في نهاية شعبان وبداية شهر رمضان إذا رأيت الناس ظننت أنهم كانوا يصومون طوال العام لكثرة طلبهم علي الطعام والشراب، بينما دخل شهر الطاعات ولم تعد هناك حاجة لتكدس الفطور وتراكم السحور إستعدادا للصيام والقيام في شهر ربيع الفقراء وعيد الأولياء، ولكن هيهات هيهات فقد تبدل الحال عن أيام زمان.

 

وللأسف نحن نعيش في فتن أخر الزمان، وقد غابت عنا الكثير من الحقائق والأسرار عن شهر الإسلام شهر ضيافة الرحمن، وأصبح الناس يفرحون به في هذا الزمان، لا لأنه شهر العبادات لا الشهوات، لا لأنه مدرسة رمضانية كاملة المباديء والأخلاق لا مدرسة الأكلات والعزومات والمسلسلات، لا لأنه ثورة روحية رمضانية منسية لا ثورة إعلان الأمهات إلي إصدار البيانات الرسمية بقائمة المشتريات الرمضانية، وكذلك تقوم جميع القنوات بإعداد العديد من الإعلانات والبرامج والأعمال الفنية الغير تقليدية التي تحمل شفرات خفية.

 

وفي ظل الفتن والكوارث والأزمات التي تعصف بالأمة والإنسانية من كل إتجاه مازال هناك سؤال يجب ألا يغيب عن أذهاننا في عالم تعصف به المآسي والآلام، هل حقا نعرف كل شئ عن سيد شهور العام، ولماذا أثني عليه لما فيه من المزايا والأسرار المثيرة للإهتمام التي أعدها الله لعبادة هذة الليالي والأيام؟!.

 

للأسف قليل من يعرف قدر هذا الشهر العظيم، لذلك في هذا المقال، سنكشف معا عددا من الحقائق والكنوز المنسية وغيرها من المباديء الثمينة والتجليات الفريدة الرمضانية تنبيها للتائهين وتذكيرا للغافلين من القرآن المجيد وأحاديث سيد العالمين سيد الأنبياء والمرسلين، لمن ﱂ ﻳﺪﺭك كنوز العقيدة الحقة للمدرسة ﺍلرمضانية في همسات الثورة الروحية المنسية، دعونا نبدأ.

 

عند الحديث عن المدرسة الرمضانية نجد وصفها في الأحاديث والأدعية الإسلامية بأسماء تدل علي مدي عظمة هذا الشهر، ومن هذة الأسماء:" شهر الله، شهر الله أكبر، شهر ضيافة الله، شهر نزول القرآن، شهر الصوم، شهر القيام، شهر تلاوة القرآن، شهر الرضوان، شهر النجاة، شهر الصمت، شهر الآلآء، شهر الرحمات، شهر البركات، شهر الحسنات، شهر المغفرة، شهر الدعاء، شهر التوبة، شهر العتق من النار، شهر الإسلام، شهر الصبر، شهر التمحيص، شهر الطهور، شهر المواساة، شهر الطاعات، شهر العبادات، شهر الإنابة، شهر الإستغفار، شهر المبارك، شهر العظيم، شهر ربيع القرآن، شهر ربيع الفقراء، شهر ربيع المؤمنين، المرزوق، شهر يزيد اللّه في رزق المؤمن، سيد الشهور، عيد الأولياء".

 

عند الحديث عن معني شهر رمضان نجد كلمة رمضان لغة من الرمض أو الرمضاء وهو الحر الشديد، وتعددت الأراء في سبب تسميته بذلك، منهم من قال سمي رمضان لأن العرب المسلمين لما نقلت أسماء الشهور من اللغة القديمة راحت طبيعة وقته في الحر الشديد لذلك سمي رمضان لأنه يحرق الذنوب ويرمضها فلا يترك منها شيئا، لأن القلوب تأخذ منه حرارة الموعظة والتفكر في أمر الآخرة، ومنهم من قال عدم وجود علاقة بين رمضان والحر الشديد، ذلك أن رمضان هو أحد الأشهر القمرية لا الشمسية، ولا ينحصر مجيئه ف الصيف فقط، فالرمضاء أصل كلمة رمضان بمعني إشتداد حر العطش، لا إشتداد حر الشمس، والعطش لا يقتصر على الصيف فقط، حيث كان قبل الإسلام يسمى "تاتل" ومعناها شخص يغترف الماء من بئر أو عين.

 

عند الحديث عن شهر القرآن نجد أن شهر رمضان وعاء زمني لنزول القرآن العظيم إلي عباده ليكون نورا وهداية وسلاما وصلاحا لدينهم ودنياهم، مصداقا لقول الله تعالي" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدي للناس وبينات من الهدي والفرقان" صدق الله العظيم.

 

عند الحديث عن شهر الصيام والقيام نجد سبب تكريم الله تعالي شهر رمضان بأداء الصيام، وذلك تشريفا لنزول القرآن كرم رمضان، ومن بعدها سن سيدنا محمد فيه القيام والإعتكاف، وذلك إعلانا لهذا الفضل العظيم.

 

عند الحديث عن شهر نزول القرآن في شهر رمضان نجد إرتباطه بفضل تلاوة القرآن أفضل العبادات، تصديقا لقول رسول الله "الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام: رب منعته الطعام والشراب بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان" صدق رسول الله صل الله عليه وسلم، ولذلك كرم الله تعالي رمضان بمضاعفة الحسنات لقاريء القرآن، إعلانا لهذا الفضل العظيم في هذا الشهر المبارك.

 

عند الحديث عن شهر العتق من النار نجد أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يبشر أصحابه وأمته حيث قال: "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك قد إفترض اللَّه عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيها أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة القدر خير من ألف شهر"، وذلك لتحصين المتقين بشحنات إيمانية غير عادية تعزز في نفوسهم الأمل واليقين المستمد من نصر الله علي مردة الشياطين.

 

عند الحديث عن شهر الرحمة والمغفرة نجد "رسول الله صل الله عليه وسلم قال أعطيت لأمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي،أما الأولى: فإنه إذا كان أول ليلة منه نظر الله إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبدا، والثانية: فإن الملائكة تستغفر لهم كل يوم وليلة، والثالثة: فإن الله يأمر جنته يقول لها: تزيني لعبادي الصائمين يوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، والرابعة: فإن رائحة أفواههم حين يمسون تكون أطيب من ريح المسك، والخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة منه غفر الله لهم جميعا، فإن العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم"، وذلك إحتفاءا بهذا الشهر العظيم.

 

عند الحديث عن ليلة القدر نجد أنها وعاء زمني لنزول القرآن العزيز في قلب النبي الكريم جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ونزل بعد ذلك على سيدنا محمد حسب مقتضيات الظروف وأحوال العباد طوال مدة رسالته صلى الله عليه وسلم، وذلك إعلانا لفضل هذة الليلة المباركة التي قال الله تعالي فيها "إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر..."صدق الله العظيم.

 

عند الحديث عن الجنة في رمضان نجد أن الجنة تتزين وتتهيأ بزينتها لإستقبال الصائمين من باب الريان، وبوصف رائع وجميل لا يمكن أن يوصف لشهر غير شهر رمضان الكريم، قال رسول الله صل الله عليه وسلم "إن الجنة لتبخر وتزين من الحول إلي الحول لدخول شهر رمضان"، فإذا كانت أول ليلة من شهر رمضان هبت ريح من تحت العرش يقال لها: المثيرة، فتصفق أوراق أشجار الجنان، وحلق المصاريع، فيسمع لذلك طنين لم يسمع السامعون أحسن منه..."، وحديث أخر وقوله صل الله عليه وسلم "إن في الجنة بابا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل معهم أحد غيرهم"، وذلك إحتفاءا بهذا الشرف العظيم لهذا الشهر العزيز.

 

عند الحديث عن منح الصائمين في رمضان نجد أن الله تعالي جعل ليلة القدر هي الموعد السنوي لنزول الملائكة بالأقدار، كما كانت موعدا لنزول القرآن، حيث خلق الله تعالي الكون المرئي وغير المرئي من أجل الإختبار،والملائكة عنصر أساسي فى تجهيز ذلك الإختبار العظيم، وذلك إعلانا من الله تعالي بفضل هذة الليلة المباركة.

 

عند الحديث عن منح الصائمين في رمضان نجد الله تعالي كرم ملائكة السماء بنزولهم  إلي الأرض يشاركون بني أدم الصيام والقيام، حيث قال علي بن أبي طالب: إنما أخذ أخذ عمر بن الخطاب هذه التراويح من حديث سمعه مني، قالوا وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول "إن لله تعالى حول العرش موضعا يسمى حظيرة القدس وهو من النور، فيها ملائكة لا يحصى عددهم إلا اللَّه تعالى يعبدون اللَّه عز وجل عبادة لا يفترون ساعة، فإذا كان ليالي شهر رمضان إستأذنوا ربهم أن ينزلوا إلى الأرض فيصلون مع بني آدم، فينزلون كل ليلة إلى الأرض فكل من مسهم أو مسوه سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا" فقال عمر رضي الله عنه عند ذلك: نحن أحق بهذا، فجمع الناس للتراويح ونصبها"، كما روى عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه أنه خرج في ليلة من شهر رمضان فسمع القراءة في المساجد ورأى القناديل تظهر في المساجد فقال: نور اللَّه قبر عمر كما نور مساجدنا بالقرآن، وكذلك روى عن عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه هكذا رضي اللَّه عنهم أجمعين، وذلك إحتفاءا من الملائكة بفضل هذا الشهر العظيم مع عباد الله المخلصين.

 

عند الحديث عن منح الصائمين في رمضان أن الملائكة الكرام تطلب من الله للصائمين ستر الذنوب ومحوها، كما جاء في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الصيام: "وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا"، ذلك يكون الصائم إذا إجتمع إستغفاره لنفسه وإستغفار الملائكة له، فإنه أرجى لقبول الله سبحانه وتعالى للدعاء والتوبة والإستغفار، وذلك إحتفاءا من الملائكة بفضل هذة الايام والليالي المباركة مع عباد الله المتقين.

 

عند الحديث عن الإعتكاف في العشر الأواخر من رمضان نجد أنه سنة مؤكدة، مصداقا لقول رسول الله صل الله عليه وسلم" ما إجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"، وذلك إعلانا من رسول الله صل الله عليه وسلم لهذا الفضل، وإحتفاءا بهذا الشرف الكبير لهذا الشهر العظيم.

 

عند الحديث عن الصوم نجد أن للصوم درجات، فمن الناس من يصوم "صوم العموم" عن كف البطن والفرج، وهذا أقل درجات الصيام، وهناك من يصوم "صوم الخصوص" عن كف السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح عن الآثام، وتلك هي أعلى من السابقة، وهناك الصفوة من يصومون "صوم خصوص الخصوص" وهو صوم القلوب عن الهمم الدنية والأهواء الدنيوية، وتلك هي أعلي درجات الصوم.

 

عند الحديث عن فضل شهر رمضان نجد قول رسول الله صل الله عليه وسلم "قال اللَّه تعالى كل حسنة يعملها إبن آدم تضاعف له من عشرة إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، والصوم جنة، وللصائم فرحتان فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربه يوم القيامة"، فالصيام فيه إتصاف للعبد بنوع ما من صفة الصمدية التى هى وصف الحق تبارك وتعالى القائل فى الحديث السابق "إلا الصوم فإنه لى".

 

و بعد أن ذكرنا بعض الحقائق والكنوز الرمضانية المنسية التي يصعب حصرها، وكذلك بعض همسات الأجواء الروحية الإيمانية التي يصعب وصفها بأدق تفاصيلها، من المهم جدا أن يسأل كل منا نفسه، إن كان حقا رمضان فرصة حقيقية لتدريب حياته وسلوكه بالإلتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية والتخلص من الحياة المادية الشهوانية إلي الحياة الروحية النقية في هذة الدنيا الفانية؟!، أم لا يزال يمر عليه كغيره من الليالي والأيام؟.

 

عزيزي القاريء، إنت الآن في مفترق طرق، وعليك أن تعيد حساباتك مع نفسك وتعترف أنك مازلت مقصرا، ومازال بداخلك بعض الجمود والكسل الذي يوقف رحلتك إلي عالم التوازن والتكامل بين العيش في الدنيا بأنفاس حياة الأخرة.

 

نعم لا بد من سرعة إنقاذ هذا الشهر الفضيل من هذا العدوان الشيطاني الدجالي السافر المغلف بدعاوى الحضارة والثقافة والترفيه المزيف، ليبقى كما كان ولايزال، مدرسة رمضانية متميزة وفريدة، وذلك إعلانا منك للثورة الروحية الرمضانية المنسية حفاظا علي دينك وأهلك ووطنك ودنياك وأخرتك، وإحتفاءا بهذا الشرف العظيم أن بلغك رمضان هذا العام.

 

وفي النهاية أوصيكم ونفسي بشهر الفقراء وعيد الأولياء، إنها دعوة لمسح الذنوب وتحرير النفوس، إنها دعوة لتجديد العهد والإستجابة لنداء المولي عز وجل، إنها وصية رب العالمين للأولين والآخرين عندما ينادي مناد في أول ليلة من رمضان العظيم فيقول" يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر"، فمن يستجيب لنداء الله ورسوله لسبيل الصلاح والفلاح؟!، إنهض وإبدأ لاتزال لديك الفرصة.. لا تيأس ولا تستسلم..فقط إطلب المدد من الله..ﻷﻧﻚ ﻓﻌﻼ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ.

 

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: ه علیه وسلم لیلة القدر شهر العظیم الله تعالی شهر رمضان رسول الل فی رمضان شهر ربیع لیلة من إذا کان صلى الل رضی الل نجد أن

إقرأ أيضاً:

خطبتا الجمعة بالحرمين: ما جهر قوم بالمحرمات إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله.. ومحبة الله مشروطة بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عواد الجهني خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله -عز وجل- حق تقاته في السر والعلن، فتقوى الله بها صلاح الأقوال والأعمال.
وقال فضيلته: إن الله جلت حكمته خلقكم لتعبدوه، وكلفكم في الأعمال بما تطيقون فاعملوه، فاتقوا الله بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي والكبائر، والاستبصار بما في القرآن العظيم من البصائر، فقد أنزله عليكم لتتبعوه، فإنه للنجاة من أعظم الذخائر، لما فيه من فرائض وفضائل وتحليل وتحريم ومواعظ وزواجر.
وتساءل فضيلته في خطبته: فلمَ النفوس لا تَسْتَجِيبُ لأوامره ولا تنتهي بنواهيه وزواجره؟ ولا تراقب من يعلم علانية العبد وسرائره وضمائره وظواهره؟ قد ضربت عليها الغفلة برواقها، وصدفتها شهوات النفوس عن مراقبة خلافها فاستحلت مذاق باطلها، وجهلت مرارة الجزاء في آجلها، فأصرت على معاصيها، ولم تخف يوم يؤخذ بأقدامها ونواصيها، يوم يضاعف العذاب على من ترك الصلاة وضيعها، وتهاون بأمر الزكاة ومنعها، وانتهك حرمة شهر الصيام بإفطاره، وأخر فريضة الحج مع استطاعته وعدم إعذاره، يوم يسقى شارب الخمر من ردغة الخبال، ويتجرع من عصارة أهل النار ما به الويل والوبال، ويرسل شواظ النار على الزناة والفجار، ويضربون بسياطها على الفروج والأدبار، ويأكل آكل الربا من شجر من زقوم. وما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله.
وبين الدكتور الجهني أن الظالمين يظلون في سموم وحميم وظل من يحموم، ألا وإن من اشتغل بنفسه تفرغ عمن سواه، ومن نظر إلى تقصيره عمي عن غيره وما كسبت يداه. وقيدوا -رحمكم الله- ألسنتكم عن الوقيعة في الأعراض فإن الله عند لسان كل قائل، ومن انتهك عرض أخيه وآذاه قولاً أو فعلاً كان خصمه الله، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا﴾، وقال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-: “أي يرمونهم بغير ما عملوا فقد تحملوا بهتانًا أي كذبًا. والبُهتان هو أن تَذكُر أخاك بما ليس فيه؛ ولهذا لمَّا سُئل النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة قال: «هِي ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قال: يا رسول اللَّه أَرَأَيْت إن كان في أخي ما أَقول؟ قال: “إِنْ كَانَ فِيه مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيه مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ”. أخرجه مسلم. ثم قال رحمه الله: وأَذِيَّة المؤمن تكون بالقول وبالفعل، وهي كثيرة. فالذين يُؤذون المُؤمِنين بغير ما اكتَسَبوا قد تحملوا على أنفسهم البهتان وهو الكذب، والإثم المبين وهو العقوبة العظيمة نسأل الله العافية”. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام الله عز وجل أن تكون ألسنتنا عفيفة وقلوبنا محبة للمؤمنين، مؤكدًا على مواصلة صحة العمل ما دام مقبولاً، والإقلاع عن المخالفات ما دام حبل الحياة موصولاً، وإصلاح النفس بالتوبة ليطيب لك المصير. أخرج الإمام أحمد رحمه الله والبخاري رحمه الله في الأدب المفرد والبيهقي بسند جيد عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ارحموا تُرحموا واغفروا يُغفر لكم. ويل لأقماع القول، ويل للمُصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون”. وإقماع القول الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به.
* وفي المسجد النبوي الشريف أوصى فضيلة الشيخ حسين آل الشيخ في خطبة الجمعة اليوم المسلمين بتقوى الله، فمن اتقاه سعد ولم يشقَ قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يُكَفِّرْ عَنْه سَيِّئَاتِه وَيُعْظِمْ لَه أَجْرًا}.
وقال: إن من أصول الدين أن كل قربة ليس عليها دليل من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي محدثة مبتدعة.
وأضاف: قواعد الإسلام أرساها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله العظيم “من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد” و”من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”.
وبين فضيلته أن الله عظّم الأشهر الحرم، ومنها شهر رجب، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّة الشُّهُورِ عِندَ اللَّه اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّه يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أربعة حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}. ففيها تأكيد على أنه يجب على المسلم أن يعظّم شعائر الله في كل وقت وحين، ويزداد التعظيم لحرمات الله في هذه الأشهر الحرم بترك المحرمات وتجنب المنهيات، والمسارعة إلى فعل الخيرات، والمسابقة إلى الصالحات، بشرط البعد عن المبتدعات، والمجانبة لاختراع المحدثات.
وذكر إمام وخطيب المسجد النبوي أن من المقطوع به عند علماء الإسلام أنه لم يرد في تخصيص شهر رجب بشيء من التطوعات إلا ما كان مشروعًا في سائر الأوقات مما قام عليه دليل شرعي، وأن الأحاديث التي تنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الصيام في رجب خاص به دون غيره، أو قيام ليالٍ منه خاصة، كل ذلك مما بيّن أهل الحديث المختصون أنها إما ضعيفة أو موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر رحمه الله: “الأحاديث الصريحة الواردة في فضل رجب، أو فضل صيامه، أو صيام شيء منه، تنقسم إلى قسمين: قسم ضعيف وقسم موضوع”.
وأوضح آل الشيخ أن ما يقوم به بعضهم من الاحتفال ليلة السابع والعشرين من رجب زعماً أنها ليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا من حيث الأصل بدعة محدثة، مشيرًا إلى أن الواقع لم يقم به دليل معلوم، لا على شهرها ولا على عينها.
ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي إلى الالتزام بما شرع الله، فهو سبيل الفلاح، والتزام السنة فهي سبيل الرحمة. وقال فضيلته: بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم تنال محبة الله ورضوانه، والغنيمة بالأجر العظيم والثواب الجسيم، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وفي الخطبة الثانية أوضح آل الشيخ أن ما ينتشر بين الناس من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل رجب قال: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”، هو حديث نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح، فقد ضعفه النووي، وابن رجب، وجمع من الحفاظ المتأخرين كسماحة الشيخ ابن باز، والألباني رحمة الله عليهم أجمعين. وإن الدعاء بكل خير مشروع بالأدلة العامة من الشريعة، قال الحافظ ابن رجب، قال يعلى بن الفضل: “يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ويدعون ستة أشهر أن يتقبل منهم”.
وختم فضيلته بالتحذير من نسبة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وفق استيثاق علمي مؤصل لدى أهل العلم، {وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰة وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰة وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ}. مبينًا أن في الاتباع سعادة، وفي الاقتداء بالشرع المطهر الفلاح والفوز.

مقالات مشابهة

  • دعاء يونس عليه السلام .. كلمات من القرآن تفرج الهموم
  • 13 رجب.. ذكرى  مولد “يعسوب الدين ” الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام
  • شيرين عادل: «الناس قالت عليا مجنونة بسبب ريهام عبد الغفور»
  • خلص عليه بعد الامتحان.. تفاصيل مصرع طالب على يد زميله بالشرقية
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: ما جهر قوم بالمحرمات إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله.. ومحبة الله مشروطة بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم
  • ابن الفنان صالح العويل : محمد رمضان وياسر جلال اطمئنا عليه هاتفيًا l خاص
  • تنسيق طاولة السُفرة الرمضانية بأٌسلوب فاخر
  • الإفتاء: أكدت السنة النبوية حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم للتزين
  • مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه
  • انعقاد مجلس الحديث الـ25 لقراءة "صحيح الإمام البخاري" من مسجد الإمام الحسين