بالفعل كما قال "جوزيب بوريل" منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى فإن الحملة العسكرية الإسرائيلية فى غزة حولت القطاع إلى أكبر مقبرة مفتوحة فى العالم بعد أن كان قبل الحرب أكبر سجن مفتوح، لقد غدا القطاع اليوم مقبرة بالفعل لعشرات الآلاف من الأشخاص، وأيضا مقبرة للعديد من أهم مبادئ القانون الإنساني التي طمرت بدورها تحت الرماد، وهو ما سلط الأضواء مؤخرا على أحد أكبر عمليات إسرائيل العسكرية عند اقتحامها مجمع الشفاء فى غزة فى 18 مارس الجارى، وهو الاقتحام الذي أسفر عن مقتل العديد من الضحايا واعتقال آخرين بينهم نشطاء من حركة "حماس".
يعتبر مجمع الشفاء أحد المرافق الصحية القليلة الباقية فى القطاع، وسبق لإسرائيل أن اجتاحته فى الخامس عشر من نوفمبر الماضى. واليوم سيطرت قوات الجيش الإسرائيلي على المستشفى بالكامل بعد أن اقتحمته بقصف جوى ومدفعي عنيف، مع اطلاق نار كثيف داخل غرف وأروقة المستشفى تتعلق بمرضى، بكوادر طبية، وقامت الطائرات بقصف محيط الموقع ليطال القصف عدة مبان ومنازل مجاورة للمجمع الطبى، بالإضافة إلى محاصرة إسرائيل للشوارع والأحياء السكنية، ليصبح المدنيون الفلسطينيون ضحايا عدم اكتراث الجيش الإسرائيلي بحياتهم، وضحايا العجز الدولي فى فرض أى إجراء من شأنه حمايتهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية رغم قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والأمر الاحترازى لمحكمة العدل الدولية.
كانت اسرائيل قد تعرضت لانتقادات من قبل، عندما داهمت قواتها نفس المستشفى وادعت كذبا أنها اكتشفت أنفاقا قريبة تستخدمها حماس كمراكز قيادة وسيطرة، وهو ما نفته حماس، واليوم بات المستشفى يعمل حاليا بالحد الأدنى وبأقل عدد من الموظفين بعد استهدافه مرتين من قبل. ولا شك أن اسرائيل باقتحامها لمجمع الشفاء من جديد تكون قد ارتكبت جريمة حرب استهدفت خلالها المدنيين عمدا، فاقتحام المجمع الطبى بالدبابات والطائرات المسيرة والأسلحة واطلاق النار فى داخله هو جريمة مكتملة الأركان. ويعد مستشفى الشفاء أحد المرافق الصحية القليلة المتبقية في القطاع المحاصر، وتتهم إسرائيل حماس باستخدامه كقاعدة لمقاتليها، وأنه يجرى استخدامه كمركز قيادة لإيواء المقاتلين المسلحين.
فى استعراض ما نجم عن حرب قطاع غزة حتى الآن من أعداد القتلى عند كل من الفلسطينيين والاسرائيليين نجد تفاوتا كبيرا فى المحصلة التى آلت اليها الحرب حتى الآن، فعلى حين بلغ عدد القتلى الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر الماضى وحتى الآن نحو 32 ألف قتيل، أما عدد الاسرائيليين الذين قتلوا منذ بداية العملية البرية على القطاع فوصل حتى الآن إلى 593 فقط.
المأساة اليوم تتجلى فى عجز المجتمع الدولي عن التحرك لوقف جرائم الإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني فى الأرض الفلسطينية. ولا شك أن عجز المجتمع الدولى نابع من كونه متواطئ مع الغرب الممالئ لإسرائيل، ولهذا فشل الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة فى التوصل إلى رد موحد على الحرب فى غزة، والسبب أن بعض أعضاء الاتحاد يدعمون إسرائيل بقوة. بينما يتعاطف البعض مع الفلسطينيين. واليوم زادت الأمور وطأة، فبالإضافة إلى المذابح التى ترتكبها اسرائيل فى غزة تعمد إلى استخدام التجويع كسلاح باتر ضد الفلسطينيين، وهو ما سيؤدى حتما إلى كارثة مجاعة من الآن وحتى مايو القادم، وهذا وفقا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائى الذى أعدته الأمم المتحدة ووكالة الإغاثة. وللأسف يجرى هذا دون أى تدخل يحول دون حدوثه.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فى غزة
إقرأ أيضاً:
مسؤول بالأونروا: غزة في مجاعة والوضع تجاوز الكارثة
قال المستشار الإعلامي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عدنان أبو حسنة إن الوضع في قطاع غزة وصل إلى مرحلة ما بعد الكارثة، ومخازننا باتت فارغة تماما من المواد الغذائية، مؤكدا أن إسرائيل لا تسمح بإدخال مجرد زجاجة مياه أو لقاح لإنقاذ طفل.
وأضاف أبو حسنة -في مقابلة مع الجزيرة نت- أن الأونروا (أكبر منظمة إنسانية تعمل في قطاع غزة) لم يتبق في مخازنها أي مواد إغاثية يمكن توزيعها على السكان، فقد نفدت بالكامل، والأمر نفسه لدى برنامج الغذاء العالمي.
وأشار إلى أن الوضع في غزة وصل إلى نقطة حاسمة، فهناك عشرات الآلاف الذين يتضورون من الجوع، ونرى الآن مشاهد مروعة من انتشار الجوع والمجاعة في معظم مناطق القطاع.
وعلى مدى اليومين الماضيين، أعلنت عدة جهات نفاد المخزون الغذائي بالكامل من القطاع، وتوقفت المخابز عن العمل بعد نفاد الدقيق ووقود الطهي، كما أعلنت منظمة أوكسفام على لسان منسقة الشؤون الإنسانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا روث جيمس أن أوكسفام دعت مع منظمات إنسانية أخرى مرارا إلى إعادة فتح المعابر لتفادي مجاعة وكارثة إنسانية.
مأساة إنسانية
وفي ما يتعلق بتفاصيل الوضع الحالي في القطاع، قال المستشار الإعلامي للأونروا إن إحصاءات الوكالة تقول إن 95% من سكان غزة كانوا في الأساس يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم اليومية. مؤكدا أن عملهم الميداني كان يصمد نتيجة توزيع المواد الغذائية من خلال التكايا والمطابخ، أما "الآن وبعد نفاد جميع المواد المتاحة، فقد أصبحنا في مواجهة مباشرة مع مأساة إنسانية كبرى".
إعلانوالأونروا وكالة أممية تُعنى بتنفيذ برامج إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتأسست في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1949، وتقدم خدماتها لنحو 5.9 ملايين شخص، ويعيش نحو ثلثي هذا العدد في 58 مخيما معترفا به للاجئين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.
وذهب أبو حسنة في حديثه للجزيرة نت إلى أنه لأول مرة منذ بدء عمل الأونروا "نقترب من دخول الشهر الثاني لمنع إدخال أي مواد إغاثية أو مساعدات إنسانية إلى القطاع".
واستعرض الوضع في السابق، فقد "كان الجدل يدور حول عدد الشاحنات التي يتم إدخالها -80 أو 120 شاحنة مثلا- ولكن الآن فإن إسرائيل تمنع دخول أي شيء على الإطلاق، وهذا يشمل المواد الإغاثية والأدوية والوقود والمياه، وحتى اللقاحات الأساسية ضد أمراض خطيرة مثل شلل الأطفال والكوليرا".
وشدد المستشار الإعلامي للأونروا على أن هذه الإجراءات غير مسبوقة وتجعل الوضع أكثر كارثية، خاصة في ظل أن "معظم السكان يشربون مياها غير صالحة للشرب" في الوقت الحالي.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تمنع إسرائيل إدخال المساعدات الإغاثية والطبية للقطاع، كما أغلقت كل المعابر التي تدخل منها المساعدات، في ظل "المستوى الخطير الذي بلغته الكارثة الإنسانية التي صنعها الاحتلال الفاشي، ودخول أهالي القطاع مرحلة المجاعة الفعلية"، حسب ما أعلنته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الجمعة الماضي.
النداءات الدولية
وعند سؤاله عن التحرك الدولي لإنقاذ نحو 2.5 مليون فلسطيني في القطاع، قال أبو حسنة "للأسف الشديد، فرغم وجود نداءات وضغوط دولية مستمرة، فإننا لم نرَ أي ترجمة عملية لها على الأرض، وهناك حراك دبلوماسي وسياسي وإعلامي كبير، ولكن حتى الآن ترفض إسرائيل الاستجابة لهذه الضغوط والمطالبات الإنسانية بفتح المعابر والسماح بإدخال المساعدات اللازمة لإنقاذ حياة السكان".
إعلانأما دور وكالة الأونروا نفسها، فذهب مستشارها الإعلامي إلى أن "القضية اليوم تتجاوز مستوى الأونروا أو الأمم المتحدة، وتصل إلى النظام العالمي بأسره". موضحا أن هناك متغيرات وتحديات تواجه العالم حاليا.
وأضاف المتحدث أن "ما نواجهه الآن هو انهيار للقيم والمبادئ التي أنشئت الأمم المتحدة على أساسها بعد الحرب العالمية الثانية، ونشهد انتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، حيث لا أحد يستطيع فرض إدخال حتى زجاجة ماء إلى غزة أو لقاح لإنقاذ حياة طفل".
اختبار صعب
وأشار أبو حسنة إلى أننا "اليوم نحن أمام لحظة مفصلية ليست فقط لغزة، بل للنظام العالمي بأسره، فإذا لم يستطع العالم التحرك لفرض احترام أبسط الحقوق الإنسانية وإنقاذ أرواح الملايين في قطاع غزة، فإننا نكون قد فقدنا مقومات النظام الإنساني الذي نعمل تحت مظلته".
وختم تصريحاته للجزيرة نت بأن "الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي الذي يجب أن يتحرك فورا وبكل قوة لفرض إدخال المواد الإغاثية الأساسية إلى غزة، فالأرواح في خطر، والمجاعة ليست مجرد احتمال، بل هي واقع بدأنا نلمس آثاره على الأرض".
يُذكر جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن عدوانا على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وراح ضحيته حتى الآن أكثر من 52 ألف شهيد، وإصابة نحو 118 ألف شخص، بالإضافة إلى أعداد غير معلومة من الضحايا تحت ركام منازلهم، ولا تستطيع فرق الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، حسب إحصاءات وزارة الصحة في قطاع غزة.