عاجل : لهذه الأسباب حظرت كندا تصدير الأسلحة إلى الاحتلال
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
سرايا - في قرار لافت، أعلنت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي أن بلادها ستعلق تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، واصفة القرار بالمهم وأنه "ليس تغييرا رمزيا".
تأتي هذه الخطوة بعد موافقة البرلمان على مقترح قرار غير ملزم قدمه الحزب الديمقراطي الجديد، يحث الحكومة على مجموعة من النقاط، منها المطالبة بوقف فوري للنار في قطاع غزة، ووقف المزيد من تصاريح تصدير الأسلحة لإسرائيل، وضمان استمرار دعم وكالة الأونروا والعمل النشط لإنشاء دولة فلسطين كجزء من سلام شامل وعادل بالشرق الأوسط.
ورغم الطبيعة غير الملزمة للقرار فإنه يمثل خطوة تاريخية وفق وصف العديد من المراقبين، ويأتي اتساقاً مع التحول الذي شهده خطاب أوتاوا تجاه الحرب على غزة.
ففي أعقاب عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصدر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بيانا داعما لإسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، قبل أن يعلن لاحقا إدانته للمسيرات المؤيدة للفلسطينيين.
وقد التباين بين أوتاوا وتل أبيب بالوضوح مع تصويت كندا لصالح قرار أممي لوقف إطلاق النار في غزة في ديسمبر/كانون الأول، في حين صرحت لاحقا جولي أن بلادها لم توافق على إصدار تصريح بتصدير منتجات قاتلة عسكرية إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، كما أنها توقفت عن إصدار أي تصاريح على الإطلاق منذ 8 يناير/كانون الثاني.
يذهب العديد من المحللين السياسيين الكنديين، ومنهم جوردان ليشنتز مديرة برنامج كندا في مؤسسة فريديرك إيبرت، إلى أن مقترح القرار الذي قدمه الحزب الديمقراطي الجديد يمثل محاولة لدفع الحكومة إلى ممارسة المزيد من الضغط نحو تطبيق وقف إطلاق النار.
ولا يمكن فصل هذا الهدف عن التطورات التي شهدها الشارع الكندي في تفاعله مع مجريات الصراع في الشرق الأوسط منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي مارست ضغطاً على القوى السياسية ولا سيما الحزب الليبرالي الحاكم وحزب الديمقراطي الجديد.
وفي هذا السياق أعلن جاغميت سينغ رئيس الحزب الديمقراطي الجديد (اليسار التقدمي) عن تلقيهم قرابة نصف مليون رسالة تطالب بمجموعة من الإجراءات منها وقف إطلاق النار.
وأظهر استطلاع رأي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن 71% من الكنديين إما يؤيدون بقوة أو يدعمون إلى حد ما دعوة وقف إطلاق النار، وهي نسبة مقاربة لاستطلاع آخر أجراه معهد أنجوس أظهر أن 65% من المستطلعين يؤيدون وقف إطلاق النار.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي وصلت عريضة إلى البرلمان تطالب بدعوة ترودو لوقف فوري لإطلاق النار، بعد أن حازت على ما يزيد على 280 ألف توقيع، وهو رقم قياسي للالتماسات الإلكترونية.
سياق خارجي ناقد لإسرائيل
ويرى مراقبون أن التحركات الكندية ليست معزولة عن سياق دولي تتصاعد فيه الانتقادات للحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو حتى من داخل المعسكر الغربي.
وأشار الإعلامي الكندي ديفيد كوكرين إلى تزامن إعلان بلاده، وقف تصدير الأسلحة الفتاكة إلى إسرائيل، مع بعض التطورات على الساحة الدولية.
وفي هذا السياق أشار كوكرين إلى الانتقاد الحاد الذي وجهه تشاك شومر زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ الأميركي للحكومة الإسرائيلية، واتهام مسؤول الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تل أبيب باستخدام التجويع سلاحاً في الحرب.
الدوافع وراء المقترح
تعد البرلمانية عن الحزب الديمقراطي الجديد عن دائرة إدمنتون هيذر ماكفرسون راعية المقترح، وقد بينت في مقابلة أجرتها مع برنامج "بوليتكيس أند باور" ذائع الصيت في كندا، أن هذا المقترح نتاج عمل مشترك مع محامين دوليين وخبراء وأعضاء في المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي.
كما تطرقت إلى الدوافع وراء تبنيها لهذا المشروع، والتي يأتي على رأسها الرغبة في إنقاذ المدنيين الأبرياء من القتل بعد أن بلغ عدد القتلى من الفلسطينيين أكثر من 30 ألفاً.
ويستند داعمو حظر تصدير الأسلحة إلى تل أبيب إلى أن القانون الكندي الذي يوجب رفض التصريح بتصدير السلع والتقنيات العسكرية في حال احتمال استخدامها لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي.
وهذا يتسق مع قرار محكمة العدل الدولية التي ترى أنه من المعقول أن ترقى أفعال إسرائيل إلى الإبادة الجماعية، ومع تقرير خبراء الأمم المتحدة الذي طالب كندا، ضمن دول أخرى، بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل محذراً من وقوع المسؤولين عنها تحت طائلة المسؤولية الجنائية.
وفيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، تطرح ماكفرسون مقاربة تقوم على أن كندا أكدت مراراً اعتمادها حل الدولتين باعتباره المخرج الإستراتيجي لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن ثم فإن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو السبيل لكي يرى هذا الحل النور.
وبالإضافة إلى ذلك، فهناك 139 بلدا اعترف بالفعل بهذه الدولة، في حين أن هناك بالفعل محاولات في المعسكر الغربي لاتخاذ هذه الخطوة كاقتراح رئيس وزراء إسبانيا على برلمان بلاده فعل ذلك.
شهدت مرحلة ما قبل تقديم المقترح للتصويت جهوداً مضنية من نواب الحزبين الليبرالي الحاكم والديمقراطي الجديد لتعديل مقترح من الأخير تضمن العديد من النقاط، من أهمها حث الحكومة على الدعوة إلى المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وتعليق التجارة في جميع السلع والتكنولوجيا العسكرية مع إسرائيل، والاعتراف الرسمي بدولة فلسطين.
وأثمرت هذه الجهود عن تعديلات جوهرية في العديد من البنود، حيث تم الاتفاق على صيغة أكثر مرونة تتضمن "وقف المزيد من التصاريح ونقل صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، والعمل مع الشركاء الدوليين للسعي بنشاط لتحقيق هدف التوصل إلى سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، بما في ذلك إنشاء دولة فلسطين كجزء من حل الدولتين عن طريق التفاوض".
ويعزى تحرك نواب الحزب الحاكم إلى العديد من الأسباب، من أهمها أن التصويت على المقترح بصيغته الأولية، بنعم أو لا، كان سيؤدي إلى تضرر شعبية الحزب بين إحدى الكتلتين سواء الداعمة لإسرائيل أو المعارضة للحرب على غزة.
ويتبين أهمية هذا بالنظر إلى أن الانتخابات العامة ستعقد العام القادم في ظل انخفاض غير مسبوق في شعبية رئيس الوزراء وفقاً لاستطلاع رأي أجرته مؤسسة ماينستريت للأبحاث، والذي أظهر تخلف ترودو عن حزب المحافظين أكبر منافسيه بأكثر من 15 نقطة. في حين عبر 63% من المستطلعة آراؤهم عن وجهة نظر سلبية إلى حد ما أو غير مؤاتية لترودو.
كما أن وصول الليبراليين والديمقراطيين الجدد إلى صيغة تسوية يعزز الاتفاق بين الحزبين، حيث وقع الطرفان اتفاقاً عام 2022 أتاح لحكومة ترودو إمكانية الاستمرار دون التهديد بحجب الثقة عنها في البرلمان من قبل المعارضين، حيث يمتلك الحزبان 181 نائباً من أصل 338.
وجانب آخر يلقي عليه الضوء روبرت روسو المدير السابق لمكتب الشؤون البرلمانية بهيئة الإذاعة الكندية، حيث يرى أن تصويت نواب إقليم كيبيك لصالح الاعتراف الفوري بدولة فلسطينية مرتبط بالنزعات الانفصالية داخل الإقليم، وأن هذا من الأسباب التي دفعت الحكومة إلى المسارعة على العمل لتعديل المقترح نتيجة مخاوفها من التأثير الخطر للسياسة الخارجية على الداخل الكندي.
وكان إقليم كيبيك الناطق بالفرنسية قد عقد استفتاء عام 1995 للانفصال، وفشل بنتيجة 50.6%، في حين ما تزال النزعة الانفصالية نشطة في الإقليم.
داخلياً خرج الحزب الوطني الديمقراطي كأكبر الرابحين من هذا القرار، حيث أعلن زعيمه جاغميت سينغ أنه استطاع "إجبار الحكومة على التحرك في اتجاه معين" من خلال التعاطي مع مقترح حزبه البرلماني والوصول إلى صيغة تسوية تم إقرارها، وهو ما سيزيد شعبية سينغ وحزبه بين الشرائح الرافضة لاستمرار الحرب.
وفي مقال له، أشار خوان كول أستاذ التاريخ في جامعة ميشيغان إلى أنه من المحتمل أن يكون سينغ مستقبل كندا، وربما شمال جديد متعدد الثقافات، والذي سيكون أقل تعاطفاً مع المشروع القومي الأبيض للصهيونية المسلحة وفق توصيفه.
أما الحزب الليبرالي الحاكم والذي يصفه ألان بيكر السفير الإسرائيلي السابق في كندا بأنه "الصديق تاريخياً لإسرائيل" فيبدو أنه سيتعرض لهزة داخلية نتيجة الخلاف على الموقف من هذا القرار، وقد بدت بوادر ذلك في تصويت 3 نواب ليبراليين ضد القرار، في حين صرح أحدهم وهو أنتوني هاوسفاذر أنه وزملاءه يشعرون بنوع من العزلة، وأنه الآن يفكر في مكانه داخل التجمع الحزبي.
وقد عكست أصداء القرار الداخلية الاستقطاب الذي يعيشه المجتمع الكندي، حيث قال الرئيس التنفيذي لمركز إسرائيل والشؤون اليهودية، شيمون كوفلر فوغل، إن المجتمع الذي يمثله "غاضب ويشعر بخيبة أمل عميقة" في الليبراليين لاختيارهم إسناد السياسة الخارجية إلى من نعتهم بـ"المناهضين لإسرائيل داخل الحزب الوطني الجديد والكتلة الكيبيكية".
من جانبه قال ستيفن براون، الرئيس التنفيذي للمجلس الوطني للمسلمين الكنديين، إن الكنديين يجب أن يشعروا بالفخر بعد هذا التصويت، واصفاً بـ"التاريخي" الاقتراح الذي "يؤكد حقوق الإنسان الفلسطيني ويقف ضد ذبح المدنيين الأبرياء".
تداعيات خارجية
على أهمية هذا القرار الكندي ورمزيته فإنه لن يحمل تغييرات جذرية على سياسة أوتاوا، حيث صرحت وزيرة الخارجية أن بلادها لن تغير سياستها الخارجية بناء على ضغوط من المعارضة.
ورغم أن الصادرات الكندية من الأسلحة إلى إسرائيل لا تتجاوز في رقمها القياسي عام 2021 ما يقارب 27 مليون دولار، فإن أهمية هذه الخطوة تنبع من كون كندا أحد أعضاء الحلف الأطلسي "الناتو" ومن أهم حلفاء إسرائيل الغربيين، حيث تتخوف الأخيرة من أن يكون لخطوة لأوتاوا تأثير الدومينو على حلفاء آخرين.
رفض تل أبيب للقرار الكندي جسدته تغريدات وزير خارجيتها يسرائيل كاتس الذي اعتبره "يقوض حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأن "التاريخ سيحاكم" كندا "بقسوة".
كما ظهرت ارتدادات القرار الكندي على الساحة الدولية بشكل مباشر، حيث أشاد السيناتور الأميركي البارز بيرني ساندرز بالقرار الكندي داعياً بلاده إلى القيام بنفس الخطوة، وهو ما تكرر في دعوة النائب البريطاني عن حزب العمال ريتشارد بيرغن حكومة بلاده إلى القيام بإجراء مماثل، في حين قام محتجون بتطويق مصانع أسلحة في إنجلترا وأسكتلندا مطالبين بلادهم بالقيام بنفس الفعل.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: الأسلحة إلى إسرائیل تصدیر الأسلحة إلى وقف إطلاق النار العدید من إلى أن فی حین
إقرأ أيضاً:
ما الذي تريده إسرائيل من سوريا الجديدة؟
تتسم المقاربة الإسرائيلية تجاه سوريا الجديدة بنهج عدائي شديد الوضوح، فقد نظرت القيادة الإسرائيلية إلى التحولات الجيوسياسية الناشئة كتهديد للأمن القومي الإسرائيلي، حيث شرعت منذ اللحظات الأولى لسقوط نظام الأسد بشن سلسلة من الاعتداءات والغارات الجوية وقامت بتوغلات برية أسفرت عن ضم واحتلال مزيد من الأراضي السورية. وقد أعلنت إسرائيل دون لبس أو مواربة عن عدائها للقيادة السورية الجديدة، وكشفت عن رغبتها وعزمها على إبقاء سوريا دولة هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية. وعبّرت إسرائيل بجلاء عن قلقها وخوفها من تنامي النفوذ التركي المتصاعد، وأكدت على خوفها وخشيتها من عودة وإحياء الإسلام السياسي السني الذي بات يسيطر على دمشق، وأثره وتداعياته على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.
شكّل سقوط نظام آل الأسد الوحشي الطائفي في سوريا بعد عملية "ردع العدوان"، على يد فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام" في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، مفاجأة غير سارة للكيان الإسرائيلي، لكنه كان خبرا سعيدا لتركيا، ففي الوقت الذي تريد تركيا أن تكون سوريا الجديدة دولة ناجحة، ترغب إسرائيل بوجود دولة سورية جديدة فاشلة، ولذلك سارعت إسرائيل بالتزامن مع سقوط نظام الأسد، بشن سلسلة من الهجمات، ولم تكتف تل أبيب بالدخول إلى المنطقة العازلة، بل سيطرت على مرصد وقمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وشنت أكثر من 300 غارة جوية أدت إلى تدمير البنية التحتية العسكرية التي تركها النظام السوري ومستودعات السلاح والصواريخ الإستراتيجية ومراكز البحث العلمي والتصنيع العسكري.
انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت
ورغم أن تركيا وإسرائيل استفادتا بشكل كبير من تفكك المحور الذي تقوده إيران، وخاصة في سوريا، لكن تركيا كانت الرابح الأكبر، بينما تضاربت المشاعر الإسرائيلية وأفضت إلى نشوة مؤقتة أعقبها قلق دائم، فالعداء بين إسرائيل وتركيا لا يقارن بالصراع الطويل والدموي بين إسرائيل وإيران ووكلائها، والتحديات التي تواجه العلاقات التركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط بعد الأسد تشير إلى تشكل منعطف حاسم في الجغرافيا السياسية الإقليمية، الأمر الذي يغير بصورة جذرية الديناميكيات التي طبعت العلاقات التاريخية بين تركيا وإسرائيل، والتي تأرجحت بين نسق من التحالفات البراغماتية والانقسامات الأيديولوجية، وقد أدى زوال عدوهما المشترك في سوريا إلى تحول في توازن القوى الإقليمي، وهو ما خلق تحديات جديدة وأخل بمرونة علاقاتهما الهشة.
إن انهيار "محور المقاومة" الذي تقوده إيران في سوريا، وانكفاء نفوذه الإقليمي وتراجع مشروعه الطموح الذي كان يمتد من إيران والعراق عبر سوريا إلى لبنان حزب الله، مثّل نعمة أمنية آنية بالنسبة لإسرائيل، فسرعان ما شعرت إسرائيل بالقلق من أن المحور الإسلامي السُنّي الجديد بقيادة تركيا قد يصبح خطيرا بنفس القدر، وربما يتفوق على الخطر الإيراني مع مرور الوقت، فالدعم التركي العلني الذي يقدمه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأعداء إسرائيل وفي مقدمتهم حركة حماس، قد يتطور إلى آفاق بعيدة.
وبحسب تقرير لجنة "جاكوب ناجل" بشأن ميزانية الدفاع الإسرائيلية، الذي نُشر في السادس من كانون الثاني/ يناير 2025، فإن طموحات تركيا إلى "إعادة التاج العثماني إلى مجده السابق" تشكل تحديا أمنيا ملحا، وقد أوصت اللجنة في تقريرها إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا، في ضوء مخاوف متزايدة لدى تل أبيب من تحالف أنقرة مع الإدارة الجديدة في دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد. ونبهت اللجنة في تقريرها إلى خطر التحالف السوري التركي، الذي ربما "يخلق تهديدا جديدا وكبيرا لأمن إسرائيل"، وقد يتطور إلى شيء "أكثر خطورة من التهديد الإيراني"، وفقا للجنة التي تم تشكيلها عام 2023، قبل بدء الحرب على غزة، لتقديم توصيات لوزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن مواطن الصراع المحتملة التي تواجهها إسرائيل في السنوات المقبلة، ويترأس اللجنة يعقوب ناجل، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي.
إن التهديد الذي تشكله تركيا لإسرائيل يشكل تحديا جديا كبيرا لأمن إسرائيل في ضوء التحولات الجيوسياسية الدولية والإقليمية، وهو تحد بالغ الخطورة بالنسبة لإسرائيل، إذ يعد الجيش التركي أحد أكبر الجيوش وأكثرها قوة في الشرق الأوسط، ويتألف الجيش التركي من 425 ألف جندي نشط و380 ألف جندي احتياطي. ووفقا لمصادر أمنية، فإن النفوذ المتزايد لتركيا في سوريا كقوة مهيمنة يستلزم دراسة جدية لقدراتها العسكرية، وتشكل المليشيات العسكرية الموالية لتركيا في سوريا، مثل "الجيش الوطني السوري"، تهديدا محتملا لإسرائيل، وخاصة على طول الحدود السورية الإسرائيلية. ويمكن للرئيس أردوغان أيضا الاستفادة من مجموعات مثل هيئة تحرير الشام بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع ضد إسرائيل.
وقد أعلن الجولاني، في السابق ذات مرة أنه "بعون الله، لن نصل إلى دمشق فحسب؛ بل إن القدس تنتظرنا". وكان أردوغان قد أصدر تهديدات مباشرة لإسرائيل، ففي 28 تموز/ يوليو 2024، صرح في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية بالقول: "كما دخلنا قره باغ وليبيا، سنفعل الشيء نفسه مع إسرائيل".
إن السيناريو الإسرائيلي المفضل في سوريا هو التفتيت والتقسيم وخلق كيانات هشة ضعيفة على أسس عرقية ومذهبية، وهي الطريقة الوحيدة التي تجعل من إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من خلال كيانها اليهودي العنصري. ففي سوريا تتحقق رؤيتها من خلال تأسيس دويلات هشة وضعيفة على أسس عرقية إثنية ومذهبية دينية، وهي ذات الرؤية الاستعمارية التقليدية، فأُمنية "إسرائيل" هي رؤية سوريا مقسمة إلى بضعة جيوب؛ الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في الجنوب، والعلويون في الغرب.
وكانت وكالة رويترز كشفت نقلا عن أربعة مصادر مطلعة أن إسرائيل تسعى للضغط على الولايات المتحدة من أجل بقاء سوريا ضعيفة ومفككة ودون سلطة مركزية قوية، بما في ذلك السماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها العسكرية لمواجهة ما سمته النفوذ التركي المتزايد في البلاد. وأضافت المصادر أن إسرائيل أبلغت واشنطن أن من سمتهم الحكام الإسلاميين الجدد في سوريا، المدعومين من أنقرة، يشكلون تهديدا لحدودها. ووفقا لرويترز، فقد ذكرت ثلاثة مصادر أميركية أن إسرائيل تشعر بقلق بالغ إزاء الدور الذي تلعبه تركيا كحليف للإدارة السورية الجديدة.
في هذا السياق أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 23 شباط/ فبراير الماضي تحذيرا أشبه بإعلان حرب للإدارة الجديدة في دمشق، إذ قال: "لن نسمح لقوات النظام السوري الجديد بالانتشار جنوب دمشق"، وطالب بإخلاء جنوبي سوريا من هذه القوات بشكل كامل، وأكد نتنياهو على أن إسرائيل "لن تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية" في المنطقة. وتزامنت هذه التصريحات مع سلسلة هجمات واستهدافات عسكرية شنتها إسرائيل في ريف دمشق وجنوبي سوريا، ولاحقا شنت إسرائيل سلسلة هجمات في 25 شباط/ فبراير الماضي على مواقع عسكرية في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، كما توغلت برا في بلدات وقرى على الحدود الإدارية بين المحافظتين.
وقال وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان إن الهجمات "جزء من السياسة الجديدة التي حددناها لإخلاء جنوب سوريا من السلاح، والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا أن يصبح جنوب لبنان".
وعقب حالة التوتر في الأول من آذار/ مارس 2025، جراء اشتباكات بين عناصر أمن تابعين للسلطة السورية الجديدة ومسلحين محليين دروز في ضاحية جرمانا قرب دمشق، أسفرت عن مقتل شخص وإصابة تسعة آخرين بجروح، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس تعليمات للقوات الإسرائيلية "بالاستعداد للدفاع" عن مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية، وقال بيان صادر عن مكتب كاتس إن المدينة "تتعرض حاليا لهجوم من قبل قوات النظام السوري"، وقال كاتس: "لن نسمح للنظام الإسلامي المتطرف في سوريا بإيذاء الدروز. إذا آذى النظام الدروز، فسوف نضربه". وأضاف: "نحن ملتزمون تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل ببذل كل ما في وسعنا لمنع إيذاء إخوانهم الدروز في سوريا، وسنتخذ كل الخطوات اللازمة للحفاظ على سلامتهم".
تستند إسرائيل في سياساتها العدوانية في سوريا إلى دعم أمريكي عسكري وسياسي مطلق، فما تقرره القيادة الإسرائيلية كضرورة للحفاظ على أمنها القومي تصادق عليه الإدارة الأمريكية، وتعتبر واشنطن ممارسات إسرائيل العدوانية بداهة استراتيجية من باب حق الدفاع عن النفس، فالمستعمرة الاستيطانية الصهيونية حجر الزاوية الأساس في مشروع الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط، والاشتراطات الأمريكية على القيادة السورية الجديدة هو الالتزام بأمن إسرائيل ومحاربة أي مجموعة أو كيانات تناهض إسرائيل، وهو ما عبرت عنه واشنطن بوضوح، فعندما التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع، بوفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في دمشق في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، كانت مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل ومحاربة الجماعات التي تهدد أمن المستعمرة والتي تختزل بتسميتها بالإرهابية هي جوهر البحث والمداولة. فقد قالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عقب اللقاء:سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر إن أبو محمد الجولاني التزم خلال الاجتماع في دمشق بعدم السماح للجماعات الإرهابية بالعمل في سوريا وتهديد الولايات المتحدة والدول المجاورة (إسرائيل)، فالولايات المتحدة على مدى عقود، ترتكز في مقاربتها للمنطقة على ضرورة مكافحة الإرهاب (الإسلامي) وضمان أمن إسرائيل (الصهيوني).
خلاصة القول أن سوريا الجديدة سوف تبقى تحت وطأة التصورات التي تحددها المستعمرة الصهيونية، والتي تصادق عليها الولايات المتحدة دون قيود، وتتجلى الرؤية الإسرائيلية بوجود دولة سورية هشة وضعيفة ومفككة ودون وجود سلطة مركزية قوية، وتستند إلى مقاربة استعمارية تقليدية تقوم على مبدأ "فرق تسد" من خلال التلاعب بالمكونات الإثنية العرقية والدينية الطائفية. فوجود كيان حكم سني يشكل كارثة وخطرا ينذر بولادة تحالف سني أكبر يؤدي إلى تنامي النفوذ التركي المتصاعد، ويشير إلى عودة وإحياء الإسلام السياسي السني، الذي تخشى الولايات المتحدة من تداعيات انتشاره على أمن الكيان الإسرائيلي وخطورته على أمن المنطقة.
ولذلك لن تفلح تطمينات النظام الجديد في سوريا، وسوف يبقى تحت وطأة التصنيفات الأدائية السياسية للإرهاب، وسوف تبقى الإدارة الأمريكية مخلصة في تأمين وجود ومصالح الاستعمار الصهيوني في المنطقة، وتلبية المتطلبات الإسرائيلية الأمنية والسياسية. ومهما قولبت "هيئة تحرير الشام" من أيديولوجيتها وبعثت برسائل تطمينية للعالم ودول المنطقة، لن تحصل على الرضى والقبول الأمريكي الإسرائيلي، وسوف تبقى تحت وطأة الضغوطات والتخريب بذريعة "الإرهاب"، ولن ترضى الإدارة الأمريكية والإسرائيلية عن الحكم الجديد دون شرط الخضوع التام، ولذلك فإن أولوية سوريا الجديدة هي تعزيز روابط التحالف مع تركيا، والعمل بجد على تأسيس جيش موحد قوي، وإخضاع كافة النزعات الانفصالية. فالرد على الكيان الاستعماري الإسرائيلي يجب أن يكون داخليا أولا باتخاذ قرارات وإجراءات قانونية وعسكرية وسياسية حاسمة تجاه المكونات الانفصالية؛ بدءا بقوات سوريا الديمقراطية ثم الانعطاف إلى بقية الكيانات الموازية.
x.com/hasanabuhanya