يسأل كثير من المسلمين، أن الشهوات تغلب عليهم، ثم يبصرون فيستغفرون ويرجعون ويتركون، ثم فورًا ينسون ويعودون إلى الشهوات كما كان الحال، ردعها المسلم فلم ترتدع، وكرر عليها فلم تفعل، وكلما ذهب بها فرارًا إلى الله والى طريق الله خالفته وعصته، ورجعت به إلى طريق الشهوات حتى يكاد ييأس من نفسه، فكيف المخرج من ذلك؟ 

خطوات إذا ما فعلتها أعانتك على طريق الله

يقول الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) آياتٌ نتلوها وكثير منا يحفظها، وقفت عندها ورأيت فيها دستورًا في خطوات إذا ما فعلتها أعانتك على طريق الله، فقد أرسل الله لك رسولا ولم يجعله أبًا لأحد من الرجال، ليكون خالصًا في أبوته لأمته، يقول سيدنا ﷺ: (إنما أنا لَكُمْ مِثْلُ الوالِدِ للوَلَدِ؛ أُعَلّمُكُمْ)، وقال تعالى: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) فأي شرف أعظم من هذا.

.!

ويوضح الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: الخطوة الأولى: أن تجعل نفسك ابنًا للنبي ﷺ حيث إن الله سبحانه وتعالى قد خلاه من الولد، وماتوا جميعًا في حياته ، اعتز بنبيك اعتزازك بأبيك، بل أكثر من ذلك بكثير، بحيث لا تكون هناك مقارنة بين أبيك وبين النبي ﷺ، وقد تصاب العلاقة بينك وبين أبيك بشيء من الكدر أو الفتور، لكنها لا تصاب بينك وبين حبيب الله ﷺ؛ عش معه ؛ وبعد ما أنزلتَ رسول الله ﷺ منزلة المصاحب لك في كل وقت وحين، فإذ بك تستحي أن تفعل الذنب، وتستحي أن لا تكون عندك همة، وتستحي من أن لا تذكر الله أو أن تنقطع عن ذكره سبحانه وتعالى.

الخطوة الثانية: أن تذكر الله ذكراً كثيرا (لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ الله)

الخطوة الثالثة: أن ترى دائرة النور ودائرة الظلام، النور فيه طاقة وفيه بيان وفيه حلاوة يكشف عن الحقائق، والظلام فيه برودة ورائحته كريهة وأحواله ردية، والله جل جلاله يثني عليك لإتباعك لنبيك، ولإدراكك النور والظلمة، ولذكرك له كثيرا، فينقلك من الظلام إلى النور، ومن الضيق إلى السعة، ومن الاضطراب إلى الأمن والأمان والسلام في الدنيا أولاً، يعنى ستأخذ نصيبك هنا في الدنيا -لأن كثيرًا من الناس قد تعلقت قلوبهم بالدنيا، ولا يمكن أن نجذبهم إلى الله إلا منها- ، وله ملكوت السموات والأرض، ثم بعد ذلك يعطيك في الآخرة.

وتابع علي جمعة: ثم انظر في هذه الكلمات التي لا يمكن لبشر أن يكتبها، إنما هي من عند الله (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) فسيكون فيه إعداد؛ عندما تعد لضيفك الطعام فإنك تتجهز له، بخلاف الطارق الذي يأتي من غير إعداد فإنك تقدم له ما وجد كثر أو قل، لكن هنا فيه إعداد ، والكرم حب والحب عطاء ، فالله يعطيك من غير مقابل من غير حساب، والكرم مستمر، و(كريم) أي نفيس جيد غالٍ في مادته؛ فالأجر في مادته سيكون نفيسًا وفى شكله وفى مضمونه وفى أثره وفى تلذذك به.

وسدد: أيها المسلم، إذا أردت أن تُنقل من دوامة الشهوات إلى طريق الله فعليك باتخاذ النبي ﷺ والدًا لك ومصاحبًا في طريقك إلى الله؛ فإنه هو المبشر والنذير والشاهد والآخذ بيدك إليه سبحانه ، واذكر الله ذكرًا كثيرا، وانتقل من دائرة الظلمة إلى دائرة النور بصلاة الله وملائكته عليك.

وأكمل: ثم بعد ذلك استحضر نفاسة أجر الآخرة في مقابلة تفاهة الدنيا بما فيها ومن فيها، فإذا فهمت ذلك واستوعبته وغيرت مفهومك عن الحياة الدنيا وعن الآخرة، واستصحبت رسول الله ﷺ معك كل يوم، فسيعينك ذلك على نفسك في طريق ربك.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: طريق الله الشهوات علي جمعة هيئة كبار العلماء طریق الله

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: جوهر الإصلاح في تحويل العادات إلى عبادات

في خطبة جمعة سابقة، ألقى فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق خطبة بتاريخ 12-8-2005، تناول فيها أهمية خطبة الحاجة التي استهل بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلامه، مشيرًا إلى ما رواه عبد الله بن مسعود: "كان يعلمنا خطبة الحاجة كما يعلمنا القرآن"، دلالة على أهميتها ومكانتها في الإسلام.

الآية العظيمة: دعوة للاستمرار على ذكر الله

استشهد فضيلة الدكتور بالآية الكريمة من سورة آل عمران:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾.


وأوضح أن هذه الآية تعد من أعظم آيات القرآن من حيث العمل؛ إذ تدعو المسلم للبقاء على ذكر الله وطاعته حتى يأتيه الموت وهو على الإسلام. فالإنسان لا يعلم متى يموت، ولذا يجب أن يكون دائم الذكر والعبادة، دون غفلة أو نسيان.

وأشار فضيلته إلى أن الغفلة عن الله سبحانه وتعالى هي عائق بين العبد وربه، وأن هذا النقص البشري يدعو المسلم إلى الاستغفار والتضرع لله ليغفر له هذه الغفلة.

تحويل العادات إلى عبادات: جوهر الإصلاح

ناقش فضيلة الدكتور أهمية تحويل العادات اليومية إلى عبادات بنية صالحة خالصة لله تعالى، محذرًا من أن تحول العبادة إلى عادة هو أول طريق الفساد. فالصلاة، على سبيل المثال، إذا أداها المسلم دون خشوع أو تركيز، تتحول إلى عادة لا تؤدي وظيفتها التي أرادها الله لها، وهي النهي عن الفحشاء والمنكر كما جاء في قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

السلف الصالح: القدوة في الإخلاص والعبودية

أشاد جمعة بالسلف الصالح الذين استطاعوا تحويل العادات إلى عبادات من خلال تطبيق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". فكانوا يخلصون النية في جميع أفعالهم وأقوالهم، حتى في أبسط أمور حياتهم اليومية، فصاروا عبادًا ربانيين يستجيب الله لدعائهم.

استعدادًا لرمضان: دعوة للتقوى والإخلاص

اختتم الدكتور الخطبة بدعوة المسلمين لاستثمار شهر رجب الفرد كتهيئة روحية لشهر رمضان، وتحقيق معنى التقوى في قوله تعالى:
﴿ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾.
وحثهم على نقل أنفسهم من دائرة الغفلة إلى دائرة رضا الله، وتحويل عباداتهم إلى إخلاص كامل، وعاداتهم إلى عبادات تقربهم من الله سبحانه وتعالى.

 

إن خطبة الجمعة هذه تحمل دعوة واضحة لإحياء القلوب بالذكر، وتحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى، والسعي لأن تكون كل لحظة في حياة المسلم فرصة للتقرب إلى الله، استعدادًا لمواسم الخير والطاعة.

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: حسبنا الله ونعم الوكيل معناها الاكتفاء والاستغناء بالخالق
  • فعل نهانا عنه المولى وحذرنا منه النبي .. علي جمعة يوضحه
  • أعراض تحذيرية لفرط نشاط الغدة الدرقية.. حسام موافي يوضحها
  • علي جمعة: جوهر الإصلاح في تحويل العادات إلى عبادات
  • عبارات جمعة مباركة 2025
  • من لزم الصلاة على النبي في ثاني جمعة من رجب .. نال ما تمنى
  • فعالية ثقافية في مديرية السبعين بذكرى جمعة رجب
  • سهلة وبسيطة .. خطوات تفعيل بطاقة التموين برقم الموبايل
  • أذكار الصباح.. طريق الطمأنينة والبركة في يومك
  • وزارة التربية والتعليم والبحث العلمي تُحيي عيد جمعة رجب