نار الجبال في عسير تعيد ذكريات رمضان
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
البلاد ــ أبها
مع دخول شهر رمضان المبارك يتذكر كبار السن في منطقة عسير خاصة من عاشوا فترة الستينات والسبعينات، أصوات موظفي الدولة “المناديب” وهم يبلغونهم بدخول الشهر الكريم بصوت جهوري مرددين “أمسكوا يا مسلمين.. أمسكوا يا مسلمين “.
أما القرى والهجر البعيدة فكانوا يراقبون إيقاد النار على قمم الجبال المرتفعة نهاية شهر شعبان، معتمدين عليها لمعرفة موعدي الإمساك والإفطار خلال الشهر المبارك، قبل إدخال صوت المدفع الرمضاني في فترة السبعينات لإعلان الإمساك والإفطار.
وبحسب ما أوضحه الدكتور عبدالله الموسى الباحث والمهتم بالعادات والتقاليد في منطقة عسير فإن الاستعداد لشهر رمضان في بلدات وقرى عسير قديماً يبدأ من شهر شعبان حيث تزين النساء المنازل بالأصباغ الملونة وتنظيفها، إضافةً إلى طحن حبوب الذرة والدخن وشراء كميات من التمور حسب القدرة المالية لتكون مائدة الإفطار الأساسية، ويردد الرجال هذا الحداء من باب النكتة على بعض النساء: طلا تصهرين البيت من نادريه… لابد حن في العيد ناتي نشوفه” كناية أن العيد سيكشف المستور أما الاهتمام الأكبر فقد كان للمساجد التي يتسابق المحسنون في توفير بعض مستلزماتها البسيطة في تلك الأيام مثل صبغها بمادة “النورة” البيضاء والفرش التقليدي “الحنابل” وإنارتها بـ “بالفوانيس “والأتاريك المعبأة بوقود الكيروسين.
وأضاف أن الإعلان بدخول شهر رمضان المبارك في بداية السبعينات الهجرية في قرى منطقة عسير يكون عن طريق مناديب الدولة حيث يرسلونهم إلى القرى لإخبارهم بدخول الشهر وكان من ضمن الإعلام بدخول الشهر الفضيل إيقاد النار على قمم الجبال المرتفعة والمتوسطة للبلدات والقرى والهجر وكانت هذه عادة متوارثة من قديم الزمن وكان يسمى في الزمن القديم “الكبيبة”.
وحول إشعال النار عليها للإعلام أورد الهمداني أبيات شعرية تغنى بها رجل أجنبي في حبيبته وقد جنّ الليل في بلد بني شاور فقال “نظرت وقد أمسى المُعِّيل دوننا… فعيَّان أمست دوننا فطمامها”.. “إلى ضوء نار بالكبيبة أوقدت… إذا ما خبت عادت فشب ضرامها”، حيث إن الأهالي لا يغيرون ساعتهم البيولوجية فهم يزاولون أعمالهم في مزارعهم وفي رعي أغنامهم مثل بقية الشهور دون كلل أو ملل. والتكافل الاجتماعي فيما بينهم علامة بارزة ليس لها حدود فهم يتهادون الألبان والخبز والسمن على شحها، فيما “المدول” وهو الشخص الذي يفرق ضيوف القرية وأبناء السبيل بينهم بالتساوي يقوم بعمله بتوزيع الغرباء على منازل القرية.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
WP: سكان حماة يستيعدون ذكريات أول مذبحة ارتكبها الأسد ضدهم
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، أعدّته لويزا لافلاك، من مدينة حماة التي عاشت في الثمانينات من القرن الماضي "مجزرة رهيبة" على يد قوات حافظ الأسد، والد رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.
وفي التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "الناجين من أول مذبحة لعائلة الأسد يتذكرون الآن ما حدث، ويتحدثون بحرية وبدون خوف"، مردفة: "المذبحة هذه كانت بمثابة النموذج الذي قام عليه القمع في نظام الأسد بسوريا".
وأضاف التقرير: "اليوم وقد هرب الأسد الإبن أصبح بمقدور الناس حكاية قصصهم"، متابعا: "إنه وعلى مدى أربعة عقود، تأكّدت عائلة الأسد من أن الرعب الذي ارتكبته ظل مخفيا وصامتا، فقد قامت وعلى مدى شهر من الحصار بقتل عشرات الآلاف من سكان المدينة، ثم تصيدت من حملوا ذاكرتها".
"ترددت قلة من سكان المدينة في غرب سوريا في وصف ما حدث خلال عام 1982، ونظروا من خلف ستار النوافذ حيث راقبوا الجنود وهم يفصلون الرجال عن النساء لإعدامهم. وحاولوا نسيان مجموعات الكلاب التي انتشرت في شوارع المدينة بعدما مزقوا الأجساد" بحسب التقرير.
وأبرز: "فقد كانت حماة التي قام من خلالها حافظ الأسد بتعزيز وحشية عائلته من خلال سحق انتفاضة للإخوان المسلمين. وفي هذا الشهر، انهار حكم العائلة في سوريا، وانزاح جدار الصمت الذي بنته على المجزرة، وفي مدى أيام قليلة".
واسترسل: "قادت قوات المعارضة التي خاضت حربا استمرت لمدة أكثر من عقد حملة عسكرية خاطفة من معقلها الرئيسي في شمال البلاد إلى العاصمة، دمشق وتفوقت على دفاعات قوات بشار الأسد التي انهارت معنوياتها واستولت على العاصمة، بينما فرّ الرئيس إلى روسيا".
وأكدت: "على قمة تلة مغطاة بأشجار الصنوبر بالقرب من حماة، حيث خسرت القوات الحكومية معاركها الأخيرة مع مقاتلي المعارضة، كانت الأرض مغطاة بالزي العسكري الأخضر، والطعام الذي حملته القوات معها إلى الجبهة وكانت أجسادهم مرمية على العشب حيث سقطوا".
ويقول سكان المدينة، وفقا للتقرير نفسه، إنّ: الخسارة الفادحة تضخمت بحجم صدمة المذبحة المخفية والتي جعلت روح حماة فارغة.
ومن نواح عديدة، كانت حملة حافظ الأسد هنا بمثابة المخطط الذي استخدمه ابنه لسحق المظاهرات المناهضة للحكومة في عام 2011، ما أدى لإنزلاق البلاد إلى حرب أهلية.
وعلى الرغم من أن معظم السوريين لم يعرفوا أبدا تفاصيل ما حدث هنا، إلا أنهم فهموا أن حماة كانت مرادفا للمذبحة، وبمثابة تحذير من أن الموت أو السجن هو ثمن الوقوف في وجه النظام.
وقبل ظهور سجن صيدنايا سيء السمعة، كان هناك سجن تدمر حيث سجن رجال حماة وأعدموا فيه. ووصف أحد السجناء السابقين وهو شاعر، ما جرى في السجن بأنه: "مملكة الموت والجنون".
ولدت ميساء زلوخ في عام 1982 في ظل الحصار الحكومي. أخبرتها عمتها أن والدها كان حنونا واجتماعيا، لكن الرجل الذي رباها لم يكن لديه أصدقاء على الإطلاق. لقد قتل أو اختفى أولئك الذين نشأ معهم. قالت زلوخ: "كان خائفا لدرجة أنه لم يكن يثق في أي شخص".
وأوضحت أن المرة الأولى التي رأته يبكي فيها كانت عندما دخلت المعارضة المدينة في 5 كانون الأول/ ديسمبر، حيث أدرك أخيرا أن النظام على وشك السقوط. وقالت: "كان الأمر لا يصدق، لقد كان سعيدا للغاية. قال إنه كان يعتقد أن هناك سبع عجائب فقط في هذا العالم، لكن الآن أصبحت هذه العجائب أصبحت ثماني".
وعلى مقعد في المنتزه ضحك حامد شعبان، ذو 54 عاما، وصديقه، عند سؤالهما عن المرة الأولى التي تحدثا فيها عن مجزرة حماة قبل 42 عاما، وقال معا: "الآن".
ومن المكان الذي جلسا فيه كان بإمكانهما رؤية الساحة العامة التي كانت تعج بالمتظاهرين في عام 2011، وهم يرقصون ويهتفون ويطالبون بالتغيير السياسي. وعندها فتحت قوات الأمن النار عليهم، ثم شكلت "لجان تحقيق" لاعتقال دائرة متزايدة الاتساع من المدنيين بتهمة التورط في الاحتجاجات، سواء كانت حقيقية أو متخيلة.
وقال شعبان: "كنت أشاهد من بعيد آنذاك. كنا نعرف ثمن الانتفاضة، وكنا خائفين جدا".
وفي حي الكيلانية، على الجانب الآخر من النهر ونواعيره الشهيرة، توقّف المارة للاستماع بينما بدأ جيرانهم في مشاركة الذكريات التي احتفظوا بها لسنوات عديدة. وكانت القوة التي أرسلها النظام في عام 1982 مكونة من 12,000 جنديا، بقيادة رفعت الأسد -قائد سرايا الدفاع-، الأخ الأصغر لحافظ الأسد.
وقصف جنوده أحياء بأكملها وحولوها إلى أنقاض. وكان الحصار المفروض على المدينة يعني أنه لم تكن هناك أي فرصة للهروب. ثم جاءت عمليات "التطهير"، كما قال السكان.
وأشار أحدهم إلى المساحة الفارغة حيث كان منزل عائلته، وهو يروي كيف شاهد المسلحين يتنقلون من منزل إلى آخر. وأشار آخر إلى سطح قال إنه شاهد طفلا صغيرا أصيب برصاصة وهو يصرخ طلبا للطعام.
وتحدث رجل، قال إنه لا يزال خائفا جدا الكشف عن اسمه: "من الصعب أن نصدق أن هذا يحدث، حتى أكون صادقا، لم نتخيل ذلك أبدا. كنا نعتقد أنهم بنوا نظاما سوف يستمر إلى الأبد".
وحتى في داخل الأسر، كانت مناقشة المذبحة أمر خطير جد، لدرجة أن معظم الآباء حذّروا أطفالهم من عدم التحدث عنها أبدا. وعليه، فعندما بدا عبد العزيز شمة، ذو 57 عاما بالتقاط الصور من أجل إعادة بناء الأحياء في عام 2011، قرّر أن يضعها على منصات التواصل الإجتماعي مستخدما اسما مستعارا. ومع مرور الوقت واتته الشجاعة، وبدأ بمقابلة سكان المدينة ومعرفة ما حدث في عام 1982.
وفي 14 كانون الأول/ ديسمبر وبعد فرار الأسد، قرّر شمة وضع فيديو لحماته فاطمة منتش والتي كانت ولأول مرة قادرة على حكاية ما رأته وعاشته بالكامل.
وقال شمة: "كانت تبدأ الحديث، لكنها لم تستطع الاستمرار. لم تكن قادرة على إنهاء حديثها"، مضيفة: "جاء الجنود إلى منزلها وأخذوا اثنين من أبنائها وواحدة من بناتها. وضربوا بقية أفراد الأسرة ونهبوا المنزل وسرقوا المال أثناء مغادرتهم. ولم تسمع أي شيء عن أطفالها المفقودين".
وأبرزت أنها سعت للتنفيس عن حزنها من خلال الجلوس مع نساء أخريات من المدينة يشتركن معها بالألم، وعندما كانت تصلي، لكنها لم تكن تعرف ما إذا كانت ستدعو للإفراج عن ولديها وابنتها راوة أو الدعوة لأراوحهم وراحتهم في موتهم". وقالت: "كنت أبكي ليل نهار وأتمنى لو أستطيع أن أراهم. حتى لو كانوا موتى. أريد أن أراهم موتى".
وقام شمة بالحديث أمام الكاميرا قائلا: لكل الأمهات اللاتي شاهدن قتل أولادهن، حتى ولو لم يكونوا يحملون أسلحة؛ ولم يكونوا إرهابيين، كانوا أبناء الشام"، وأضاف "نريد نشر هذه القصص، فكل واحد لديه قصة".
وتقول الصحيفة إنّ: الكثيرين من الذين كانوا في سن النضج عندما دخلت قوات النظام المدينة عام 1982، هم في عداد الموتى الآن. وأوضح شمة أن عمته التي أعدم زوجها محمد وستة من أبنائها مصابة بمرض الزهايمر، وتمر عليها أيام جيدة وأياما صعبة.
وعندما زارتها الصحيفة بمنزل العائلة، هذا الأسبوع، كانت أمينة برادة، 88 عاما طريحة الفراش ومغطاة بأغطية ثقيلة لحمايتها من البرد. ولم تكن شبكة الكهرباء عاملة بعد سنوات من الفساد والأزمة الإقتصادية.
وفي ذهن برادة كان الأمر لا يزال وكأنه في سنوات الثمانينات. وكلما فتح الباب الأمامي، اعتقدت أنه ابنها الأصغر، مخلص الذي كان في سن 11 عاما وأنه قد عاد من المدرسة. وكانت تصرخ "أين هم"، وهي تنادي في الليل وتقول "لماذا لم يعودوا إلى المنزل". واقترب شمة من السرير وانحنى وقبّل خد عمته بينما لفت يديها حول خصره واحتضنته بقوة . وظل يقول لها "لا بأس" "يمكننك الإستراحة الآن".