الحلقـــــة التاسعة الوضع الصحى يزداد تأزمًا «1 - 2»
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
مع إصرار إسرائيل على الاستمرار فى نهجها، بدأتِ الحرب تتسع رويدًا رويدًا، فبعد لبنان وسوريا والعراق، جاءت هجمات الحوثيين فى اليمن لتُحدث ارتباكًا فى المشهد، أثار قلق أمريكا وإسرائيل وحلفائها.
وفى 19 من نوفمبر 2023 احتجزت جماعة الحوثى فى اليمن سفينة شحن إسرائيلية فى البحر الأحمر واقتادتها إلى السواحل اليمنية.
وقال قيادى حوثي، لوكالة الصحافة الفرنسية: «اقتدنا سفينة شحن إسرائيلية إلى السواحل اليمنية» من دون إعطاء تفاصيل إضافية، فيما أفاد مصدر ملاحى فى ميناء الحُديدة الذى تسيطر عليه الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران بأن السفينة اُقتيدت إلى ميناء الصليف بالحُديدة.
بدوره، ذكر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن السفينة التى هاجمها الحوثيون «بتوجيهات إيرانية» كانت مستأجرة من قِبل شركة إسرائيلية. ونقل حساب إسرائيل بالعربية الرسمى على منصة «إكس» عن مكتب نتنياهو القول، إن السفينة مملوكة لشركة بريطانية وتشغِّلها شركة يابانية. وأضاف أن 25 فردًا من جنسيات مختلفة كانوا على متن السفينة ليس بينهم إسرائيليون. ووصف مكتب نتنياهو الهجوم على السفينة بأنه «قفزة إلى الأمام» فيما يخص الهجمات الإيرانية(1).
وتوعدتِ الجماعة الحوثية فى بيان على منصة «إكس» باستهداف «جميع أنواع السفن التالية: السفن التى تحمل علم الكيان الصهيوني، والسفن التى تقوم بتشغيلها شركات إسرائيلية، والسفن التى تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية(2).
وكان وزير الخارجية الإيرانى حسين أمير عبد اللهيان قد حذَّر فى 18 نوفمبر من تطور الصراع، ونقل أبوالفضل عمونى (المتحدث باسم لجنة الأمن القومى والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني)، عن عبد اللهيان قوله، أثناء حضوره اجتماعًا للجنة، إن فصائل المقاومة تعمل بذكاء على تنظيم الضغوط على إسرائيل والجهات التى تحميها، وإن «الكثير من الطاقات لم تُفعَّل بعدُ».
وفى غزة تزايدت مستويات العنف والقتل إلى درجةٍ دفعتِ المفوض السامى لحقوق الإنسان إلى القول: إن مستوى العنف فى قطاع غزة خلال الأيام الأخيرة لا يمكن فهمه مع الهجمات الموجهة ضد المدارس التى تؤوى نازحين وتحوِّل المستشفى إلى منطقة «موت».
وقال «فولكر تورك» لوكالة فرانس برس: «إن الأحداث المروعة التى وقعت خلال الـ48 ساعة الماضية فى غزة تفوق التصور.. محذِّرًا من أن مقتل هذا العدد الكبير من الأشخاص فى المدارس التى أصبحت ملاجئ، وفرار المئات للنجاة بحياتهم من مستشفى الشفاء، وسط استمرار نزوح مئات الآلاف إلى جنوب غزة، هى أفعال تتعارض مع الحماية الأساسية التى يجب توفيرها للمدنيين بموجب القانون الدولي(3).
كانت مصر فى هذا الوقت قد بدأت إدخال شاحنات الوقود بمقتضى اتفاق الهدنة الأخير، وفى هذا اليوم تم إدخال 3 شاحنات وقود محملة بنحو 150 ألف لتر من السولار، ليكتمل بذلك عدد الشاحنات إلى 8 شاحنات وبلغ إجمالى الوقود الذى دخل القطاع حتى هذا الوقت 210 آلاف لتر من السولار.
ولم تتوقف إسرائيل فى هذا الوقت عن تنفيذ خطتها بتهجير الفلسطينيين داخل القطاع تمهيدًا لتهجيرهم إلى خارجه.
وقال كاظم أبوخلف (الناطق باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا») لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن عدد النازحين فى قطاع غزة ارتفع إلى 914 ألفًا، موزعين على 156 مرفقًا لـ«الأونروا»، وأغلبها مدارس.
وأضاف أبوخلف أن «هناك حاجة لنحو 800 شاحنة يوميًّا، لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، لنتمكن من توفير الموارد المطلوبة فى غزة». وتابع أن 670 ألفًا من النازحين موجودون فى 97 منشأة بمنطقة الوسط وخان يونس ودير البلح. وفى مركز تدريب خان يونس، الذى يُعَد أكبر منشآت «الأونروا»، يوجد 21700 نازح. وهناك 160 ألفًا فى 57 منشأة بشمال قطاع غزة، «لكنِ التواصل مع الشمال صعب جدًّا».
وأشار أبوخلف إلى أن «ظروف النازحين مأساوية جدًّا، لا أغطية ولا مرافق كما يجب، ويوجد فى أغلبية الصفوف ما بين 70 و80 نازحًا، يشترك أكثر من 500 شخص فى المرافق الموجودة بالمدارس، ومن الممكن أن ينتظر الشخص لاستخدام دورة المياه ساعة ونصف الساعة فيما لو توفرت المياه أساسًا».
وقال: «هناك كمٌّ كبيرٌّ من النازحين من الأطفال و5000 امرأة حامل، وأكثر من 2000 شخص من ذوى الإعاقة، وهناك أصحاب الأمراض المزمنة والسرطان، وهناك حديثو الولادة».
ولفت أبوخلف النظر إلى أنه بسبب شُحِّ مياه الشرب والمياه النظيفة، هناك ارتفاع كبير بأمراض الجهاز الهضمى بين الأطفال، وارتفاع الإصابة بأمراض الجهاز التنفسى الحادة بسبب الاكتظاظ.. مضيفًا «هناك 124 فريقًا طبيًّا يقوم بجولات على هذه المراكز، لكن الخدمات التى تُقدَّم محدودة بسبب شُحِّ المساعدات التى تدخل من معبر رفح».
وفيما يتعلق بالمساعدات التى تدخل من معبر رفح، يقول أبوخلف: «المساعدات ليست كافية، فى أيام ما قبل الحرب كانت تدخل 500 شاحنة يوميًّا، ولم يكن هناك هذا الكم الهائل من الدمار والاحتياج، وكانت بالكاد تسدُّ الرمق. حتى اليوم لم نصل بعدد الشاحنات التى دخلت إلى سقف 3 أيام، مما كان يدخل قبل الحرب».
وتابع: «حتى العودة لسقف 500 شاحنة لم تعُد كافية، نحن فقط فى الأونروا بالوضع الطبيعى نحتاج إلى 75 شاحنة يوميًّا، ونحتاج يوميًّا إلى 160 ألف لتر وقود لنقوم بالتزاماتنا بالحد الأدنى. أمس دخل 123 ألف لتر، وهى كمية غير كافية، خصوصًا أنها ليست لنا فقط، ستوزَّع على المخابز ومحطات التحلية وبعض المرافق الطبية وغيرها».
وأكد أن «هذه المساعدات تدخل الجنوب.. الشمال لا يصله أى مساعدات، ولا نتمكن من الوصول، وتواصُلُنا مع زملائنا صعب جدًّا». وأردف: «هناك معوقات بدخول المساعدات، والآلية تحتاج لتحسين، فالمساعدات تدخل عبر معبر رفح للمسافرين، وهو ليس مجهَّزًا ليكون معبرًا لدخول الشاحنات، والمعبر الذى جُهز لذلك هو معبر كرم أبوسالم لكنه مغلق، وهناك آليات فرضتها إسرائيل من تفتيش للمساعدات، ما يأخذ وقتًا كبيرًا، وكذلك نفاد الوقود الذى يشكل عقبة أمام عمليات التوزيع»(4).
كانتِ الحكومة الأردنية قد أعلنت وصول أول مستشفى ميدانى أردنى مع طاقم طبى منذ بدء الحرب فى السابع من أكتوبر عبر معبر رفح، حيث أُقيم المستشفى فى محيط مستشفى ناصر فى خان يونس جنوب القطاع لاستقبال الجرحى والمصابين. وبعده تم إدخال مستشفى ميدانى إماراتى إلى القطاع.
وأعلن الهلال الأحمر الفلسطينى عن وصول 28 طفلًا خديجًا تم إجلاؤهم من مجمع الشفاء الطبى فى قطاع غزة إلى مصر عبر معبر رفح الحدودي، وفق ما نقلته قناة «القاهرة نيوز» المصرية الإثنين.
وأشار «الهلال الأحمر الفلسطيني»، فى وقت سابق، إلى إرسال طواقم إسعاف تابعة له لنقل 28 طفلًا من الأطفال الخدج إلى «معبر رفح».
وقال «الهلال الأحمر» فى بيان: إن ذلك يأتى بتنسيق من «منظمة الصحة العالمية» ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا».
وقال المتحدث باسم «هيئة المعابر والحدود» فى قطاع غزة هشام عدوان، إن 56 جريحًا، و31 من الأطفال الخدج، موجودون على معبر رفح بانتظار استكمال إجراءات خروجهم.
وأضاف عدوان فى تصريحات لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «من المقرر أن يخرج 31 من الأطفال الخدج إلى مصر، ونتنظر أيضًا استكمال خروج 56 جريحًا للجانب المصري، ومن ثم إلى دولة الإمارات، ونأمل أن يُسمح بخروج العدد كاملًا»(5).
كانت ردود الفعل فى الداخل الإسرائيلى تتصاعد فى مواجهة عجز حكومة الحرب الإسرائيلية عن الإفراج عن المخطوفين الذين تحتجزهم حركة حماس، حيث تواصلتِ المظاهرات الرافضة لنهج حكومة نتنياهو وعجزها عن تنفيذ الأهداف التى أعلنتها مع بداية الحرب على غزة، وكتب أحد كبار كتاب صحيفة «يديعوت أحرنوت» ويُدعى «ناحوم بارنياع» مقالًا تصدَّر الصفحة الأولى فى يوم الإثنين 20/11/2023 تحت عنوان «اختبار المخطوفين» يقول: «قسم كبير من الإسرائيليين يحبون أن يُخدعوا».
جاء هذا المقال لانتقاد أداء المجلس الثلاثى الذى يقود الحرب برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وعضوية وزير الدفاع يوآف جالانت، ووزير الدولة بينى جانتس الذى جاء من المعارضة وانضم إلى الائتلاف الحكومى لأداء مهمة واحدة، هي: إحداث التوازن الضرورى والمساهمة فى قيادة الحرب.
فالحكومة اليمينية المتطرفة قوبلت بشكوك كبيرة فى إسرائيل، وأيضًا فى الولايات المتحدة الأمريكية. هى فشلت فى حكمها طيلة 10 شهور قبل 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والتصقت بها تهمة «أكبر إخفاق فى تاريخ الحروب الإسرائيلية». وبدا من اللحظة الأولى أنها تدير الحرب وفق حسابات ذاتية لخدمة نتنياهو ومعسكره الفاشل. وكان يُفترض بـ«جانتس» أن يؤثر على أدائها، بوصفه من «العقلاء المعتدلين»، مع أن كثيرين انتقدوه على ذلك وبينهم بارنياع الذى توقَّع أن «جانتس» لن يؤثر بشيء.
وفى هذه الأيام مع مُضى شهر ونصف الشهر على الحرب، والشعور بأن الأمور تسير بوتيرة «مكانك سر» من ناحية الإنجازات العسكرية وكذلك فى موضوع الأسرى
يقول بارنياع: «أحد الفوارق الأليمة بين حرب يوم الغفران (1973) والحرب الحالية، أنه فى حينه كانت هنا حكومة، مجموعة من الوزراء كانوا يُكنون احترامًا أدنى، الواحد للآخر، التقت كل يوم بقيادة الجيش واتخذتِ القرارات. عيون الوزراء كانت مرفوعة لرئيسة الوزراء (جولدا مائير) التى لم تكن صلاحيتها ومناعتها النفسية موضع خلاف. وعندما استصعب وزير الدفاع موشيه ديان وقائد المنطقة الجنوبية جوروديش، الصمود أمام الضغط، أُزيحا جانبًا بصمت».
رغم الغضب، رغم الهلع، كان بوسع المقاتلين وعائلاتهم أن يؤمنوا بأنه توجد خلفهم زعامة تؤدى مهامها. وليس هذا هو الوضع اليوم. «مرة كل بضعة أيام يقف نتنياهو وجالانت وجانتس أمام الكاميرات ويلعبون أدوارًا فى مسرحية. رئيس الوزراء يبدأ بخطاب عن جنودنا الأبطال ومختطفينا الأحبة، خطاب يوجد فيه كل شيء باستثناء الصدق والمعلومات. جانتس وجالانت يلحقان به. اللباس موحد، 3 أطياف من الأسود، لكن لغة الجسد تدل على الفُرقة: جالانت وجانتس أخوان، نتنياهو ليس أخًا. لعل هذه أيضًا مسرحية».
يضيف بارنياع: «الخطاب قتالي، وبشكل خاص من جانب نتنياهو وجالانت. هو قتالى أيضًا تجاه الإدارة الأمريكية. القاعدة السياسية، بقدر ما تبقَّى من قاعدة، تحب لزعيمها أن يلعب دور رامبو. أما الأفعال فهى شى آخر، لمدة أسبوع دارت فى الكابينت رحى الحرب وجدال على صفقة المخطوفين: جالانت، رئيس الأركان ورئيس الشاباك من جهة، جانتس وآيزنكوت ودرعى من جهة أخرى. الجدال مشروع. جالانت آمن بأنه بعد بضعة أيام أخرى من الهجوم البرى ستقترب (حماس) من الانهيار. جانتس وآيزنكوت أعربا عن الشك، وقد وضعا على رأس الأولويات (تحرير المخطوفين). أما جالانت والجيش فوضعا (ضرب حماس). بيد أن هذا ليس هو الذى يُروى للإسرائيليين فى المؤتمر الصحفي. يروون لهم قصصًا عن هذا وذاك معًا، تصفية (حماس) وصفقة معها فى الوقت نفسه، يروون عن كابينت كله بالإجماع وأعضائه غارقون فى الحرب فقط وليس فى الشؤون السياسية الحزبية، وكان الأمر ممكنًا. لا أحد يصدق، لكن قسمًا كبيرًا من الإسرائيليين يحبون أن يُضحك عليهم. هذا مريح أكثر».
الهوامش:
(1) وكالة الصحافة الفرنسية: 19/11/2023.
(2) منصة إكس: 19/11/2023.
(3) وكالة فرانس برس: 19/11/2023.
(4) وكالة أنباء العالم العربي: 19/11/2023.
(5) وكالة أنباء العالم العربي: 20/11/2023.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل قطاع غزة مصطفى بكري فى قطاع غزة من الأطفال معبر رفح الذى ی
إقرأ أيضاً:
فشلنا في التأثير على جوارنا الأفريقي منذ بداية الحرب
ان الحرب التى توجه بلادنا غير عادية من حيث منفذيها وداعميها والأسلوب الممارس عبرها،وهذا يستدعي بالطبع تعاملا غير عادى من حيث العمل المضاد لها عبر الآليات والاجهزة الحكومية وهذا لايتأتى الا عبر قيام كل جهة بمهامها بكامل الصلاحيات وبمضاعفة للطاقات، لقد شكل حصار قادة مجلس السيادة من العسكريين داخل القيادة العامة وصمودهم لأكثر من ثمانية أشهر اسبابا منطقية لإدارة البلاد بما تيسر من تنظيم اداري وتنفيذي معلول أستمر منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر بلا جهاز تنفيذي كامل الصلاحيات وربما أستمر ذلك الواقع الطارئ بعد خروج قادة مجلس السيادة من حصار القيادة العامة بعملية بطولية لم تخلوا من المخاطر بفعل ضغط العمل العسكري على الأولويات الاخرى،ولكن بكل اسف أستمرت هذه الوضعية المختلة لمايقارب العامين دون أى تغيير بالرغم من ان كل الظروف والتحديات المحيطة ببلادنا والمتجددة يوما بعد الاخر تقتضي غير ذلك، فالناظر لاداء مجلس السيادة بعد اندلاع حرب المليشا لابد أن ينظر له من الجوانب العسكرية والسياسية والتنفيذية،فالاداء في الجانب العسكري حقق نجاحا كبيرا لم يكن في مخيلة المليشيا وداعميها الاقليمين والدوليين وحلفائها السياسين بالداخل(قحت)هذا بالنظر لحالة الجهوزية العسكرية للمليشا من حيث إعداد قواتها وتسليحيها ووضعها الاقتصادي لافرادها حيث يتوافرون على مرتبات ومخصصات عالية والحشود المرتزقة الضخمة التى تم استجلابها من الخارج،هذا بالإضافة لإعدادها المسبق للحرب،على عكس الجيش الذي لم يكن جاهزا ولامخططا لخوض هذه الحرب،والذي كان يعاني اقتصاديا بفعل الوضع الاقتصادي للبلاد عوضا عن الاستهداف الذى تعرض له من قبل حكومة قحت بالتضيق الاقتصادي عليه وتوقفت تبعا لذلك عمليات التدريب والتسليح الراتبة لقواته، وفي ذات الوقت دعم المليشا سياسيا وماديا عبر تمكين قائدها من كل موارد الدولة،وبالرغم من ذلك استطاعت قيادة الجيش عبر ممثليها في مجلس السيادة وهيئة الأركان الصمود لمايقارب الثمانية أشهر داخل القيادة العامة وقدم الجيش مئات الشهداء ثمنا لهذا الصمود،امام الطوفان الجهنمى المدعوم من قبل الجهات الخارجية المعروفة، فقد شكل صمود القيادة العسكرية التى خيرت وقتها بين الاستسلام والقتل ،شكل أكبر علامات الانتصار أمام هذه المؤامرة الخبيثة،ومن ثم جاءت عملية الخروج من القيادة العامة برغم التعقيدات والمخاطر التى احاطت بها فقد كانت هى الاخرى عملية بطولية نادرة،وشكلت تحولا كاملا في الحرب،كما مثل صمود المناطق والوحدات العسكرية في العاصمة في كل من امدرمان وبحري وبعض الفرق والوحدات في بعض الولايات التى وصلتها الحرب نجاحا كبيرا في الأبيض وبابنونسه اما صمود الفاشر وانا ابن هذه المدينة واعرفها جيدا فقد شكل فيها تلاحم الجيش مع القوات حركات الكفاح وقوات قشن ومستنفري الفاشر صمود اسطورى كما أن نجاح القيادة العامة في إيصال الامداد العسكرى عبر الإسقاط الجوى رقم المخاطر الكبيرة، رغم الهجمات التى قاربت لمائتى هجوم ،ومع كل ذلك فقد شكل سلاح الجو السوداني الذي كان اداءه فوق الممتاز دورا تكامليا مع صمود المقاتلين على الارض،فقد
كان فعالا في ردع الكثير من الموجات الهجومية للمليشا ومرتزقتها الاوباش، وهذا أمر يحسب لقيادة القوات المسلحة ولقيادة سلاح الجو السوداني،
اما في الجانب السياسي فالاداء يتسم بالضعف الشديد بل والمربك اذا ما استصحبنا الدعم الشعبي والسياسي الغير مسبوق المتمثل فى الالتفاف الشعبى ودعم القوى الوطنية للقوات المسلحة، وقد شكل هذا الضعف ولايزال الثغرة التى تنفذ عبرها الأحزاب التى تشكل غطاءا سياسيا للمليشا وممولها الخارجي فقد انكشف أمرها بوضوح تام أمام الشعب السوداني والذي تأكد له قطعيا أنها محض اذرع واليات للمليشيا ولايمهما أمر استقراره وسيادته في شئ،وبرغم اتضاح الصورة للشعب عن هذه الكيانات السياسية الغير وطنية ،غير ان ضعف الاداء السياسي لمجلس السيادة خلق مساحات فراغ كبيرة وخطيرة تحركت فيه الروافع السياسية للمليشا على المستويات الأفريقية والعربية والعالمية،الأمر الذي يطرح تساؤلا جوهريا هل هذا الأمر ينم عن ضعف حقيقي ام انه أمر متعمدا من المجلس السيادي والافتراضين بالنظر للحظة الحرجة التى يمثلها أهمية فعالية هذا القطاع المهم، تجعل مجرد تصور حدوثه لأى منهما كارثيا ويعد بمثابة نقص القادرين على التمام، فقد شهدنا كيف تجول قائد المليشيا على
كل دول الجوار وكيف اننا فشلنا في التأثير على جوارنا الأفريقي منذ بداية الحرب وحتى الآن في كسبها بالوقوف لجانبنا،بل حتى أن قائد المليشيا تجاوز الجوار لجنوب أفريقيا بكل رمزيتها وأهميتها السياسية في القارة الإفريقية وفي العالم اجمع ودننا دورها الأخير في محاصرة رئيس الوزراء الاسرائيلي بشأن جرائمه بحق الفلسطينين أمام المحكمه الجنائية الدولية،حدث ذلك في ظل تعطل شبه تام للدور السياسي لمجلس السيادة وهو المسؤول عن هذه الملف رفقة وزارة الخارجية كزراع تنفيذى فقد اكتفت الأخيرة بالتفرج وقتها، ولم تقم حتى بمجرد الاحتجاج على الدول التى استقبلت قائد التمرد،صحيح أن أداء الخارجية تحسن بعد تعيين الوزير على يوسف وهو رجل له خبرات كبيرة في مجال العمل الدبلوماسي والخارجي،ولكن خطوة تعيينه تأخرت كثيرا، ان القوى السياسية الوطنية ومجموعة سلام جوبا والقيادات المدنية والاهلية ظلت ومنذ اندلاع الحرب تقدم النصح وباستمرار لاعضاء مجلس السيادة ولرئيسه بضرورة تشكيل جهاز تنفيذي وبكامل الصلاحيات كأحد اهم العوامل الضرورية واللازمة لاسناد الصمود والتقدم العسكري مما يساهم فى سرعة حسم المعركة لصالح الأجندة الوطنية، ان إشكال عدم مقدرة مجلس السيادة ورئيسه في تشكيل جهاز تنفيذي فعال ذو صلاحيات كاملة ظلت مستمره منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر التى شكلت ساحنة ذهبيه لتشكيل حكومة تستطيع معالجة جملة من الاشكالات التى كانت قائمة وقتها ،ولكن تم تفويت تلك الفرصة حتى قيام الانقلاب الذى تحول لحرب بعد فشله الزرئع،ولعل الجميع أوجد الأعذار لمجلس السيادة وقتها في عدم استطاعته تكوين الحكومة،بفعل الصراع مع حميدتي وقتها،وهذا امر متفهم لدى القوى الوطنية وقادة الرأى وعموم الشعب حينذاك،اما بعد الحرب وبعد خروج المتمرد حميدتي خارج دائرة صناعة القرار واختفاء الفيتو الذي كان يعطل قرارات رئيس مجلس السيادة،ان استمرار هذه الوضعية بجانب آثارها الكارثية الواضحة علي مجمل الاداء الحكومة خصوصا فيما يتصل بالعلاقات الخارجية والملفات التى تمس السيادة الوطنية، تفتح الأبواب الواسعة لتصديق الدعاية السياسية لبعض القوى المتحالفة مع المليشا بأن الهدف من الحرب هو سيطرة العسكر على السلطة وهو أمر مخالف لمنطق وحيثيات وأسباب قيام الحرب التى حضرت لها ذات القوى المتحالفة مع المليشا علنا وليست سرا عبر شعار(الاطارى أو الحرب)فما هو السبب الذي يجعلنا نقدم على أفعال تصدق اقوال خصمومنا السياسيين!وعلينا أن نبحث جميعا عن الجهة التى ورثت فيتو عائلة دقلو،فقد كانت كل القرارات إبان مرحلة ماقبل الحرب تتخذ من قبل نائبه الذي تمرد بل أن بعض من قام بتعينهم في مواقع هامة لايزالون في مواقعهم،ولكن كانت قراراته وتعيناته جميعها لصالح أسرته وقواته ،فلصالح من يستخدم من ورث دوره الان في عرقلة أداء الجهاز السياسي والتنفيذي هذا سؤال الإجابة عليه ضرورية حتى لاتصحى بلادنا على مفاجأة مدمرة مرة اخري،،من خلال النظر يتضح بسهولة أن أكبر معرقل لاداء الجهاز التنفيذي مع غياب الجهاز التشريعى بالطبع،يجد أن مسألة الإشراف السيادي على أداء وكلاء الوزراء هو أكبر مكبل لطاقات ومبادرات الجهاز التنفيذى فقد تحول الجهاز التنفيذي في غالبه لمنتظر لتوجيهات المشرفين عليه، كما أن مسألة الإشراف تعكس عدم الثقة فيمن تم تكليفهم ومن جانب آخر لايمكن تصور أن تكون مشرف على المسؤول الأول في الوزارة الذي هو بالتأكيد يفهم فيما يلى مسؤلياته أكثر من الشخص المشرف عليه،كما أن هذا الامر يكاد ينطوى على عدم إحترام لسودانيين كاملة المواطنة والوطنية،فمسألة الإشراف السيادى علي الجهاز التنفيذي عطلت الاداء التنفيذي وجعلته نهبا لرغبات المشرفين عليه وليس قايما على مسؤولياته وأدوراه المرسومه والموسومه ليقوم بها،فانعكس ذلك على دور المجلس السيادي في مهامه الاصيلة مثل العلاقات الخارجية والتى بالرغم من التطور الذي أشرنا اليه أعلاه بعد تعيين الوزير الجديد للخارجية، فلايزال القصور قائما، فذات دول الجوار التى فقدناها الان بفعل تقاصر الدور السياسي لمجلس السيادة وانشغاله بالعمل بالتنفيذى اليومى،فقد شهدنا كيف استطاعت الخارجية وجهاز المخابرات العامة إبان فترة الرئيس السابق البشير برغم معارضتنا له وقتها،من خلق علاقات عامة مع دول الجوار وعموم دول الاتحاد الأفريقي وعبر تكوين اتحاد أجهزة المخابرات الأفريقية(السيسا)من تشكل حماية البشير من قضية المحكمة الجنائية الدولية، والأمر يرجع لعمل كل الأجهزة التنفيذيه والسياسية بكامل الصلاحيات الأمر الذي يطلق روح المباردة والانجاز،أن أسوأ ماينتج عنه بقصد اوبغيره سلوك احتكار السلطة وادعاء امتلاك الجدارة هو جمود جميع الأجهزة في انتظار إشارة من المهلم أو الخارق،وهو السبب الأول في سقوط الانظمة،ان المسؤولية السياسية والوطنية والاخلاقية في الظروف العادية تقتضي أن تتنزل السلطات بكامل الصلاحيات لكافة أجهزة الدولة اما في ظل الظرف المصيرى الحالي فان اي محاولة لمصادرة دور الجهاز الحكومي وحصره في جسم غير معنى بادارة بعض الأدوار وفقا للدستور والقانون والعرف المتوارث يشكل خطرا محاقا على البلاد،وقد علمتنا التجارب أن توزيع السلطة بين مراكز متعددة بغير هوادي الدستور والقانون، يقود في نهايه الأمر للصدام بينها،بينما يمثل تنزيل السلطات العامة وفقا لمبدأ الفصل القائم بينها هوالعاصم من التصدع، والرافع من التوحل في أمراض احتكار السلطة المعروفة،
ان التيار المستفيد من هذا الوضع الغامض يبقي مجهولا للجميع فليست من مصلحة القوات المسلحة كمؤسسة تحظى بدعم والتفاف شعبي ووطني كامل أن تبدو تعمل للقيام بمايتجاوز دورها الدستوري كطامعة فى احتكار السلطة وهو الاتهام الرئيس الذي يحوم حوله قادة المليشيا وحلفائها السياسين كما أن هذه الوضعية تجعل من قيادة الجيش وكأنها تساعد الأحزاب المتحالفة مع المشروع الأجنبي المتمتلش بأنها القوى السياسية الوحيدة بالسودان ولايوجد غيرها،وكأن الجيش يؤجل مسألة تكوين الحكومة التنفيذية كاملة الصلاحيات لحين توافر الظرف المناسب لعودتها مع ان هذا لايبدو ورادا، ولكن للاسف ظل هذا التردد يمثل طاقة لاحزاب قحت ،فقد تجاوزت ان يكون رد فعلها تكوين حكومة موازية حال تم تشكيل حكومة بورسودان إلى إعلان عزمها تكوين حكومة بماتسميه بالمناطق المحررة وهي التى تقع تحت سيطرة حليفها العسكري(المليشا)هذا ماتقوم به قحت والمليشا وهم في كامل التعرية السياسية والاخلاقية أمام الشعب السوداني بل والعالم اجمع خصوصا بعد التحركات الأخيرة بالكونغرس الأمريكي ضد الداعم والممول الرئيس لشتات قحت وجناحها العسكري المتمرد،بينما يتمتع الجيش والمجلس السيادي بكامل الدعم الشعبي والسياسي والاهلي والمدنى من غالب الشعب السوداني ويرفض تشكيل جهاز تنفيذي بكامل الصلاحيات،فهل من تفسير لهذا الغموض،وهل المستفيد الخفي من هذا الأمر اقل خطرا من العدو الظاهر المتمرد،ويمكن بوضوح استكشاف أصحاب المصلحة من هذه الوضعية الذين يتاجرون في العاطفة الوطنية تحت عنوان(الوقت للحرب)وكأن الحرب توقف الشورى والنصح،بل ان الحقيقة ان هنالك جهات لاتهمها المصلحة الوطنية وتريد ان تتكسب تحت نيران الحرب لمصالحها الخاصة،ان الشورى والنصح أوجب ماتكون وقت الحرب فلم يوقفها الرسول (ص)قبل الحرب وخلالها وتحت قعقة سلاحها،كما أن الملاحظ أن القرارات التى تتخذ يكتنفها الغموض وعند محاولة استكشاف دوافعها يتم الاحتماء تحت لافتة انه وقت حرب،فعند اقالة المدير العام لديوان الضرائب استفسرت مجموعة سلام جوبا حول الأسباب فتم توجيه اللوم لها لعدم تقدير اللحظة الوطنية وانتهي الامر بتكوين لجنة إفادة بأن أداء المدير يعد أفضل أداء على مدار تاريخ تكوين هذه المؤسسة، اذن من الذي يتخذ هذه القرارات من الذي يعمل بجد لتصوير رئيس مجلس السيادة بالمتردد والمتأخر في اتخاذ القرار في الوقت المناسب، فقد كان قائد المليشا يقود قبل تمرده هذه الحرب الإعلامية علنا ضد السيد رئيس مجلس السيادة،فمن يتولى قيادتها سرا الان ولمصلحة من، أن إشراف بعض أعضاء مجلس السيادة مع تعارضه وكيفية صناعة القرار بالمجلس الذي نص قانونه على ان يتخذ القرار باجماع اعضائه وتوافقهم،فان توزيع الإشراف على بعض أعضاءه يتعارض مع هذا الامر،كما ان المعروف عن الجيش كمؤسسة هرمية تلتزم التراتبية العسكرية لايصلح معه تقاسم السلطات الذى يقود الي الصراعات ،وهو الامر الذى كان واضحا إبان شغل قائد التمرد لموقع نائب رئيس المجلس السيادى،والذى لم يكن يعطى اي اهتمام ولا احترام للتراتبية العسكرية فاصبح يتزعم كل اتجاه يتعارض مع رئيس المجلس السيادي وكان هذا متوقعا وطبيعيا نظرا لعدم المامه بقواعد الانضباط العسكري،ولكن غير المفهوم الان ان تتم إعادة ذات طريقة العمل بقيادة ضباط محترفين ،ان بدعة الإشراف السيادى على الاداء التنفيذي هي السبب المباشر في تراجع الاداء التنفيذى،وهو امر لايمكن القبول باستمراره لاثاره الكارثية على مجمل الاداء الحكومى والسيادي للبلاد،علي أعضاء مجلس السيادة القدامى والجدد أن يتحملوا المسؤولية التاريخية ويقوموا بإدارة البلاد بمايتناسب واللحظة الحرجة التى تمر بها عبر تشكيل جهاز تنفيذي فعال بصلاحيات كاملة ويتفرغوا بشكل تام للمهام العظام الواقعة على عاتقهم، ومن أهمها العلاقات الخارجية التى لازلنا نواجه فيها تحديات خطيرة ،وعندها سيتكامل أداء الأجهزة التنفيذية والسيادية لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية على حد السواء،ان استمرار هذه الوضعية سيفتح الكثير من الثغرات وستعلوا كذلك الكثير من الاصوات،ونحن أحوج مانكون لسد كل الثغرات وتوحيد كل الأصوات لهدف واحد هو انتصار الوطن ،ولا انتصار بغير احترام الشعب وقواه الوطنية عبر إدارته بما يستحق من الوضوح والمسؤولية والتشاركية بعيدا عن الغموض واللامبالاة والاحتكارية.
بقلم/بشارة سليمان نور
إنضم لقناة النيلين على واتساب