عقد الجامع الأزهر اليوم الأحد في الليلة الخامسة عشرة من شهر رمضان المبارك، عقب صلاة التراويح «ملتقى الأزهر.. قضايا إسلامية»، بمشاركة ‏الدكتور عبد الفتاح العواري، عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتور حبيب الله حسن، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر.

وأدار اللقاء الدكتور مصطفى شيشي، الباحث بالجامع الأزهر، وذلك بحضور الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وجمعٍ من علماء وقيادات الأزهر الشريف، والمصلين الذين حضروا إلى ‏الجامع من شتى ربوع مصر ومن مختلف الدول العربية والإسلامية من المقيمين في مصر، وناقش الملتقى اليوم «فلسفة المذهب الأشعري في الاستقرار الفكري والاجتماعي».

عقيدة السلف الصالح

وقال الدكتور عبد الفتاح العواري إن العقيدة الإسلامية التي أرادها الله تبارك وتعالى لنا هي عقيدة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، رضي الله عنهم أجمعين، وليس للإمام أبي الحسن الأشعري عقيدة مستقلة؛ وإنما في الحقيقة أنه أراد بفكره النيّر وعقيدته الصافية أن يرد الناس جميعًا إلى ما عليه النبي ﷺ وأصحابه، فعقيدته هي عقيدة سيدنا رسول الله وعقيدة أصحاب رسول الله والتابعين وأتباعهم، لا تخرج عنهم قيد أنملة، وإنما النسبة إلى مذهبه في الاعتقاد -رضي الله عنه- باعتبار أنه أخذ بيد الأمة وطوَّقها طوق النجاة المتمثل في عقيدة السلف الصالح.

وأضاف أن الإمام أبي الحسن الأشعري وجد طائفتين على الساحة الفكرية، طائفة نزعت أقصى اليسار فحكَّمت العقل في كل شيء وأرادت أن تجعل له سلطانا على النقل، وطائفة غالت غلوًّا شديدًا فأرادت أن تطمس ما عرف به الوحي وصُدقت به النبوة ووصل الناس من ورائه إلى معرفة موجد الوجود، وبه تقبل الناس الوحي الإلهي وهو العقل، فأبطلوا العقل بالكلية وتشبثوا بظواهر النصوص وجمدوا على هذه الظواهر، وكال كل فريق منهما التهم بالتبديع والتكفير والتفسيق للطرف الآخر، فشاءت إرادة الله أن يظهر هذا الرجل حفيد أبي موسى الأشعري الصحابي الجليل– ليطفئ الفتنة ويزيل الغبار ويأخذ الناس مأخذ الوسطية في العقيدة ويجمع شتات الأمور بجامع يربط بين العقل والنقل، فيزاوج بينهما، فالعقل والنقل لا انفصام بينهما.

مذهب الإمام الأشعري

من جانبه، أكد الدكتور حبيب الله حسن أن مذهب الإمام الأشعري ليس عقيدة جديدة؛ بل هو منهج جاء يلبي حاجة عصره، منهج جامع وجد ليعبر ويحافظ على عقيدة سلف الأمة، وبعد العقيدة على فروعها وعملياتها وكل محتويات الإسلام، وما أشبه الليلة بالبارحة، ففي القرن الثالث والرابع الهجري شهدت هذه الفترة تجاذبات بحكم انفتاح الإسلام والأمة على ثقافات وعقائد وترجمة وأمور كثيرة، وكل هذه جنحت إلى إما إلى الإفراط وإما إلى التفريط الذي يبتعد عن توازن هذا الدين وعدله، فأراد الله في يوم من أيام الله أن يأتي هذا المذهب الأشعري ليعيد الأمة إلى الوسطية التي تعني العدل والتي اتصفت بها أمة الإسلام في القرآن وهي تعني العدل، وسطية متوازنة متعادلة لا غلو فيها ولا تفريط ولا إسراف.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الأزهر ملتقى الأزهر التراويح البحوث الإسلامية

إقرأ أيضاً:

المفتي من أوزباكستان: المدرسة الماتريدية أنموذج أصيل للتسامح العقائدي

أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم،  أن المدرسة الماتريديّة نشأت في بيئة ثقافيّة خصبة، شهدت تداخلاً وتفاعلاً بين اتجاهات فكريّة متباينة، وأن هذا المناخ كان حافزًا لظهور منهج عقلانيّ متماسك تميّز به الماتريديون.

وأوضح أن المدرسة الماتريديّة قد طوّرت أدوات معرفيّة رصينة قامت على التأمل العقليّ والاستدلال المنطقيّ، حيث نظر أئمّتها إلى العقل بحسبانه وسيلة لا غنى عنها لمعرفة الله تعالى، بل واعتبروا النظر العقليّ واجبًا أوليًا على كل مكلّف، مؤكدين أن صحّة الخبر والحسّ لا تثبت إلا من خلال صدق العقل ذاته، وأنه تميّز برؤية عقلانيّة عميقة الجذور لا تكتفي بتلقّي النصوص، بل تبني المعرفة من خلال أدوات يمكن التحقق من صدقها ضمن المشترك الإنسانيّ العام.

وقال إن الماتريديّة أرست موقفًا معرفيًا متينًا يتكئ على ثلاث دعائم هي: العقل السليم، والحواس الظاهرة، والخبر الصادق، معتبرًا أن كل علم حقيقي لا بد أن يصدر عنها، وبالتالي فقد أسهم هذا الموقف المعرفي الماتريدي في بلورة رؤية تتسم بالموضوعيّة والانضباط، حيث ظل العقل فيها هو الأداة الأهم لفحص مصادر المعرفة الأخرى، مع وعي تام بحدود العقل نفسه، وحاجته إلى النقل في قضايا الغيب وما لا يُدرك بالتجربة.

جاء ذلك خلال كلمة فضيلته بالمؤتمر العلمي الدولي «الماتريدية مدرسة التسامح والوسطية والمعرفة»، الذي تنظمه لجنة الشئون الدينية بجمهورية أوزباكستان، في الفترة من 29 إلى 30 أبريل الجاري، في مدينة سمرقند بجمهورية أوزباكستان.

وأضاف مفتي الجمهورية، أن الإمام الماتريديّ –رضي الله عنه– امتاز بمجموعة من الشمائل التّي جعلته يحتل مكانةً فريدةً في تراثنا العظيم، فلقد كان رحمه الله متحررًا من التعصب المذهبيّ، منصرفًا إلى البحث عن الحقيقة بتجرد، دون انقياد أو تقليد أعمى لآراء السابقين، كما امتاز  بنزعته الشموليّة في النظر والتحليل، حيث أظهر قدرةً فائقةً على الربط بين الجزئيات والكليات، وجمع الفروع تحت أصولها الكبرى، وهي قدرة تجلّت في تفسيره، وبرزت بوضوح في كتابه "التوحيد" ومن السمات اللافتة كذلك اهتمامه البالغ بالمضمون والمعنى، والتركيز على الجوهر والمقصد في تفسير النصوص، واللجوء إلى النكات البيانيّة أو اللفظيّة، إذا خدمت المعنى وأبرزت مغزاه، مؤكدًا بذلك أنّ الفكر لا قيمة له ما لم يرتبط بالعمل والتطبيق، ولذلك لم يكن تأثير المدرسة الماتريديّة حبيس بلاد ما وراء النهر فحسب، بل إن الأزهر الشريف بجامعه وجامعته  كان ولا يزال يدرّس في أروقته العتيقة كتابي «العقيدة النسفيّة وتفسير أبي البركات النّسفيّ»، وكلاهما مدونات أصيلة في المذهب الماتريديّ.

وأوضح فضيلة المفتي، أن المذهب الماتريدي، لم يكن يومًا مجرد منظومة فكريّة نظريّة، بل مثل امتدادًا عميقًا للروح الإنسانيّة في الإسلام، حيث نظر علماؤه إلى القيم الإنسانيّة كأصول عقديّة وأخلاقيّة يجب أن تغرس في الوعي والسلوك معًا، وقد تجلى هذا في حرص الإمام الماتريديّ في تفسيره لقول الله تعالى ﴿خلقكم مّن نّفس واحدة}، على تأكيد أنّ الأصل البشريّ واحد، وأنّ جميع الناس إخوة، مما ينفي أي مبرر للتفاخر بالأحساب والأنساب، وتكتمل هذه الرؤية في نقده العميق لظاهرة الكبر، التّي يراها وليدة الجهل بحقيقة النفس، حيث يقول رحمه الله"من عرف نفسه على ما هي عليه من الأحداث والآفات وأنواع الحوائج - لم يتكبر على مثله"وبهذا يرسّخ المذهب الماتريديّ مفهوم التواضع لا كفضيلة أخلاقيّة فحسب، بل كمعرفة وجوديّة نابعة من وعي الإنسان بضعفه وحاجته، ويعكس بذلك تفاعلًا حيًّا بين العقيدة والأخلاق، حيث تصبح المساواة والتواضع والعدل قيمًا متجذّرةً في رؤية الإنسان لذاته والآخر، مبينًا أن الوسطيّة-التّي نحن بصدد دراستها في هذا المؤتمر المهم- لا تعني أبدًا الوسط بين الهدى والضلال، وإنّما تعني الاعتدال في الفكر، والصدق في الاعتقاد، والتوازن في السلوك، والعدل في الحكم والشهادة، إنّها موقف أهل السنّة والجماعة الأصيل الذي يجمع بين «الروح والمادة»، وبين «العقل والنقل»، وبين «الحقوق والواجبات»، قال تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً﴾ [البقرة: 143]، قال الإمام الماتريديّ «وسطًا يعني عدولًا» في كل شيء؛ فالعدل هو الأوثق للشهادة على الخلق، والأجدر لقبوله.

واختتم فضيلة المفتي حديثه بأن المدرسة الماتريديّة لم تقف عند حدود التسامح العقديّ، بل تجاوزته إلى التفاعل مع الفلاسفة والمتكلمين بنقد موضوعيّ هادئ، كما يظهر في أعمال النسفيّ وغيره، ممن جمعوا بين الإخلاص للأصول والانفتاح العقليّ، وبهذا كلّه تعدّ المدرسة الماتريديّة أنموذجًا أصيلًا في التعايش والتسامح، ومصدر إلهام فكريّ وأخلاقيّ يصلح للاهتداء به في عصرنا الراهن.

وقد أعرب فضيلة مفتي الجمهورية في ختام كلمته عن خالص شكره وتقديره للجنة المنظمة للمؤتمر وسعادته بالمشاركة في هذا الجمع العلمي المبارك، الذي حضره جمعٌ كبير من العلماء والباحثين من مختلف دول العالم، من بينهم فضيلة الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتي الديار المصرية الأسبق،وفضيلة الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وجمع كبير من العلماء.

طباعة شارك أوزباكستان المفتي المذهب الماتريدي الإمام الماتريديّ

مقالات مشابهة

  • مفتي الجمهورية: المدرسة الماتريديّة نشأت في بيئة ثقافيّة خصبة
  • المفتي من أوزباكستان: المدرسة الماتريدية أنموذج أصيل للتسامح العقائدي
  • ملتقى بصحار يناقش توظيف الذكاء الاصطناعي في السلامة المهنية
  • الدكتور ربيع الغفير يحذر من الناقل للكذب: يُسمى في القرآن صاحب الإفك
  • ملتقى المؤسسات الوقفية يناقش تطبيق الحوكمة لتعزيز المعايير المحاسبية
  • تلازم الإجرام الفكري والإرهاب الفعلي
  • "ملتقى التنقل الجوي الحضري" يناقش تطوير جودة الحياة في المدن العُمانية
  • بعد تعرضه لوعكة صحية...شيخ الأزهر يطمئن هاتفيًّا على الدكتور أحمد عمر هاشم
  • شيخ الأزهر يطمئن هاتفيًّا على صحة الدكتور أحمد عمر هاشم
  • تحوّل العقيدة القتالية للجيش: نحو عقيدة ردعية هجومية تحمي السيادة وتحفظ السلام