آخر تحديث: 25 مارس 2024 - 10:33 صبقلم:فاروق يوسف من حق الفلسطينيين أن يفكروا في قضيتهم بالطريقة التي لا يتسرب منها ما بقي من أحلامهم في استعادة وطنهم المغتصَب. من حقهم أيضا أن لا يعترفوا بالواقع الذي تم فرضه بالقوة وليس فيه شيء من العدل. كما أن من حقهم أن ينظروا إلى مستقبلهم بعيدا عما صاروا يعتبرونه أخطاء ارتكبها في الماضي سياسيوهم ولم تنتج عنها إلا اتفاقيات لم تلزم إسرائيل بشيء ولم تضعهم على الطريق التي تقودهم إلى دولتهم التي وعد بها ياسر عرفات.
ولكن بالقوة نفسها ليس من حقهم أن يفرضوا طريقة تفكيرهم على أحد لم يشركوه في أفكارهم ولم يعرضوا عليه مخاوفهم بروح أخوية إيجابية. لقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انكفاء فلسطينيا على الذات إلى الدرجة التي صار الفلسطيني فيها يشعر بأنه غير ملزم بتقديم شيء ما يعزز من خلاله ثقة الآخر به. لقد جرى تعميم نظرة فوقية متعالية على أسلوب التعامل مع أطراف عربية بعينها وهي الأطراف التي لم تتأخر عن إسناد ودعم الفلسطينيين ماديا ومعنويا. خرج علينا مَن يقول “إن على العرب أن يدفعوا من غير أن يملكوا الحق في السؤال عما يفعله الفلسطينيون”. لا أعتقد أن علاقة غير متوازنة من ذلك النوع يمكن أن تستمر طويلا. صحيح أن سلطة القرار الفلسطيني قد تشظت وصار الفلسطينيون حائرين بين أن يتبعوا حلمهم في بناء دولتهم بناء على ما يُسمى بحل الدولتين أو يقفوا على حافة الواقع الذي ضمته سلطة رام الله إلى مقتنياتها الورقية أو يضعوا كل أوراقهم في ملف تنظيم ديني مسلح لم يخف ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين وانتسابه إلى المشروع الإيراني في المنطقة. ولا يمثل أي واحد من تلك الخيارات حجرا ثابتا للانطلاق بالقضية في اتجاه هدفها. فالقضية قد سقطت من حقائب المتفائلين باعتبارها ملفا يمكن العودة إليه إذا ما تعلق الأمر بالمآسي اليومية التي يعاني منها شعب تقطعت به السبل. فهو لاجئ في لجوئه وغائب في غيابه. بمعنى أنه لاجئ حتى لو كان على أرض وطنه، فأهل غزة معظمهم لاجئون، وهو غائب عن قضيته حين يكون مغيبا تحت حجر العقيدة التي يتداخل فيها الخداع بفنون اللعب على حبال الوقت. هناك مَن يأمل أن تُدخل حرب غزة القضية الفلسطينية في مسار جديد. في ذلك المسار يتخلص الفلسطينيون مما يسمونه بـ“الوصاية العربية”. ذلك مصطلح يعبر عن عقدة وعقيدة في الوقت نفسه. وإذا ما عدنا إلى الواقع فإن الأنظمة السياسية العربية التي تدخلت في النضال الوطني الفلسطيني بطريقة سلبية ذهبت إلى المتحف وصار كل ما يتعلق بها شيئا من الماضي. لقد قتل الفلسطينيون بعضهم البعض الآخر تحت إشراف عربي. ولكنها عقدة ينبغي التعلم منها وتجريدها من عناصر قوتها بعد أن وصلت إلى ابتذالها. أما العقيدة التي كانت عربية خالصة فإنها لم تعد موجودة. وإن كانت موجودة فإن هناك مَن يفكرون في فلسطين عربية التي نادى بها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على منصة إعدامه وهم قلة من البشر الذين لا يملكون مكانا على الخريطة السياسية. مثلما يفكر الإسرائيليون يفكر الفلسطينيون في اليوم التالي لوقف إطلاق النار في غزة. كما لو أن القيامة ستبدأ في تلك اللحظة. وهي كذبة سعى الإعلام المقاوم مستندا إلى رؤية إسرائيلية إلى تمريرها. ستكون فلسطين أخرى بعد غزة. أسوأ ما صار يفعله الفلسطينيون أنهم يصدقون أنهم يصنعون واقعا بديلا عن ذلك الواقع الذي فُرض عليهم وهم في الحقيقة لا يعملون سوى على زيادة نسبة المخدر بما يُطيل غيبوبة المريض. فيما تقيم قيادة حماس في قطر وتراقب ما يحدث في غزة من خلال قناة الجزيرة صارت صور الأبطال الذين يديرون الحرب من داخل غزة تتقدم صور المليون مشرد ولا صور لأكثر من ثلاثين ألفا من القتلى، أما المعاقون والجرحى فلا صور لهم. ومَن يتذكر القتلى والجرحى والمعاقين في الحروب؟ “ما بعد غزة” صار شعارا وهو شعار مضلل. ذلك لأن هذه الحرب عزلت غزة عن القضية الفلسطينية ودفعت بإيران إلى موقع لم يكن لها لولا أن حركة حماس مدفوعة بمنطلقاتها العقائدية قد قررت أن تقطع صلة العرب بالقضية الفلسطينية وهو مطلب إسرائيلي. لكن على الفلسطينيين الذين مازالوا يصطفون وراء حماس التفكير في الطريقة التي تخدم قضيتهم التي إذا غادرت حاضنتها العربية ستضيع.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
الرؤية "الترامبية" لتهجير الفلسطينيين تصطدم بالموقف العربي الموحّد: لا تصفية للقضية الفلسطينية
◄ تصريحات الرئيس الأمريكي تكشف أطماعه الاستثمارية في غزة
◄ القمم العربية والإسلامية: نرفض التهجير وسنتصدى له جميعا
◄ وزير الخارجية الأردني: موقفنا من تهجير الفلسطينيين ثابت لن يتغير
◄ مصدر مصري: القاهرة متمسكة بموقفها بعدم تهجير الفلسطينيين
◄ المفوضية الأممية: الحديث حول التطهير العرقي أمر غير قانوني وغير أخلاقي
◄ "حماس": أهل غزة تحملوا الموت ولن يتركوا الوطن لأي سبب
◄ "الجهاد الإسلامي": المخططات الأمريكية تشجيع لمواصلة الجرائم بحق الفلسطينيين
◄ "الجبهة الشعبية": الفلسطينيون لن يقبلوا تمرير هذا المخطط
الرؤية- غرفة الأخبار
أثارت دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مصر والأردن لاستقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، جدلا واسعاً على المستوى الشعبي والرسمي في الأوساط العربية، لتصطدم هذه الرؤية بالموقف العربي والإسلامي الموحّد حول رفض التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.
ولقد أكدت القمم الإسلامية والعربية والخليجية رفض تهجير المواطنين الفلسطينيين داخل أرضهم أو خارجها، باعتبارها جريمة حرب وخرق فاضح للقانون الدولي، مؤكدة: "سنتصدى له مجتمعين".
وقال الرئيس الأمريكي في حديث للصحفيين على متن طائرته، إنه "يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة". وعندما سُئل عما إذا كان هذا اقتراحاً مؤقتاً أو طويل الأجل بشأن غزة، قال ترامب "يمكن أن يكون هذا أو ذاك".
ولقد وصف ترامب غزة بأنها "مكان مدمر"، لافتاً إلى أنه ناقش مع ملك الأردن عبد الله الثاني المسألة ومن المقرر أن يبحثها أيضًا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وتابع قائلا: "نتحدث عن 1.5 مليون شخص لتطهير المنطقة برمتها، وكما تعلمون على مر القرون، شهدت هذه المنطقة نزاعات عديدة.. لا أعرف ولكن يجب أن يحدث أمر ما". وأضاف: "لذا، أفضّل التواصل مع عدد من البلدان العربية وبناء مساكن في مكان مختلف حيث قد يكون بإمكانهم العيش بسلام".
هذه التصريحات ليست جديدة على الرئيس الأمريكي، فقد تعهدت إدارته بتقديم "دعم ثابت" لإسرائيل من دون عرض تفاصيل سياستها في الشرق الأوسط، كما أنه أمر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) بالإفراج عن شحنة قنابل زنة ألفي رطل لصالح إسرائيل سبق أن جمدها الرئيس السابق جو بايدن.
وتكشف تصريحات ترامب أطماعه في هذا القطاع الصغير المدمّر، إذ قال أثناء حملته الانتخابية، إن "غزة قادرة على أن تكون أفضل من موناكو لو بُنيت بالطريقة الصحيحة".
كما اقترح صهر ترامب الذي كان موظفاً في البيت الأبيض جاريد كوشنر في فبراير الماضي أن تخرج إسرائيل المدنيين من غزة لإطلاق العنان لإقامة مشاريع عقارية على الواجهة البحرية.
ومن الجانب الإسرائيلي، فقد هنأ وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير خطة ترامب لـ"تطهير" غزة، قائلا "أهنئ الرئيس ترامب على مبادرته بنقل السكان من غزة للأردن ومصر". وأضاف بن غفير أن أحد مطالبه "من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هي تشجيع الهجرة الطوعية".
من جهته، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن "فكرة مساعدة سكان غزة بالعثور على أماكن أخرى لبدء حياة جديدة هي فكرة عظيمة"، وأضاف أنه سيعمل مع نتنياهو ومجلس الوزراء لضمان تنفيذ فكرة مغادرة أعداد كبيرة من غزة إلى دول مجاورة.
وفي تعليق رسمي من الأردن، قال وزير الخارجية أيمن الصفدي، إن رفض بلاده لتهجير الفلسطينيين هو أمر "ثابت لا يتغير". كما أن مصدر رفيع المستوى قال لـ"الحدث" إن "مصر متمسكة بموقفها بعدم تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأماكن أخرى، كما أنها نقلت للجانب الأميركي منذ فترة رفضها نقل فلسطينيي غزة".
وصرح سامي أبو زهري القيادي في حركة "حماس"، بأن "أهل غزة تحملوا الموت من أجل ألا يتركوا الوطن ولن يتركوها لأي أسباب أخرى، ولا داعي لإهدار الوقت في مشاريع جرّبها بايدن وكانت سببًا في إطالة أمد القتال".
وفي السياق، اعتبرت المفوضة الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، أن الحديث حول التطهير العرقي يعد أمرا غير قانوني وغير أخلاقي وغير مسؤول.
ونددت حركة الجهاد الإسلامي بفكرة ترامب بشأن ترحيل سكان غزة، قائلة: "ندين بأشد العبارات تصريحات الرئيس الأميركي بشأن ترحيل أهلنا في قطاع غزة إلى خارج أرضهم، وتصريحات ترامب تتسق مع أسوأ ما في أجندة اليمين الصهيوني المتطرف واستمرار للتنكر لوجود شعبنا، وهي تشجيع على مواصلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بإجبار شعبنا على الرحيل عن أرضه، وندعو كل الدول خصوصا الحكومتين المصرية والأردنية لرفض خطة ترامب ونؤكد أن شعبنا سيفشل هذا المخطط.".
ولفتت الجبهة الشعبية إلى أن تصريحات ترامب "تكشف مجدداً الوجه الحقيقي للإدارة الأمريكية التي لم تكن يوماً سوى شريكاً أساسياً في الجرائم المرتكبة ضد شعبنا، وهي امتدادٌ للمؤامرات منذ نكبة 1948، كما أسقط شعبنا عبر تاريخه كل محاولات الاقتلاع والتهجير فإنه اليوم وهو يواجه واحدة من أكثر الحروب وحشية في التاريخ الحديث لن يسمح بتمرير هذا المخطط".