في نهاية شعبان وبداية شهر رمضان إذا رأيت الناس ظننت أنهم كانوا يصومون طوال العام لكثرة طلبهم علي الطعام والشراب، بينما دخل شهر الطاعات ولم تعد هناك حاجة لتكدس الفطور وتراكم السحور إستعدادا للصيام والقيام في شهر ربيع الفقراء وعيد الأولياء، ولكن هيهات هيهات فقد تبدل الحال عن أيام زمان.

 

وللأسف نحن نعيش في فتن أخر الزمان، وقد غابت عنا الكثير من الحقائق والأسرار عن شهر الإسلام شهر ضيافة الرحمن، وأصبح الناس يفرحون به في هذا الزمان، لا لأنه شهر العبادات لا الشهوات، لا لأنه مدرسة رمضانية كاملة المباديء والأخلاق لا مدرسة الأكلات والعزومات والمسلسلات، لا لأنه ثورة روحية رمضانية منسية لا ثورة إعلان الأمهات إلي إصدار البيانات الرسمية بقائمة المشتريات الرمضانية، وكذلك تقوم جميع القنوات بإعداد العديد من الإعلانات والبرامج والأعمال الفنية الغير تقليدية التي تحمل شفرات خفية.

 

وفي ظل الفتن والكوارث والأزمات التي تعصف بالأمة والإنسانية من كل إتجاه مازال هناك سؤال يجب ألا يغيب عن أذهاننا في عالم تعصف به المآسي والآلام، هل حقا نعرف كل شئ عن سيد شهور العام، ولماذا أثني عليه لما فيه من المزايا والأسرار المثيرة للإهتمام التي أعدها الله لعبادة هذة الليالي والأيام؟!.

 

للأسف قليل من يعرف قدر هذا الشهر العظيم، لذلك في هذا المقال، سنكشف معا عددا من الحقائق والكنوز المنسية وغيرها من المباديء الثمينة والتجليات الفريدة الرمضانية تنبيها للتائهين وتذكيرا للغافلين من القرآن المجيد وأحاديث سيد العالمين سيد الأنبياء والمرسلين، لمن ﱂ ﻳﺪﺭك كنوز العقيدة الحقة للمدرسة ﺍلرمضانية في همسات الثورة الروحية المنسية، دعونا نبدأ.

 

عند الحديث عن المدرسة الرمضانية نجد وصفها في الأحاديث والأدعية الإسلامية بأسماء تدل علي مدي عظمة هذا الشهر، ومن هذة الأسماء:" شهر الله، شهر الله أكبر، شهر ضيافة الله، شهر نزول القرآن، شهر الصوم، شهر القيام، شهر تلاوة القرآن، شهر الرضوان، شهر النجاة، شهر الصمت، شهر الآلآء، شهر الرحمات، شهر البركات، شهر الحسنات، شهر المغفرة، شهر الدعاء، شهر التوبة، شهر العتق من النار، شهر الإسلام، شهر الصبر، شهر التمحيص، شهر الطهور، شهر المواساة، شهر الطاعات، شهر العبادات، شهر الإنابة، شهر الإستغفار، شهر المبارك، شهر العظيم، شهر ربيع القرآن، شهر ربيع الفقراء، شهر ربيع المؤمنين، المرزوق، شهر يزيد اللّه في رزق المؤمن، سيد الشهور، عيد الأولياء".

 

عند الحديث عن معني شهر رمضان نجد كلمة رمضان لغة من الرمض أو الرمضاء وهو الحر الشديد، وتعددت الأراء في سبب تسميته بذلك، منهم من قال سمي رمضان لأن العرب المسلمين لما نقلت أسماء الشهور من اللغة القديمة راحت طبيعة وقته في الحر الشديد لذلك سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب ويرمضها فلا يترك منها شيئا، لأن القلوب تأخذ منه حرارة الموعظة والتفكر في أمر الآخرة، ومنهم من قال عدم وجود علاقة بين رمضان والحر الشديد، ذلك أن رمضان هو أحد الأشهر القمرية لا الشمسية، ولا ينحصر مجيئه ف الصيف فقط، فالرمضاء أصل كلمة رمضان بمعني إشتداد حر العطش، لا إشتداد حر الشمس، والعطش لا يقتصر على الصيف فقط، حيث كان قبل الإسلام يسمى "تاتل" ومعناها شخص يغترف الماء من بئر أو عين.

 

عند الحديث عن شهر القرآن نجد أن شهر رمضان وعاء زمني لنزول القرآن العظيم إلي عباده ليكون نورا وهداية وسلاما وصلاحا لدينهم ودنياهم، مصداقا لقول الله تعالي" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان" صدق الله العظيم.

 

عند الحديث عن شهر الصيام والقيام نجد سبب تكريم الله تعالي شهر رمضان بأداء الصيام، وذلك تشريفا لنزول القرآن كرم رمضان، ومن بعدها سن سيدنا محمد فيه القيام والإعتكاف، وذلك إعلانا لهذا الفضل العظيم.

 

عند الحديث عن شهر نزول القرآن في شهر رمضان نجد إرتباطه بفضل تلاوة القرآن أفضل العبادات، تصديقا لقول رسول الله "الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب منعته الطعام والشراب بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان" صدق رسول الله صل الله عليه وسلم، ولذلك كرم الله تعالي رمضان بمضاعفة الحسنات لقاريء القرآن، إعلانا لهذا الفضل العظيم في هذا الشهر المبارك.

 

عند الحديث عن شهر العتق من النار نجد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبشر أصحابه وأمته حيث قال: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك قد إفترض اللَّه عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيها أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر"، وذلك لتحصين المتقين بشحنات إيمانية غير عادية تعزز في نفوسهم الأمل واليقين المستمد من نصر الله علي مردة الشياطين.

 

عند الحديث عن شهر الرحمة والمغفرة نجد "رسول الله صل الله عليه وسلم قال أعطيت لأمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي،أما الأولى: فإنه إذا كان أول ليلة منه نظر الله إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا، والثانية: فإن الملائكة تستغفر لهم كل يوم وليلة، والثالثة: فإن الله يأمر جنته يقول لها: تزيني لعبادي الصائمين يوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، والرابعة: فإن رائحة أفواههم حين يمسون تكون أطيب من ريح المسك، والخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة منه غفر الله لهم جميعا، فإن العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم"، وذلك إحتفاءا بهذا الشهر العظيم.

 

عند الحديث عن ليلة القدر نجد أنها وعاء زمني لنزول القرآن العزيز في قلب النبي الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ونزل بعد ذلك على سيدنا محمد حسب مقتضيات الظروف وأحوال العباد طوال مدة رسالته صلى الله عليه وسلم، وذلك إعلانا لفضل هذة الليلة المباركة التي قال الله تعالي فيها "إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر..."صدق الله العظيم.

 

عند الحديث عن الجنة في رمضان نجد أن الجنة تتزين وتتهيأ بزينتها لإستقبال الصائمين من باب الريان، وبوصف رائع وجميل لا يمكن أن يوصف لشهر غير شهر رمضان الكريم، قال رسول الله صل الله عليه وسلم "إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلي الحول لدخول شهر رمضان"، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها: المثيرة، فتصفق أوراق أشجار الجنان، وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه..."، وحديث أخر وقوله صل الله عليه وسلم "إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم"، وذلك إحتفاءا بهذا الشرف العظيم لهذا الشهر العزيز.

 

عند الحديث عن منح الصائمين في رمضان نجد أن الله تعالي جعل ليلة القدر هي الموعد السنوي لنزول الملائكة بالأقدار، كما كانت موعدا لنزول القرآن، حيث خلق الله تعالي الكون المرئي وغير المرئي من أجل الإختبار،والملائكة عنصر أساسي فى تجهيز ذلك الإختبار العظيم، وذلك إعلانا من الله تعالي بفضل هذة الليلة المباركة.

 

عند الحديث عن منح الصائمين في رمضان نجد الله تعالي كرم ملائكة السماء بنزولهم  إلي الأرض يشاركون بني أدم الصيام والقيام، حيث قال علي بن أبي طالب: إنما أخذ أخذ عمر بن الخطاب هذه التراويح من حديث سمعه مني، قالوا وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول "إن لله تعالى حول العرش موضعا يسمى حظيرة القدس وهو من النور، فيها ملائكة لا يحصى عددهم إلا اللَّه تعالى يعبدون اللَّه عز وجل عبادة لا يفترون ساعة، فإذا كان ليالي شهر رمضان إستأذنوا ربهم أن ينزلوا إلى الأرض فيصلون مع بني آدم، فينزلون كل ليلة إلى الأرض فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا" فقال عمر رضي الله عنه عند ذلك: نحن أحق بهذا، فجمع الناس للتراويح ونصبها"، كما روى عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنه خرج في ليلة من شهر رمضان فسمع القراءة في المساجد ورأى القناديل تظهر في المساجد فقال: نور اللَّه قبر عمر كما نور مساجدنا بالقرآن، وكذلك روى عن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه هكذا رضي اللَّه عنهم أجمعين، وذلك إحتفاءا من الملائكة بفضل هذا الشهر العظيم مع عباد الله المخلصين.

 

عند الحديث عن منح الصائمين في رمضان أن الملائكة الكرام تطلب من الله للصائمين ستر الذنوب ومحوها، كما جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الصيام: "وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا"، ذلك يكون الصائم إذا إجتمع إستغفاره لنفسه وإستغفار الملائكة له، فإنه أرجى لقبول الله سبحانه وتعالى للدعاء والتوبة والإستغفار، وذلك إحتفاءا من الملائكة بفضل هذة الايام والليالي المباركة مع عباد الله المتقين.

 

عند الحديث عن الإعتكاف في العشر الأواخر من رمضان نجد أنه سنة مؤكدة، مصداقا لقول رسول الله صل الله عليه وسلم" ما إجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"، وذلك إعلانا من رسول الله صل الله عليه وسلم لهذا الفضل، وإحتفاءا بهذا الشرف الكبير لهذا الشهر العظيم.

 

عند الحديث عن الصوم نجد أن للصوم درجات، فمن الناس من يصوم "صوم العموم" عن كف البطن والفرج، وهذا أقل درجات الصيام، وهناك من يصوم "صوم الخصوص" عن كف السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن الآثام، وتلك هي أعلى من السابقة، وهناك الصفوة من يصومون "صوم خصوص الخصوص" وهو صوم القلوب عن الهمم الدنية والأهواء الدنيوية، وتلك هي أعلي درجات الصوم.

 

عند الحديث عن فضل شهر رمضان نجد قول رسول الله صل الله عليه وسلم "قال اللَّه تعالى كل حسنة يعملها إبن آدم تضاعف له من عشرة إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربه يوم القيامة"، فالصيام فيه إتصاف للعبد بنوع ما من صفة الصمدية التى هى وصف الحق تبارك وتعالى القائل فى الحديث السابق "إلا الصوم فإنه لى".

 

و بعد أن ذكرنا بعض الحقائق والكنوز الرمضانية المنسية التي يصعب حصرها، وكذلك بعض همسات الأجواء الروحية الإيمانية التي يصعب وصفها بأدق تفاصيلها، من المهم جدا أن يسأل كل منا نفسه، إن كان حقا رمضان فرصة حقيقية لتدريب حياته وسلوكه بالإلتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية والتخلص من الحياة المادية الشهوانية إلي الحياة الروحية النقية في هذة الدنيا الفانية؟!، أم لا يزال يمر عليه كغيره من الليالي والأيام؟.

 

عزيزي القاريء، إنت الآن في مفترق طرق، وعليك أن تعيد حساباتك مع نفسك وتعترف أنك مازلت مقصرا، ومازال بداخلك بعض الجمود والكسل الذي يوقف رحلتك إلي عالم التوازن والتكامل بين العيش في الدنيا بأنفاس حياة الأخرة.

 

نعم لا بد من سرعة إنقاذ هذا الشهر الفضيل من هذا العدوان الشيطاني الدجالي السافر المغلف بدعاوى الحضارة والثقافة والترفيه المزيف، ليبقى كما كان ولايزال، مدرسة رمضانية متميزة وفريدة، وذلك إعلانا منك للثورة الروحية الرمضانية المنسية حفاظا علي دينك وأهلك ووطنك ودنياك وأخرتك، وإحتفاءا بهذا الشرف العظيم أن بلغك رمضان هذا العام.

 

وفي النهاية أوصيكم ونفسي بشهر الفقراء وعيد الأولياء، إنها دعوة لمسح الذنوب وتحرير النفوس، إنها دعوة لتجديد العهد والإستجابة لنداء المولي عز وجل، إنها وصية رب العالمين للأولين والآخرين عندما ينادي مناد في أول ليلة من رمضان العظيم فيقول" يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، فمن يستجيب لنداء الله ورسوله لسبيل الصلاح والفلاح؟!، إنهض وإبدأ لاتزال لديك الفرصة.. لا تيأس ولا تستسلم..فقط إطلب المدد من الله..ﻷﻧﻚ ﻓﻌﻼ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ.

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: ه علیه وسلم لیلة القدر شهر العظیم الله تعالی شهر رمضان رسول الل فی رمضان شهر ربیع لیلة من إذا کان صلى الل رضی الل نجد أن

إقرأ أيضاً:

هل السعي لفك السحر حرام؟.. احذر 3 أخطاء يقع فيها الكثيرون

لعل السؤال عن هل السعي لفك السحر حرام ؟، ملخص لمجموعة من الاستفهامات التي تؤرق الكثيرون عن هل السعي لفك السحر حرام ، وهل هناك آيات إبطال السحر مكتوبة من القرآن وأدعية إبطال السحر وما حكم الذهاب للشيوخ لفك السحر؟

 فقد دعت الحاجة إليها مؤخرًا بسبب ضعف النفوس ولجوء الكثيرين لأعمال السحر ووقوعهم فريسة سهلة للسحرة والمشعوذين والشياطين، إلا أن هذا يطرح سؤالا عن هل السعي لفك السحر حرام ؟، والذي يشغل الكثيرون ممن أتعبهم السحر، ويبحثون عن قشة ليتعلقون بها.

حتى لا تدخل الشياطين بيتك.. اقرأ هذه السورةدعاء يبعد شياطين الجن والإنس عنك طول اليوم.. 11 كلمة تزيحهم من طريقكلماذا حذر النبي من الصلاة عند شروق الشمس؟.. بسبب قرني الشيطانهل السعي لفك السحر حرام

ورد فيه أن السحر والحسد مذكوران في القرآن الكريم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أصيب بالسحر وعندما علم بالساحر وما فعله طلب من الصحابة رضوان الله عليهم بالذهاب الى بئر المياه الموضوع به السحر وطلب بنزحه وإخراج الشعرة التي استخدمه الساحر في عمل السحر وعندما وجدوها لاحظوا بها 11 عقدة فأنزل الله عز وجل سورة الفلق وكلما قرأوا آية انحلت عقدة حتى برأ النبي من السحر.

ورد فيه أن الإصابة بالسحر سببها البعد عن شرع الله وعدم اجتناب ما نهى عنه ن وأنه لا يوجد أحد يخاف الله ويتقه ويواظب على قراءة القرآن والأذكار اليومية ويصيبه السحر أو الحسد .

، ورد فيه جواز الذهاب الى الساحر لفك السحر كما قال العلماء لكن لا يجوز التصديق بكلامهم ولا الإيمان بتكهناتهم كما يفعلوا من تنبؤات في العام الجديد وغيرها من الأمور الغيبية التي لا يعلمها الا الله ، ومن آمن بكلام السحرة والعرافين لا تقبل منه صلاته أربعين يوما " .

ورد فيه أن المواظبة على قراءة آية الكرسي وسورة الفلق عدة مرات وفي كل وقت طوال اليوم مع ضرورة تقوى الله عز وجل واجتناب ما نهى عنه ولا مانع شرعًا الذهاب إلى أحد السحرة لفك السحر .

هل الذهاب الى شيخ لفك السحر حرام

ورد فيه أن الأصل في الذهاب لشخص يعالج بالقرآن؛ أن يرقي الإنسان نفسه ولا يذهب لغيره، فبإمكان الرجل أن يرقي زوجته والزوجة ترقي زوجها، وكذلك الوالد مع ولده والوالد مع والده، والأصل في ذلك أيضًا أن قراءة القرآن تكون باستمرار في البيت وتحصين الأهل والبيت بـ «الأذكار الموظفة» والأوراد لطرد الشياطين والوقاية من العين والحسد، وحتى تعم البركة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن البيت الذي يُقرأ فيه القرآن؛ يزداد خيره ويقل شره ويتسع على أهله ويتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض، لما رٌوي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، مرفوعًا وموقوفًا ، ولفظه : ( إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا وَسَنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تُقْرَأُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ).وحسنه الألباني في " الصحيحة " (588).

حكم السحر والذهاب للسحرة

فقد ورد أن الله َ- سبحانه وتعالى- ذكر السحرَ في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما ورد ذكره في السُنَّة المطهَّرة؛ فيقول الله –تعالى- فى سورة البقرة: « وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ» إلى قوله: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ»، ( الآية 102)، ويجب الاعتقاد بأن كل شيء بقضاء الله – تعالى-، ولا يقع في ملكه- تعالى- إلا ما يريده، فيجب الإيمان بأن الله فعال لما يريد، والنفع والضرر من عنده، وتفويض الأمر لله، والرضا بما قضى به.

وجاء أن الله – عز وجل - نفى عن السحر التأثير الذاتي ومفعوله، ونتيجته منوطة بإذن الله – تعالى-، ولا تتجاوز حقيقته حدودًا معينة، ولا يمكن أن يتوصل إلى قلب الحقائق وتبديل جواهر الأشياء، وقد ورد التحذير من اللجوء إلى السحر والسحرة، فيما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قوله: «اجتَنبوا السَّبعَ الموبقاتِ . قالوا : يا رسولَ اللهِ : وما هنَّ ؟ قال : الشِّركُ باللهِ ، والسِّحرُ ، وقتلُ النَّفسِ الَّتي حرَّم اللهُ إلَّا بالحقِّ ، وأكلُ الرِّبا ، وأكلُ مالِ اليتيمِ ، والتَّولِّي يومَ الزَّحفِ ، وقذفُ المحصَناتِ المؤمناتِ الغافلاتِ»، رواه البخاري.

حكم السحر والذهاب للسحرة ، فقد ورد أن علماء المسلمين أجمعوا على إثبات السِّحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، وكون السحر له حقيقة ثابتة لا يعني كونه مؤثرًا بذاته ولكن التأثير هو لله- تعالى وحده-؛ لقوله: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ»، ولقد وصف الله سحر سحرة فرعون بأنه تخييل في قوله – تعالى-: «فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى»، [طه: 66]؛ أي إن الحبال لم تنقلب في الحقيقة إلى ثعابين، وإنما خُيِّل ذلك للمشاهدين.

وقد شددت النصوص  على أن تعلم السحر ضارٌّ وليس بنافع، ويَحرُم على الإنسان أن يتعلم السِّحر أو الشعوذة؛ لأنه يقوم على خداع الناس أو إضلالهم أو فتنتهم أو التأثير السيئ فيهم، كما يَحرُم على الإنسان أن يعتقد أن العراف أو المشعوذ أو الساحر هو الذي ينفعه أو يضره، حيث قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: «مَنْ أَتَى عَرَّافًا أَوْ كَاهِنًا، فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» رواه أبو داود والطبراني، وبناء عليه فإنه ينبغي على من يريد اتقاء شر السحر والسحرة بأن يقوي صلته بالله، وأن يكون دائمًا في ذكر الله، وذلك بالصلاة وقراءة القرآن والاستغفار، وعدم اللجوء إلى الدجالين والمشعوذين فإن ذلك انحراف عن الطريق المستقيم.

حقيقة السحر 

ورد أنه عبارة عما خفي، وله حقيقة، ومنه ما يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض الإنسان ويفرق بين المرء وزوجه وتأثيره يقع بإذن الله الكوني القدري، وهو عمل شيطاني، وكثير منه لا يتوصل إليه إلا بالشرك والتقرب إلى الجن والشياطين بما تحب، والتوصل إلى استخدامها بالإشراك بها مع الله تعالى، والسحر لا يزال موجود إلى الآن وهذا ثابث بنص القرآن والسنة النبوية، وله تأثير على الإنسان، ولكن لا يصيب الشخص المسحور الأذي إلا بإذن الله تعالى: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ».

هل السحر مذكور في القرآن

ورد في مسألة هل السحر مذكور في القران ، من الأدلة على وجود السحر حتى الآن قول الله تعالى: «وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (سورة البقرة: 102)،وتابع: وقوله تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» (الفلق/ 1 – 4).

يقول تعالى : «وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» أي: ومن شر السواح، اللاتي يستعِنَّ على سحرهن بالنفث في العقد، التي يعقدنها على السحر، وعن السحر في السنة النبوية، فالدليل ما رواه البخاري (2766)، ومسلم (89) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟، قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ»، وما رواه البزار (3578) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ» وصححه الألباني في "الصحيحة" (2195) .

هل السحر موجود

وجاء في مسألة هل السحر موجود فعند جمهور العلماء ،اتفق أهل السنة والجماعة على وجود السحر، وأنه حقيقة تؤثر في الأشياء وتؤذي الإنسان، وأن كل ذلك بإذن الله عز وجل،  والساحر عمله كفر؛ لأن الشياطين لا تلبي له ما يريد، إلا بعدما يكفر بالله رب العالمين، وحينها تخدمه ويخدمها.

حكم السحر وأنواعه

ورد عن حكم السحر وأنواعه كثيرة منها التخييل أو «خداع البصر»، وليس السحر كله كذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنواعه وأوصلوها إلى ثمانية، ومن أشهرها:

أولًا: عُقَد ورقى: أي: قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد به ضرر المسحور، لكن قد قال الله تعالى: «وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» (البقرة / 102).

ثانيًا: خفة اليد: وهذه يحسنونها بالتدرب على المسارعة بفعل الأشياء، وإخراج المخبوء، فمثلًا يأتي الساحر بحمامة فيخنقها أمام المشاهدين ثم يضربها بيده فتقوم وتطير!.. والحقيقة: أنه كان في يده بنج! فشممها إياه وأوهمهم أنه خنقها فماتت، ثم لما ضربها: أفاقت من البنج!.

ثالثًا: سحر العيون: وهذا كثير عند الدجالين، فهو لا يُدخل السيف في جسده، لكنه يسحر عيون المشاهدين، ويمرر السيف على جانبه، ويراه الناس المسحورون مر في وسطه.. وقد اشتهر عندنا سحر هؤلاء، لما وجد بين المشاهدين من حصَّن نفسه بالقرآن والأذكار، وأكثر من ذكر الله في جلسة الساحر فرأى الحقيقة على خلاف ما رآها المسحورون.

رابعًا: استعمال المواد الكيماوية: وهذه يحسنها من يجيد تركيب المواد بعضها على بعض فتنتج مادة تمنع تأثير بعض المواد، مثل ما كان يصنع الرفاعية من إيهام الناس أنهم لا تؤثر بهم النار، والحقيقة أنهم يدهنون أنفسهم ببعض المواد التي تمنع تأثير النار فيهم.. وغير ذلك كثير مما يفعله السحرة، ولا يقع إلا ما قدره الله تبارك وتعالى.

مقالات مشابهة

  • جهاز إسرائيلي.. شاهدوا بالصور ما عثر عليه الجيش في الجنوب (صور)
  • بعد الحديث عن اشتباك ليلي بين شبان وعناصر سورية في أكروم.. البلدية توضح
  • براعم النور.. تكريم الطالب جمال إبراهيم مدكور وعدد من حفظة القرآن الكريم
  • أمين الفتوى: الرحمة هي الأساس الذي يُبنى عليه أي مجتمع إنساني سوي
  • هل أقطع قراءة القرآن وأردد الأذان خلف المؤذن؟.. دار الإفتاء توضح
  • 20 أبريل.. خريجي الأزهر تحتفل بالفائزين في مسابقة القرآن الرمضانية بالتعاون مع مؤسسة أبوالعينين
  • صلاة الزيت المقدس.. تراث روحي في قلب الأسبوع العظيم المقدس
  • مات قبل قضاء صيام رمضان فهل عليه إثم؟.. الإفتاء تكشف
  • بعد الهجوم عليه.. ماذا قال محمد رمضان عن ظهوره بـ «بدلة رقاصة»؟
  • هل السعي لفك السحر حرام؟.. احذر 3 أخطاء يقع فيها الكثيرون