شيخة الجابري تكتب: مضامين خفية في مسلسلات رمضانية
تاريخ النشر: 25th, March 2024 GMT
كنت أعتقد أن الحملة التي يقودها بعض المغردين المهتمين بالدراما الرمضانية، وما يقدم من أعمال خلال الشهر الكريم، يبالغون في ردود أفعالهم على ما يتم بثه من مشاهد هي خارج المألوف ضمن الخريطة القيمية والأخلاقية التي نشأنا عليها، ولكنني عندما ذهبت لمتابعة بعض تلك الأعمال وجدت أن هذه هي ردة الفعل الطبيعية لدى كل إنسان يخاف على أسرته وأطفاله بالذات مما يشاهدون من غثٍ درامي يستمر طيلة ثلاثين يوماً وقد تزيد، وكل ذلك يأتي خارج سياق الإطار خارج القيمي الذي نتحدث عنه.
قد يقول قائل إنكم ضد الدخول في «التابو» أو المحظور، والحقيقة أن لا أحد يقف ضد المعالجة الدرامية الرزينة والعلمية والمنهجية لقضايا كثيرة، تعج وتضج بها المجتمعات كافة الحيّة والمتطورة، والتي تسير نحو النمو بخطوات متسارعة تخلف وراءها مشكلات وإشكاليات وتحديات تحتاج إلى الناقد البصير والكاتب الحصيف الذي يخاف على مجتمعه عندما يعمل مقصه الفني عند الكتابة.
غير أن الذي يحدث تغلب عليه المادة والمصالح التجارية وصيحات «الترند» التي يتداولها الجميع، لذا تتباهى ممثلة بعينها توقّفتُ شخصياً عن متابعة أعمالها منذ أن شعرتُ بأنها تركض نحو الربح المادي بما تقدم من رسائل خطيرة وهدامة تنعكس على المجتمعات المتزنة بخسارة قيمية لا تُعوض، لأن ما يراه الأبناء من خلال شاشات تملأ الجدران يثبت في العقل والوجدان، ويظل مرافقاً لهم في حركة تقليد قد عايشنا آثارها في مسلسلات سبقت ما يعرض الآن في سنوات خلت.
لا أدري كيف يمكن لمؤلف أن يكتب سيناريو يعبّر عن مجتمع خليجي لزوجة تدس المخدرات لزوجها وتحقنه بها لسنوات عديدة، ثم تُخفي العامل الذي جنته للقيام بهذه المهمة في مشاهد يرفضها العقل تماماً، لكنها تروّج لوسائل للتخلص من كبار السن بهذه الطريقة التي يمكن أن تُقلّد وتكون آثارها كارثية على أي مجتمع يمكن أن تقع فيه.
أو تلك المشاهد التي تصور الفتيات والصبيان في المدارس والعلاقات المرفوضة بينهم، والخروج عن النص في الحوار، أو تلك الأم التي تقود مجموعة من اللصوص من أبنائها الذين ربّتهم على أن يقوموا بعمليات السرقة دون رادع، وتمارس العنف ضد كل من يخالفها الرأي.
إننا في مجتمعنا الخليجي ومحيطنا العربي نحتاج إلى العقلانية في طرح الموضوعات التي تناقش درامياً، بعيداً عن الطمع والجشع المادي، كما نحتاج بعض الاحترام لعقولنا وثوابتنا الدينية والأخلاقية، وإلى إعمال مقص الرقيب، كي لا يتجرأ أحد على تلويث أبصارنا وعقول أبنائنا بأعمال فنية أقل ما يقل عن بعضها، بأنها تافهة ولا تستحق المشاهدة. أخبار ذات صلة شيخة الجابري تكتب: من يربح الجمهور؟ شيخة الجابري تكتب: مرحباً خيرَ الشهور
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: شيخة الجابري أحوال
إقرأ أيضاً:
هبة أمين تكتب: «وين صرنا؟» فيلم يخطف القلب غابت عنه الرؤية الإخراجية
«وين صرنا؟» واحد من الأفلام المنافسة ضمن مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائى، وهذا الفيلم بالتحديد كان محاطاً بالمتابعة والاهتمام لأكثر من سبب، من بينها أنه عن الحبيبة «فلسطين» ورصد للمعاناة التى يعيشها أشقاؤنا فى قلب غزة.
والسبب الآخر أنه أول تجربة فى عالم الإخراج والإنتاج للفنانة التونسية درة، التى قررت الانتقال من ممثلة «تعيش الدور» أمام الكاميرات، إلى مخرجة تعطى «أوردرات» وتوجه الآخرين وهى تقف خلف الكاميرات.
«وين صرنا؟» هو فيلم وثائقى يدور أمامك على الشاشة فى 79 دقيقة، من المفترض أن تعيش خلالها مع أسرة منكوبة جاءت من غزة إلى مصر بحثاً عن الأمان المفقود، وكما جاء على لسان إحداهن بالفيلم أنها أخذت وقتاً لتتعود على أصوات الطائرات فى سماء القاهرة وأنها تحمل مسافرين بشكل طبيعى ولم تأتِ خصيصاً للقصف والدمار!
مراحل عمرية مختلفة للأسرة الفلسطينية التى تعيش فى شقة واحدة على أرض الكنانة، حكايات كثيرة على الألسنة عن الألم والغضب والحزن على وطن أصبح تحت الركام ونزوحهم إلى مختلف البلدان للدرجة التى جعلتهم يحسدون الشهداء لأنهم لا يعيشون كل هذا الوجع على فراق الأحبة وضياع الأماكن ودفن الذكريات.
كل ما يخص «فلسطين» يخطف القلب، تلقائياً تتعاطف مع القضية وتبكى مع ما يحدث للأشقاء فى غزة، ومن ثم الرهان على الموضوع فى حد ذاته يضمن الوصول إلى المتفرج بدون عناء، ولكن فى الوقت نفسه لا يضمن النجاح لصانع العمل الفنى إذا لم تكن هناك رؤية لتقديم ما يريده.
«وين صرنا؟» حكى أبطاله من الكبار إلى الصغار بإسهاب شديد ما اقترفته أيادى الاحتلال الآثمة فى حق الأبرياء، استمرار فى الحديث دون توقف، وتكرار الكلمات والمواقف، الأمر الذى تشعر معه أن المخرج غائب لم يحضر التصوير!
«درة» فى تجربتها الأولى بعالم الإخراج «لعبت على المضمون» واختارت «القضية» التى ننحاز إليها ونؤمن بها، ومن ثم انتزاع التصفيق هنا أمر سهل لدعم الأبطال ومناصرتهم فى محنتهم، لكن على المستوى الفنى لم يتولد شعور بأى لمسات جمالية ولكن مجرد «كادرات صماء» إلا ما رحم ربى.
الحكم على «درة» المخرجة مع هذا الفيلم ليس مطلوباً الآن، ومحاولات وصم تجربتها بالفشل ليست منصفة، من حقها أن تخوض تجربة أخرى وتتعلم من أخطاء التجربة الأولى حتى تتكون شخصيتها القيادية خلف الكاميرا، ومن يدرى قد تكون يوماً ما فى عالم الإخراج صاحبة بصمة لا يُشبهها أحد.