لجريدة عمان:
2025-02-16@23:20:10 GMT

الأممية العالمية الثالثة والطريق الثالث

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

عدت إلى «الكتاب الأخضر» نسخة كنت أحتفظ بها منذ سنوات وعدت إليها، فتساءلت ماذا تبقى من الكتاب الأخضر وماذا عن نظريته الأممية العالمية الثالثة؟ لا يغيب العقيد إذ لا يمكن أن تستحضر الكتاب الأخضر دون أن يكون العقيد ماثلا أمامك، ولا يمكن أن تقرأ الكتاب الأخضر دون أن تتخيل العقيد بملابسه وشعره ونظارته، كما لا يمكن أن تقرأ «البيان الشيوعي» دون أن يبرز لك كارل ماركس بلحيته الكثة.

رأيت العقيد جالساً في خيمته، وقد فرغ للتو من تأليف كتابه «الكتاب الأخضر» وكان ذلك في عام 1975 قابعاً في خيمته يقرأ صفحات من كتابه الأثير ويرمي بنظراته بعيدا يجوب بها فضاء الخيمة لكنها سرعان ما تعود تلك النظرات إلى صفحات الكتاب، فيعود العقيد مرة أخرى ويقرأ كما لو أنه يشاهد شيئا عالقا على قماش الخيمة، يسرح بنظراته فيشاهد شخصا كان يقف قريبا منه لكنه لا يكترث لوجوده، يفكر في «الأممية الثالثة».

في صيف 1997 تبدأ الأخبار في التوارد وكأن شيئا ما يقترب من أممية العقيد التي بشر البشرية بها، فتأتي الأصداء من أوروبا وبالخصوص من بريطانيا عندما حملت الأصداء ظهور نظرية «الطريق الثالث» وإن بشكل مغاير عن نظرية العقيد الأممية العالمية الثالثة. دخل السرور والغبطة العقيد فرحاً وهو يسمع أصداء نظريته تأتي من البعيد وهناك جيل يقف على أهبة الاستعداد لاستلام الحكم. في الغرب انتصرت الديمقراطية الجديدة أو أحزاب اليسار أو اليسار الوسط؛ ففي لندن تبنى مرشح حزب العمال البريطاني توني بلير شعار (الطريق الثالث) في حملته الانتخابية الأولى عام 1997 والتي فاز فيها وأصبح رئيساً للوزراء. وفي ألمانيا انتصر غيرهاد شرويدر وفي الولايات المتحدة ظهر الديمقراطيون الجدد بوصول بيل كلينتون للحكم.

كل النظريتين تتوسمان البعد والنأي عن النظرية الرأسمالية بوصفها الأولى والنظرية الاشتراكية بوصفها النظرية الثانية. وربما الصدفة وحدها أو ربما تواردت أفكار أو لربما استنساخ، كل ذلك ليس بالمستبعد.

لكن المؤكد أن البون الشاسع والاختلاف والتناقض بين نظرية العقيد الأممية الثالثة والطريق الثالث، فبينما تقوم نظرية العقيد التي أسماها «الأممية الثالثة» بحسب ما جاءت في الكتاب الأخضر وهي نظرية في الأساس تقوم على ثلاثة محاور رئيسية أو هي حلول للمشاكل كما عبر عنها، الحل في المجال السياسي والحل في المجال الاقتصادي والحل في المجال الاجتماعي.

فمثلا في الجانب الاقتصادي يقدم حل بمحاربته التجارة والنشاط التجاري الرأسمالي الحر وتحريم الربح، فيقول مثلا في الكتاب الأخضر «إن الاعتراف بالربح هو اعتراف بالاستغلال» ويحصر النشاط الاقتصادي فقط في إشباع الحاجات الضرورية للناس ولا يصح الإنتاج بقصد الكسب ويدعو للعودة لنظام المقايضة وإلغاء النقود، ويرفض العمل بالأجر بل يعتبر الأجراء مهما تحسنت أجورهم هم نوع من العبيد. وفي الحل السياسي يقدم نوع من الديمقراطية الشعبوية تحت شعار «لا نيابة عن الشعب والتمثيل تدجيل» والحزبية إجهاض للديمقراطية والحزب هو قبيلة العصر، والاستفتاء تدجيل على الديمقراطية، والذين يقولون (نعم) والذين يقولون (لا) لم يعبروا في الحقيقة عن إرادتهم ولم يسمح لهم التفوه إلا بكلمة واحدة إما (نعم) وإما (لا) ويدعو إلى إلغاء التعددية والحزبية والحكم المركزي وسلطة البرلمان وينادي بأن الشعب يحكم نفسه بنفسه والديمقراطية الشعبية المباشرة وسلطة الشعب ومؤتمرات مندوبي الشعب وإلغاء منصب رئيس الدولة. كنت أناقش صديقي كيف ذلك فيقول لي إن القائد هو قائد الثورة والرمز وليس الحاكم أو رئيس الدولة! طيب.. دولة بلا رئيس فيقول لي الشعب هو الرئيس ولا سلطان عليه. والشريعة الطبيعية هي العرف والدين وأي محاولة لإيجاد شريعة غيرهما فهي باطلة. ويتكلم عن الدولة والأمة والأسرة والمرأة، والرجل وهناك أمور كثيرة.

في كتابه (الطريق الثالث) بشر أنطوني غيدنز ببداية عصر جديد عندما اجتاحت نظرية الطريق الثالث أو النظرية العالمية في أواخر القرن الماضي واجتاحت أوروبا وأمريكا كموجة جديدة تدعو إلى اعتماد منهجاً وسطياً بين الرأسمالية التي زادت توحشها وبين الاشتراكية الهامدة السائرة في ركب الانحلال والاندثار. وفي سنة 1998 مثلت منعطفا مهما في أوروبا وأمريكا إذ تبنت الكثير من الأحزاب اليسارية نهج الطريق الثالث. وحسب دعاة نظرية الطريق الثالث بأنها ظهرت عندما كانت المجتمعات الغربية تعاني من المشكلات الرئيسية كانفلات الأسواق والبطالة وتفسخ الأسرة وعجز الرأسمالية عن إيجاد الحلول للأزمات التي يعيشها الغرب بشكل عام نتيجة (لسلوك الرأسمالية المتوحشة والشيوعية الهدامة). وقدم أنطوني غيدنز الذي يعتبر الأب والمرشد الأيديولوجي لتوني بلير قدم الخطوط العريضة والعامة لنظرية الطريق الثالث في كتابه والتي تقوم أساساً على التوفيق بين الخط الطريق الذي يقوم على سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وإدارة الجوانب الأساسية في الاقتصاد، وبين الطريق الثاني الذي بموجبه تتخلى الدولة عن التدخل في تسيير الاقتصاد وإطلاق اليد للسوق لينظم نفسه بنفسه والمنافسة وحرية الاشتغال.

عملياً كان لنظرية الطريق الثالث إخفاقات كثيرة وتعرضت للنقد ويرى نقادها بأنها لم تختلف عن الرأسمالية العالمية وكل من نادى بها سقط في وحل التوحش والاستغلال والفساد والنهب فحكومة توني بلير في بريطانيا التي لم تختلف عن حكومات المحافظين، بل أصبحت أكثر راديكالية كما ذكر أليكس كالينيكوس بروفسور الفلسفة الاجتماعية بجامعة يورك البريطانية وملف كتاب (ضد الطريق الثالث).

وفي المقابل لم تخرج نظرية العقيد عن عباءة الاشتراكية والشيوعية وهي في الحقيقة خليط بين الإسلام والعادات والتقاليد والاشتراكية والرأسمالية، ومستقاه من الفكر الاشتراكي الشيوعي وإن بلمسة معدلة بما يتوافق مع فكر العقيد والفكر الإسلامي والعربي وهي بالتالي تدخل ضمن النظرية الاشتراكية أو (الطريق الثاني) صهرت كلها لتخرج في بوتقة واحدة تحت مسمى (النظرية العالمية الثالثة أو الأممية الثالثة) تضمنها الكتاب الأخضر، وهي في مجملها أفكار طوباوية يكسر فيها العقيد الكثير من المرتكزات وقد لا تتوافق مع المسلمات الأساسية للحياة.

الحقيقة الماثلة للعيان إن التوحش الذي يخيم على العالم جراء الممارسات المتغطرسة للرأسمالية والأمبريالية العالمية، وأن للسياسة القول الفصل وهي من يعيد ضبط الإيقاع ولا شيء غير ذلك، فأمام السلطة وشهوتها والقوة والمصالح، فلا نظرية الطريق الثالث ولا الأممية الثالثة ولا الوسطية، كلها انتهت كممارسة إلى الرأسمالية العالمية المتوحشة والتهمت كل النظريات لا وسطية ولا غيرها وبقيت تلك الأفكار حبيسة الكتب والنظريات والتنظير في المناسبات لا غير.

د. بدر الشيدي كاتب وقاص عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العالمیة الثالثة

إقرأ أيضاً:

محاولة اغتيال عادل جمعة تُشعل الجدل السياسي: بين إدانة البعثة الأممية والدعوات لمحاسبة الجناة

ليبيا – تقرير: ردود فعل متعددة على محاولة اغتيال عادل جمعة

في خضم الأوضاع الأمنية والسياسية الراهنة، شهدت محاولة اغتيال وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء في حكومة الوحدة، عادل جمعة، ردود فعل واسعة من مختلف الجهات المحلية والدولية. وتنوعت التصريحات من جهة البعثة الأممية والدعاة إلى ضرورة التحقيق العاجل، مرورًا بتصريحات مسؤولين حكوميين رافعين شعار رفض العنف السياسي، وانتهاءً بتحليلات تنذر بأن هذه المحاولة قد تكون بداية لمشروع أوسع لاستهداف حكومة الدبيبة.

إدانة البعثة الأممية ومحاولة حماية المسؤولين

أصدرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بياناً أدانت فيه محاولة اغتيال عادل جمعة، مشددة على أنه “لا يوجد أي مبرر لاستخدام العنف ضد المسؤولين الحكوميين أو أي مدنيين آخرين”. ودعت البعثة إلى إجراء تحقيق سريع وكامل وشفاف لضمان تقديم الجناة إلى العدالة، وأعربت في البيان، الذي اطلعت المرصد على نسخة منه، عن تمنياتها بالشفاء التام والعاجل للوزير.

تصريحات المسؤولين الحكوميين بحكومة الدبيبة
وزير الحكم المحلي: دعوة لملاحقة الجناة

دعا وزير الحكم المحلي بحكومة الدبيبة، بدر الدين التومي، عبر صفحته على موقع “فيسبوك“، كافة الأجهزة الأمنية لمواصلة جهودها لملاحقة الجناة المتورطين في محاولة اغتيال عادل جمعة. واصفاً الحادثة بالجريمة “القذرة والجبانة” التي تأتي ضمن محاولات أطراف مجرمة لاستهداف الشخصيات الوطنية وتشويه العمل الحكومي. وأكد التومي على ضرورة كشف الجناة أمام الرأي العام المحلي والدولي.

نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة المكلف: تأكيد دعم الأجهزة الأمنية

أدان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة المكلف، المهندس رمضان أبو جناح، بشدة محاولة الاغتيال التي تعرض لها عادل جمعة عبر إطلاق نار مباشر على سيارته أثناء استقلالها على الطريق السريع في طرابلس. وطَمأن أبو جناح المواطنين بأن حالة الوزير الصحية مستقرة، متمنياً له الشفاء العاجل، ومؤكداً دعمه الكامل للجهات الأمنية التي باشرت تحقيقاتها لتعقب الجناة وتقديمهم للعدالة. كما شدد على ضرورة تكاتف الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار وعدم التهاون مع أي محاولات تهدد سيادة الدولة.

ردود فعل مجلس الدولة

في سياق متصل، أدانت فصائل مجلس الدولة المختلفة محاولة اغتيال عادل جمعة، إذ أعلن مجلس الدولة الذي يرأسه خالد المشري في بيان استنكاره لما وصفه بـ”الأعمال الإرهابية”، فيما عبّر مجلس الدولة بقيادة محمد تكالة عن موقف مماثل بدعواه لفتح تحقيق عاجل وشامل لكشف ملابسات الحادث ومحاسبة مرتكبيه. وأكد كلا المجلسين على ضرورة تعزيز التدابير الأمنية لحماية المسؤولين ومؤسسات الدولة، مشددين على أن الشعب الليبي ماضٍ في بناء دولتهم ولن تثنيه هذه الأعمال عن تحقيق الأمن والاستقرار.

تحليلات واستنتاجات سياسية

أبدى المحلل السياسي محمد الهنقاري تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء محاولة اغتيال عادل جمعة. وفي منشور له على موقع “فيسبوك“، تساءل الهنقاري: “هل دخلنا مرحلة الجريمة السياسية، وهي أخطر الجرائم التي تهز كيان الدولة؟” وأضاف أن التحقيقات القادمة قد تكشف ما إذا كانت الحادثة دافعها شخصي أم أنها بداية لمشروع لاستهداف حكومة الوحدة الوطنية، خصوصاً بعد فشل أسقطها بالوسائل السياسية. وأشار الهنقاري إلى أن هذه المحاولة قد تكون مؤشرًا على تصاعد مخاطر الاستهداف السياسي في وقت تواجه فيه ليبيا تحديات أمنية وسياسية خطيرة.

الخطورة التي يواجهها المشهد السياسي

تظهر ردود الفعل المتباينة من البعثة الأممية والمسؤولين الحكوميين ومجلس الدولة، إلى جانب التحليلات السياسية، عمق الانقسام والخطورة التي يواجهها المشهد السياسي في ليبيا. وبينما تدعو جميع الأطراف إلى إجراء تحقيقات شاملة ومحاسبة مرتكبي محاولة الاغتيال، يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق الاستقرار وإنهاء العنف السياسي الذي يهدد مؤسسات الدولة ويسبب معاناة الشعب الليبي.

مقالات مشابهة

  • قيصرية الكتاب تنظم أمسية وفاء واحتفاء بالأستاذ خالد المالك
  • السلطة المحلية بصعدة: تعليق برامج المساعدات الأممية سببه موقف اليمن المناهض للعدوان على غزة
  • وفقا للحسابات الرياضية.. عالم أفغاني يتبنأ بموعد تدمير الاقتصاد العالمي والحرب العالمية الثالثة
  • تعليق برامج المساعدات الأممية على صعدة
  • الأردن استنكرت حادثة اليونيفيل في بيروت: لضمان أمن القوات الأممية
  • المنفي لـ”غوتيرش”: ندعم بعثتكم الأممية بشكل كامل
  • انعقاد المؤتمر الصحفي عقب الجولة الثالثة من منافسات سباق الفورمولا إي “جدة”
  • صدور كتاب "الأراجوز نحو نظرية لاكتشاف التراث المزيف" للدكتور نبيل بهجت
  • مبادرة الطريق الأخضر.. البيئة تشارك المجتمع المدنى فى زراعة 1250 شجرة بالمحميات الطبيعية.. إمام: نصيب الفرد المصري من المساحة الخضراء سُدس توصيات الصحة العالمية.. وعيسي: التمويل المناخي فريضة غائبة
  • محاولة اغتيال عادل جمعة تُشعل الجدل السياسي: بين إدانة البعثة الأممية والدعوات لمحاسبة الجناة