عبدالحليم حافظ... وأميمة التى انتحرت
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
(سامحنى يا رب على ما فعلت بنفسى. لم أقو على تحمل هذه الصدمة بوفاة أعز وأغلى ما فى الحياة عبدالحليم حافظ، فقد كان النور الذى أضاء حياتى، واليوم الخميس كرهت الحياة منذ اللحظة التى قرأت فى الصحف خبر وفاته).
بهذه الرسالة الدامعة التى نشرتها الأهرام أنهت الطالبة أميمة عبدالوهاب محمد (21 سنة) حياتها بأن ألقت بنفسها من الطابق السابع فى العمارة ذاتها التى كان يسكن فيها مطربها المعشوق.
الحق أنه ما من وفاة حدثت لمطرب مصرى، أو عربى، سببت كل هذه اللوعة لدى شعب بأسره، لدرجة أفقدت طالبة مسكينة عقلها، فانتحرت من فرط الحزن.
ترى... ما السر وراء هذا الافتتان بحليم الذى رحل فى 30 مارس 1977؟ عندى خمسة أسباب رئيسية تحاول تفسير ظاهرة أشهر مطرب مصرى وعربى فى القرن العشرين، سأوجزها توًا.
1- امتلك حليم صوتا حنونا دافئا واضح النبرات، صحيح أنه ليس بقوة صوت عبدالوهاب وتلاميذه أمثال محمد عبدالمطلب وعبدالغنى السيد وكارم محمود وعبدالعزيز محمود ومحمد أمين ومحمد قنديل وغيرهم، إلا أنه تميز عنهم جميعًا بصفاء الحنجرة وبساطة الأداء، الأمر الذى جعل من السهل على أى إنسان ترديد أغنياته.
2- اقتحم حليم عالم الفن مع عصر سياسى جديد، فقد تمكن عبدالناصر والذين معه من الاستيلاء على السلطة فى يوليو 1952، فأسقطوا الملك وأنهوا حكم أسرة محمد على غير المصرية الأصل، وطردوا الاحتلال الإنجليزى الذى ظل يذل البلاد والناس 74 عامًا متواصلة، ثم أعادوا توزيع الثروة بشكل أكثر عدلا، مع فتح الباب لتعليم الملايين بالمجان.
فى هذه الأجواء المترعة بشلالات متدفقة من التحولات الاجتماعية برق المطرب الشاب بصوته الدافئ وجسده الضئيل وملامحه الطيبة، ليعبر عن المزاج العاطفى العام لطلاب الجامعات الذين فتح لهم عبدالناصر باب التعليم الجيد بالمجان.
3- لعب حليم دور الطالب الجامعى أو الذى تخرج حديثا فى الجامعة فى نحو 14 فيلمًا من 15 فيلمًا وثلث الأفلام قدمها حليم على الشاشة فى الفترة من 1955، حتى 1969. أى أن كل أفلامه كانت فى عهد ثورة يوليو. والفيلم الوحيد الذى لعب فيه دور (كهربائي)، وهو فيلم (دليلة/ 1956) لم يحقق النجاح المأمول. ولما قلت هذا الكلام للنجم الراحل سمير صبرى فى لقاء تليفزيونى وافقنى الرأى ثم أضاف: أن معظم أغنيات هذا الفيلم (مش حلوة).
لاحظ من فضلك أن المطربين الذين سبقوا حليم تقمصوا أدوار صبى بقال وعجلاتى وسائق تاكسى وبائع «حب العزيز» (كارم محمود ومحمد فوزى وعبدالعزيز محمود).
4- رافق حليم كوكبة شابة موهوبة من الشعراء والملحنين، فكتبوا كلمات جديدة، وابتكروا نغمات أكثر عمقا وعصرية أطربت آذان الأجيال الشابة وأسعدتهم.
5- انتمى حليم بكل طاقته الصوتية وذكائه المذهل إلى تجربة عبدالناصر بأحلامها العظيمة وانكساراتها المؤلمة، مثل غالبية المصريين، فتوحد مع الناس بأغنياته الوطنية الصادقة.
لكل هذا، فقدت أميمة رشدها حين رحل حليم، فقررت الرحيل معه.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ناصر عراق عبدالحليم حافظ
إقرأ أيضاً:
محمود حامد يكتب: سلامٌ على سوريا الماضى والحاضر والأمل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
سوريا الجريحة ليست مجرد بلد ظهر فجأة على خريطة العالم.. إننا إزاء دولة تضرب جذورها فى أعماق التاريخ، تعاقبت عليها حضارات عديدة، وكانت من أكثر المناطق حيوية في التاريخ القديم، مما جعلها تتميز بتنوع عرقي وديني كبير، حتى أن بضعة آلاف من السوريين ما زالوا يتحدثون اللغة الآرامية.. كما أن الصلات بين الحضارتين المصرية والسورية معروفة من قديم الزمان وتسجلها العديد من النقوش الأثرية.
فى هذا العدد ومن خلال المساحة المحدودة، حاولنا تقديم لمحة عن سوريا الحضارة والأصالة والفكر والثقافة والإبداع وكل ما يتميز به هذا البلد الجريح، الذى يمثل مهما أراد له الأعداء، ركنًا مهمًا وأساسيًا فى عناصر قوتنا العربية.
حاولنا أن نرسم صورة لا تغيب عن أذهان الذين عايشوا كل ما مرت به سوريا «وأمتنا العربية بالتبعية» من انكسارات وانتصارات، كما لا بد أن تكون الصورة حاضرة أمام شبابنا الذى تتلاعب به الأمواج وتحاول أن تصرفه عن معرفة الحقيقة مهما كانت مؤلمة.. ويستكمل هذا العدد الجهد المتميز الذى قدمه زملاؤنا فى العدد الأسبوعى من «البوابة» الصادر يوم الثلاثاء ١٠ ديسمبر.. فالعددان يكملان توضيح الصورة إذ يركز هذا العدد على تقديم المعرفة من عدة أوجه، فيما ركز عدد ١٠ ديسمبر على رصد الواقع الحالى وتقديم الرؤية المستقبلية فى عدة تحليلات عميقة ومهمة للقارىء.
والقضية التى تستحق وقفة هى ما يحدث الآن فى دمشق بعد أن استولى على الحكم تنظيم هيئة تحرير الشام المصنف كتنظيم إرهابى رفع السلاح فى وجه السوريين وأسال من الدماء الكثير، ويريد أن يمسح عاره بتصريحات معسولة وخادعة لكن من يتعمق فيها يستطيع أن يصل إلى الحقيقة التى تعمل أطراف عديدة على إخفائها فى محاولة لتطهير هذا التنظيم مما علق به من آثام ودنس.
المتابع لتصريحات أبو محمد الجولانى، يستكشف الكثير، فقد أعلن أول أمس الخميس، أن «علاقتنا بتنظيم القاعدة أصبحت من الماضي» وأن هيئة تحرير الشام التي يتزعمها قطعت علاقتها بتنظيم القاعدة.. إننا إزاء اعتراف صريح وكما يقولون «الاعتراف سيد الأدلة»، فمن يحاسبه عن جرائمه فترة إنتمائه للقاعدة؟.. وهل إذا اشترك شخص ما مع آخرين فى قتل إنسان، يصبح بريئًا بمجرد أن يقول «لقد قطعت علاقتى بهم؟»!.. هل يمكن أن نسمع ردًا من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، أو تركيا وجميعهم يصنفون هيئة الجولانى منظمة إرهابية، لكنهم يهرولون الآن للقائه تحت مزاعم الخوف على سوريا!.
وقبل ذلك بأيام، أعلن الجولانى عن نيته إلغاء الخدمة الإلزامية فى الجيش وتسريح أفراد الجيش الحالى.. وبكل بجاحة، أعلن أن الجيش سيعاد تشكيله من ميليشات جماعته وبعض الجماعات الأخرى، ليتحول من جيش وطنى إلى جيش إرهابى.. ويمكننا أن نربط تصريحه هذا بتصريح سابق رأى فيه أن التنظيم منهك وليس على استعداد لخوض حرب جديدة، بينما دمرت إسرائيل معظم أسلحة ومعدات الجيش السورى وقضت على أكثر من ٨٠٪ منها وسط صمت مريب، إن لم يكن مباركة من أطراف عديدة لا تريد إلا الشر للأمة العربية مهما ذرفت من دموع التماسيح على سوريا والإدعاء بالحرص على وحدتها.
الخطر يحدق بسوريا من كل جانب، وهناك جيران يضمرون الشر ويجدونها فرصة للتخلص من قوى فاعلة وكان لها دور أساسى فى محاربة داعش وطرده من معظم الأراضى السورية، ومازالوا حراسًا أمناء على آلاف الدواعش السجناء في المخيمات وسط أوضاع قلقة للغاية فى مواجهة تلك الجارة التى تسعى لفرض هيمنتها وتعادى سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها ولا تعنيها إلا مصلحتها ومن بعدها الطوفان.
نحاول أن نطلق صرخة تحذير فكوني كما عهدناكِ يا سوريا قوية وصامدة. وسوف تظل قلوبنا تنظر إليكِ كل لحظة مرددين مع أمير الشعراء أحمد شوقى:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقّ
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي
جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني
وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ