لجريدة عمان:
2024-12-27@10:43:39 GMT

هل يقود الحقد إلى التطرف والإرهاب؟!

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

هل يقود الحقد إلى التطرف والإرهاب؟!

سلط العالم أضواءه الكاشفة خلال اليومين الماضيين على الحادث الإرهابي الذي وقع بالقرب من العاصمة الروسية موسكو.. كان المشهد أليما عندما أقدم مجموعة من المتطرفين على قتل أكثر من 130 شخصا دون سبب منطقي مباشر يمكن أن يقبله العقل.. وتساءل البعض عن البناء الداخلي لعقل ونفسية الإرهابي أو المتطرف؟! ما الذي يحركه؟ ما الذي يدفع به على ذلك النحو لإنهاء حياة أشخاص لا يعرفهم وليس بينه وبينهم أي عداء مسبق على المستوى الشخصي وربما حتى على المستوى الجمعي؟!

إن أقرب سبب غير منطقي يمكن أن تنطلق منه أي محاولة لفهم ما جرى هو الحقد، سواء كان حقد الأشخاص الذين أقدموا على تنفيذ العملية الإرهابية أو حقد الجهة التي وظفتهم لفعل ذلك.

ومثل ذلك الحقد الذي شاهدناه ليس ابن لحظته، بل هو حقد متجذر لا بدّ أنه مرّ بالكثير من مراحل البناء الداخلي ولاحقا التأجيج. وعلماء النفس ينظرون للحقد باعتباره عاطفة شديدة التعقيد ولكنها عميقة الجذور، يمكن أن تتشكل نتيجة لتجارب سلبية متعددة أو أحداث مؤلمة حقيقية، أو عملية بناء شعور بالمظلومية قد لا تكون لها جذور حقيقية وإنما عبر سرديات تاريخية متوهمة. وعادة ما يبدأ الحقد على هيئة شعور بالغضب أو الظلم الناتج عن موقف/ مواقف معينة، لكنه يتطور ويتعمق مع مرور الزمن عبر طرق مختلفة إما نتيجة استمرار تجارب الظلم والمواقف المؤلمة أو عبر عمليات غسيل الأدمغة وبناء السرديات الكاذبة والتحريض المستمر.

ولكن هل يتحول الحقد إلى إرهاب وتطرف؟

إن بحثا سريعا في مراحل تشكل الكثير من المنظمات الإرهابية أو الحركات المتطرفة تؤكد أن الحقد يمكن أن يتحول بالفعل إلى إرهاب في بعض الحالات خاصة عندما تتصاعد المشاعر السلبية وتُترجم إلى أفعال عنيفة. يحدث هذا التحول عندما يُستغل الحقد ويُغذى من قبل أيديولوجيات متطرفة أو جماعات تعتمد على العنف لتحقيق أهدافها، أو حتى عندما يصل الإنسان إلى مرحلة اليأس التام ويشعر أن كل الآفاق قد سدت أمامه، لكن العملية ليس آلية وتخضع للكثير من العوامل النفسية والحاضنات الاجتماعية والدينية التي ينشأ فيها الإنسان.. وتحدث العملية نتيجة لتفاعل معقد بين الظروف الشخصية والنفسية والاجتماعية. على سبيل المثال، قد يشعر الفرد بالحقد نتيجة لتجارب شخصية مؤلمة كالظلم أو الإهانة، وعندما لا يتم التعبير عن هذه المشاعر أو معالجتها بطريقة صحية، فإنها تتفاقم وتتحول إلى رغبة في الانتقام أو إلحاق الضرر بالآخرين.

وتتفاقم المشكلة عندما يجد الأشخاص الذين يحملون هذا النوع من الحقد مسوغات زائفة أو دعمًا ضمن جماعات متطرفة تعزز مشاعرهم السلبية وتحولها إلى عقيدة. في هذا السياق، يمكن أن تتحول العواطف الشخصية إلى أفعال عدائية وأحيانًا إلى أعمال إرهابية.

وهذا الفهم لسيكولوجية الحقد المفضي إلى التطرف والإرهاب معلوم عند الكثير من الأنظمة السياسية وتقوم بتوظيفه لخدمة مصالحها وتوجهاتها ومنه تنطلق عملية صناعة الإرهاب أو حتى صناعة التوحش، ويمكن في هذا السياق الرجوع إلى الحيثيات التي تم عبرها صناعة تنظيم «داعش» الذي تبنى العملية الإرهابية في موسكو.. كيف حولت بعض الأنظمة الغربية عشرات الآلاف من الذين كانوا يشعرون باليأس وبانسداد الأفق إلى إرهابيين ومتوحشين وعلى استعداد أن يفرغوا كل أحقادهم التي شكلها الظلم والقهر بأي طريقة.. وكان المسار المختار التطرف الديني من أجل ضرب الإسلام.

بهذا المعنى فإن العالم اليوم الذي يعيش حالة من الغليان ومن الظلم والقهر واليأس وانسداد كل الثقوب نحو المستقبل هو مشروع جاهز لبناء متطرفين ومتشددين جاهزين للانتقام من الجميع فكيف إذا وافق ذلك تأجيج للنزاعات الدينية والتاريخية والعرقية والاجتماعية والوطنية.

إن المنطقة العربية في أمس الحاجة اليوم إلى فهم حقيقة ما يقوم به الأعداء من استغلال لكل التحديات السياسية والاقتصادي والاجتماعية التي تعيشها منطقتنا العربية للدفع بمئات الآلاف من اليائسين إلى ميادين التطرف والإرهاب، ولترسيخ وعي أن الحل ليس في التطرف وإنما في البناء الداخلي وفي بناء القيم والمبادئ التي تبدأ من الفرد وتعم المجتمع لتشكل بعد ذلك حالة يمكن البناء عليها في المنظومة الأكبر ثم الأكبر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: یمکن أن

إقرأ أيضاً:

مفتي الجمهورية: العزلة الفكرية والصحبة السيئة من أبرز أسباب الانجراف نحو التطرف

ألقى الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، محاضرة بعنوان "التطرف وأثره على المجتمع"، بجامعة عين شمس، ضمن ندوة تثقيفية أقامتها الجامعة بحضور نخبة من القيادات الأكاديمية والطلابية.

مفتي الجمهورية: الرقابة ليست مجرد إجراءات إدارية بل هي التزام ديني

وقد استقبل الأستاذ الدكتور محمد ضياء زين العابدين، رئيس جامعة عين شمس، فضيلة المفتي، مشيرًا إلى دَور دار الإفتاء المصرية في تعزيز القيم الإنسانية ونشر الوعي الديني الوسطي. وأكد رئيس الجامعة أن الحوار هو السبيل الأمثل للقضاء على التطرف، وأن التعاون بين المؤسسات الدينية والأكاديمية ضروري لفهم هذه الظاهرة والتصدي لها. كما حضرت الندوة الأستاذة الدكتورة غادة فاروق، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، إلى جانب عدد كبير من عمداء الكليات وأعضاء هيئة التدريس والإداريين  والطلاب.

وصرَّح الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بأن الحديث عن التطرف ليس من باب الرفاهية، بل هو من الأمور التي ينبغي أن تسير عليها المؤسسات، خاصة في ظل مواجهة المؤسسات الدينية باتهامات باطلة تربطها بالإرهاب. 

وأضاف أن التطرف ليس مقتصرًا على الدين فقط، بل هو مجاوزة الحد في الفكر، سواء كان ذلك بالتشدد أو بالتحرر المبالغ فيه، حيث يدعو البعض إلى تمييع الدين واجتزاء النصوص. كما أوضح أن الغلو في التمسك بأمور خارجة عن المألوف يُعَدُّ من أشكال التطرف التي يجب التحذير منها.

الحكم على الدين من خلال تصرفات المنتسبين إليه ظلم بيِّن

وأضاف المفتي أنه عندما نتحدَّث عن التطرف يجب التفرقة بين الدين نفسه وبين أتباعه، فالحكم على الدين من خلال تصرفات المنتسبين إليه ظلم بيِّن.

وأوضح فضيلته أن الدين جاء لتحقيق مجموعة من المقاصد، وإذا تمَّ الاعتداء على هذه المقاصد يكون ذلك تطرفًا فكريًّا واضحًا. فالمقاصد الكلية للدين إذا غابت، أدى ذلك إلى فساد الدنيا والدين معًا.

وأشار فضيلة المفتي إلى أن هناك بعضَ أصحاب الأجندات المختلفة الذين يسعون إلى تشويه صورة الدين وتقليل قيمة العقل والاستهانة بالدماء، مؤكدًا أنَّ الدين في جوهره رسالة إصلاحية تحقِّق الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، وتضع إطارًا للعلاقة بين الإنسان وربه. وأضاف أن هذا الدين العظيم لم يترك حتى العلاقات الإنسانية دون ضوابط دقيقة تنظِّمه، بل وضع أطرًا للتعامل مع الجميع.

وأكَّد فضيلة المفتي أنه من الخطأ الكبير إلصاق التشدد بالدين، موضحًا أن أسباب التطرف بعيدة كل البُعد عن جوهر الدين. وأوضح أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم بُعث بالحنيفية السَّمحة التي تراعي حقوق الله والكون والبلاد والعباد دون إفراط أو تفريط. وأعرب فضيلته عن شُكره للمؤسسات التربوية والجامعات التي تهتمُّ بمثل هذه القضايا المهمة، لأن هذه المؤسسات تعدُّ من أهم الأماكن التي ينبغي أن تُعنى بتشكيل وعي الأجيال لمواجهة التطرف.

وأردف فضيلةُ المفتي أن التطرف ليس ظاهرة حديثة، بل هو نتاج تراكمات اجتماعية وثقافية وتربوية وسياسية واقتصادية. قد تكون هناك أسباب دينية، لكنها ليست الأكثر تأثيرًا في نشأة التطرف وانتشاره. لذا، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلَّب تكاتف جميع المؤسسات للعمل وَفْقَ رؤية واضحة وشاملة. وأكَّد فضيلته أن الدين هو طوق النجاة للأمم، حيث نجد أنَّ الحضارات التي ازدهرت ماديًّا شهدت في الوقت نفسه انحدارًا أخلاقيًّا وسلوكيًّا، وهو ما يعكس أهمية الحفاظ على القيم الدينية والأخلاقية.

كما أشار فضيلة المفتي إلى أن الله أيَّد الخلق بوحيين: الوحي المنظور وهو العالم الخارجي الذي نراه ونتأمله، والوحي المسطور وهو الكتاب السماوي. وبيَّن فضيلته أن هناك جوانب يتشابك فيها العلم مع الدين وجوانب أخرى تستقل كل منهما عن الآخر، وهذا يعكس التكامل بينهما لا التعارض. وأكَّد أن الإنسان يجب أن يُترك للبحث دون قيود، ولكن في إطار أخلاقيات البحث العلمي حتى لا نصل إلى مرحلة "نشتري الموت بأيدينا".

وشدَّد فضيلةُ المفتي على أن الإنسان قد غزا الفضاء، واستولى على البر والبحر، وحقَّق إنجازاتٍ عظيمةً ورفاهية غير مسبوقة، لكنه يبقى عاجزًا أمام سرِّ وجوده في الحياة الدنيا. وأشار إلى أنَّ العلم رغم تقدماته لا يمكنه تفسير كل شيء، وأن هذا يؤكد محدودية العلم. وأضاف فضيلته أن {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85] هي حقيقة علمية تؤكِّد أن الإنسان لا يستطيع إدراك كل ما يتعلق بالوجود.

وتابع فضيلته قائلًا: إنه عندما يُقحم العقل في أمور ليست من مجاله، فإن ذلك يؤدِّي إلى الغلوِّ والتطرُّف. لذلك، يجب أن تسلط المناهج التربوية الضوءَ على محاسن الدين، الذي بدأ مع خلق الإنسان تحت شرائع مختلفة تدعو للتعايش والتسامح والتراحم. وأوضح أن الرسالات السماوية جاءت بالوصايا العشر التي يجب أن تكون جزءًا أصيلًا في المناهج التعليمية.

وأضاف فضيلةُ المفتي أنه على الرغم من وصولنا إلى القرن الواحد والعشرين، ما زلنا نواجه مشكلة الثأر، رغم أن أطراف النزاع قد يكونون من ذوي العلم والوجاهة. وقال إن العقلية التي تقول: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ما زالت سائدة في بعض البيئات التي تُحكم بالعادات أو الفهم الخاطئ لثقافة معينة، مما قد يُنتج تطرفًا فكريًّا.
مما يؤكد على دَور المورثات الخاطئة أيضًا في تفشي ظواهر التطرف لدى المجتمع.

الصحبة لها تأثير كبير في تكوين الفكر

كما أشار إلى أنَّ الصحبة لها تأثير كبير في تكوين الفكر، حيث إنَّ الكثير من العائدين من الجماعات الإرهابية أشاروا إلى أن الصاحب والصديق كانا البوابة الأولى للتطرف. لذلك، شدد فضيلة المفتي على ضرورة تحري الصاحب الصالح الذي يأخذ بيد صاحبه إلى الحق والثبات عليه.

وفي حديثه عن العوامل التي تؤدي إلى التطرف، ذكر فضيلة المفتي أن الفقر والجهل والمرض هي ثلاثة أضلاع خطيرة تهدد المجتمع، حيث إن الكثير ممن انضموا إلى الجماعات المتطرفة كانوا ضحية للفقر المدقع والجهل. وأضاف أن الإعلام قد يكون أداة بناء أو هدم، حيث يمكن أن يُسهم في نشر القيم السلبية من خلال الترويج لمسلسلات وأفلام تدعو للمثلية والانحلال الأخلاقي.

كما أكد على ضرورة مواجهة الفكر بالفكر والآلة بالآلة، واستخدام المحتوى الإعلامي والتربوي لنشر القيم الصحيحة. وأضاف أنَّ المؤسسات التعليمية والإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي يجب أن تتكاتف للتصدي للألعاب الإلكترونية التي تدعو للعنف والقتل وللحدِّ من تصدير الفكر المتطرف. وأشار إلى أن بعض القضايا قد تكون بسيطة، لكن بعض وسائل الإعلام قد تعمَّد إلى تضخيمها لتحقيق "الترند"، دون مراعاة للمآلات والآثار والنتائج؛ مما يستوجب من الإعلاميين تحرِّي المسؤولية في نشر الأخبار.
وتوجَّه فضيلتُه للإعلاميين قائلًا: أنتم على ثغر خطير من ثغور الدين والوطن، فاتقوا الله فيما وضعكم فيه.

وفي ختام كلمته، أشار فضيلة المفتي إلى أن الغلو والتشدد يؤديان إلى تضييق الحياة على الناس من خلال التكفير والتفسيق، مما يعطي مبررًا للتخريب بدلًا من الإعمار. وأكد أن العلم مفتاح التطور، ويجب الانفتاح على مختلف مجالاته، بما فيها علم الفلك، للاستفادة من أدواته لتحقيق التقدم والرقي.

وفي ختام الندوة تقدَّم رئيس الجامعة بالشكر لفضيلته مهديًا إليه درع الجامعة في لفتة تقدير وامتنان لما يبذله فضيلة المفتي من جهود لنشر الوعي والفكر الوسطي.

مقالات مشابهة

  • إعدام سعوديين بتهمة الخيانة والإرهاب
  • عاجل. لافروف: لا يمكن السماح بانهيار سوريا رغم رغبة البعض في ذلك ويجب إشراك الجميع في العملية السياسية
  • الأزهر لمكافحة التطرف: المراهنات الإلكترونية نوع من القمار يهدد حياة الأفراد والمجتمع
  • رئيس جامعة الأزهر: نحمل رسالة سامية لمكافحة التطرف والإرهاب
  • مركز الأزهر لمكافحة التطرف: المراهنات الإلكترونية خطر يهدد الشباب
  • خلال احتفالية الشعب الجمهوري لتجهيز 150 عروسًا بالجيزة.. أبو هميلة: الشائعات سببها الحقد على مصر ورئيسها
  • عصام الصبحي يقود الأحمر لفك شفرة العقدة القطرية واعتلاء صدارة مجموعته
  • مفتي الجمهورية: الحكم على الدين من خلال تصرفات المنتسبين إليه ظلم بيِّن
  • مفتي الجمهورية: العزلة الفكرية والصحبة السيئة من أبرز أسباب الانجراف نحو التطرف
  • أزمة لصناع المحتوى.. يوتيوب تشن حملة على الفيديوهات التي تحمل عناوين مثيرة للانتباه