لجريدة عمان:
2025-03-17@13:08:44 GMT

غزة من عاطفة التضامن إلى صدمة التعقل

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

تابعتُ اللغط الذي حدث في وسائل التواصل الاجتماعي عقب حديث أحد الأطباء العمانيين الذين زاروا غزة للتطبيب، إلا أنه ذكر مشاهد رآها وعايشها وحاورها وزارها أثناء رحلته القصيرة، وهذا جميعه لا يدخل في الاستقصاء أو البحث العلمي، بل هو أقرب إلى أدب الرحلات، والتي يذكر فيها صاحبها بعض مشاهداته، أيا كانت رحلته لأسباب سياحية أو إغاثية أو كشفية، وليس بالشريطة أن يتوافق مع هذه المشاهدات، فقد تمثله وقد لا تمثله هو ذاته، إلا إذا أعقبها برأي يبين فيها رؤيته ونقده، فقط يُطلب منه الأمانة في النقل والتحري، وأن يذكر الشيء كما هو، كان موافقا له أو مخالفا، دون توجيه مسبق أو تحريف.

والمتأمل أيضا في أدب الرحلات لا يمكن في الجملة جعلها قرين المباحث العلمية، والتي تلزم مزيدا من البحث والاستقصاء والتقصي، إلا إذا كانت من الأساس خططت لإجابة عن قضية جغرافية أو دينية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية ونحوها، وهذا يتطلب المكوث قد يكون لسنوات، وقد يتطلب كسب لغة، ويحتاج إلى مزيد من الصبر والدعم، وهذا لا يقلل من أدب الرحلات العامة، وهي الصورة الغالبة قديما وحديثا، ولكن عند القراءة والتحليل والنقد؛ كل يجعل في موضعه، دون خلط بينهما، ووضع إلزامات ليس في محلها الصحيح.

ثم أن المتأمل أيضا في الحوارات التي أجريت مع الطبيب العماني، يجدها متداخلة بين رؤيته الإنسانية المسبقة، وسَبَقَ الإشارة إليها في مقالتي السابقة في جريدة «عمان»، وبعنوان: «الطبيب أيمن السالمي وإنسانية غزة»، وبين مذكراته التي رآها وجالسها وحاور فيها أصحابها، فالأولى كانت تمثل رؤيته، ويحاكم عليها تأييدا ونقدا، والثانية مذكراته التي ينقلها كما رآها هو، فهو ينقل الصورة كأي سائح أو رحالة، لأي غرض كان، فلا معنى لهذه الضجة، ولا معنى للإسقاطات الاتهامية المسبقة، وليس من الأمانة النقدية إخضاعه لأحكام مسبقة، وهو حر في تفكيره ورؤيته في الحياة، والفكر يواجه بالفكر لا بالاتهام والتنقيص.

ما أسلفتُ الحديث حوله لا يعني أنني ضد النقد، بل هو حالة صحية، ولكن هناك فارقا دقيقا بين النقد المنهجي، وبين الإقصاء الاجتماعي، فما نراه ليس نقدا علميا إلا ما ندر، بل هي أحكام مسبقة، تارة أنه أرسل لأغراض استخبارية خارجية، أو أنه داعم للصهيونية، أو أنه طبيب لا يحق له الحديث في السياسة، بينما صفحاتهم مليئة بالحديث فيها، أو أن هدفه نشر فكره الإنسانوي والإساءة إلى الدين والمقاومة، لهذا تغيب المعرفة النقدية في أجواء كهذه، فننتقل من تفكيك ونقد الحدث إلى شخصنة الحدث ذاته، فليتها كانت انطباعات نقدية، فلا نتحدث هنا عن الحفر النقدي والمعرفي، بل كانت «للأسف» تدور بين الشخصنة، والبحث عن تغريدات وإعجابات مسبقة، وبين الأحكام السالفة، وهذه من أهم أدواء البحث والنقد المعرفي.

ثم طبيعي أن نعيش بعد أي حالة عاطفية حالات من الصدمة متى ما دخلنا في حالات التعقل، ففي أجواء كهذه طبيعي أن يسود الجو العاطفي، ولا يمكن بحال الحديث عن التعقل، وفي بدايات الأزمة كتبت أيضا في جريدة عمان في مقالة حول «القضية الفلسطينية ورؤية الشباب العماني»، ومما قلته فيها: «هناك الكثير مما طرحه الشباب والشابات...، وإن غلب في بعض جوانبها الحالة العاطفية والوجدانية والحماسية أكثر من التعقل، فهذا... حالة طبيعية للوضع المأساوي الذي تعيشه غزة اليوم، في حالة غير أخلاقية، وبعيدة جدا عن المبادئ الإنسانية والدينية، ولو كنت في موقفهم لقلتُ مثلهم».

ونحن اليوم بعد خمسة أشهر من حادثة سبعة أكتوبر طبيعي أن تخفت تلك العاطفة، وهذا ملحوظ حتى على مستوى وسائل التواصل، ومع بشاعة ما يحدث في غزة، إلا أن جذوة التعاطف لم تكن كالتي في بدايتها، كما أن طول الحرب يعطي شيئا من المراجعات، كانت إيجابية أم سلبية، كما يعطي شيئًا من تعدد الرأي في قراءة القضية من جديد، وعليه ستختلف الآراء بشكل طبيعي، كما يعطي شيئًا من الصدمات أمام الحالة العاطفية الطبيعية نتيجة الوضع المأساوي، والإبادة الواضحة في قطاع غزة، والتي عاشها الجميع لأشهر وأيام متواصلة.

لهذا لا ينبغي اليوم أيضا أن يغيب الإنسان والحق عند الحديث فكريا؛ لأن السياسي تحركه المصالح الآنية والظرفية، ويدور وفق المسارات الدولية والقومية، والمساحات المتاحة للضغط وإيقاف الحرب والإبادة، وأما المثقف الناقد يدور حول المبادئ، ليكون ضاغطا في حماية الإنسان، وأن يكون قلمه وصوته فاعلا لدى جميع الأطراف، لتضع الحرب أوزارها، وتحفظ تلك النفوس كأي نفس أخرى لك حق الوجود والتمتع به.

لهذا الشقاق وقذف الآخر لا يجدي شيئًا وقت الأزمات، وفي القرآن: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَ اللَهَ مَعَ الصَابِرِينَ} «الأنفال: 46»، كما أن تعدد الرأي ينبغي أن يستثمر لصالح القضية، وللدفع بها لأجل وقف الإبادة والحرب، ونصرة المظلوم والوقوف معه، على أن اتهام الآخر لأدنى اختلاف، وتصنيفه وتخوينه، هذا يؤدي إلى انقسامات لا جدوى منها، ولا تخدم القضية بحال من الأحوال، لتتحول من حرب داخلية، ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم، إلى حرب خارجية ولو على مستوى الألسن والجدل، وكل يخون الثاني، فذاك يميني أخونجي، وآخر يساري صهيوني، فإذا لم يقرب الناس الرخاء، فعلى الأقل تقربهم الشدائد، وجعلهم في دائرة متقاربة لا يعني اتحاد الآراء، ولكن يجمعهم الغاية والهدف، وهي نصرة المظلوم، وإعانته ورفع الظلم عنه، والضغط لوقف الحرب والإبادة اليوم قبل الغد.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

تحالف الأحزاب: الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة الأكثر إنصافا لحل القضية الفلسطينية

عبر تحالف الأحزاب المصرية، الذي ينضوي تحت لوائه نحو 42 حزبًا سياسيًا، عن ترحيبه بتناول الصحافة الأمريكية للخطة العربية لغزة التي طرحتها مصر في القمة العربية الأخيرة وأيدتها الدول العربية والإسلامية، فضلا عن الدعم الأوروبي، واصفًا هذا الطرح بـ«المنصف والعقلاني» والذي يتسق مع الواقع الذي يؤدي بالضرورة لإحلال السلام ونبذ العنف.

الخطة المصرية لاقت ترحيبًا دوليًا

وفي بيان أصدره المركز الإعلامي لتحالف الأحزاب المصرية على لسان أمينه العام، النائب تيسير مطر، رئيس حزب إرادة جيل، ووكيل لجنة الصناعة في مجلس الشيوخ، والذي بدوره أكد أن الخطة المصرية التي لاقت ترحيبًا دوليًا، وعلى نطاق واسع، استهدفت وضع حل لجذور الأزمة الحالية وتقديم رؤية متكاملة للحياة ما بعد الحرب على غزة، ولاسيما في ضوء المعطيات التي تشير إلى أزمة حقيقية داخل قطاع غزة، ووضع أطر بديلة للإعمار بعيدًا عن التهجير.

برلمانية: صعيد مصر يشهد طفرة تنموية غير مسبوقة في عهد الرئيس السيسيالرئيس السيسي يهنئ مارك كارني برئاسة حكومة كندا

ووصف النائب تيسير مطر، التراجع الأمريكي عن مخطط التهجير والذي جاء على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ«العقلاني»، في ضوء أن الإصرار على المخطط كان سيضر بالمنطقة والمصالح الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط بأكملها، وخاصة أن العناد الأمريكي، وإن كان سيفيد الجانب الإسرائيلي وحده، لكنه كان سيزيد من رقعة الحرب والعنف في ظل عدم رضاء دول المنطقة بأكملها بالطرح الأمريكي، مشيرًا إلى أنه على الولايات المتحدة أن تنظر بإنصاف لمصالح طرفي الصراع، وتسعى لحلحلته بما يحقق النفع للفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء، لافتًا إلى أن النظرة الأحادية أفقدت ثقة دول المنطقة والمجتمع الدولي الثقة في الرؤية الأمريكية.

وقال أمين عام تحالف الأحزاب المصرية، إنه وإلى جانب الخطة المصرية للإعمار، والتي جاءت شاملة ومتكاملة، علينا أن نستغل حالة الزخم الدولي الدائرة حول القضية الفلسطينية وأن نضع حدًا لهذا الصراع التاريخي، عبر حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، على حدود الرابع من يونيو 1967، مؤكدًا أننا أمام فرصة تاريخية تقتضي صدق الرؤية للأطراف الدولية الفاعلة للجلوس على مائدة المفاوضات وحل تلك الإشكالية من جذورها وهو ما سيسهم في حلحلة تلك النزاعات وإحلال السلام، لكي يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون، جنبًا إلى جنب، بعيدًا عن الصراع الدموي المستمر.

مصر داعية السلام

واختتم النائب تيسير مطر حديثه بالقول: مصر لطالما كانت على الدوام داعية إلى السلام ومطالبة بضرورة احترام الإرادة الفلسطينية في إقامة دولتهم، فإنه آن الأوان أن نستمع للرؤية المصرية في هذا الصدد، وإلا فإن الحلول الوقتية لن تؤدي إلى نتائج حقيقية، وسرعان ما نعود إلى نقطة الصفر ودائرة الصراع مرة أخرى، ومن ثم فإن على المجتمع الدولي أن يتبنى الرؤية المصرية وأن يكون لديه رغبة صادقة في عودة الحق الفلسطيني الذي انتزع منه منذ عقود طويلة، ونحن على يقين بأن التوافق المصري الأمريكي سيؤدي حتمًا إلى حل القضية الفلسطينية، في ظل التفاهم في الرؤى بين السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس دونالد ترامب.

مقالات مشابهة

  • بالفيديو.. باحث بـ"المصري للدراسات": مصر أنقذت القضية الفلسطينية ومقترح ترامب انتهى
  • ما معنى الحديث القدسي إلا الصوم فإنه لي.. وبم اصطفى الله رمضان؟
  • يمق: طرابلس قدمت تضحيات وشهداء في سبيل القضية الفلسطينة
  • ذكرى رحيل البابا شنودة .. دعّم القضية الفلسطينية وجمع المسلمين والمسيحيين على موائد الإفطار
  • «التجديف الحديث» يشارك في «الكونغرس العالمي»
  • كيف ساهمت المواقف المصرية فى الحفاظ على القضية الفلسطينية؟
  • تحالف الأحزاب: الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة الأكثر إنصافا لحل القضية الفلسطينية
  • ليل.. «صدمة جديدة»!
  • ترامب: أزمة أوكرانيا كانت تدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة
  • إيزاك يرفض الحديث عن مستقبله ويركز على موقعة ليفربول الحاسمة