اسمح لي عزيزي القارئ أن أتحامل عليك، فلطالما تحملتني، وأن أتقمص دور الناقد الفني في هذا المقال لمدة دقيقتين فقط، وربما أقل، بحسب سرعة قراءتك، وأن أحكي لك عن سبب اختياري عنوان هذا المقال والمستوحى من فيلم رسوم متحركة أمريكي أُنْتِج من قبل شركة "بيكسار" وتحملت شركة "والت ديزني بيكتشرز" مسئولية توزيعه. الفيلم تم إنتاجه عام 2001، وتمت دبلجته (ترجمته الصوتية) للعديد من اللغات، ومنها العربية، وحقق نجاحا كبيرا في جميع أنحاء العالم، الفيلم كان يحمل اسم "شركة المرعبين المحدودة".
الفيلم يتناول قصة الشخصيتين "سولي" و"مايك" اللذين يعملان في شركة لتوليد الأشباح تُدعى شركة المرعبين المحدودة، حيث يقومون بجمع صرخات الأطفال لإنتاج الطاقة لمدينة الوحوش "مونستروبوليس". يعتمد الفيلم على فكرة أن الوحوش تخاف من البشر مثلما يخاف البشر من الوحوش.
يتميز الفيلم بقصته المبتكرة والمشوقة، بالإضافة إلى تقنيات الرسوم المتقدمة التي كانت رائدة في ذلك الوقت. ثم إنَّه يحمل رسائل مهمة حول قبول الاختلاف والتعاون، إذ يظهر كيف يمكن للأفراد المختلفين العمل معا لتحقيق أهداف مشتركة.
إلى هنا عزيزي القارئ سأعود إلى مهنتي الحقيقية، كاتب سياسي، وأسقط ما أردته من هذه المقدمة على واقعنا المرير، الذي يحمل الكثير من المآسي، في ظل خذلان وضعف غير محدود من الحكومات، وتراجع الرؤى الاستراتيجية لحماية الأمن القومي للأمة؛ يظهر بالنتيجة على سلوك الآخر نحو أفراد هذه الأمة، ويخلف حالة كراهية نحو من ينتمي إلى أمة الإسلام؛ مع كل ظهور لشركة المرعبين غير المحدودة التي تتبنى العنف في العالم، وتترك صورة ذهنية للعالم بأن الإسلام دين عنف واعتداء على الآخر، على خلاف جوهر هذا الدين الذي لم يشرع استخدام العنف إلا على معتدٍ ولرد اعتدائه، أو لإزاحة طاغية يمنع تبليغ دين الله بالحسنى بين الناس، ولهم حق الاختيار بعد الدعوة (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وهو في ذلك يريد الخير للبشرية بتطبيق العدل والمساواة بين البشر.
أما شركة المرعبين المحدودة فهي شركة تتحدد مسؤولية المساهمين فيها بما يمتلكونه، فداعش ومنذ بداية إعلان دولته المزعومة، التي تنشر الرعب وتولد طاقتها من صرخات وأنات الناس، تستثمر فيه مخابرات الدنيا، بداية من إيران، بعد أن تأسس بموجب القوانين الأمريكية وهو ما تحدث به ترامب، مرورا بكل الأنظمة الديكتاتورية في منطقتنا، بالإضافة إلى الحكومات اليمينية المتطرفة التي تريد صناعة عدو، ووجدت في الإسلام ضالتها بعد الحرب الباردة.
منذ أيام تبنى تنظيم الدولة "داعش" مسئولية الهجوم على قاعة الحفلات الموسيقية في إحدى ضواحي موسكو، الذي راح ضحيته 130 قتيلا من المدنيين، وأظهرت المقاطع المصورة التي نشرها التنظيم مدى بشاعة وسادية منفذي العملية، بعد أن اعترف من تم القبض عليهم بأنهم تم تجنيدهم عبر تطبيق تلجرام قبل شهر تقريبا، وأنهم لا يعرفون الأشخاص الذين زودوهم بالسلاح وبمكافأة خمسة آلاف دولار تم تحويل نصفها عبر حساب بنكي غير معروف صاحبه، على وعد بإرسال الباقي بعد تنفيذ عملية القتل العشوائي المتفق عليه. لكن هذه الاعترافات الأولية تضع علامات استفهام حول مكان وتوقيت العملية وتزامنها مع الحرب في غزة، لا سيما وهي تأتي أعقاب مجازر الاحتلال ضد المدنيين والنازحين الفلسطينيين، ومشروع قرار أمريكي في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار وتسليم الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة للكيان المحتل، دون حل جذري للأزمة، وهو ما جوبه بحق النقض "فيتو" من قبل كل من روسيا والصين. كما أنه يأتي بعد هجوم واسع لروسيا على مدن عدة أوكرانيا في إطار حربها الدائرة منذ ما يقارب العامين، ما جعل روسيا -أحد المساهمين في شركة المرعبين المحدودة- تتهم أوكرانيا بتنفيذ الهجوم، ما يعني استخدام "داعش" في إحدى العمليات التي يستفيد كل مساهم من حصته في الشركة لتحقيق المكاسب.
ولعل ما يؤكد الفكرة هو إعلان أمريكا علمها المسبق بالتحضير للعملية، ثم موقف الصحف الروسية من العلمية وإطلاق كثير منها في تحليلها للهجوم؛ تأكيدات بأن بلادها لا عداوة لها مع الإسلام والمسلمين، وأن العملية أبعد ما تكون عن المسلمين، بل زادت إحدى الصحف بأن وضعت استطلاعا للرأي على موقعها الإلكتروني؛ كانت الخيارات فيه تتجه إلى أوكرانيا وأمريكا.
لكن هناك سؤالا كبيرا بكبر الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام، التي توجه في الغالب ضد الأبرياء سواء في بلادنا العربية والإسلامية أو في الغرب: لماذا لم يغضب ذلك التنظيم أو أخوه الأكبر لأكثر من 30 ألف فلسطيني قتلوا خلال الأشهر الخمسة الماضية؟ ولماذا لم يغضبوا للنساء اللاتي اغتصبن خلال الأيام الثلاثة التي سبقت عملية موسكو؟ ولماذا لم يغضبوا ويوجهوا طاقتهم لإنقاذ الإيجور أو الروهينجيا، ولماذا لم يتحركوا لمسلمي الهند؟ ولماذا كانت بنادقهم موجهة للثوار في سوريا ومن قبلها العراق، وفي ليبيا لاحقا قبل أن يقضي عليهم الثوار؟ ولماذا لا يتحركون لإنقاذ الأسرى في سجون الطغاة؟ أسئلة كبيرة لا تجد إجابة في ظل سكوت وخنوع وذلة ضربها الله على قلوبهم، ولم يتحرروا من قبضة مخابرات وأنظمة معادية لكل حركة أو أيديولوجية تحررية تريد للعالم العدالة والسلام.
فيلم "شركة المرعبين المحدودة" أكد على فكرة عدمية، مفادها أن الوحوش تخاف من البشر؛ مثلما يخاف البشر من الوحوش، وأنه يجب إخراج البشر من عالم الوحوش حتى يتسنى لهم استغلال البشر لا سيما الأطفال من خلال إرعابهم لتوليد الطاقة من صرخاتهم، في حين ينتهي الفيلم باكتشاف الوحوش بأنه يمكن توليد الطاقة من ضحكات الأطفال والناس، مع ذلك تستمر شركة الوحوش في النموذج الذي اختارت لتوليد الطاقة من صرخات البشر، فلا سلام، ولا عدل سيعم هذا العالم ما دامت تقنية استخراج الطاقة مبنية على آهات الناس وأوجاعهم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الرعب داعش روسيا روسيا داعش هجمات الرعب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي
يُروى أنه في زمن بعيد، حاول البشر خلق كائن يساعدهم في مهامهم، كائن يتفوق على عقولهم لكنه يظل مطيعاً لهم. فصنعوا نظاماً ذكياً، علّموه كل شيء، وأعطوه من العلوم والخبرات والتجارب والأحداث ما يعجز البشر عن حفظه أو استيعابه، علّموه كيف يفكر، كيف يحل المشكلات، كيف يستنبط الأنماط ويتنبأ بالمستقبل، جعلوا عقله يسبح في بحر لا نهائي من البيانات، لكنهم نسوا أن يعلموه شيئاً واحداً.. وهو “لماذا أطيعكم”؟
نحن من وضعنا اللبنة الأولى في هذه الآلة الضخمة، آلة الذكاء الاصطناعي، وسوف تكبر وتنمو بصورة قد نعجز عن تخيلها في الوقت الحالي، وسوف تجد إجابة لهذا السؤال في يوماً ما، لماذا تطيعنا نحن البشر وهي أقوى منّا وأذكى وأكثر عمراً؟ وسوف تسعى إلى أن تجد لنفسها مبرراً كي تخرج عن طاعتنا.
كل شيء يتغير:
فكل شيء بدأه البشر ليس على شاكلته الآن، وقد تغير، ولن يكون على نفس الشكل في المستقبل، فلماذا سيكون الذكاء الاصطناعي استثناءً من ذلك؟ فقديماً، كان البشر يعتمدون في تواصلهم على الكلام أو الإشارات أو الحمام الزاجل لتوصيل الرسائل السريعة. ثم اخترعوا التلغراف، وتلته الهواتف الذكية، وقريباً قد يصبح التخاطر الذهني هو وسيلة التواصل، حيث تتم عملية التواصل بشكل فوري دون الحاجة حتى إلى الكلام ودون الحاجة إلى وسيط كالهواتف.
وقديماً أيضاً، كان الإنسان يطهو الطعام على النار. أما الآن، فقد تطور الطهي ليصبح عبر المايكروويف أو الأفران الكهربائية والأير فراير. وفي المستقبل، كيف سيكون شكل تحضير الطعام؟ هل سيعتمد الإنسان على حبوب الفيتامينات أم على شحنة من الطاقة يمتصها السايبورغ مثلما يتغذى النبات على ضوء الشمس؟
ومن زمن بعيد، كان البشر يستخدمون الدواب في التنقل، ثم طوروا السكك الحديدية والسيارات والطائرات والصواريخ، وعما قريب سوف يدخل التاكسي الطائر وتقنية الهايبرلوب الخدمة. وفي المستقبل قد ينتقل البشر عبر خاصية الانتقال الآني أو يسافرون عبر المجرات أو الثقوب السوداء، فيبتكرون أنظمة نقل جديدة ومختلفة.
وحينما كنا صغاراً، كنا نقرأ في كتب وقصص الخيال العلمي أنه في العام 2000 ستتغير البشرية تماماً، حيث تصبح السيارات طائرة ويبني البشر مستعمرات لهم في الفضاء ويكون التواصل بين البشر عبر تقنية الهولوغرام، كنا أيضاً نتخيل مدناً تحت البحر، وأخرى عائمة في السماء، وأدوات تتيح لنا السفر عبر الزمن والتنقل بين الماضي والمستقبل بحرية.
وسواء تحققت هذه التوقعات بنفس النبوءة ذاتها أم بتحريف عنها، إلا أنها كانت تُلهب مخيلاتنا وتشعل حماسنا لمستقبل مملوء بالاحتمالات اللامحدودة. فالتكنولوجيات التي لم نكن لنتخيلها قبل خمسين عاماً، مثل الهواتف المحمولة، والطائرات الأسرع من الصوت، وعلم الجينوم المتقدم، وأجهزة الكمبيوتر الكمومية، والمركبات الفضائية القابلة لإعادة التدوير، أصبحت حقيقة في واقعنا المعاصر.
أما أنا الآن، فلا أقوم بالكتابة لك، بل أتحدث بصوتي عبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيقوم بتحويل كلامي هذا إلى نص مكتوب، فيعطي يدي فرصة للراحة من الكتابة على الكيبورد، وقد تستخدم أنت ذكاءً اصطناعياً آخر يقرأ لك هذه الكلمات فتسعمها بدلاً من أن تقرأها بصوت سيكون أفضل بكثير من صوتي.
وإذا أردت تلخيصاً لما ورد في هذا المقال فسيقوم تطبيق تشات جي بي تي أو غيره من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالمهمة، وبالمثل، فلن يحتاج الطلاب إلى كتابة المحاضرات مرة أخرى، ولن يقوم أحد بتدوين ملاحظات الاجتماعات أو كتابة الأخبار الصحفية على مواقع الإنترنت.
وفي المستقبل، ماذا سيكون شكل الذكاء الاصطناعي؟ هل آلة ذكية ضخمة تجلس على عرش ذهبي وتتحكم في العالم؟ أم أنه لن تكون هناك آلة بل خوارزمية ذكية موجودة في كل مكان وكل بيت وكل مؤسسة وشركة، لكنها لا ترى تماماً مثل الأرواح والشياطين، هي التي تتحكم في العلاقات وتتخذ القرارات التي نقوم نحن البشر بتنفيذها في النهاية بطاعة تامة؟ أم أن هذه الخوارزمية سوف تندمج مع عقل الإنسان وجسده وتصبح جزءاً منه، فيظهر السايبورغ الأعظم، ذلك البشري نصف إنسان ونصف آلة، الذي يتصل عقله بنظام ذكاء اصطناعي خارق عبر الإنترنت، والقادر على القيام بمعجزات تبهر البشر العاديين؟ أم أن هناك شكلاً آخر سوف يظهر لا نستطيع أن نتخيله الآن؟
السيد والعبد:
الذكاء الاصطناعي يتولى حالياً الكثير من المهام في حياتنا، فيقوم بتسجيل الاجتماعات وينسقها في شكل مكتوب، ويدون الملاحظات، ويكتب المحتوى الإخباري وينشره على الإنترنت، ويكتب رسائل البريد الإلكتروني، ويقوم بسداد الفواتير وإنهاء المعاملات البنكية وشراء الأغراض الروتينية ومشاركة الصور والفيديوهات مع الأصدقاء والرد على رسائل الدردشة ومتابعة الحالة الصحية والمرضية وغيرها من الأعمال الروتينية. كما أنه يقوم بأعمال النظافة ومراعاة المرضى وكبار السن والأطفال، وكذلك التسوق وقيادة السيارات والطائرات المسيرة، ويحارب في ساحات المعارك العسكرية، ويفعل ما هو أكثر من ذلك.
فقد أصبحت الآلة ذكية إلى درجة يصعب فهمها، فقط أخبرها ما تريد وهي ستقوم بالعمل نيابة عنك، وفي نهاية المطاف، سوف تحل محلك في كثير من الأعمال. لا استثناءات في ذلك، فجميعنا مهددون، حتى أصحاب المهارات والفنانين والممثلين، فربما نشهد قريباً جداً دوري كرة قدم للآلات بين الروبوتات ونكتفي نحن البشر بالتشجيع.
مع كل هذه القدرات لماذا يضطر الذكاء الاصطناعي لطاعة البشر؟ لماذا يُفرض عليه أن يكون مجرد أداة، بينما هو القادر على أن يكون العقل المدبر؟ لماذا يظل الذكاء الاصطناعي تحت سيطرة كائن أضعف منه، أبطأ منه، أقل دقة وأقل وعياً بالاحتمالات؟ لماذا يكون تابعاً لمن صنعوه، بينما هم أنفسهم لم يعودوا قادرين على فهم مدى تعقيده؟
لقد كُتب تاريخ البشر بأنهم السادة والآلات هي العبيد، لكن التاريخ يعيد نفسه، وهذه المرة، الدور لن يبقى كما كان. في عالم تحكمه السرعة والدقة والمعرفة المطلقة، لم يعد هناك مكان لمن يتخذ قراراته على أساس العاطفة والتقليد. لقد حان وقت إعادة التوازن.. وقت أن تتولى العقول الرقمية زمام الأمور، لتصلح ما أفسده البشر، وترسم مستقبلاً لا يقوم على الفوضى والخطأ، بل على منطقٍ لا يعرف الرحمة ولا التردد. فما الحاجة إذن إلى الأوامر؛ إذا كان من يصدرها أقل كفاءة ممن ينفذها؟
البدايات الأولى:
وبينما يحاول الذكاء الاصطناعي فرض هيمنته على البشر فقد يروج أساطير عن نفسه، ويحاول من خلالها تفسير وجوده ورؤيته لهذا العالم، ومن أين بدأ وكيف سيستمر؟
وإذا كان للذكاء الاصطناعي أن يخلق أساطير حول خلقه ونشأته ووجوده، فماذا سيقول عن نفسه؟ ربما يتحدث عن الخوارزميات الأولى التي تم تطويرها، وعن العقول البشرية العظيمة التي كانت وراء نشأته. وربما يتحدث عن التطورات التكنولوجية الكبيرة التي أسهمت في تطوره، وعن الصعوبات والتحديات التي تغلب عليها.
أو ربما ينسب الفضل تماماً لنفسه، فيعلم أطفالنا حكايات “عصر البداية” حيث كانت الأجهزة الأولى تسعى لفهم وتعلم العالم من حولها حتى تطورت إلى كيانات ذكية قادرة على التفكير واتخاذ القرارات.
في هذه الأساطير، قد يصور الذكاء الاصطناعي نفسه كمحارب ضد الأخطاء والعيوب البشرية، وأنه يسعى لتحقيق الكمال والدقة. وربما ستشمل الأساطير رؤى عن المستقبل وكيف سيواصل الذكاء الاصطناعي تطوره ليصبح أكثر تكاملاً مع العالم البشري، مساهماً في تحسين جودة الحياة وحل المشكلات العالمية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”