ترجمة قاسم مكي -

من اليسير أن يغرق المرء في طوفان لا ينقطع من الأخبار المزعجة عن أزمة المناخ العالمية والتي تزداد سوءًا. كان العام الماضي الأشد حرارة على الإطلاق. فقد جلب معه قائمة كاملة من العواصف والفيضانات والجفاف وموجات الحر.

استمرت ظاهرة الحر غير العادي والمثيرة للقلق حتى هذا العام. في الأثناء يتواصل ارتفاع وليس انخفاض غازات الاحتباس الحراري التي يطلقها البشر في الغلاف الجوي.

ما هو أكثر من ذلك، تثير الانتخابات الرئيسية حول العالم قدرا كبيرا من البلبلة حول سياسات الطاقة والمناخ. لكن وسط كل هذا من الضروري أيضا الاهتمام بالأخبار الجيدة وتحديدا في المجالات التي تشهد إحراز تقدم حقيقي يمكن أن يساعدنا على تجنب أسوأ الآثار التي تترتب عن التغير المناخي.

أوضح ما يكون ذلك في مجال الطاقة النظيفة حيث تحل التقنيات مثل ألواح الخلايا الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية باطِّراد محل الحاجة إلى موارد الوقود الأحفوري وتحدُّ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

الزخم الذي يدفع قُدُمًا نحو الموارد البديلة يأتي ليس فقط من السياسات الحكومية ولكن من قوى أخرى مؤثرة اقتصادية وصناعية واستراتيجية وتقنية.

أول هذه القوى مبادئ الاقتصاد الأولية. فتقنية الطاقة النظيفة أصبحت قادرة على المنافسة في العديد من المجالات الرئيسية وتزداد تنافسيتها مع تزايد الإنتاج. لقد صارت المشروعات البرية لتوليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية أرخص من محطات الوقود الأحفوري في أي مكان حول العالم تقريبا.

في الأثناء يستمر سعر السيارات الكهربائية في الانخفاض وتزداد حصتها السوقية. ففي عام 2020 كانت هنالك حوالي سيارة واحدة تدار بمحرك كهربائي بين كل 25 سيارة بيعت حول العالم. وبعد سنوات قليلة فقط في عام 2023 كانت هنالك واحدة بين كل خمس سيارات. والسيارات الكهربائية الآن في قلب معظم الاستراتيجيات المستقبلية لشركات صناعة السيارات.

الوضع الحالي للسيارات الكهربائية إلى جانب الاستثمارات التي تتزايد بوتيرة متسارعة في صناعة البطاريات يجعل التراجع عنها غير محتمل وغير عملي.

أيضا تستفيد الطاقة النظيفة من موجة ابتكاراتٍ تقنيّة. فبعد المخاوف من احتمال عرقلة اختناقات إمدادات المعادن التي لا غنى عنها مثل الليثيوم إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية استجابت الصناعة بسرعة وطرحت تركيبات كيماوية جديدة للبطاريات في السوق ستقلل من اعتمادها على هذه المعادن المفتاحية.

يتحرك الابتكار بسرعة في تقنيات أخرى صاعدة تستهدف خفض الانبعاثات مثل أجهزة التحليل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين وعمليات جديدة لصناعة الصلب الأخضر.

هنالك قوة رئيسية أخرى تدفع نحو الموارد المتجددة هي أمن الطاقة. شكلت أزمة الطاقة العالمية التي اندلعت في عام 2022 ضغطًا كبيرًا على تكلفة المعيشة وكشفت هشاشة نظام الطاقة الحالي الذي تهيمن عليه موارد الوقود الأحفوري. كما سلطت الضوء على منافع أمن الطاقة من الموارد المتجددة والطاقة النووية والتقنيات ذات الكفاءة في استخدام الطاقة كالسيارات الكهربائية ومضخات الحرارة والتي تقلل من تعرض المستهلكين لأسعار الوقود الأحفوري المتقلبة.

هذه الاعتبارات المتعلقة بالاقتصاد وأمن الطاقة أبانت بوضوح أن مستقبل الطاقة وبالتالي مستقبل اقتصاداتنا وصناعاتنا يتموضع في التقنيات النظيفة. حفّز ذلك على إحياء السياسة الصناعية من جانب الحكومات حول العالم والتي تسعى لضمان أن تكون اقتصاداتها في مقدمة اقتصاد الطاقة العالمي الجديد الذي يتشكل الآن.

البلد الذي يقود نمو الطاقة النظيفة هو الصين والتي أضافت سعة طاقة شمسية في عام 2023 تساوي ما أضافه العالم بأسره في عام 2022. الصين أيضا أكبر لاعب في سلاسل التوريد العالمية لألواح الطاقة الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية وتقنيات كبرى أخرى. وهي تستثمر في الطاقة التصنيعية في مناطق أخرى من العالم أيضا.

إذا كانت البلدان ترغب في المنافسة مع الصين في صناعات المستقبل ستحتاج، بصرف النظر عن مواقفها فيما يخص السياسة المناخية، إلى مضاعفة جهودها في تنفيذ خطط الطاقة النظيفة وليس التراجع عنها.

الطاقة النظيفة أيضا مجال لإيجاد الوظائف. فصناعاتها بما في ذلك الموارد المتجددة والسيارات الكهربائية والمضخات الحرارية تشكل أكثر من نصف الوظائف في قطاع الطاقة على نطاق العالم. وهي تستمر في إضافة المزيد منها في كل الأوقات.

أخيرا وليس آخرا، الآثار المتفاقمة لاحترار الكوكب بسبب الانبعاثات الناشئة عن الوقود الأحفوري أساسا تتضح باطراد للمواطنين في مختلف بلدان العالم والذين بمرور الوقت سيطالبون حكوماتهم باتخاذ المزيد (وليس القليل) من الإجراءات المناخية.

لدينا أدلة وفيرة على أن الرحلة إلى انبعاثات صفر كربون (الحياد الكربوني) ستكون في الغالب مليئة بالمطبَّات. لكن أحداث الأعوام الأخيرة بما في ذلك الاضطرابات التي تسببت فيها أزمة الطاقة العالمية والارتفاعات الحادة في أسعار الوقود الأحفوري إلى جانب آثار الطقس المتطرف كلها تذكرنا بدواعي حاجتنا للمضي قدما إلى الأمام.

قد يؤثر التغيير في الحكومات حقا على إيقاع تحولات الطاقة (من الموارد التقليدية إلى الموارد المتجددة) بتسريعها في بعض الحالات وإبطائها في حالات أخرى. لكنه لن يغير الاتجاه الأساسي للرحلة نحو الحياد الكربوني.

فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية

عن الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الموارد المتجددة الوقود الأحفوری الطاقة النظیفة حول العالم فی عام

إقرأ أيضاً:

الهيدروجين.. الطريق الأقرب للحياد الصفري

 

 

أمل بنت سالم الجردانية

 

الوقود الصديق للبيئة الطريق الأقرب للحياد الكربوني والمساهم في التوسع بقطاع الطاقة المتجدد.. تعتبر تكنولوجيا الهيدروجين من المجالات الواعدة التي تشهد تطورًا مستمرًا في سباق نحو تحقيق مستقبل مستدام إذ تتجه الأنظار نحو توجيهات مستقبلية عدة بفضل الجهود المستمرة في البحث والتطوير ومن بين هذه الاتجاهات نلاحظ أهمية الابتكارات التكنولوجية مثل تحسين عمليات إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مما يسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية.

والهيدروجين غاز عديم اللون والرائحة وغير سام وكثافتة تقل عن كثافة الهواء بنحو 14 مرة كما أنه يعتبر العنصر الكيميائي الأخف والأبسـط والأكثر وفرة في الطبيعة وتقديريًا يُشكل نحو 75% من الحجم الكلي للكون.. والهيدروجين لا يوجد حرًا في الطبيعة إلا في حالات نادرة للغاية إذ يكون في الغالب مرتبطًا بجزيئات أخرى سواء مع الغاز الطبيعي في حالته الغازية أو مع الماء والنفط في حالته السائلة لهذا فإن الحصول عليه يتطلب فصله عن العناصر الأخر.. وحسب طرق إنتاجة قسم الهيدروجين الى الوان مختلفة فالهيدروجين لا لون له لكنه يستخدَم له رموز في الصناعة للتمييز بين أنواعة فإذا كان الهيدروجين صافيًا فإن لهبه لا لون له أما إذا كان لهبه يميل إلى الزُرقة فهذا يدل على وجود الكبريت وإذا كان يميل إلى الاصفرار فهذا يدل على وجود شوائب مختلف وهكذا.. ومن ألوانه نذكر على سبيل التعرف عليه: (الهيدروجين الأسود أو البني- الهيدروجين الرمادي- الهيدروجين الأزرق- الهيدروجين الأصفر- الهيدروجين التركوازي أو الفيروزي، والهيدروجين الأخضر)، وهذا الأخير الذي ينتج عن طريق فصل جزيئات الماء إلى هيدروجين وأكسجين عبر التحليل الكهربائي للماء المعتمد على الطاقة المتجددة وهذه الطريقة لا تنتج أي انبعاثات ضارة بالبيئة.

وتصنيف الهيدروجين حتى الآن يجري على أساس معيارين؛ الأول: هو معيار الألوان. أما المعيار الآخر فهو التصنيف حسب المادة المستخدمة في الإنتاج متجدد أم غير متجدد؟ فيطلق على الهيدروجين المُنتج عبر الغاز الطبيعي أو الفحم بالهيدروجين غير المتجدد.. أما المُنتج باستخدام الماء المعتمدة على الطاقة المتجددة فيُطلق عليه الهيدروجين المتجدد.

مسميات جديدة بدأت تظهر إذ يمكن وصف الهيدروجين بأنه عالي الكربون حال إنتاجه من الوقود الأحفوري بينما عند إنتاجه من الوقود الأحفوري مع احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه فحينذاك يصبح منخفض الكربون وخاليا من الكربون يكون إذا أُنتج من الماء.

ويساعد الهيدروجين على تقليل انبعاثات الكربون في عدة قطاعات منها:

قطاع الطاقة؛ إذ يعمل على استبدال الوقود الأحفوري بالهيدروجين لتوليد الكهرباء يقلل بشكل كبير من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وكذلك يُمكن للهيدروجين تخزين الطاقة المتجددة الزائدة عن الحاجة واستخدامها في أوقات الذروة. قطاع النقل: يمكن استخدام خلايا وقود الهيدروجين لتشغيل السيارات، الشاحنات، والقطارات، مما يقلل من الاعتماد على البنزين والديزل وكذلك وسائل النقل التي تعمل بالهيدروجين تنتج بخار الماء فقط كعادم. الصناعة الثقيلة: يُستخدم الهيدروجين كوقود في الصناعات التي يصعب إزالة الكربون منها مثل إنتاج الصلب والأسمنت، كما يمكن أن يحل محل الغاز الطبيعي في عمليات التسخين الصناعية. التدفئة والبناء: استخدام الهيدروجين في التدفئة بدلًا من الغاز الطبيعي يقلل من انبعاثات الكربون في المباني السكنية والتجارية. إنتاج الأمونيا والأسمدة: فيمكن أن يقلل من الانبعاثات في القطاع الزراعي من خلال التحول إلى الهيدروجين الأخضر في إنتاج الأمونيا والأسمدة.

أما الفوائد البيئية والاقتصادية للهيدروجين، فإنه يعمل على:

تقليل التلوث البيئي: الهيدروجين لا ينتج غازات دفيئة أثناء احتراقه. تعزيز الطاقة المتجددة: يمكن استخدام الهيدروجين لتخزين الطاقة المتجددة مما يعزز استقرار الشبكات الكهربائية. خلق فرص عمل: توسع سوق الهيدروجين الأخضر قد يولد وظائف جديدة في مجالات الإنتاج والنقل، والصيانة. وللخروج بهذه الفوائد لابد من معالجة التحديات التي تواجه استخدام الهيدروجين كالتكلفة؛ إذ لا يزال إنتاج الهيدروجين الأخضر مكلفًا مقارنة بالوقود الأحفوري. أما التحدي الآخر فيتمثل في البنية الأساسية الذي يقودنا للحاجة إلى تطوير شبكات توزيع وتخزين الهيدروجين.. وكذلك الأمان؛ فالهيدروجين غاز قابل للاشتعال ويتطلب تقنيات تخزين آمنة.

السؤال هنا: هل يستمر الاستثمار في الهيدروجين؟

الكل يدرك أهمية الهيدروجين والتحول نحو بيئة نظيفة أكثر واقتصادات منخفضة الكربون - مسألة مهمة لطموح مثالي لمستقبل طاقة منخفضة الكربون لكن استخراجه بالطريقة الخضراء ليس أمرا سهلا.. إذ يُعَد الهيدروجين منخفض الكربون بمثابة مكون رئيس في العديد من خطط التعافي للعديد من إستراتيجياتها طويلة المدى فدعم مشاريعه بات ضرورة رغم تكاليفه وتفاوت كميات استخراجه واستخدامه.

خلاصة القول.. يُعد الهيدروجين أحد أكثر الحلول الواعدة لتقليل انبعاثات الكربون والمساهمة في الانتقال إلى اقتصاد مستدام منخفض الكربون كونه يمثل مصدر طاقة مستدام للمستقبل يتمتع الهيدروجين بإمكانات هائلة؛ إذ يمثل حلًا واعدًا للتحديات البيئية التي يواجهها العالم بما في ذلك التغير المناخي والاعتماد على الوقود الأحفوري بفضل خصائصه الفريدة ويمكن استخدام كوقود نظيف في مجموعة متنوعة من التطبيقات كوسائل النقل وتوليد الطاقة ويمكن أن يؤدي هذا إلى تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز التنوع في مصادر الطاقة.

إن العمل الجماعي بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المـدني سيكون له أثر كبير في جعل الهيدروجين جزءًا أساسيًا من مستهدفات الطاقة المستقبلية تماشيًا مع رؤية "عُمان 2040"؛ إذ تشير الاستثمارات في تقنيات الهيدروجين إلى التزام قوي نحو تحقيق استدامة الطاقة مع تطور التقنيات وهذا ما عملت عليه سلطنة عُمان التي تعتبر من ضمن الدول التي تعمل على عدد من مشاريع قطاع الهيدروجين ممثلةً بوزارة الطاقة والمعادن استغلالًا لموقع البلاد الجغرافي المتميز الذي يسهل عملية النقل.

إنَّ قدرة الهيدروجين على التفاعل مع نظم الطاقة المختلفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تفتح المجال أمام إمكانيات كثيرة، وتُسخِّر مميزات كوقود، ما يُمَكِّن المجتمعات تحقيق أهدافها في خفض انبعاثات الكربون وزيادة استخدامه في حياتنا اليومية ويهيئ الطريق لعالم أكثر استدامة للأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • سنمتلك غزة.. واشنطن تكشف السر وراء اقتراح ترامب للسيطرة على القطاع
  • وزير الكهرباء يستعرض جهود تحسين كفاءة الطاقة الكهربائية
  • عصمت: استهلاك المحركات يمثل 70% من معدل استخدام مصنع الطاقة الكهربائية
  • الهيدروجين.. الطريق الأقرب للحياد الصفري
  • تقرير بريطاني: الاستقرار السياسي شرط أساسي لاستثمار ليبيا في الطاقة النظيفة
  • شراكات اقتصادية كبرى مع دول المنطقة للاستفادة من إنتاج الغاز الطبيعي
  • الجزائر وبنغلاديش يبحثان تعزيز وتطوير التعاون في مجالات الطاقة
  • وزير الكهرباء: نعمل مع الشركات الصينية في مشروعات التحول الرقمي
  • الكهرباء: إعادة الطاقة الكهربائية للمنطقة الجنوبية بعد انفصالها عن العمل
  • الجزائر والتشيك يبحثان تعزيز التعاون في مجالات الطاقة