محمد يوسف يكتب: «الحشاشين».. حقيقة شيخ الجبل بين الدراما والتاريخ
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
تُعد شخصية حسن الصباح، أو شيخ الجبل، من الشخصيات المثيرة للجدل تاريخياً ودرامياً، أو الكنوز الدرامية الثرية بكل التفاصيل، وإن تباعدت الدراما عن التاريخ، ولكن ستظل فرقة الحشاشين التى استمرت قرنين من الزمان، وكانت أكثر الجماعات دموية وتأثيراً، كنزاً للدراما والتاريخ بأحداثها الأسطورية والتاريخية كمادة للدراما، حيث قام الحشاشون باغتيال الوزراء والحكام، وبل وخلفاء، وقوّضوا بلاداً ودولاً وممالك، بل حاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبى.
لم يحسم المؤرخون السبب الحقيقى لتسمية تلك الجماعة بالحشاشين، وتعددت الروايات، مثل أنهم حصلوا على اسمهم لاعتمادهم على نبات الخشخاش، المصدر الرئيسى للحشيش، أو أنهم يختبئون فى الحشيش الأخضر عند مهاجمة أعدائهم، أو أنهم حصلوا عليه من الكلمة الفرنسية «Assassins»، التى تعنى القتَلة أو الاغتياليين، وأطلقها الصليبيون على الفدائيين الإسماعيليين.
واتخذت جماعة الحشاشين فكر ومنهج «الصباح»، مؤسس الحركة، القائم على الاغتيالات مذهباً لها، ووعد «الصباح» أتباعه الفدائيين بالجنة فى مقابل الطاعة العمياء، حيث بدأت قصة الحشاشين عقب وفاة «جعفر الصادق» فى «المدينة» عام 148 هجرياً، 765 ميلادياً، وفى اليوم التالى لوفاته حدث انشقاق بين العلويين، نتجت عنه فرق متعددة، منها فرقة «موسى الكاظم بن جعفر الصادق»، وهى طائفة الشيعة «الاثنا عشرية»، وهم المعتدلون، وفرقة «الإسماعيلية»، التى تطورت لتُصبح «الباطنية»، التى أصبحت الحشاشية أو الحشاشين، وهى الفرقة المؤمنة بإمامة إسماعيل، الابن الأكبر من أبناء جعفر الصادق، ثم إمامة محمد من بعد أبيه إسماعيل، وتبنَّت إمامة «نزار المصطفى لدين الله» ابن الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، ثم حسن الصباح إماماً للمذهب. وتبنى الحشاشون التقاليد الثورية للتشيع، واعتمدوا على المظلومية أو منهج مقاومة الظلم من الدول السنية، خاصة الدولة الغزنوية والسامانية، وتطورت الأفكار إلى مفهوم حركات التمرد والجماعات المسلحة التى تحارب فى سبيل العدالة الاجتماعية.
انطلقت الدعوة الإسماعيلية «النزارية»، أو «الحشاشون»، من مدينة «كرمان» التاريخية جنوب شرق دولة إيران، وتبعد عن طهران العاصمة أكثر من 960 كيلومتراً، قبل أن تنتقل شمالاً إلى مدينة «يزد»، إحدى أهم مدن الدولة الصفوية، لتستقر فى قلعة «ألموت» على ارتفاع 2100 متر أعلى قمة جبل «آموخت»، واسمها يعنى «عش النسر»، فقد بُنيت بطريقة جعلت من دخولها مستحيلاً، حيث لا يوجد لها إلا طريق واحد يصل منها وإليها على منحدر كبير.
وكانت الإسماعيلية طائفة سلمية حتى ظهر «الصباح»، وهو حسن بن على بن محمد الصباح الحميرى، الذى وُلد فى عام 410 هجرياً، 1015 ميلادياً، فى مدينة «الرى» بإيران، وإن كان البعض ذهب إلى أنه وُلد فى مدينة «قم»، العاصمة الدينية لإيران، ثم انتقل إلى «الرى»، وأرجعت بعض المصادر أصله إلى العرب.
ووصف «ابن الأثير» الصباح بأنه كان رجلاً عالماً بالهندسة والحساب والفلك والسحر، نشأ فى بيئة شيعية اثنى عشرية، تأثر بالطائفة الإسماعيلية حينما كان فى مدينة «الرى»، لذا اعتنق الدعوة فى السابعة عشرة من عمره.
وقال ابن كثير فى كتاب «البداية والنهاية» إن حسن الصباح كان يطوف على الناس ويخدعهم بالزهد واللبس البسيط، وتبعه كثير من الناس، واستطاع أن يستميل صاحب القلعة، وكان علوياً، فأحسن الظن به وقرّبه إليه وصار يتبرك به، وعندما أحكم أمره، واطمأن إلى قوّته، دخل يوماً على صاحب القلعة وأمره بالخروج، فتبسَّم العلوى وظنه يمزح، فأمر ابن الصباح بعض أصحابه بإخراجه، فأخرجوه إلى «دامغان»، وانتزعوا منه كل شىء، المال والحصن، لذا حصل حسن الصباح على لقب شيخ الجبل، وأصبحت «ألموت» أقوى القلاع التاريخية. ابتكر حسن الصباح نظرية الإمام «المستور» والدعوة إليها، مخالفاً بذلك الدعوة الشيعية الإمامية التى كانت تعتمد على نظرية الإمام «الظاهر»، فقد استغل فرصة موت الإمام نزار بن المستنصر فى السجن، وزعم أن الإمامة انتقلت إلى أولاده وأحفاده، ولكنهم أصبحوا أئمة غير ظاهرين من باب السرية الأمنية، ثم نصب نفسه نائباً للإمام، واستطاع أن يستغل الدعوة لنزار خير استغلال، فأصاب نجاحاً بعيد المدى، وأفلح فى تكوين نظام جديد، وأنشأ دولة إسماعيلية خالصة له فى وسط الدولة العباسية لسنوات طويلة.
نال «الصباح» عند أتباعه مكانة تصل إلى القداسة، فكان من السهل إقناعهم برفع السيف ضد الدولة العباسية السنية، كما تلاعب فى تفسير القرآن الكريم، وذلك ليتناسب مع أهوائه، وأطلق عليه التفسير الباطنى، لذا سُميت الفرقة بالباطنية. وتوفى شيخ الجبل حسن الصباح فى السادس من ربيع الآخر من العام 518 هجرياً، 1124 ميلادياً، عن عمر ناهز التسعين، وغادر كرسيه بالقلعة بعد أن قضى أكثر من 35 عاماً لم يغادرها، وتم دفنه فى أحد سراديب القلعة، واستمر الحشاشون لما بعد «الصباح».
ورصد الكُتاب والمؤرخون أن مبدأ «التقية» أحد أهم مبادئ الحشاشين، حيث التورية والكذب والاختفاء بين العموم، كما لم يكن هناك ما يمنع من التحالف مع الصليبيين أو الأعداء، فطيلة قرنين لم يكلف الحشاشون أنفسهم محاربة الصليبيين الموجودين فى بلاد الشام، بل إن عداءهم وحنقهم كان مُنصباً على زعماء المسلمين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الدراما السباق الرمضانى الحشاشين حسن الصباح شیخ الجبل
إقرأ أيضاً:
«الحشاشين» إصدار جديد لـ سامح فايز في معرض القاهرة للكتاب 2025
صدر مؤخرا عن دار سما للنشر والتوزيع كتاب «الحشاشين - بذور الفتنة بين التاريخ والدراما»، للكاتب الصحفي والباحث في الإسلام السياسي سامح فايز، ويشارك العمل في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025، في نسخته الـ56، التي تأتي في الفترة من 23 يناير وحتى 5 فبراير المقبل.
انطلق الكتاب، المشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب، من إشكالية العلاقة بين الدراما والتاريخ على خلفية الجدل الذي أثير رمضان 2024 بعد عرض مسلسل الحشاشين للسيناريست عبد الرحيم كمال، والسؤال المستمر حول العلاقة بين الدراما المبنية على التخييل والابداع الفني والتاريخ المبني على التوثيق والدقة التاريخية، محاولا كشف الرابط بينهما مستلهما التاريخ في قراءة الحاضر.
أقسام الكتابينقسم الكتاب إلى قسمين: الأول يتناول الجانب التاريخي المتعلق بمسألة الفتنة التي وقعت بين الصحابة بعد وفاة الرسول والخلاف حول تحديد الخليفة أو تحديد القبيلة التي يجب أن يصبح منها الخليفة، المسألة التي نشأت عنها مسميات السنة والشيعة مرورا بصعود طائفة الحشاشين وصولا إلى كشف علاقة الماضي بتشعبات اليوم التي ذهب بعضها الى التطرف الديني والسقوط في بئر الجمود ورفض التجديد.
ويتناول القسم الثاني الأعمال الدرامية التي تناولت ظواهر الإرهاب في السينما والتلفزيون منذ السبعينيات وحتى اليوم وتوضيح أثر الصورة التلفزيونية في تشكيل وعي المشاهد لاستقبال رؤية مغايرة حول الجماعات الدينية وكيف وظفت الدين سياسيا لتحقيق مصالحها الشخصية.
ويكشف الكتاب كيف انتبهت السينما والدراما التلفزيونية في وقت مبكر لصعود الجماعات المتطرفة؛ فكان أول تجسيد لها عام 1979، عندما قدم يوسف شاهين شخصية حسن البنا في فيلم إسكندرية ليه، ورغم أنّ الفيلم تضمن مشهدًا واحدًا جمع البنا بمجموعة من ضباط الجيش، غير أنّ شاهين أظهر كيف أنّ تلك الجماعات تسعى من أجل السلطة وفقط.
نبذة عن الكاتبسامح فايز كاتب وصحفي مصري، من مواليد 1985، تخرج في كلية الحقوق جامعة عين شمس 2007، عمل بالمحاماة قبل أن يتفرغ للصحافة الثقافية، وعمل بأقسام الثقافة في صحف مثل المصور والهلال، وحفريات وأخبار اليوم.
عمل مديرا لتحرير مجلة عالم الكتاب الصادرة عن وزارة الثقافة المصرية وشغل منصب مدير تحرير النشرة الإعلامية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب دورة 2021.
رأس سامح فايز تحرير بوابتي كُتب وكتَّاب والشباك الثقافيتين، وصدر له: كتاب جنة الإخوان: رحلة الخروج من الجماعة سيرة ذاتية، ورواية أسوار القرية، وكتاب رحلة يوسف، وكتاب شجرة الجهاد، وكتاب الفرقة الضالة، وكتاب نقدي بعنوان بيست سيلر – حكايات عن القراءة، وفاز الأخير بجائزة ساويرس في النقد الأدبي دورة 2020.