قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن إسرائيل تواصل بغزة، وعلى نطاق غير مسبوق، تدميرا ممنهجا للمدن يمكن مقارنته بـ "الإرهاب الذي لا يرحم كما مارسه الدكتاتور السوري حافظ الأسد في مدينة حماة عام 1982″.

وقال الأستاذ الجامعي جان بيير فيليو -في مقالته بالصحيفة- إن دكتاتورية آل الأسد، في عهد الأب حافظ عام 1982 ثم تحت حكم ابنه بشار منذ عام 2000، تعامل السكان السوريين كجيش احتلال جاهز لارتكاب أسوأ الانتهاكات في حال وجود تهديد للوضع الملائم لسيطرتها، مذكرا بما دار في مدينة حماة عندما استولى بضع مئات من "المتمردين الإسلاميين" عليها.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4من حماة 1982.. إلى غزة 2023 مجازر تترى وأمة تنزف!list 2 of 4مجزرة حماة 1982.. يوم دمرت قوات الأسد مدينة بأكملها لمواجهة مجموعة مسلحةlist 3 of 4مجزرة حماة.. مذكرة توقيف دولية بحق رفعت الأسد في سويسراlist 4 of 4سلام من الشام لغزةend of list

فقد حاصرت قوات النخبة التابعة للنظام السوري المدينة التي يسكنها حوالي 250 ألف نسمة واستعادتها خلال ثلاثة أسابيع، بعد أن دمرت أحياء بأكملها بالقصف قبل أن يتم تجريفها بالجرافات، وبذلك تم تدمير ثلثها، في حين لا يزال الشك يحوم حول حصيلة ضحايا تلك المجزرة، مع تقديرات تتراوح بين 10 و25 ألف قتيل، غالبيتهم مدنيون.

من حماة إلى غزة

وبهذا المعنى -كما يقول جان بيير فيليو- يمكن بشكل مشروع عقد مقارنة بين الإرهاب الذي أطلقه نظام الأسد ضد حماة المتمردة في عام 1982، والإرهاب الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في غزة.

ففي كلتا الحالتين، يتعلق الأمر باستعادة شكل من أشكال "الردع" ضد التهديد الإسلامي الذي يُنظر إليه على أنه تهديد وجودي.

وفي كلتا الحالتين، يتم تدمير المدينة بشكل منهجي باعتبارها مركزا لمثل هذا التهديد، ويدفع السكان المدنيون ثمنا باهظا لهذه "الأعمال الانتقامية" التي تشبه العقاب الجماعي.

ومع ذلك فإن الاختلافات بين حماميْ الدم واضحة، إذ لم يتم الكشف عن عمليات القتل في حماة للعالم الخارجي إلا بعد فترة طويلة من الهجوم الذي شنه نظام الأسد دون بث أي صور، أما معاناة غزة فتحدث -بالتأكيد خلف أبواب مغلقة- ولكنها تعاش منذ خمسة أشهر ونصف، مع طوفان من الصور الساحقة التي لا جدال بشأنها على الشبكات الاجتماعية.

من ناحية أخرى، سحق حافظ الأسد المدينة المتمردة بقواته، مع الحرص على عدم إشراك حليفه السوفييتي المخلص، في حين يستمر الهجوم الإسرائيلي على غزة بفضل الدعم العسكري الأميركي المتواصل، علما أن الاتحاد السوفياتي لم يكن ليجرؤ أبدا على وصف دعمه للأسد بأنه "إنساني"، في حين أن واشنطن لا تقدم المساعدة "الإنسانية" بحرا وجوا للقطاع الذي يعذبه الجوع إلا من أجل الحفاظ على حرية الجيش الإسرائيلي في مواصلة عملياته البرية.

العقد المظلم

أحدث استشهاد حماة ما تمناه حافظ الأسد من صدمة دائمة للشعب السوري كما يقول الكاتب- وعندما وقع جزء من مدينتي حمص وحلب في أيدي الانتفاضة المسلحة بعد 2011 في عهد بشار الأسد، لم يتم كسر المقاومة في حلب، رغم القصف العشوائي الذي لا تزال آثاره مثل الجروح الغائرة التي ترمز للانتقام الدكتاتوري، إلا بفضل تعزيزات القوات الجوية الروسية في ساحة من الأنقاض.

تدمير أكثر من نصف غزة كما دمرت حلب أمام أعين العالم أجمع هو تماثل بين مساعي الدكتاتور السوري والمحتل الإسرائيلي لإخضاع السكان المحرومين من كل أنواع الحماية المادية والرمزية بأشد أنواع القسوة.

وأشار جان بيير فيليو إلى أن مثل هذا التدمير المنهجي لمراكز الحضارة لا يمكن ارتكابه إلا باسم "الحرب على الإرهاب" التي يفترض أنها تبرر جميع الانتهاكات، ولذلك كان بشار الأسد راضيا عن نفسه بفعل "الحرب على الإرهاب" التي تلغي أي تمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية.

أما بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد ظل يكرر لأكثر من 40 عاما ضرورات "الحرب على الإرهاب" التي بحكم تعريفها لا تغتفر، وقد سمح له مثل هذا الخطاب هو الآخر بتوسيع نطاق دعمه إلى ما هو أبعد من قاعدته التقليدية.

وهكذا تم تدمير أكثر من نصف غزة، وهي أكثر المدن الفلسطينية اكتظاظا بالسكان ومدينة مليئة بالتاريخ والذاكرة، أمام أعين العالم أجمع، في تماثل بين مساعي الدكتاتور السوري والمحتل الإسرائيلي لإخضاع السكان المحرومين من كل أنواع الحماية المادية والرمزية بأشد أنواع القسوة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات ترجمات

إقرأ أيضاً:

ما وراء تدمير العدوّ الإسرائيلي لمراكز البحوث العلمية وتصفية العلماء في سوريا؟

يمانيون../
لم يكتفِ الاحتلالُ الإسرائيلي باستهدافِ المواقع العسكرية في سوريا، وتدمير القدرات العسكرية السورية الاستراتيجية، من مطارات وقواعد عسكرية، وُصُـولًا إلى الأسطول البحري، وانتهاء بمقرات ومستودعات الأسلحة، بل اتجه إلى تدمير مراكز البحوث العلمية والعسكرية.

وَتمثل هذه المراكز العماد الأَسَاسي للدولة السورية التي انهارت كُـلّ أركانها، وتحاول “إسرائيل” من خلال تدمير البنية التحتية لسوريا، واحتلالها تكريس واقع جديد على الأرض يعيد رسم خريطة البلاد.

وعن أسباب تدمير الاحتلال الإسرائيلي لهذه المراكز، تُشير المعلومات إلى أنّ “إسرائيل” تعتقد أن هذه المراكز تُستخدم لِتطوير أسلحة متقدمة قد تُهدّد أمنها القومي، وأنّ الهدف هو منع نقل هذه التكنولوجيا إلى جهات معادية مثل حزب الله في لبنان أَو فصائل مُسلحةٍ أُخرى، وكذلك منع تطوير القدرات العسكرية، التي تُشكّل تهديدًا لِأمنها، وَأنّ الهجمات تهدف لِإعاقة هذا التطور.

استراتيجية أمريكية- إسرائيلية:

وبالإضافة إلى ذلك يرى بعض المحللين أن تدمير المراكز البحثية، جزءٌ من استراتيجية أمريكية- إسرائيلية، متمثلة في الحفاظ على تفوقهما العسكري النوعيّ في المنطقة، مشيرين إلى أن مراكز البحوث العلمية، التي تم تدميرها، ووفق تقرير نشره مركز “ألما” للبحوث الإسرائيلي العام الماضي، والذي كشف عن مخاوف إسرائيلية من استخدام إيران مراكز البحوث في سوريا لصناعة الأسلحة الكيماوية، واستخدامها في مواجهة مقبلة مع “إسرائيل”، حَيثُ كانت توفر الوقت وتختصر الخدمات اللوجستية اللازمة لنقل السلاح من إيران إلى سوريا وحزب الله اللبناني.

ولهذا فَــإنَّ العدوان الإسرائيلي المُستمرّ على مراكز البحوث العلمية في سوريا، والتي تم تدميرها خلال الأيّام الماضية، وبحسب وسائل إعلامية إسرائيلية، جاء “بعد أن أصبحت تلك المراكز مواقع أَسَاسية لتطوير وتجميع الأسلحة التي تخدم مشروع إيران في المنطقة، وفي إطار منع إيران من نقل وتطوير الأسلحة إلى حزب الله”.

ومن تلك المراكز العلمية العسكرية التي تم استهدافها وتدميرها من قبل طيران الاحتلال الإسرائيلي، مركز البحوث العلمية الخَاصَّة بالجانب العسكري في منطقة “جمرايا” والذي يقع خلف جبل قاسيون الشهير على مسافة نحو عشرة كيلومترات شمالي غربي العاصمة السورية دمشق، وقد تأسس هذا المركز في الثمانينيات من القرن الفائت، بدعم من الاتّحاد السوفياتي الذي قدم الكثير من المساعدات العسكرية للنظام السوري في تلك المدة، ويتميز بموقع مجاور لمقرات عسكرية بارزة كتلك التابعة للفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وَأَيْـضًا مركز “برزة” على أطراف دمشق الشمالية الشرقية، وهو تأسس في السبعينيات بالشراكة بين السلطات السورية ووكالة الأبحاث الحكومية الفرنسية، وكان مختصًّا بتطوير الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ومعامل الدفاع في منطقة السفيرة جنوب شرقي حلب بنحو 20 كم والتي كانت تضم مركزًا لتطوير الأسلحة، ومركز البحوث العلمية في مصياف.

عدوان متكرّر:

وبحسب التقارير فَــإنَّ العدوان على مراكز البحوث العلمية لم يكن جديدًا، فقد سبق للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا و”إسرائيل”، أن استهدفت مراكز بحوث علمية وقواعد عسكرية مرتبطة ببرنامج السلاح الكيميائي السوري في دمشق، حَيثُ تعرض مركز الدراسات والبحوث العلمية في “برزة” يوم 14 أبريل/ 2018 لضربات جوية شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، في إطار رد هذه الدول على الهجوم الكيميائي الذي اتهمت نظام الأسد بارتكابه يوم 7 أبريل/ من العام نفسه.

وكذلك استهدف الطيران الإسرائيلي مركز “جمرايا” التابع لوزارة الدفاع السورية، مرات عدة منذ عام 2013، وكان الاستهداف الأول في أبريل/ 2013 وفي فبراير/ 2018، وفي 2024م.

وفي سبتمبر/ 2017 تعرض مركز الدراسات والبحوث العلمية في “مصياف”، الذي يقع في بلدة مصياف بريف حماة الغربي، أنشئ في السبعينيات، وأشرف عليه خبراء من كوريا الشمالية، ليتبع منذ عام 2010 لـ”البحوث العلمية” التابعة بدورها لوزارة الدفاع، للاستهداف بغارة إسرائيلية، مما أَدَّى إلى وقوع خسائر مادية ومقتل عنصرين.

وفي منتصف مارس من العام 2023، تحدث وزير الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس قائلًا: “إن إيران تستخدم منشآت مركز البحوث في مصياف لإنتاج صواريخ وأسلحة متطورة”، وأظهر في مؤتمر صحافي خريطة لمنشآت عسكرية لتصنيع الذخيرة المتطورة، وجاء حديثه على هامش الاستهداف قبل الأخير “لموقع تحت الأرض في مركز البحوث العلمية في مصياف تُصنع فيه صواريخ دقيقة تشكل تهديدًا لإسرائيل والمنطقة” وفق تعبيره.

سيناريو المرحلة:

وبشأن العلماء السوريين، في المرحلة القادمة، فَــإنَّ هناك سيناريو أمريكيًّا إسرائيليًّا، لتصفيتهم، حَيثُ رصدت وسائل إعلام سورية، دخول فرق من المخابرات الإسرائيلية الموساد، وفرق من المخابرات الأمريكية إلى دمشق والمحافظات السورية الأُخرى مع عناصر من الجماعات المسلحة، لتنفيذ اغتيالات لعلماء والباحثين والمفكّرين وأساتذة جامعين وخبراء وطيارين وقيادات عسكرية بارزة.

وتأكيدًا على ذلك عثر مواطنون على عالم الكيمياء العضوية السوري البارز، “الدكتور حمدي إسماعيل ندى”، مقتولًا في منزله بمدينة دمشق، في بداية تظهر أننا أمام مرحلة اغتيالات كبيرة تديرها أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية.

واعتبر محللون سياسيون أن استهداف الموساد للعلماء السوريين والعرب يهدف إلى عدم تمكين بلدانهم من الحصول على القنبلة النووية أَو تجاوز القدرات التكنولوجية لـ “إسرائيل” وأمريكا، مؤكّـدين أن الإسرائيليين يعتبرون أدوات تطوير المسلمين للتكنولوجيا خطرًا عليهم، ولا يريدون أي اختراق في هذا المجال يكسر تفوقهم؛ لذلك يستهدفون العلماء المصريين والعراقيين والإيرانيين والباكستانيين والسوريين.

وأكّـدوا أن سياسة اغتيال العلماء والأكاديميين، بالإضافة إلى تدمير المنشآت العلمية والبحثية، سمحا لـ “إسرائيل” باجتثاث البرنامج النووي العراقي في السبعينيات والثمانينيات، وَأَيْـضًا مشروع المدفع العملاق، على سبيل المثال.

ووفق السياسيين فَــإنَّ “الموساد يقوم باغتيال العلماء المسلمين؛ مِن أجلِ ترهيب العقول والدول وردعهم عن مواصلة بحوثهم وتطوير برامجهم العلمية”، مشيرين إلى أن “الإسرائيليين لا يستهدفون فقط علماء الذرة المسلمين، بل كُـلّ الكفاءات المسلمة التي يمكن أن تؤدي إلى تطوير بلدانها في أي مجال من المجالات العلمية والفكرية”.

مسلسل الاغتيالات في سوريا:

وفي وقت سابق شهدت سوريا مسلسل اغتيالات طال العديد من العُلماء والباحثين والمُخترعين، حَيثُ تم في عام 2011 اغتيال المخترع الشاب عيسى عبود في حمص، كما اغتيل كُـلٌّ من الدكتور حسن عيد رئيس قسم جراحة الصدر في المشفى الوطني بحمص والمهندس أوس عبد الكريم خليل الخبير في الهندسة النووية والقائم بالأعمال في جامعة البعث وكذلك الدكتور محمد علي عقيل نائب عميد كلية هندسة العمارة ووكيلها العلمي، كما تم اغتيال مجموعة من الطيّارين السوريين المُدرّبين على أحدث الطائرات في ريف حمص الشرقي، واستهدفت سيارة تقلّ مجموعة من الباحثين في مركز البحث العلمي في منطقة التل، بريف دمشق، واغتيل اللواء عبد الله الخالدي واللواء نبيل زغيب المسؤول عن تطوير برنامج الصواريخ السورية، كما شهدت حلب اغتيال الدكتور سمير رقية المتخصّص في هندسة الطيران بعد اغتياله من قِبَل مسلحي جبهة النصرة، واغتيل الدكتور محمّد عمر أُستاذ التاريخ في جامعة ايبلا الخَاصَّة، وكذلك تم اغتيال الدكتور عزيز إسبر رئيس مركز البحوث العلمية في مركز مصياف، حَيثُ ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي وراء اغتيال رئيس مركز البحوث العلمية وهو أحد أهم علماء الصواريخ في سوريا.

هذا يعني بما لا يقبل الشك أن الكيان الإسرائيلي هو مَن يقف وراء كُـلّ تلك الاغتيالات التي جرت في سوريا وفي بعض أجزاء الوطن العربي والعالم، فالكيان الإسرائيلي يعيش حالَ رعب حقيقية من تلك العقول التي يعني بقاؤها زوالَ الكيان المحتلّ، ولذلك فَــإنَّ الكيان الإسرائيلي يسعى إلى القضاء على هذه العقول والأدمغة التي كانت سببًا في انتصار حزب الله في عام 2006 في عدوان تموز، إضافة إلى سعي الأعداء إلى إفشال أي تقدّم علمي يؤدّي إلى امتلاك دول محور المقاومة للخبرات العلمية، انطلاقًا من حرص الاحتلال على توطيد تقدّمه العسكري ومنع دول محور المقاومة من التطوّر العسكري.

العلماء العراقيون أنموذجًا:

ولمنع الدول العربية من امتلاك أسباب قوّتها وتطوّرها، فقد تعرض العديد من العلماء المسلمين في دول عربية مختلفة منها العراق لعمليات اغتيال بأشكال مختلفة، حَيثُ وجهت أصابع الاتّهام في هذه الاغتيالات للموساد الإسرائيلي في أغلب الحالات.

وبعد وقت وجيز من احتلال العراق بدأ العلماء العراقيون يتعرضون لحملة تصفية بدنية شاملة، وتقول تقارير بأنها أسفرت بين عامَي 2003 – 2008 عن اغتيال 350 من علماء الذرة العراقيين و200 من الأكاديميين، وهجرة أعداد كبيرة أُخرى. وتشير أصابع الاتّهام إلى الموساد وبتواطؤ من واشنطن المسؤولة بشكل مباشر عما حدث في هذا البلد.

وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت إبان احتلال العراق: “ماذا نستطيع أن نفعل مع العراق غير تدمير عقوله التي لا تستطيع القنابل أن تدمّـرها؟”، حَيثُ قامت الإدارة الأمريكية إثر احتلالها للعراق عام 2003 بتهجير العقول والأدمغة العراقية وقتل مَن تبقّى منهم داخل العراق من خلال أذرعها التي كانت منتشرة داخل القُطر العراقي الشقيق.

أَمَّا الدورُ “الإسرائيلي” في عمليات اغتيال وملاحقة العلماء العراقيين فقد كشف عنه في عام 2003 جنرال فرنسي متقاعد لقناة تلفزيونية فرنسية، حَيثُ ذكر أن “الإسرائيليين” أرسلوا فرقة اغتيال خَاصَّة إلى العراق للتخلص من 500 عالم، وأن أسماء هؤلاء العلماء كانت مدرجة في قائمة لمفتشي الأسلحة الأمميين؛ بغرض إجراء مقابلات معهم، وأن أفراد الكوماندوز “الإسرائيلي” كانوا يعملون تحت غطاء مشاة البحرية الأمريكية.

محطات رئيسية:

وبالنظر إلى سلسلة العلماء المسلمين الذين تم اغتيالهم في فترات مختلفة، يمكننا القول: إن عمليات “الموساد” ضد العلماء العرب والمسلمين مرت بعدة محطات رئيسية منذ تأسيسه في عام 1949:

– المحطة الأولى في خمسينيات القرن الماضي؛ حَيثُ استهدف “الموساد” علماء مصريين في عهد حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (1954-1970). فمنذ الإعلان عن قيام دولة “إسرائيل” في 1948، صب الجهاز تركيزه على مصر، خَاصَّة مع اهتمام القاهرة ببناء مفاعل نووي منذ 1963.

ومن بين ضحايا “الموساد” في تلك الفترة عالم الذرة المصري، سمير نجيب، الذي تم “اغتياله” في الولايات المتحدة عام 1967 بعد قراره العودة إلى بلاده بعد “نكسة” يونيو من العام نفسه؛ حَيثُ احتلت “إسرائيل” شبه جزيرة سيناء. وفي العام نفسه، أُلغي مشروع بناء أول محطة نووية مصرية، الذي فازت بصفقته شركة أمريكية.

– المحطة الثانية في منتصف السبعينيات وبداية الثمانينيات؛ حَيثُ استهدف “الموساد” تدمير المشروع النووي العراقي، الذي استقطب خبرات دولية، من بينها عالم الذرة المصري يحيى المَشَد.

ولم يكتفِ جهاز المخابرات الإسرائيلي بتدمير معدات المفاعل النووي قبل شحنها من فرنسا، بل قام بتدميرِ مقره بالعراق في قصف جوي، واغتيال المَشَد، بحسب تقارير إعلامية.

– المحطة الثالثة في التسعينيات، وفيها ركّز الموساد الإسرائيلي على “اغتيال” علماء مسلمين في قطاعات أُخرى غير العلمية، مثل المؤرخين المصريين الذين سلَّطوا الضوءَ على “الصهيونية”، على غرار جمال حمدان، الذي “مات” حرقًا في 1993، بحسب الرواية الرسمية، أَو بضربة من أدَاة حادَّة على رأسه، بحسب شهادة أهله.

– المحطة الرابعة بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق في 2003؛ إذ استهدف “الموساد”، مرة ثانية، العلماء العراقيين، خَاصَّة المختصين في المجال النووي؛ حَيثُ قُتل منذ ذلك الوقت إلى الآن 5 آلاف و500 كفاءة علمية، من بينها 350 عالمًا نوويًّا، في ظل الفوضى التي شهدتها البلاد بعد الغزو الأمريكي، بحسب تقارير إعلامية.

– المحطة الخامسة، اغتيال علماء نوويين مسلمين “معنويًّا”، وشكل احتلال الولايات المتحدة للعراق في 2003، بدعوى امتلاكه أسلحة نووية، وبدون إذن أممي، صدمة لدى الدول الإسلامية التي تمتلك برامج نووية، فتم التركيز هذه المرة على “إسلام أباد”، من خلال حملة تشويه عالمية لأب القنبلة النووية الباكستانية عبد القدير خان.

وتم تسريب معلومات استخباراتية إلى وسائل إعلام غربية تكشف تفاصيل مساعدة العالم الباكستاني لإيران وليبيا، في تطوير برنامجيهما النوويين، ومورست ضغوطات شديدة على تلك الدول، كان من نتائجها تفكيك الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي لبرنامج بلاده النووي في 2003، حتى لا يلقى مصير صدام حسين، كما دعا (القذافي) سوريا إلى تفكيك برنامجها هي الأُخرى.

– المحطة السادسة في الفترة ما بين 2007 إلى 2012، وتم خلالها التركيز على استهداف العلماء النوويين الإيرانيين؛ حَيثُ اغتيلت 5 كفاءات نووية في 2007، وتلتها عدة عمليات أُخرى، إما عن طريق تفجيرات أَو قنابل مغناطيسية لاصقة يحملها درَّاجون ملثمون يضعونها في سيارات العلماء أثناء سيرها لتفجيرها في الطريق. ما سبق دفع السلطات الإيرانية إلى تشديد الحراسة على علمائها، خَاصَّة النوويين منهم، وإلقاء القبض على عدد ممن عملاء “للموساد” وتنفيذ أحكام بالإعدام في حقهم.

– المحطة السابعة، يتم استهداف العلماء النوويين السوريين، بدايةَ عام 2011م؛ استغلالًا للأوضاع الداخلية المضطربة في البلاد؛ حَيثُ تم اغتيالُ 4 علماء ذرة في 10 أُكتوبر 2014، بإطلاقِ النارِ عليهم في سيارتهم.

واتهم النظامُ السوري “جبهةَ النصرة” باغتيالهم، لكن متابعين للوضع في سوريا وجَّهوا أصابع الاتّهام إلى الموساد الإسرائيلي، مشيرين في ذلك إلى قيام “إسرائيل” بقصف مركز للبحوث العلمية (يمثل مركز البرنامج النووي السوري) في منطقة حمرايا بريف دمشق في 5 مايو 2013، وتمت إعادة قصف المركز نفسه بعد شهر من ذلك.

وتشكّل عمليةُ استهداف المهندس التونسي محمد الزواري إحدى هذه المحطات التي تحاول من خلالها “إسرائيل” عرقلةَ محاولة كتائب القسام تطوير قدراتها العسكرية، خَاصَّةً أن الحربَ السابقة على غزة في صيف 2014 أظهرت استعمالَ كتائب القسام، للمرة الأولى في تاريخها، طائرات بدون طيار من تصنيعها، في مهمة أمنية فوق أجواء “إسرائيل”، في 14 يوليوز 2014.

المسيرة عباس القاعدي

مقالات مشابهة

  • نتنياهو يوعز للجيش الإسرائيلي بالبقاء في جبل الشيخ السوري حتى نهاية 2025
  • ما وراء تدمير العدوّ الإسرائيلي لمراكز البحوث العلمية وتصفية العلماء في سوريا؟
  • نتنياهو يزور جبل الشيخ في سوريا الذي احتله الجيش الإسرائيلي بعد سقوط الأسد
  • الجامعة العربية تدين العدوان الإسرائيلي المتواصل على أراضي الجولان السوري المحتل
  • ننشر رسالة بشار الأسد إلى الشعب السوري “لم اتخلى عنكم”
  • بشار الأسد في بيان عاجل: غادرت إلى روسيا بعد انهيار الجيش السوري
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • سمير فرج: تدمير الجيش السوري واحتلال جبل الشيخ أهم مكتسب لإسرائيل في 50 عامًا
  • سمير فرج: تدمير الجيش السوري أهم مكتسب لإسرائيل منذ 50 عاما
  • سمير فرج: تدمير الجيش السوري واحتلال جبل الشيخ أهم مكتسب لإسرائيل