراض صينية في القطب الشمالي أو بالقرب منه. وهناك ثماني دول لها أراض داخل الدائرة القطبية الشمالية، وكلها أعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) باستثناء روسيا والسويد. وفي هذا العام، ستقترب السويد من الانضمام إلى هذا الحلف. علاوة على ذلك ، فإن الدول الخمس التي تطل على القطب الشمالي (كندا والدنمارك والنرويج وروسيا والولايات المتحدة) كلها أعضاء في الناتو بخلاف روسيا. وهذا يمنح أمريكا القدرة على تحديد النتائج في القطب الشمالي، خاصة إذا عارضت واشنطن مبادرات الصين، كما ينبغي لها بالطبع. وتمتلك الصين بالفعل محطتين بحثيتين دائمتين في القطب الشمالي ، واحدة في النرويج والأخرى في أيسلندا. وهذا كثير جدا. ويعرف الصينيون قيمة القطب الشمالي. ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى ذوبان الجليد هناك، مما يجعل الحفر والتعدين في المنطقة أكثر جدوى. علاوة على ذلك، يفتح ذوبان الجليد طرقا أقصر لسفن الحاويات والسفن الأخرى. ومع ذلك ، فإن القطب الشمالي بالنسبة للصين، هو في المقام الأول مجال عسكري. بالإضافة إلى العوامات التي يتركونها في القطب الشمالي، يراقب الصينيون المنطقة عن طريق الجو. وعبر “منطاد التجسس” الذي حلق فوق الولايات الـ 48 السفلى هذا العام في البداية إلى ألاسكا وغرب كندا. ويختم تشانج بالقول إن الصين لا تضغط فقط على الولايات المتحدة وكندا من الشمال. ففي الاتجاه الآخر، تقوم الصين بإنشاء قواعد عسكرية في أمريكا الجنوبية ومنطقة البحر الكاريبي وتعمل على تسلل المخربين عبر الحدود مع المكسيك. إن إدارة بايدن تسمح لدولة معادية بأن تعمل بكل قوة ضد أمريكا من جميع الجهات. إن الصين التي تمثل تهديدا الآن تتواجد في كل مكان في نصف الكرة الغربي.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی القطب الشمالی

إقرأ أيضاً:

تداعيات معارك ترامب.. الولايات المتحدة تواجه خطر فقدان نفوذها في القارة مع توسّع نفوذ الصين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق فيتنام وتايلاند وماليزيا تتجه إلى بكين للتعاون الاقتصادى والشراكات الأمنية.. وواشنطن تبدو أقل التزامًا بنظام إقليمى مستقرإصرار الرئيس الأمريكى على ربط الإنفاق الدفاعى بالاتفاقيات التجارية أفقد الثقة فى البيت الأبيض كشريك أمنى موثوق

فى عهد الرئيس دونالد ترامب، انحرفت السياسة الأمريكية تجاه آسيا إلى اتجاه غير متماسك وغير مُجدٍ، ما أدى إلى تفاقم التحديات التى تدفع المنطقة نحو الصين. هذا التحول، الذى اتسم بالرسوم الجمركية والعزلة الاقتصادية الذاتية والسياسة الخارجية غير المتوقعة، يهدد بتقويض الأمن والقيادة الاقتصادية للولايات المتحدة فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهى منطقة كانت دائمًا حجر الزاوية فى النفوذ الأمريكي.

لأكثر من سبعة عقود، اعتمدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على الولايات المتحدة كضامن أمنى وشريك اقتصادى رئيسي. ومع ذلك، فى السنوات الأخيرة، تعطلت هذه الديناميكية. فالصعود السريع للصين كقوة اقتصادية جعلها الشريك التجارى المهيمن للعديد من دول المنطقة، ما قلل من نفوذ الولايات المتحدة. لقد ساهم فرض ترامب تعريفات جمركية صارمة على الصين، وخطابه "أمريكا أولًا"، وانسحابه من اتفاقيات تجارية رئيسية مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، فى تسريع هذا التراجع الأمريكى. وبحلول نهاية عام ٢٠٢٤، حلت الصين محل الولايات المتحدة كشريك تجارى رئيسى لمعظم الدول الآسيوية، حيث نمت التجارة البينية إلى ما يقرب من ٦٠٪ من إجمالى التجارة فى آسيا.

فى حين أن سياسات ترامب التجارية تهدف إلى كبح هيمنة الصين وإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة، إلا أن هذه الجهود كانت غير متسقة وغير فعالة إلى حد كبير. كان الهدف من التعريفات الجمركية هو الإضرار بالصين، لكنها عطّلت أيضًا الأعمال التجارية فى جميع أنحاء آسيا، وخاصة فى دول مثل فيتنام وتايلاند وماليزيا، التى أصبحت وجهات مهمة لإعادة التصنيع إلى الوطن فى إطار مبادرة "الصين +١". وبينما تكافح هذه الدول للتكيف مع المشهد التجارى المتغير، يتجه الكثير منها إلى الصين للتعاون الاقتصادى والشراكات الأمنية، حيث تبدو الولايات المتحدة أقل التزامًا بنظام إقليمى مستقر.

السياسة الأمنية

فيما يتعلق بالتعاون العسكري، لا تزال السياسة الأمنية الأمريكية جزءًا أساسيًا من علاقتها مع حلفائها الآسيويين. تواصل الولايات المتحدة دعم اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين فى جهودها لمواجهة ما تسميه "التدخل الصيني"، لا سيما فى بحر الصين الجنوبى وعلى طول محيط تايوان. ومع ذلك، فإن دمج سياسات ترامب الاقتصادية مع التزاماته الأمنية خلق انطباعًا بعدم الاتساق.. على سبيل المثال، أرسلت مطالبات ترامب لليابان بزيادة نفقاتها الدفاعية، مع الضغط عليها فى الوقت نفسه بشأن التجارة، إشارات متضاربة. كما أدت التوترات مع كوريا الجنوبية بشأن تكلفة تمركز القوات الأمريكية وقضية الإنفاق الدفاعى إلى تصدعات فى العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.

علاوة على ذلك، فإن إصرار ترامب على ربط الإنفاق الدفاعى بالاتفاقيات التجارية، والذى تجلى مؤخرًا فى نهجه تجاه اليابان، قد قوّض الثقة فى الولايات المتحدة كشريك أمنى موثوق. مع تزايد الضغوط الصينية على القوى الإقليمية، يتضاءل ثقتها بالدعم الأمريكي، لا سيما فيما يتعلق بمخاوف وجودية مثل أمن تايوان. ويزيد عدم القدرة على التنبؤ بسياسة ترامب الخارجية من حالة عدم اليقين.

كما أدى نهج ترامب إلى تراجع كبير فى القوة الناعمة الأمريكية فى المنطقة. ويشير تفكيك وكالات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) وإذاعة صوت أمريكا، اللتين دأبتا على الترويج للقيم والثقافة الأمريكية، إلى تراجع فى القيادة العالمية. وقد ترك هذا الانسحاب فراغًا تسعى الصين جاهدةً لملئه، مستخدمةً مبادرة الحزام والطريق وغيرها من الجهود الدبلوماسية لكسب النفوذ فى آسيا وخارجها.

كان التأثير النفسى على الحلفاء عميقًا. فعلى سبيل المثال، أعرب وزير الدفاع السنغافورى عن أسفه لتحول الولايات المتحدة من "محرر" إلى "مُخرب كبير"، بينما أعرب رئيس الوزراء الأسترالى السابق مالكولم تورنبول عن مخاوفه من أن قيم الولايات المتحدة لم تعد تتوافق مع قيم أستراليا. تتزايد شيوع هذه المشاعر فى منطقة كانت تعتبر الولايات المتحدة شريكًا لا غنى عنه.

تنظيم الصفوف

ردًا على تحوّل دور الولايات المتحدة، تتجه العديد من الدول الآسيوية نحو الصين للتجارة والاستثمار، حتى أن بعضها يناقش اتفاقيات تجارية جديدة قد تستبعد الولايات المتحدة. ويُعدّ سعى الصين للانضمام إلى اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، وجهودها للتنسيق مع كوريا الجنوبية واليابان بشأن اتفاقية تجارية ثلاثية، من المؤشرات الرئيسية على هذه الديناميكية الإقليمية الجديدة. إن النفوذ الاقتصادى للصين، إلى جانب توسع نفوذها العسكري، يضعها فى موقع اللاعب الأهم فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مما يُبقى الولايات المتحدة مهمّشة بشكل متزايد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تزايد احتمالية التخلى عن الدولار الأمريكى فى التجارة الدولية يُقوّض الهيمنة المالية العالمية للولايات المتحدة بشكل أكبر. ومع سعى البلدان إلى إيجاد بدائل للدولار، وخاصة فى تعاملاتها مع الصين، فإن نفوذ الولايات المتحدة فى آسيا قد يتضاءل بشكل أكبر.

عواقب استراتيجية 

أحدثت سياسات ترامب مفارقة فى آسيا. ففى حين أن موقف إدارته المتشدد ضد الصين قد زاد من حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنه دفع أيضًا العديد من الدول الآسيوية إلى التقارب مع الصين اقتصاديًا ودبلوماسيًا. ومن خلال تقويض العلاقات التجارية والقوة الناعمة، ومطالبة حلفائها بالمزيد من الإنفاق الدفاعي، أضعف ترامب، دون قصد، مكانة الولايات المتحدة فى المنطقة. ومع استمرار الصين فى تعزيز نفوذها، تُخاطر الولايات المتحدة بالتهميش فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يتزايد عدم اليقين بشأن دورها كشريك اقتصادى وأمنى رائد.

لكى تستعيد الولايات المتحدة مكانتها فى آسيا، يجب عليها إعادة تقييم نهجها، والانتقال من التعريفات الجمركية والمواجهة إلى استراتيجية أكثر توازنًا تُعيد إشراك المنطقة من خلال التعاون الاقتصادي، والاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف، والالتزامات الأمنية الثابتة. إذا لم يحدث هذا التحول، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها فى دور متضائل، مع هيمنة الصين الراسخة على مستقبل آسيا.

*فورين بوليسى

مقالات مشابهة

  • تداعيات معارك ترامب.. الولايات المتحدة تواجه خطر فقدان نفوذها في القارة مع توسّع نفوذ الصين
  • الصين: الباب مفتوح لمحادثات تجارية مع الولايات المتحدة
  • ترامب يقرر خفض الرسوم الجمركية على الصين
  • ذوبان غير مسبوق.. جليد القطب الشمالي يسجل أصغر مساحة منذ 46 عاماً
  • درجات الحرارة العالية تقلص جليد القطب الشمالي لأصغر مساحة منذ 46 عامًا
  • (نيويورك تايمز): الصين تحذر الدول من التعاون مع الولايات المتحدة ضدها في التجارة
  • درجات الحرارة العالية تقلص جليد القطب الشمالي إلى أقل مساحة تاريخيًا
  • الصين تخفض وارداتها من أهم سلع الولايات المتحدة وتوقف استيراد الغاز المسال
  • الصين تحذّر الدول من إبرام صفقات تجارية مع الولايات المتحدة على حسابها
  • تقلص مساحة جليد القطب الشمالي لأصغر حجم منذ 46 عاما