لجريدة عمان:
2025-01-26@07:20:36 GMT

الأممية العالمية الثالثة والطريق الثالث

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

عدت إلى «الكتاب الأخضر» نسخة كنت أحتفظ بها منذ سنوات وعدت إليها، فتساءلت ماذا تبقى من الكتاب الأخضر وماذا عن نظريته الأممية العالمية الثالثة؟ لا يغيب العقيد إذ لا يمكن أن تستحضر الكتاب الأخضر دون أن يكون العقيد ماثلا أمامك، ولا يمكن أن تقرأ الكتاب الأخضر دون أن تتخيل العقيد بملابسه وشعره ونظارته، كما لا يمكن أن تقرأ «البيان الشيوعي» دون أن يبرز لك كارل ماركس بلحيته الكثة.

رأيت العقيد جالساً في خيمته، وقد فرغ للتو من تأليف كتابه «الكتاب الأخضر» وكان ذلك في عام 1975 قابعاً في خيمته يقرأ صفحات من كتابه الأثير ويرمي بنظراته بعيدا يجوب بها فضاء الخيمة لكنها سرعان ما تعود تلك النظرات إلى صفحات الكتاب، فيعود العقيد مرة أخرى ويقرأ كما لو أنه يشاهد شيئا عالقا على قماش الخيمة، يسرح بنظراته فيشاهد شخصا كان يقف قريبا منه لكنه لا يكترث لوجوده، يفكر في «الأممية الثالثة».

في صيف 1997 تبدأ الأخبار في التوارد وكأن شيئا ما يقترب من أممية العقيد التي بشر البشرية بها، فتأتي الأصداء من أوروبا وبالخصوص من بريطانيا عندما حملت الأصداء ظهور نظرية «الطريق الثالث» وإن بشكل مغاير عن نظرية العقيد الأممية العالمية الثالثة. دخل السرور والغبطة العقيد فرحاً وهو يسمع أصداء نظريته تأتي من البعيد وهناك جيل يقف على أهبة الاستعداد لاستلام الحكم. في الغرب انتصرت الديمقراطية الجديدة أو أحزاب اليسار أو اليسار الوسط؛ ففي لندن تبنى مرشح حزب العمال البريطاني توني بلير شعار (الطريق الثالث) في حملته الانتخابية الأولى عام 1997 والتي فاز فيها وأصبح رئيساً للوزراء. وفي ألمانيا انتصر غيرهاد شرويدر وفي الولايات المتحدة ظهر الديمقراطيون الجدد بوصول بيل كلينتون للحكم.

كل النظريتين تتوسمان البعد والنأي عن النظرية الرأسمالية بوصفها الأولى والنظرية الاشتراكية بوصفها النظرية الثانية. وربما الصدفة وحدها أو ربما تواردت أفكار أو لربما استنساخ، كل ذلك ليس بالمستبعد.

لكن المؤكد أن البون الشاسع والاختلاف والتناقض بين نظرية العقيد الأممية الثالثة والطريق الثالث، فبينما تقوم نظرية العقيد التي أسماها «الأممية الثالثة» بحسب ما جاءت في الكتاب الأخضر وهي نظرية في الأساس تقوم على ثلاثة محاور رئيسية أو هي حلول للمشاكل كما عبر عنها، الحل في المجال السياسي والحل في المجال الاقتصادي والحل في المجال الاجتماعي.

فمثلا في الجانب الاقتصادي يقدم حل بمحاربته التجارة والنشاط التجاري الرأسمالي الحر وتحريم الربح، فيقول مثلا في الكتاب الأخضر «إن الاعتراف بالربح هو اعتراف بالاستغلال» ويحصر النشاط الاقتصادي فقط في إشباع الحاجات الضرورية للناس ولا يصح الإنتاج بقصد الكسب ويدعو للعودة لنظام المقايضة وإلغاء النقود، ويرفض العمل بالأجر بل يعتبر الأجراء مهما تحسنت أجورهم هم نوع من العبيد. وفي الحل السياسي يقدم نوع من الديمقراطية الشعبوية تحت شعار «لا نيابة عن الشعب والتمثيل تدجيل» والحزبية إجهاض للديمقراطية والحزب هو قبيلة العصر، والاستفتاء تدجيل على الديمقراطية، والذين يقولون (نعم) والذين يقولون (لا) لم يعبروا في الحقيقة عن إرادتهم ولم يسمح لهم التفوه إلا بكلمة واحدة إما (نعم) وإما (لا) ويدعو إلى إلغاء التعددية والحزبية والحكم المركزي وسلطة البرلمان وينادي بأن الشعب يحكم نفسه بنفسه والديمقراطية الشعبية المباشرة وسلطة الشعب ومؤتمرات مندوبي الشعب وإلغاء منصب رئيس الدولة. كنت أناقش صديقي كيف ذلك فيقول لي إن القائد هو قائد الثورة والرمز وليس الحاكم أو رئيس الدولة! طيب.. دولة بلا رئيس فيقول لي الشعب هو الرئيس ولا سلطان عليه. والشريعة الطبيعية هي العرف والدين وأي محاولة لإيجاد شريعة غيرهما فهي باطلة. ويتكلم عن الدولة والأمة والأسرة والمرأة، والرجل وهناك أمور كثيرة.

في كتابه (الطريق الثالث) بشر أنطوني غيدنز ببداية عصر جديد عندما اجتاحت نظرية الطريق الثالث أو النظرية العالمية في أواخر القرن الماضي واجتاحت أوروبا وأمريكا كموجة جديدة تدعو إلى اعتماد منهجاً وسطياً بين الرأسمالية التي زادت توحشها وبين الاشتراكية الهامدة السائرة في ركب الانحلال والاندثار. وفي سنة 1998 مثلت منعطفا مهما في أوروبا وأمريكا إذ تبنت الكثير من الأحزاب اليسارية نهج الطريق الثالث. وحسب دعاة نظرية الطريق الثالث بأنها ظهرت عندما كانت المجتمعات الغربية تعاني من المشكلات الرئيسية كانفلات الأسواق والبطالة وتفسخ الأسرة وعجز الرأسمالية عن إيجاد الحلول للأزمات التي يعيشها الغرب بشكل عام نتيجة (لسلوك الرأسمالية المتوحشة والشيوعية الهدامة). وقدم أنطوني غيدنز الذي يعتبر الأب والمرشد الأيديولوجي لتوني بلير قدم الخطوط العريضة والعامة لنظرية الطريق الثالث في كتابه والتي تقوم أساساً على التوفيق بين الخط الطريق الذي يقوم على سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج وإدارة الجوانب الأساسية في الاقتصاد، وبين الطريق الثاني الذي بموجبه تتخلى الدولة عن التدخل في تسيير الاقتصاد وإطلاق اليد للسوق لينظم نفسه بنفسه والمنافسة وحرية الاشتغال.

عملياً كان لنظرية الطريق الثالث إخفاقات كثيرة وتعرضت للنقد ويرى نقادها بأنها لم تختلف عن الرأسمالية العالمية وكل من نادى بها سقط في وحل التوحش والاستغلال والفساد والنهب فحكومة توني بلير في بريطانيا التي لم تختلف عن حكومات المحافظين، بل أصبحت أكثر راديكالية كما ذكر أليكس كالينيكوس بروفسور الفلسفة الاجتماعية بجامعة يورك البريطانية وملف كتاب (ضد الطريق الثالث).

وفي المقابل لم تخرج نظرية العقيد عن عباءة الاشتراكية والشيوعية وهي في الحقيقة خليط بين الإسلام والعادات والتقاليد والاشتراكية والرأسمالية، ومستقاه من الفكر الاشتراكي الشيوعي وإن بلمسة معدلة بما يتوافق مع فكر العقيد والفكر الإسلامي والعربي وهي بالتالي تدخل ضمن النظرية الاشتراكية أو (الطريق الثاني) صهرت كلها لتخرج في بوتقة واحدة تحت مسمى (النظرية العالمية الثالثة أو الأممية الثالثة) تضمنها الكتاب الأخضر، وهي في مجملها أفكار طوباوية يكسر فيها العقيد الكثير من المرتكزات وقد لا تتوافق مع المسلمات الأساسية للحياة.

الحقيقة الماثلة للعيان إن التوحش الذي يخيم على العالم جراء الممارسات المتغطرسة للرأسمالية والأمبريالية العالمية، وأن للسياسة القول الفصل وهي من يعيد ضبط الإيقاع ولا شيء غير ذلك، فأمام السلطة وشهوتها والقوة والمصالح، فلا نظرية الطريق الثالث ولا الأممية الثالثة ولا الوسطية، كلها انتهت كممارسة إلى الرأسمالية العالمية المتوحشة والتهمت كل النظريات لا وسطية ولا غيرها وبقيت تلك الأفكار حبيسة الكتب والنظريات والتنظير في المناسبات لا غير.

د. بدر الشيدي كاتب وقاص عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العالمیة الثالثة

إقرأ أيضاً:

المفوضية الأممية: التغييرات بسوريا ستسمح بعودة النازحين

سرايا - قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، الخميس، إن التغييرات الراهنة في سوريا ستسمح بعودة النازحين إلى بلدهم.

تصريح غراندي جاء عقب لقائه على رأس وفد من المفوضية، الرئيس اللبناني جوزاف عون في القصر الرئاسي بالعاصمة بيروت، وفق بيان للرئاسة اللبنانية.

وأشار المسؤول الأممي إلى أن "تقديرات المفوضية بعودة أكثر من 200 ألف نازح سوري إلى بلادهم من الدول التي نزحوا إليها بما فيها لبنان وسوريا والأردن وغيرها، وذلك منذ سقوط النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي".

ولفت أن هناك عددا آخر يرغب أيضا في العودة.

وقال إن "استطلاعا للرأي تقوم به المفوضية، يظهر ارتفاع عدد الراغبين بالعودة من حوالي 1 بالمئة إلى 30 بالمئة، في غضون أسابيع".

وشدد غراندي: "رسالتنا اليوم هي أننا نريد أن نستثمر بما تحقق، ودعم العائدين، وقد باشرنا بالفعل في ذلك".

ونوّه أن علاقة المفوضية مع السلطات الجديدة على امتداد الأراضي السورية بناءة، "وهم باشروا بإعطاء أولوية لمسألة عودة النازحين".

كما أعرب عن رغبة المفوضية الأممية في العمل مع لبنان على بناء طريقة عملية لدعم هذه العودة، مؤكدا أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الرئيس اللبناني مع المجتمع الدولي لتحقيق ذلك.

وكشف أن زيارته إلى لبنان جاءت في مستهل زيارة للمنطقة، تستغرق نحو أسبوع، وتشمل سوريا وتركيا والأردن.

وفي وصفه لهدف الزيارة، قال إنه "البحث في مسألة النازحين في ظل التغييرات السياسية الجديدة في سوريا، والتي نعتقد أنها ستفسح المجال أمامهم للعودة إلى بلدهم ومغادرة الدول التي تستضيفهم، ومن بينها لبنان الذي كان كريماً جداً وبالغ الصبر في استضافتهم قرابة 14 عاما".

وذكر أنه خلال الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، عاد بالفعل أكثر من 450 ألف نازح سوري. وبالتالي، نجد أن هناك عدداً مهماً من النازحين قد عادوا، وهم يحتاجون إلى الدعم لتكون هذه العودة دائمة.

من جهته، شدد الرئيس اللبناني على "ضرورة عودة النازحين السوريين، وطلب من الأمم المتحدة تنظيم مواكب العودة، وتوفير الدعم اللازم لها"، حسب البيان ذاته.

وقال عون إن "بلاده تريد عودة النازحين السوريين إلى بلادهم في أسرع وقت ممكن، لا سيما بعد زوال الأسباب التي أدت إلى نزوحهم إلى لبنان".

وطلب الرئيس عون من غراندي المباشرة بتنظيم مواكب العودة للنازحين، داعياً المجتمع الدولي إلى توفير الدعم المادي والإنساني لتحقيق هذه العودة، لا سيما وأن بعض الدول بدأت فعلياً بإعادة النازحين السوريين الى بلادهم.

وأعرب الرئيس عون عن أمله في أن يستمر التعاون بين لبنان والمفوضية، في سبيل تحقيق الأهداف المشتركة، مشددا على أهمية العمل على وقف التسلل عبر جانبي الحدود بين البلدين.

وفي تصريحات سابقة لوزير الشؤون الاجتماعية اللبناني عكتور حجار للأناضول، قال إن "عدد النازحين السوريين في لبنان وصل إلى 2 مليون، إلا أنه خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي استمر 66 يوماً، غادر 400 ألف سوري لبنان وعادوا إلى بلادهم".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 1347  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 23-01-2025 05:22 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
عمرها 500 سنة .. تعرف على أقدم من يصنع الأسلحة بالعالم صورة للقتيل المذبوح على يد سفاح الأقصر .. وخبير يوضح مصرع 13 شخصًا وإصابة 15 آخرين إثر حادث قطار في الهند جريمة تروع مصر .. ذبح مسناً وتجول برأسه في الشارع بالفيديو .. بائع هواء السلط بزجاجات بلاستيكية أمام... هل ادّعى نصر الله الموت لدواعٍ أمنية؟ .. صورة... من المكتب مع هاشم الخالدي .. قصة "الخلطة... بالفيديو .. الفنان باسم ياخور يتهم الاعلامي فيصل... المقاومة الفلسطينية تكشف أدوات تجسس زرعها الاحتلال... حكومة غزة تعلن إجراءات عودة النازحين من الجنوب إلى...الجنائية الدولية تصدر مذكرة اعتقال بحق زعيم...من هو "الطبيب المعجزة" العراقي محمد طاهر...انتشال 120 شهيدا ومصابيْن اثنيْن من بين “أنقاض غزة”...وزير الخارجية: خطر انهيار وقف إطلاق النار في غزة...تدمير نابلس مثل جباليا! .. الاحتلال يُنفِّذ عمليةً...الاحتلال يحرق منازل فلسطينيين بمحيط مخيم جنين حماس تكشف عن تفاصيل اليوم السابع لاتفاق وقف النار...بعد تهديد ترامب بالعقوبات .. الكرملين: روسيا... يسرا اللوزي: الحزن ساعدني على إتقان الدور في... بعدما أطل بـ "الدشاش" .. محمد سعد يكشف... تعرض شقيق الفنان عمرو دياب لجريمة مدبرة غامضة ..... بعد الحديث عن توقف التصوير .. مفاجأة جديدة في... راندا البحيري تصعّد أزمتها مع طليقها نيمار يطلب الرحيل عن الهلال السعودي رسمياً .. 72 مليون دولار تقود مرموش إلى مانشستر سيتي الكشف عن سبب يمنع صلاح من الرحيل عن ليفربول الفيصلي يعلن تعاقده الرسمي مع المدافع الفرنسي تراوري ريال مدريد أول نادي تتجاوز إيراداته مليار يورو في تاريخ كرة القدم الشاي داخل جامعة نواكشوط .. جدل وتوبيخ واعتذار أمريكية تزن 154 كغ قتلت ابنها بالجلوس عليه! محرك طائرة مقاتلة يبتلع ضابطة في تايوان مصري يتسبب بتصدع 3 منازل .. والسبب التنقيب عن الآثار! السجن 6 سنوات لأمريكية قتلت طفلاً بجلوسها فوق بطنه لماذا تسعى بعض النساء المسنات في اليابان لدخول السجن؟ "واقعة مفزعة" .. أم تعتدي على طالب بسكين داخل مدرسة في مصر زواج القاصرات والعفو العام .. فوضى وجدل في برلمان العراق بحر من التعليقات على نظرة زوكربيرغ .. و"لايك" يقلب التواصل جريمة تروع مصر .. ذبح مسنًا وتجول برأسه في الشارع

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • تعرّف على فعاليات اليوم الثالث من البرنامج الثقافي لمعرض الكتاب
  • تصنيف الحوثيين "منظمة إرهابية".. ما تبعات ذلك على المدنيين وما مستقبل خارطة الطريق الأممية؟ (تقرير)
  • السيسي: بفضل الله وجهود الجيش والشرطة ستظل مصر بمأمن من الاضطرابات العالمية
  • السيسي يهنئ رجال الشرطة بمناسبة عيدهم الثالث والسبعين
  • خبراء: تحقيق الطوفان كشف تحطيم المقاومة نظرية الجدار الحديدي الإسرائيلية
  • البعثة الأممية: اتفقنا مع مسؤولين أمنيين على إنشاء مركز مشترك لأمن الحدود
  • للعام الثالث.. "سوبر مامي" في معرض الكتاب
  • المفوضية الأممية: التغييرات بسوريا ستسمح بعودة النازحين
  • ترامب يفتح باب التكهنات بشأن نظرية تغيير النظام السياسي في العراق
  • ترامب يفتح باب التكهنات بشأن نظرية تغيير النظام السياسي في العراق - عاجل