لجريدة عمان:
2025-04-24@13:59:39 GMT

«بابا جه» وآباء غائبون !

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

تعرفتُ على الممثل المُذهل روبن ويليامز من خلال أفلام عديدة، لكن أولها كان الفيلم الكوميدي Mrs.Doubtfire، حيث تتجلى صورة الأب -غير المسؤول والعاطل عن العمل- في صورة الأمّ البديلة. وذلك عندما لم يتمكن من رؤية أبنائه بعد حصول زوجته على حق الحضانة بعد الطلاق.

لكن ما إن تعلن الزوجة عن حاجتها لمربية حتى تتجلى أمامه الفرص السانحة لإعادة استقراء ما كان يفوته في صورة الأب السابق، فالتنكر في زي المربية كان يعني أن يرى أدواره غير المنظورة على نحوٍ مُغاير.

تذكرتُ هذا الفيلم وأنا أشاهدُ المسلسل الكوميدي المصري الجديد برفقة عائلتي «بابا جه»، ربما لأنّنا مجددًا أمام صورة الأب غير المبالي وغير المسؤول، والذي يُلقي بحمل الحياة والتربية على زوجته العاملة، إلا أنّه لا يتنكر هاهنا في ثوب امرأة ليلعب دور الأمّ البديلة، وإنّما يلعب دور الآباء الغائبين في صورته الأصلية. والغياب هنا قد يكون غيابًا واقعيًا بسبب الموت الذي يُخلفُ ابنا يتيما، وقد يكون غيابًا واقعيًا بسبب الانغماس في أعمال وانشغالات لا نهائية تفوتُ عليه -أي الأب- أن يعيش لحظات طفولة أبنائه.

ففي كل يوم يذهب هذا الأب ليلعب دور الآباء الغائبين بالإيجار، عقب أن دشّن هو وصديقه صفحة بعنوان «بابا جه»، ليكسر بذلك القوالب القديمة للأفلام والمسلسلات التي تُرينا الحاجة الضرورية والماسة إلى الأمّ البديلة، دون أن ننشغل من قبل بحاجتنا إلى إيجاد بدلاء لآباء غائبين كما أتصور!

ينجحُ المسلسل في صناعة الضحك، وفي صناعة محتوى عائلي بامتياز، حيث يمكنك أن تجلس مع أبنائك الصغار باطمئنان لا يخدش رهافتهم الأولى وهو أمر بات قليلًا ونادرًا في زحام الخيارات وتنوعها. وإلى جوار الضحك فإن المعنى الموارب يصل بخفة وذكاء مدروسيْن دون أن نشعر.

ولأنّ هذا الأب لا يُمثل حالة مثالية، فهو ذاهب لأداء دور أب مأجور، من أجل المال فحسب في ظل أنّه عاطل عن العمل، فإنّ ذلك الفعل الذي يقوم به بشكل اعتباطي، يُعيد ترتيب أمرين في حياته في وقت واحد، الأول: علاقته بابنته التي لم يُحسن يوما معاملتها والتي تُقاسي الإهمال وعدم الرعاية الكافية بتفاصيل حياتها الصغيرة. والأمر الآخر: يُعيد ترتيب علاقته بماضيه؛ لأنّ هذا الأب العاطل غير المسؤول هو نتاج أب آخر صنعه، فقد جعله يعمل لساعات طويلة في طفولته وحرمه من اللعب، ليبقى واقفًا أمام «حلّة الكشري»!

في الحلقة التي يكون فيها الفنان أحمد أمين ضيفًا، نرى ضدين من الأبناء هما نتاج أولئك الآباء. الابن الذي يخوض صراعات لا نهائية في سبيل إخفاء الأب أو لومه، والابن الآخر الذي يعيش على تذكر أبيه؛ لأنّه عبَّأ كل لحظاته بالذكريات الطيبة.

يتأرجحُ الابنان على الأرجوحة ويتحدثان، كما تتأرجح بنا الحياة فتقدم لنا قصصًا لا نهائية لما تضمره العلاقة السوية أو المشوهة بين الطرفين.

الكوميديا ليست أمرًا هشًا، بل من الصلابة بما يكفي لتُرينا تقلبات مصائر الشخصيات في حدتها وخفوتها، فلم يكن الضوء منصبًا على الآباء الغائبين فحسب، بل على تجليات ذلك في الأبناء الذين ظهروا متوحشين ومتنمرين، أو ضعفاء محتاجين إلى العاطفة، أو مدمنين على المخدرات.. فكل الأطفال الذين كانوا يفتقدون وجود الأب في حياتهم لم يكونوا أسوياء بدرجة أو بأخرى.

التركيز المستمر على دور الأمّ المركزي في العائلة، جعلنا نُقلل من حضور الأب في المتن العام للأدب والفن وبالتالي في الحياة الواقعية، ولذا ينبغي استعادة «الأب» بالقوة الكافية ليعتدل الميزان «فما يقوله الأب لأبنائه لا يسمعه العالم بل تسمعه الأجيال القادمة» فنحن في جزء منا انعكاس صافٍ أو مُشوه لصورة آبائنا الذين نُمجدهم أو الذين نرغب في قتلهم بالمعنى المجازي.

هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذی ی

إقرأ أيضاً:

هل يحاسب الآباء على تربيتهم للأبناء؟.. أستاذ بالأزهر يجيب

قال الدكتور ربيع الغفير، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف، إن حديث “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”، يعد من أهم الأحاديث التي تبين المسؤولية الفردية لكل شخص تجاه مجتمعه وأسرته وكل من يعول، لافتا إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمنا من خلال هذا الحديث العظيم أن كل فرد منا في هذه الحياة مكلف ومسؤول عن شيء ما.

محمود مهنا: الرئيس السيسي يستنبط أفكاره من القرآن والسنةأحيانا أتناول الطعام أو أشرب الشاي أثناء قراءة القرآن.. فهل هذا جائز؟

وأوضح الأستاذ بجامعة الأزهر ، خلال تصريح اليوم الثلاثاء، أن هذا الحديث يُكمل المنظومة القرآنية الجميلة التي تُغرس في قلب المسلم، حيث نجد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تحث على المسؤولية، وفي السنة النبوية نجد توضيحًا لها بشكل عملي في حياة المسلم اليومية. 

وأضاف: "النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال 'كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته'، بيّن أن المسؤولية تشمل الجميع، سواء كان الأب مسؤولًا عن بيته أو الزوجة عن مال زوجها، أو حتى الخادم في مال سيده، فكل واحد منا مسؤول عن رعيته".

وأكد أن هذه المسؤولية تتضح في حديث آخر عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظ أم ضيع"، وهو حديث يوضح أهمية المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق كل فرد في الحياة.

وأضاف: "المسؤولية هنا ليست مجرد واجب ديني، بل هي شعور عميق بالمسؤولية تجاه كل ما أُوكل إلينا، سواء كانت مسؤولية تجاه الدين، الوطن، الأسرة أو المجتمع ككل".

وتابع: "القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة يغرسون فينا هذا الإحساس بالمسؤولية، لكي يدرك كل شخص فينا أنه مكلف أولًا بمسؤولية تجاه نفسه، ثم تجاه أسرته، وتجاه وطنه". 

كما تابع: "الرسالة تبدأ من البيت، حيث يُكلف الرجل بواجباته في رعاية أسرته، فتجد في القرآن الكريم قول الله تعالى: 'وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا'، هذه مسؤولية كبيرة، يجب على الأب أن يُرَبّي أولاده على الصلاة ويصبر عليهم حتى ينشأوا على العبادة".

وأشار إلى أن التربية من أهم المسؤوليات التي يتحملها الوالدان، مشيرًا إلى الحديث الشريف الذي يقول: "ربوا أولادكم وأحسنوا أدبهم"، مؤكدًا على أهمية التربية الحسنة لأنها مسؤولية سيُسأل عنها الإنسان يوم القيامة. 

وأضاف: "بالتأكيد، ستسأل عن هذا الجيل الذي قمت بتربيته، هل حافظت على هدايته أم ضيعت حقه؟.

وقال: "كل واحد منا هو راعٍ في موقعه، وكل فرد مطالب بالعناية بما هو تحت مسؤوليته، سواء كان ذلك في البيت أو في المجتمع، وهذه مسؤولية عظيمة سنُسأل عنها يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى".

ختامًا، أكد الدكتور ربيع، أن هذه المبادئ الإسلامية التي تحث على المسؤولية الفردية والجماعية يجب أن تكون أساسًا في حياة كل مسلم، وأننا جميعًا مطالبون بأن نكون مسؤولين عن أنفسنا، أسرنا، ومجتمعاتنا.

مقالات مشابهة

  • ابعد طفلك عن الشاشات فورًا.. دراسة تحذر من انتشار قصر النظر بين الأطفال والمراهقين
  • قصة الفريق الإيطالي الذي يحقق إنجازا كلما توفي بابا الفاتيكان
  • دعاء الأم على أبنائها.. هل يستجاب حتى ولو كانت ظالمة ؟
  • هل يحاسب الآباء على تربيتهم للأبناء؟.. أستاذ بالأزهر يجيب
  • نظرة على فيلم Conclave الذي يسلط الضوء على عملية انتخاب بابا الفاتيكان
  • البابا فرنسيس.. الكاردينال الذي باع ثروته واشترى قلوب الفقراء
  • البابا تواضروس يلتقي رهبان الأديرة | صور
  • تحذير ودعوة إلى أخذ الاحتياطات من الأب خنيصر.. عاصفة رملية ستضرب لبنان والأمور نحو الأسوأ
  • «بابا الفاتيكان الذي كسر التقاليد».. ماذا تغيّر في طقوس دفن «البابا فرنسيس»؟
  • البابا فرنسيس.. ماذا تعرف عن الالتهاب الرئوي المزدوج الذي توفي به بابا الفاتيكان؟