المرجبي.. مغامر عماني في أدغال إفريقيا
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
الأرجح أنه ولد في قرية تسمى كوارارا في زنجبار عام 1840. نشأ بزنجبار فقيرا، وكان عليه أن يتم حفظ القرآن غير أنه لم يفلح في ذلك لدى معلمه الأول. وباءت جهود الأسرة بالفشل عندما نقل إلى معلم ثان لتحقيق ذلك الهدف. ويبدو أن ذكاء الطفل كان من ذلك النوع من الذكاء العملي الميال للحركة وليس من النوع الذي ينسجم مع السكون وعدم الحركة.
سافر والده إلى البر الإفريقي وتركه في زنجبار فشب حريصا على تحسين وضعه، وبدأ في التجارة في فترة مبكرة من حياته لم يتعد فيها الثانية عشرة من عمره. فاقترض اثني عشر ريالا اشترى بها ملحا سافر به إلى دار السلام وإلى المناطق التي لا تبعد كثيرا. وتوالت أسفاره وربحت تجارته حتى جمع مالا.
ثم أخذ يبحث عن والده حتى عرف مكانه في تبورة، وقد تزوج من ابنة سلطان قبيلة زنجية، فلحق به ولما وصل أكرمه سلطانها وقرّبه ولقي والده، وأراد الوالد أن يرسل الولد في أول مهمة تجارية في أدغال إفريقيا الشرسة. وأن تكون البضاعة تحت إمرة أحد التجار الخبراء من ساحل مريما. فما كان من الولد «تيبوتيب» إلا أن رفض ذلك بشدة مفضلا العودة من حيث أتى من زنجبار من أن يخرج في تجارة أبيه وغيره مسؤولا عنها ويصبح هو في وضع التابع. وفي ذلك ما يدل على نزعة القيادة عنده وعلى روحه المغامرة. وهكذا نجد سمات القيادة لديه برزت منذ بداية حياته العملية التي بدأت وهو لا يزال صبيا لم يتجاوز الثانية عشرة. وبالفعل أخذ العاج وعاد إلى زنجبار حيث استقبله السلطان ماجد بن سعيد، فباع العاج وسدد ديونه، واستعد لسفر جديد فحمل معه الثياب والخرز والبارود والرصاص واتجه إلى باجمويو، وعانى في سفراته من قطّاع الطرق والعطش والطاعون، وخاض تجارب مضنية بين ربح وخسارة، وغامر بخوض بحيرة تنجانيقا وعاش بين الزنوج في الأدغال مع الأفيال.
وحين علم بوفاة السلطان ماجد وتعيين السلطان برغش بعث يهنئه وطلب منه سلاحا فوافاه به، وانطلق في البراري يتلقى الأهوال من الزنوج والضواري، تارة بالعطايا وتارة بالسيف، مواصلا تجارة العاج والثياب ومحاولا ترويض البدائيين، يحارب العاصي ويصالح المطيع، ويدعو إلى الدين حتى وصل نهر الكونغو ورتب جيشه والتقى بسلطان الزنوج، وبعد حرب ضروس وكرّ وفرّ استولى على أملاك السلطان وأخضع بلاده لسلطته، ورغم أنه لم يدخل مدرسة حربية لكنه نظّم جيشه بإحكام، فأقام نقاطا عسكرية ومراكز للمراقبة، وواصل زحفه حتى قبائل نيام نيام، واستتب له الأمر فانفتحت طرق التجارة إلى الكونغو وكثرت مداخيل زنجبار. ولما عاد استقبله قبل دار السلام موفد من قبل السلطان برغش لتهنئته فوصل زنجبار بحرا 1294هـ وباع ما كان معه، ثم تجهز للسفر ثانية للكونغو، وفوجئ بتغير أحوال المنطقة التي غادرها فاحتاج أن يخوض حروبا ليستقر الوضع ثانية ومع ذلك بقي يدير التجارة ويرسل إلى وكيله بزنجبار ويطلب منه البضاعة الصالحة للزنوج.
تمتع المرجبي بروح المغامرة والتحدي كما نراه في الصراع العنيف الذي دار بينه وبين زعيم زنجي عرف ببطشه وغدره وهو السامو. فقد نصحه من معه من العارفين بالمنطقة بعدم الذهاب إلى السامو فشخصيته لا تؤتمن، وهو يخدع التجار ببريق العاج ثم ينقض عليهم. ولم يستمع «تيبوتيب» إلى ما قيل له. وفي طريقه وجد أحد المسنين العمانيين واسمه عمر بن سعيد الشقصي الذي أكد له ذلك، ورغم ذلك استمر «تيبو تيب» في طريقه ويدخل في صراع مرير مع السامو يسقط فيه العديد من المحاربين من الطرفين، وتحاك له المكيدة تلو المكيدة بطريقة مثيرة جدا وقريبة من الخرافة مما توجد تفاصيله في هذه السيرة. وينتهي الأمر بالقضاء المبرم على السامو وذيوع خبر انتصار «تيبو تيب» عليه في مجاهل القارة الإفريقية، فيضيف ذلك أهمية كبيرة له، وتنحني له كثير من الرؤوس، وتترسخ حوله أسطورة الزعيم الذي لا يقهره شيء. وروح التحدي والبطش هذه هي التي جعلت الزنوج يطلقون على المرجبي عدة ألقاب وأولها هو كينجوجوا ومعناه الضبع الأرقش، وتيبو تيب وهو محاكاة صوتية لصوت إطلاق البندقية كما لقب بلقب ثالث وهو مكانجوانزارا أي الذي لا يرهب أحدا، ربما يخاف المجاعة ولكن بالتأكيد لا يخشى الحرب.
وفي فترة لاحقة ترسخ نفوذ تيبو تيب في البر الإفريقي، وبدأ بالقضاء على الحكام الزنوج أو التحكم المطلق بهم عزلا وتثبيتا وذلك بغرض توطيد تجارته بالسيطرة المطلقة على مصادر العاج، وتأمين طرق تلك التجارة. والأمثلة هنا أكثر من أن تحصى وهي مبثوثة في ثنايا هذه السيرة التي هي في أغلبها حديث صريح عن ذلك.
وبعد إحدى الرحلات التجارية الناجحة باع بضاعته وقفل راجعا إلى زنجبار -وقد بدأ البلجيك يصلون إلى الكونغو كما تسلل الإنجليز إلى زنجبار- بدأ التخطيط الاستعماري لصرف المرجبي عن التجارة ونشر الدعوة. ثم نشبت الحرب بين العرب والبلجيك فاستنجد الإنجليز بالمرجبي فسافر عن طريق رأس الرجاء الصالح في باخرة حتى وصل الكاب ومن ثم إلى مصب نهر الكونغو ففصل بين العرب والإفرنج. وجاءهم خبر وفاة برغش وارتقاء خليفة بن سعيد سلطانا مكانه، فتاجر ثم عزم على الرجوع إلى زنجبار، وفي تبورة أصيب بمرض أخّره فتوجه إلى زنجبار، وعاد البلجيك للفتنة والإيقاع بين العرب والزنوج فهجموا على العرب وقتلوا ابنه سيف بن حميد واستولوا على أمواله الضخمة حيث ذهبت أمواله وقتل ولده جزاء إحسانه للبلجيك، وأسر الكثير من العرب ثم أطلق سراحهم مسلوبين فعادوا إلى زنجبار في حالة يرثى لها.
أصيب في أخريات حياته بمرض الاستسقاء ثم عوفي منه، وتضاءل الأمل في أن يحقق «تيبو تيب» أمنيتين عزيزتين على نفسه هما السفر إلى أوروبا ومشاهدة المدنية التي تتمتع بها، وكذلك زيارة البيت الحرام بمكة المكرمة لأداء فريضة الحج. وينقل لنا اللمكي اللحظات الأخيرة في حياته فيقول: «.. ولكن صحته بقيت ضعيفة فاشتد به الألم حتى كانت الساعة الخامسة من ليلة الأربعاء العاشر من ربيع الأول (14 يونيو) قبضه الله إليه. وما شاع الخبر حتى توافدت الجموع إلى منزله وفي مقدمتهم قنصل جنرال أمريكا «وفيس»، وتتابعت الجموع وسار في جنازته أناس كثيرون. وفي الصباح جاء قنصل جنرال الإنجليز وقنصل الألمان وغيرهما من معتمدي الدول والتجار الأجانب وأعيان العرب والهنود والزنوج لتعزية أهله. ونقل البرق خبر وفاته إلى العالم المتمدن فأتت جرائده مملوءة بالكلام عن سيرته».
استطاع المرجبي أن ينشئ شبكة طرق في أدغال القارة للقوافل التجارية وربط بين المدن والقرى المتناثرة واعتمد الاستعمار فيما بعد على تلك الطرق وخطوط السير لما أنشؤوا السكك الحديدية وطرق المواصلات الأخرى. وكان لجيشه البالغ مائة ألف جندي جولات وصولات مع الزنوج المشركين ومع المستعمرين البلجيك واستطاع بمعونة السلطان برغش خاصة ومن خلفه في زنجبار أن يقيم مملكة نشرت العربية والدين الإسلامي وأقامت المدارس والمساجد، كما يسر المرجبي لتجار الجاليات العربية والأجنبية التوغل في كثير من المقاطعات الإفريقية وقد حصر العرب اهتمامهم في الناحية الاقتصادية وبقيت السلطة العليا بيد زعماء أفارقة، وتأسست على طول طرق القوافل مراكز تجارية مزدهرة، وعبر العرب بحيرة تنجانيقا إلى إقليم المانيما ووصلوا البحيرات الاستوائية ونقلوا العاج إلى الساحل. ومهما يكن من أمر فإن «تيبو تيب» يعد بلا شك حلقة من حلقات الوجود العماني في شرق إفريقيا. والتعرف عليه هو دليل على المعرفة الواعية بذلك الوجود ببعديه المضيء والمعتم دون فرح بالأول ودون مواربة للثاني.
تاجر في العاج بشكل أساسي وفي الخرز والشبه ومختلف البضائع. ومن مصادر دخله المهمة العقود التي كان بموجبها يوفر القوى العاملة للشركات الأوروبية المشتغلة بإنشاء البنى الأساسية في القارة الإفريقية، ويؤمن الحماية للمستكشفين والمنصرين الأوروبيين. وقد أفادته صلاته القوية ببعض القبائل الإفريقية مما ساعد على نجاح تجارته وتقوية نفوذه حتى أن كثيرا من المستكشفين الأوروبيين للقارة الإفريقية نعموا بالحماية التي وفرها لهم وأثبتوا ذلك في مراسلاتهم للجمعيات التي ينتمون إليها.
حقق «تيبو تيب» شهرة تقترب من الأسطورة التي سارت وسرت خارقة حدود القارات واللغات والثقافات. وتوفرت لهذه الشخصية الأسطورية عوامل معينة صنعت رواجها وانتشارها. ولعل أهم هذه العوامل هو العامل التاريخي، فقد جاء المرجبي في عصر الكشوفات الجغرافية. وقد أسهم بشكل فعال في تذليل الطريق أمامهم فقام بإرشاد المستكشفين الغربيين من أمثال سبيك وكاميرون وستانلي.
تقدم هذه السيرة شخصية طموحة حفرت طريقها بأظافرها وبدأت من مرحلة الصفر وعاشت حياة مليئة بالأحداث ومليئة بتحدي المجهول. هي أسطورة لإنسان عادي من أسرة ضعيفة غاب معيلها وتكالبت عليها الظروف. غير أن «تيبو تيب» يتحدى كل ذلك وينجح بشكل كبير لدرجة تجعله قادرا على التعامل وأحيانا التفاوض مع حكومات عربية وغربية التي تقدر حجم النفوذ الذي يتمتع به هذا الرجل في داخل البر الإفريقي.
هذه السيرة كتبها في فترة متأخرة من عمره، لذا فهو يتحدث من الذاكرة فيسترسل عند بعض النقاط ويختصر عند نقاط أخرى. وقد تدفعه لذة سرد مغامراته إلى المبالغة والتزيد فيما حقق من ثروة أو أفنى من أعداء. وينتقل أحيانا من موضوع إلى موضوع دون رابط واضح ودون مقدمات.
د. سالم البوسعيدي شاعر وكاتب ومؤلف له أكثر من 70 إصدارًا
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إلى زنجبار هذه السیرة
إقرأ أيضاً:
«معلومات الوزراء»: إفريقيا استقبلت 7% زيادة في عدد السياح في أول 7 أشهر من 2024
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في مجلس الوزراء، تقريرا جديدا حول «أداء الاقتصاد العالمي خلال عام 2024 وتوقعات عام 2025»، من خلال تسليط الضوء على بعض الموضوعات المختارة كمجال السياسة النقدية والتضخم والتجارة والسياحة وسوق العمل العالمية، حيث أشار المركز إلى أنّ عام 2024 شهد تباطؤًا في النمو الاقتصادي العالمي مقارنة بعام 2023، مدفوعًا بالعديد من التحديات الاقتصادية والجيوسياسية والمناخية العالمية؛ حيث استمرت أسعار الفائدة مرتفعة في ظل مساعي البنوك المركزية حول العالم لكبح التضخم، كما أثرت التوترات الجيوسياسية -لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا- سلبًا على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا ستستمر خلال العام المقبلوجاء الأداء الاقتصادي في عام 2024 متباينًا بين المناطق المختلفة حول العالم، وبين الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والدول النامية؛ حيث حققت بعض الاقتصادات نموًّا أفضل من غيرها، وتشير التوقعات لعام 2025 إلى أنّ التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وشرق أوروبا ستستمر خلال العام المقبل؛ ما يشير إلى استمرار التحديات الاقتصادية العالمية.
أشار التقرير إلى أنّ الاقتصاد العالمي حافظ على صموده ومرونته نوعا ما في عام 2024، متجنبًا الدخول في حالة ركود، رغم التشديد الحاد والمتزامن للسياسات النقدية العالمية. مع استمرار النمو ولكن دون التوقعات، فوفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2024، سيتباطأ النمو من 3.3% عام 2023 إلى 3.2% في عامي 2024 و2025.
ومن جهة أخرى؛ توقَّع تقرير «الآفاق الاقتصادية العالمية»، الصادر عن البنك الدولي في يونيو 2024، أن يسجل الاقتصاد العالمي نموا ضعيفا ثابتًا عند 2.6% في عام 2024 قبل أن يرتفع إلى 2.7% في عامي 2025 و2026، وهو أقل من المتوسط البالغ 3.1% في العقد السابق للجائحة، كما توقعت وكالة ستاندرد آند بورز تباطؤ في النمو العالمي من 3.5% في عام 2023 إلى 3.3% في عام 2024، ثم إلى 3% في عام 2025.
تقديرات صندوق النقد الدولي للاقتصادات المتقدمةأشار التقرير إلى أنّ تقديرات صندوق النقد الدولي للاقتصادات المتقدمة تظهر نموا طفيفا من 1.7% في عام 2023 إلى 1.8% في عام 2024 مع بقاء النسبة نفسها في عام 2025 حتى عام 2029، ومن المتوقع تباطؤ النمو في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث يقدر الصندوق أن يصل إلى 2.8% عام 2024 من 2.9% عام 2023، وأن يتباطأ إلى 2.2% في عام 2025، وفي منطقة اليورو من المتوقع أن ينمو الاقتصاد من 0.4% عام 2023 إلى 0.8% عام 2024 و1.2% في عام 2025، وفي المملكة المتحدة من المقدر أن يصل النمو إلى 1.1% عام 2024 من 0.3% عام 2023.
ومن جهة آخري، أشار صندوق النقد الدولي إلى معدل النمو الاقتصادي في الصين، الذى انخفض من 5.2% عام 2023 إلى 4.8% في عام 2024، ومن المتوقع أن يبلغ هذا المعدل نحو 4.5% في عام 2025.
أما في روسيا، ظلَّ معدل النمو الاقتصادي ثابتًا عند 3.6% في عامي 2023 و2024. فيما ارتفع معدل النمو الاقتصادي في البرازيل من 2.9% عام 2023 إلى 3.0% عام 2024.
أكد التقرير أنّه رغم توقع انتعاش الاستثمار وتحسن الإنتاجية ستظل توقعات النمو على المدى المتوسط للاقتصادات المتقدمة دون تغيير، أما الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فتظل آفاق نموها ضعيفة مقارنة بتوقعات صندوق النقد الدولي لآفاق الاقتصاد العالمي لشهر أبريل 2024، وأدنى من المستويات المتوقعة قبل الجائحة. وذلك بسبب تأثير الصدمات التي شهدتها السنوات الأخيرة.
تراجع معدلات التضخم في عامي 2024 و2025أما عن الاقتصادات المتقدمة فتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنّ التضخم في عام 2023 بلغ 3.1%، في حين تشير التوقعات إلى تراجع معدلات التضخم في عامي 2024 و2025؛ متوقعا أن يبلغ التضخم 2.2% في عام 2024، وإلى 2% في عام 2025، كما تشير التقديرات إلى انخفاض معدل التضخم في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من 8.1% عام 2023 إلى 7.9% في عام 2024 مع وصوله إلى 5.9% في عام 2025.
تحولات كبيرة في السياسات النقدية للبنوك المركزيةأوضح التقرير أنّ السياسات النقدية لدى البنوك المركزية شهدت تحولات كبيرة خلال العامين الماضيين والعام الجاري، نتيجة لارتفاع التضخم والتباطؤ الاقتصادي والاضطرابات الجيوسياسية، فخلال عامي 2022 و2023 اتجهت البنوك المركزية إلى تشديد سياساتها النقدية، ومع تراجع التضخم في عام 2024 بدأت بعض البنوك المركزية في تنبي سياسات نقدية أكثر مرونة، وفيما يلي عرض لأبرز مسارات وتوقعات السياسة النقدية لدى البنوك المركزية الكبرى في العالم:
-الولايات المتحدة الأمريكية: بعد رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في 11 اجتماعًا متتاليًا في عامي 2022 و2023، ثم أبقاها بين 5.25% و5.5% لأكثر من عام، وفي اجتماع 18 سبتمبر 2024 خفض الفيدرالي أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ 4 سنوات بمقدار 50 نقطة مئوية، لتتراوح بين 4.75% و5.0%. وفي اجتماع نوفمبر 2024، خفضها للمرة الثانية على التوالي خلال 2024 بمقدار 25 نقطة لتتراوح بين 4.50% و4.75%. ثم خفضها للمرة الثالثة على التوالي في ديسمبر 2024، وذلك بواقع 25 نقطة أساس بحيث باتت تتراوح بين 4.25 و4.50%
- منطقة اليورو (البنك المركزي الأوروبي): في اجتماعه الذي انعقد في 12 ديسمبر 2024، خفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيس بمقدار 25 نقطة أساس، مع خفض سعر الفائدة على الودائع من 3.25% إلى 3.00%. وكان هذا الخفض الرابع منذ انتهاء دورة رفع أسعار الفائدة في سبتمبر 2023 (حيث كان الخفض الأول في يونيو 2024).
ومنذ مارس 2023، بدأ البنك تفكيك أحد برامجه الرئيسة للتيسير الكمي، مع تخفيضات في الحجم الإجمالي لبرنامج التيسير الكمي المرتبط بالجائحة أيضًا في النصف الثاني من عام 2024؛ وكان البنك قد أطلق استجابته للجائحة في 12 مارس 2020 ووسعها بشكل كبير في 18 مارس و4 يونيو من العام نفسه، إضافة إلى تقديم قروض رخيصة للبنوك لتشجيعها على إقراض الشركات.
حجم التجارة العالمية وصلت إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند نحو 33 تريليون دولاروفيما يتعلق بالتجارة الخارجية، أشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» أصدرت يوم 5 ديسمبر 2024 تقريرًا بعنوان «تحديث التجارة العالمية: ديسمبر 2024»، توقعت فيه أن يصل حجم التجارة العالمية إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند نحو 33 تريليون دولار في عام 2024، بزيادة قدرها تريليون دولار عن العام السابق.
نمو تجارة السلع بمعدل أبطأ بلغ 2% هذا العاماتصالًا، يأتي هذا النمو السنوي في التجارة العالمية والبالغ 3.3% مدفوعًا إلى حد كبير بارتفاع بنسبة 7% في تجارة الخدمات؛ حيث نمت تجارة السلع بمعدل أبطأ بلغ 2% هذا العام، لكنه أقل من ذروتها في عام 2022.
وشهد كلا القطاعين (تجارة السلع - تجارة الخدمات) ارتفاعًا في قيم التداول في الربع الثالث، ومن المتوقع أن يستمر الزخم في الربع الأخير من عام 2024.
وفي الربع الثالث من عام 2024، قادت الاقتصادات المتقدمة نمو التجارة العالمية، حيث نمت وارداتها بنسبة 3%، وصادرتها بنسبة 2%. وسجلت اليابان أقوى نمو ربع سنوي في صادرات السلع (5%) وأعلى ارتفاع سنوي في صادرات الخدمات (13%). كما ارتفعت واردات السلع الأمريكية بنسبة 4%، مع زيادة الصادرات بنسبة 2% على أساس سنوي و1% في الربع الثالث.
أما بالنسبة لمعدلات السياحة الدولية، أشار تقرير مركز المعلومات لارتفاعها إلى 96% من مستويات ما قبل الجائحة في الأشهر السبعة حتى يوليو 2024، مدفوعة بالطلب القوي في أوروبا وإعادة فتح الأسواق في آسيا والمحيط الهادئ. فوفقًا للبيان الصادر عن منظمة السياحة العالمية، سافر نحو 790 مليون سائح دولي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024، أي بزيادة قدرها 11% عن الأشهر نفسها من عام 2023، وأقل بنسبة 4% فقط عن تلك الأشهر في عام 2019.
وأوضح التقرير أنّه بفضل زيادة الربط الجوي وتسهيل الحصول على التأشيرات ودعم تعافي السفر الدولي، أظهرت البيانات أن جميع مناطق العالم سجلت عامًا قويًّا حتى الآن، حيث كانت منطقة الشرق الأوسط الأقوى نموًّا نسبيًّا؛ حيث ارتفع عدد الوافدين الدوليين بنسبة 26% فوق مستويات عام 2019 في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.
منطقة آسيا والمحيط الهادئ سجلت نموًّا بنحو 82% من أعداد السياحكما استقبلت إفريقيا 7% زيادة في عدد السياح في الأشهر السبعة الأولى من عام 2024 مقارنة بالأشهر نفسها من عام 2019. واستعادت أوروبا والأميركتان 99% و97% على التوالي من الوافدين إليهما قبل الجائحة خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2024.
أما منطقة آسيا والمحيط الهادئ سجلت نموًّا بنحو 82% من أعداد السياح خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2024 مقارنة بما قبل الجائحة؛ حيث وصل إلى 85% في يونيو 2024، و86% في يوليو 2024، وفيما يتعلق بإيرادات السياحة الدولية، استعادت 47 دولة من أصل 63 دولة تتوفر لها بيانات، قيمتها قبل الجائحة في الأشهر الستة الأولى من عام 2024.
أشار التقرير إلى أن البيانات المُعدَّلة لعام 2023 تُظهِر أن عائدات السياحة الدولية بلغت 1.8 تريليون دولار أمريكي، وهو المستوى نفسه تقريبًا قبل الجائحة، كما تعافى الناتج المحلي الإجمالي المباشر للسياحة من مستويات ما قبل الجائحة في عام 2023، ليصل إلى ما يقدر بنحو 3.4 تريليونات دولار أمريكي، أي ما يعادل 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ومن المتوقع أن يكون الأداء السياحي في العام 2024 إيجابيًّا رغم التحديات.
أشار تقرير «التوظيف والتوقعات الاجتماعية في العالم: تحديث سبتمبر 2024» الصادر عن منظمة العمل الدولية (ILO)، إلى تصاعد الضغوط على عدم المساواة في التوظيف مع تراجع حصة دخل العمالة وبقاء نسبة كبيرة من الشباب خارج العمل أو التعليم أو التدريب. فقد انخفضت حصة دخل العمل العالمية بنسبة 0.6 نقطة مئوية من عام 2019 إلى عام 2022 وظلت ثابتة منذ ذلك الحين؛ ما زاد من تفاقم الاتجاه الهبوطي. ولو ظلت الحصة عند المستوى نفسه كما كانت في عام 2004، لكان دخل العمل أكبر بمقدار 2.4 تريليون دولار أمريكي في عام 2024.
كما أشار التقرير إلى دور التطورات التكنولوجية، بما في ذلك الأتمتة، في تعزيز الإنتاجيةَ، إلا أنّ العمال لا يحصلون على نصيب عادل من المكاسب الناتجة. وفي حالة غياب سياسات شاملة لضمان تقاسم فوائد التقدم التكنولوجي على نطاق واسع، فإنّ التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى تعميق التفاوت؛ ما يعرض تحقيق أهداف التنمية المستدامة للخطر.
أشار التقرير في ختامه إلى أنّه في ضوء المعطيات سالفة الذكر، فإنّ آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2025 تتسم بوجود مجموعة من التحديات والفرص، ومن تلك التحديات استمرار معدلات التضخم المرتفعة وإن كان بمعدلات أقل من السنوات السابقة؛ وذلك بسبب مجموعة عوامل، منها: اضطراب سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الطاقة؛ ما يجعل البنوك المركزية حذرة تجاه تخفيف سياساتها النقدية، كما ستستمر التوترات الجيوسياسية في التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل الصراعات الدائرة وتزايد حدة التنافس بين القوى الكبرى واحتمالات نشوب حرب تجارية جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها التجاريين الرئيسين، وخاصة الصين.
ورغم التحديات، فإنّ هناك نقاطًا مضيئة؛ حيث سيشهد العالم تسارعًا في التحول الرقمي؛ ما يفتح آفاقًا جديدة للنمو والابتكار، إضافة إلى ذلك ستزداد أهمية الاستدامة البيئية، في ظل مساعي الحكومات والشركات إلى تبني ممارسات صديقة للبيئة، كما ستشهد بعض القطاعات نموًّا ملحوظًا كقطاع السياحة في ظل التنامي الكبير في أعداد السياح عالميًّا، وقطاع التكنولوجيا الذي يأتي نموه مدفوعًا بالتطور المستمر في الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، وكذلك قطاع الطاقة المتجددة في ظل تزايد الاهتمام العالمي بالطاقة المتجددة، كما ستشهد الرعاية الصحية نموًّا مستمرًا، أيضًا ستواصل التجارة الإلكترونية توسعها مدفوعة بتغيير سلوك المستهلكين.