◄ تعزيز الهوية والانتماء إلى الدين والبلد والمجتمع للحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية يُعد جزءًا مهمًا من دور الأم
سهام بنت أحمد الحارثية
harthisa@icloud.com
عندما نتحدَّث عن دور الأم في التربية، فإننا نتحدَّث عن دور حيوي ولا يُمكن إغفاله في بناء شخصية الإنسان وتوجيهه نحو السلوكيات الصحيحة والقيم الإيجابية، فالأم ليست مجرد وجود جسدي يُطعم ويُسكن، بل هي المعلمة الأولى والأم المُحبة التي تمتلك القدرة الفريدة على نقل القيم والأخلاق وتعليم الأطفال كيف يتعاملون مع العالم من حولهم.
اليوم ومع تعرض الأطفال للكثير من الأفكار الغربية المتناقضة التي تنافي الطبيعة الإنسانية يجعل من دور الأم أكثر أهمية من أي وقت مضى وأكثر صعوبة كذلك ففي عصرنا الحالي الذي تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتغير القيم والمعتقدات بشكل سريع، تظهر الأم كركيزة أساسية لاستقرار الأسرة وتوجيه أفرادها نحو الطريق الصحيح فدور الأم في بناء الشخصية الإنسانية لا يقتصر على تعليم القيم والأخلاق فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى تقديم الدعم العاطفي والحنان الذي يُساعد الطفل على بناء شخصيته وثقته بنفسه وتوجيه السلوكيات الصحيحة؛ فمثلاً: تعزيز التفكير الناقد الذي لا يقبل أي إسقاط مهما كان مصدره دون تفكير وتحليل، يُعتبر أيضًا جزءًا لا يتجزأ من دور الأم، فهي تسعى دائمًا لتوجيه أبنائها نحو السلوكيات الإيجابية وتشجيعهم على التفكير النقدي واتخاذ القرارات المناسبة.
ومن جانب آخر فإنَّ تعزيز الهوية والانتماء إلى الدين والبلد والمجتمع للحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية يُعد أيضًا جزءًا مهمًا من دور الأم، حيث تعمل على نقل القيم والتقاليد العائلية وتعريف أطفالها بتاريخ بلدهم وأسرتهم وأصولها وانعكاس ذلك على المجتمع الذي يعيشون فيه ودمج ذلك مع التعلم والاكتشاف من خلال توفير بيئة داعمة لتطوير مهاراتهم العقلية والاجتماعية هكذا فقط، تمتزج مهارات الأم بالحنان والتوجيه لتشكل مُحيطًا داعمًا ومليئًا بالحب والتعلم، يساهم في بناء أطفالها كشخصيات متوازنة ومتعلمة، قادرة على تحقيق النجاح والتفوق في مختلف مجالات الحياة.
ولا نغفل ونحن نشير إلى دور الأم كمربية وصانعه للأجيال إنها كذلك في زمن يطالبها بتحقيق ذاتها في مجال العمل وتحقيق النجاح المهني، وهذا قد يشكل تحدياً كبيراً في موازنتها بين العمل والأسرة. لكن على الرغم من ذلك، فإن تحقيق الأم لنجاح مهني لا يُقلل من أهمية دورها في التربية، بل يُمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الأطفال عن طريق توجيههم نحو الاجتهاد والتفاني في مسعى تحقيق أهدافهم، ولتحقيق التوازن بين الحياة المهنية والأسرية، يمكن للأم اتباع استراتيجيات تنظيم الوقت بشكل فعّال، وتقدير الأولويات، والتواصل الجيِّد مع الزوج وبقية أفراد الأسرة لتقاسم المسؤوليات الأسرية، بالإضافة إلى الاستفادة من الدعم المتاح من الأقارب أو الخدمات المجتمعية.
لا يُمكن إنكار أن تحقيق التوازن بين العمل والأسرة يتطلب تضحيات وجهداً إضافياً، ولكن بالتأكيد يمكن للأم أن تكون قدوة لأطفالها في تحقيق التوازن بين مختلف جوانب الحياة وتحقيق النجاح في كل مجال من مجالاتها.
وفي هذا المقال أردتُ فقط أن أُعبِّر عن امتناني العميق وتقديري الكبير لكل الأمهات الرائعات اللواتي يبذلن جهودًا مذهلة في تربية أطفالهن وتشجيعهم على تحقيق أحلامهم، إن دور الأم لا يمكن تقديره بمقدار قيمته، فهي عماد الأسرة وروحها، وعبر تضحياتها وتفانيها، تزدهر الأجيال وتنمو الأمم.
وليقف العالم اليوم إجلالًا أمام شجاعة وإرادة الأمهات في غزة، ولنمنحهن كل التقدير والدعم الذي يستحقنه. وكل عام وأمهاتنا رمزًا للحب والقوة والإرادة وليبقى عطاؤهن حافزًا لتحقيق التنمية والازدهار في كل مجتمعاتنا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
د. عبدالله الغذامي يكتب: أوروبا المنكسرة (سلطة الأم أم سلطة الأب)
تتحول أوروبا لتصبح هامشاً على المتن الأميركي، وتفقد بهذا دورها الأخلاقي والحضاري مما يجعل الثقافة الأوروبية ذات العمق الفلسفي تتحول إلى هشاشة فكرية، حيث تتأمرك في لغتها ومصطلحاتها ومفاهيمها، حتى اللغة الإنجليزية تحولت لتكون (إنجليزية أميركية) في مفرداتها وفي سياقاتها، وكل أوروبا مع اتحادها المعلن رسمياً لكن اللغة التي تمثل خطاب الاتحاد الأوروبي ليست لغة أي دولة عضو في الاتحاد بل اللغة الجامعة هي الإنجليزية ولكن بصيغتها الأميركية تحديداً أي لغة أميركا، ويتبع ذلك كون أميركا هي التي تدير الشأن الأوروبي، عبر القيادة العسكرية (الناتو) وعبر النظرية الاقتصادية بصيغة الليبرالية الجديدة والرأسمالية والسوق الحرة، قاضيةً على بقايا الاشتراكية الاجتماعية، سواء اشتراكية حزب العمال البريطاني أو سائر الاشتراكيات التي سادت أوروبا الغربية في الستينات وما بعدها لدرجة أن تفاخرت مارجريت ثاتشر بتحويل حزب العمال البريطاني لحزب غير اشتراكي، وجعلت هذا الحزب مفخرةً لها، حيث أشارت إلى ما سمته العمال الجديد (نيو ليبار) حين سئلت عن أهم منجز حققته، وانزاح قانون التأميم من ميثاق الحزب، وحلت محله السوق الحرة، وهو نتيجة لتدشين ثاتشر مع ريجان نظرية الليبرالية الجديدة، فاختار حزب العمال ركوب موجة الوسط السياسي والاندماج مع نظريات السوق الحرة، وهذا ما جعل ثاتشر زعيمة المحافظين حينها تفاخر بقضائها على نظرية حزب العمال الاشتراكي وتحويل الحزب للوسط ليسير مسار التحول الرأسمالي. وبهذا تم القضاء على آخر الصيغ الأوروبية الاقتصادية التي كانت توازن بين رأس المال والاشتراكية الاجتماعية، وتبع ذلك اكتمال الأمركة حيث الخضوع لأميركا بوصفها المستعمر الناعم الذي لا يحتل الأرض بجيوشه ولكنه يحتل العقول واللغة والاقتصاد، ويتحكم بالقرار العسكري والقرار الاقتصادي، ومعهما القرار الثقافي وهوية الأمركة، وتظل أوروبا تمعن في الغرق خارج معناها دون بارقة بوعي تحرري، وهذه مهارة سلطة الأم وهي سلطة ناعمة تختلف عن السلطة الأبوية الخشنة.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض