طرق الإيمان كلها فلاح وصلاح وقد هيأها الله لمن رام الوصول وذاب شوقا فى المعبود الذى أراد لاحبابه الالحاح فى الدعاء و التشوق إلى الوقوف فى العتبات والقرع للابواب حبا فى وصالهم وتودد فى المحبة لهم وصونا قلوبهم عن التعلق إلا به، فقد ذاق طعم الإيمان من أدام قرع الابواب وتمسح بالعتبات ولاذ بالواحد القهار الذى به يعز المؤمن وبذكره يأنس الذاكر وبالدعاء يقرب القانت، فقد قال عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه: قد أفلح من عصم عن الهوى والغضب والطمع.
وذلك لأن الثلاثة إذا كانت فى مؤمن أحالت حياته إلى بعد عن الله فيتبع هواه فيكون عبدا لشهواته ورغباته وتابعا لنزواته وفجرته فلن تنال منه إلا سفاهة وجهالة، فعندئذ ينحط انحطاط البهائم وسيهوى مهاوى الهلكة ولا عاصم يعصمه من ضمير أو دين أو وجل أو خوف من الله أو حتى من خلق، وكذلك إذا غضب لن يثمر نفعا ولن يجدى ثمرا وإنما سيكون نارا لا تبقى ولا تذر بل سيسفك الدماء ويقترف الحرمات ويفترى على خلق الله وسيورد نفسه فى أتون حروب تهلكه ولا يقل الغضب عن الطمع الذى سيجعله لا يرضى بشيء ولا يقنع الا بامتلاك كل ما حرم لأنه لن يكون عنده خط احمر لأمر من الأمور، فمن أجل الطمع يأكل أموال الناس بالباطل ويقترف ما حرم الله، ولذلك لن يفلح ولذلك كان أفلح الناس من أدب نفسه ورباها على طاعة الله واجتناب ما حرم الله ولا عاصم لمن رام الوصول إلى الله إلا بالبعد عن طريق الغواية والهلاك، فقد قال الحسن رضى الله عنه: أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان وحرمه على النار من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب، فهذه الأربع هى مبدأ الشر كله.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
عودة سوبر دونالد
منذ قديم الأزل والبشر على اختلاف مشاربهم مهووسون بسماع قصص الأبطال الخارقين الذين لديهم قدرات تشبه تصريف الآلهة، فلو تفحصت الأدب الشعبى القديم، سواء ملحمة مهابهاراتا الهندوسية أو جلجامش السومرية وأساطير الملك القرد الصينية وقصيدة بيوولف الإنجليزية.. إلخ ستجد فى تلك الأساطير القديمة أبطالا جسورين يخوضون مغامرات شيقة تتخللها ملاحم سحرية إما بمساعدة الآلهة أو رغم إرادتها، وعندما ينجحوا نجاحا مذهلاً يكافأون إما بثروة طائلة أو مكانة مرموقة أو ربما بعض القدرات الإلهية لكن مع تحضر الإنسان وتطور المجتمعات جاءت التصورات الفلسفية المبكرة لأطروحة الإنسان الأعلى أو السوبرمان مختلفة لاسيما فى كتابات ديكارت وهيجل وشوبنهاور لكنها تبلورت بوضوح فى الفلسفة العدمية للألمانى فردريك نيتشه، فقد كان إطارها العام هو انتهاء عصر الفروسية وسقوط النظام الأخلاقى وكل ما يدعمه وظهور صياغة جديدة للإنسان الخارق أو «السوبرمان» والذى يمثل النقيض الكامل لتصور المفكر الإيطالى «بالداسارى كاستيليونى» عن الجنتلمان رجل البلاط الملكى اللبق القادر على التحاور وتقديم المشورة والرأى السديد للحاكم إلى مفهوم نيتشة الرافض لأخلاق القطيع المستضعفين القائمة على ثوابت الإيمان المسيحى ولكل الأخلاق السائدة وأشهر مثال سياسى تأثر تاثيراً كبيراً بهذه الفلسفة كان الزعيم النازى أدولف هتلر الذى كان يؤمن بأن الجنس الآرى هو أرقى الأجناس البشرية ونتيجة ذلك كارثة إنسانية فظيعة خلقت ملايين القتلة وتدمير شامل.
لكن أسطورة البطل الخارق الأمريكى تختلف فقط فى الأسلوب فهى مفتاح فهم المجتمع إن لم تكن العمود الفقرى لمنهجه السياسى وكذلك خيال الثقافة الشعبية التى اخترعت رموزها فكان أول نموذج للبطل الخارق هو شخصية سوبرمان التى ظهرت فى عام 1938، ثم سيطرت قصص الأبطال الخارقين بعد ذلك على عقلية الأمريكيين.
من المستحيل فهم ما جرى فى الانتخابات الرئاسية دون الإشارة إلى تغلغل أسطورة السوبرمان فى وعى معظم الأمريكيين وتحكمها فى النتيجة النهائية التى جاءت على عكس كل التوقعات التى كانت تميل إلى كفة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس كانت الحالة العامة قبل الانتخابات التاريخية تخلق تصورًا لدى قطاعات واسعة من الناخبين أن ثمة تحالفًا لقوى مؤسسية كبرى ومنظمة تتمترس لإزاحة ترامب عن المشهد السياسى بشكلٍ مهينٍ وعصبى، فى وقت تحول ترامب إلى رمز تاريخى للحزب الجمهورى وقواعده، فقد عاد السوبر دونالد رئيسًا منتخبًا بعد إدانته قضائيًا بعشرات التهم، وبعد أن ألغته شركات الميديا الكبيرة وسلبته حق الظهور والتواصل لسنوات، ثم تعرضه لمحاولتى اغتيال جادتين، إحداهما كانت خطيرة، والأخرى أحبطت فى مهدها.
أعتقد أن سر الفوز الكاسح الذى حققه دونالد ترامب يكمن فى تبنى حملته خطاب الشعبوية الجاكسونية، Jacksonian Populism. كان أندرو جاكسون الرئيس السابع مؤسس هذا النمط من الشعبوية حيث عُرف عنه دعمه للمواطن البسيط وتحديه للسلطة المركزية للنخبة الأمريكية، واتهامها بأنها لا تراعى المواطنين الأمريكيين البيض فى المناطق الريفية والطبقات المتوسطة، فكان يعتمد على التوجه المباشر نحو أصوات الطبقات العاملة وضد ما كان يعتبره توحش النخب السياسية والاقتصادية التى تسيطر على الحكم واستندت شعبية جاكسون من خلال تقديم نفسه كمدافع عن الشعب ضد النخب السياسية والإعلامية، وقد استلهمت حملة ترامب هذا الخطاب القديم الجديد بكفاءة لافتة، فترامب يميل بشكل فطرى لاستخدام هذا الخطاب بشكل دائم، كما يميل إلى التصرف الحازم وأسلوبه القيادى المباشر، ومحاولة جذب الجماهير الشعبية من خلال خطابه الذى يتسم بالتسطيح والشعبوية.
لا شك أن الترامبية ليست إلا نموذجًا مثاليًا البراجماتية الأمريكية، فترامب هو رجل الصفقة. مدخله إلى السياسة أتى من كونه رجل شركات ومديرًا تنفيذيًا. فهو تجسيد أمين للطور الجديد للوساطة السياسية بين رأس المال والسلطة وهذا هو جوهر المنطق الرأسمالى الأمريكى الذى يمجد المال ولا يعرف للمبادئ أو القيم مكاناً، وهو ذاته منهج ترامب المفضل فهو بطل قومى لحفنة من البيض العنصريين الأغنياء، هذا الانتصار الكبير يعنى ببساطة القطيعة مع استمرارية النظام السياسى الكلاسيكى الذى يحكم الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية وبداية مسار جديد ستظهر ملامحه مع نهاية حكم القيصر الجديد. الجدير بالذكر أن الأبطال الخارقين عموماً لا يموتون ولا حتى يختفون بل هم دائماً موجودون فى مكان ما ينتظرون اللحظة المناسبة وها هى قد أتت على طبق من ذهب لعودة سوبر دونالد الذى سينتقم من كل اعدائه.