عربي21:
2024-12-28@07:35:51 GMT

هل تفقد مصر ما تبقى لها من مكانة؟!

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

لم تسلم زكائب الدولارات التي انهمرت على مصر مؤخرا من أطراف دولية وإقليمية؛ من شكوك المصريين وتساؤلاتهم عن المقابل المدفوع أو الذي سيدفع نظير هذه المليارات التي هي ليست عملا خيريا بالتأكيد. لم تكن الإجابة عويصة عليهم بعد خبرة عشر سنوات مع النظام الذي يحكمهم، وأصبحوا يعرفون جيدا أولوياته ومحاذيره، وعلى الفور كانت الإجابة جاهزة، "إنها غزة" و"المهاجرون الأفارقة".



من يمد يده لا يستطيع أن يمد قدمه، وحين كانت مصر قوية عفية ذات مهابة في منطقتها، كانت توصف بالشقيقة الكبرى، صاحبة الكلمة المسموعة. لن نذهب بعيدا إلى الخمسينات وحتى التسعينات من القرن المنصرم بحثا عن تلك المكانة المفقودة، بل وجدنا هذه المكانة والهيبة عقب ثورة يناير، فحين هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي غزة أواخر 2012 إبان حكم الرئيس المدني محمد مرسي رحمه الله، تدخلت مصر على الفور فأوقفت العدوان بكلمة من رئيسها، وبزيارة لرئيس حكومتها إلى غزة، وبفتح معبر رفح بشكل كامل أمام دخول المساعدات دون إذن أو تنسيق مع الكيان.. لقد حسب الكيان لمصر وقتها حسابا فلم يجرؤ على تعطيل أي قافلة مساعدات، وحسبت الإدارة الأمريكية لمصر حسابا فقطعت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون رحلتها الآسيوية عائدة إلى القاهرة بحثا عن حل سريع، وقبلت الصياغة المصرية لوقف إطلاق النار..

لكن تلك الهيبة تبعثرت في حرب غزة الأخيرة، ووقفت عاجزة عن فتح معبر رفح بشكل كامل خشية الضربات الإسرائيلية لقوافل المساعدات، ثم هي نقف الآن متفرجة على إنشاء ميناء بحري في غزة سيكون بديلا لمعبر رفح؛ ما يفقد مصر آخر أوراقها التي تمنحها دورا مهما في غزة، وينتقص من مكانتها عموما.

كانت مصر في مرحلة "الغرغرة" اقتصاديا قبل أيام من طوفان الأقصى، ديون خارجية تجاوزت 165 مليار دولار، وأقساط وفوائد حل أجل دفعها خلال العام 2024 بقيمة 34 مليار دولار، بخلاف ما يستحق للأعوام التالية، بينما كان احتياط النقد الأجنبي في البنك المركزي 33 مليار دولار فقط. وهناك العديد من المشروعات الكبرى التي عجزت السلطات عن استكمالها فقررت تجميدها عند مراحلها الأولى، وكميات ضخمة من الواردات السلعية محتجزة في الموانئ المصرية بسبب نقص العملة الصعبة لسداد مستحقاتها، أضف إلى ذلك فاتورة واردات سنوية تبلغ حوالي مائة مليار دولار، فيما تراجعت الصادرات بنسبة 25 في المئة في الفترة من كانون الثاني/ يناير وحتى أيلول/ سبتمبر 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، حيث سجلت حوالي 31.5 مليار دولار، بانخفاض نحو 7.8 مليار دولار وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء.

زاد من صعوبة الموقف تشدد صندوق النقد الدولي في مطالبه المرتبطة بقرض بسيط قيمته 3 مليارات دولار فقط لعلاج بعض الخلل في الميزانية، حيث كان يلح على تعويم الجنيه بشكل عاجل، وعلى خصخصة القطاع الاقتصادي العسكري، وفي الوقت نفسه (قبل طوفان الأقصى) أعلنت الدول الخليجية التي اعتمدت عليها مصر من قبل كثيرا؛ توقفها عن تقديم مساعدات جديدة.. وكل هذا تغير تماما بعد الطوفان.

أصبح السيسي أكثر استعدادا لفعل أي شيء لإنقاذ نظامه، خاصة أن لديه سابق خبرة حين تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ثمنا لدعمها الكبير له عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وقد استطاع قمع الاحتجاجات الشعبية، كما أهدر حكما قضائيا باتا صادرا من المحكمة الإدارية العليا ببطلان ذلك التنازل، كما أنه سكت عن الممارسات الإماراتية الماسة بالأمن القومي المصري في أفريقيا خاصة في إثيوبيا والسودان، وقبِل تمدد دورها على حساب مصر فيما يخص القضية الفلسطينية والتطبيع الإبراهيمي.

في الأزمة الاقتصادية الجديدة جاءت حرب غزة بردا وسلاما على النظام رغم أنها تسببت في تراجع إيرادات قناة السويس مؤخرا بحدود 50 في المئة بعد ضربات الحوثيين للسفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الكيان عبر البحر الأحمر، فجأة اكتشف الغرب وتابعوه من العرب أهمية مصر في المعركة، فهي الدولة المجاورة مباشرة لقطاع غزة، وهي التي تملك السيادة على معبر رفح شريان الحياة للقطاع، وهي تملك في الوقت نفسه علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني.

مع الاجتياح الإسرائيلي للقطاع ورفعه شعار التهجير، اتجهت عيون الكيان وداعميه إلى مصر كمكان مناسب لهذا التهجير، وبدأ التلويح بورقة المساعدات المالية الضخمة لإنقاذ الاقتصاد المصري ثمنا لذلك، وعلى الرغم من الموقف الرسمي المصري المعلن الرافض للتهجير إلى سيناء واعتبار ذلك خطا أحمر، إلا أن محاولات الالتفاف على هذا الموقف المصري من قبل الكيان الصهيوني وداعميه لا تزال قائمة، وهذه المحاولات لا تنطلق من فراغ بل لقناعتها بإمكانية تحقيق ذلك عبر حوافز أكثر تشجيعا، مستغلة الحالة المتردية للاقتصاد المصري وحاجة النظام للمزيد من المليارات لسداد ديونه واستكمال مشروعاته، والإنفاق على أساسيات الحياة.

بناء ميناء بحري في غزة بحجة تسهيل وصول المساعدات إلى سكان القطاع يمثل خطورة كبيرة ليس فقط على الوضع في غزة، بل على الأمن القومي المصري وعلى الدور المصري التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، فهذا الميناء الذي يتم تأسيسه دون موافقة من الجانب الفلسطيني، والذي سيفتح الباب لدخول قوات أمريكية وغربية دون موافقة فلسطينية أيضا، سيكون أيضا ثغرة لتنفيذ مخطط التهجير بطريقة التفافية، فمع تزايد القصف الجوي والبري، ومع احتمال وقوع الاجتياح الشامل لمدينة رفح التي تحتضن أكثر من مليون لاجئ ستكون الفرصة سانحة أمام آلاف الفلسطينيين الذين يريدون النجاة من الموت، وستقدم الولايات المتحدة والدول الأوربية تسهيلات كبيرة لمن يرغب في الخروج، واستضافتهم في دول أوروبية وعربية وستكون مصر من تلك الدول، حتى لو لم يكن التوطين في سيناء بل في محافظات مصرية أخرى، وسيبرر النظام المصري الأمر ساعتها بأنه جزء من تسوية دولية مؤقتة للأزمة.

بالإضافة إلى صفقة رأس الحكمة التي بلغت 35 مليار دولار، أبرمت مصر اتفاقات برقم مماثل تقريبا مع الاتحاد الأوربي، ومع صندوق النقد، والبنك الدولي، وبعض المؤسسات الدولية، بعد أن كانت هذه الأطراف متشددة أو رافضة لتقديم المساعدات من قبل، وليس خافيا أن هذا التغير المفاجئ في مواقفها يرتبط بشكل أساسي بحرب غزة والدور المصري الراهن، والمستقبلي حيالها، وأيضا الدور المصري في مكافحة الهجرة إلى أوروبا.

هذه المليارات يمكن أن تسهم في حلول ولو جزئية للأزمة الاقتصادية، لكنها تنتقص حتما من هيبة مصر ودورها ومكانتها، فمن يمد يده لا يستطيع مد رجله كما ذكرنا.

twitter.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر غزة المساعدات السيادة مصر غزة مساعدات السيادة نفوذ مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار دولار فی غزة

إقرأ أيضاً:

سداد 37 مليار دولار.. إنجازات اقتصادية مصرية في 2024 (فيديو)

كشف سمير صبحي، المحلل السياسي، حصاد الاقتصاد المصري في 2024، مشيرا إلى أن أبرز الأحداث في 2024 الزيارات الدولية المتكررة للرئيس عبد الفتاح السيسي.

رئيس إدارة تطوير التعليم الفني: مراكز التميز ستؤثر في الاقتصاد المصري ككل «التجارى الدولى» حريص على دعم وتوطين الصناعات لتعزيز الاقتصاد زيارات الرئيس السيسي

وأوضح خلال لقائه مع الإعلامية نهاد سمير وأحمد دياب مُقدمي برنامج «صباح البلد» المُذاع عبر قناة صدى البلد، أن زيارات الرئيس السيسي تعكس مدى الرؤية المستقبلية لخلق تعاون وتقريب وجهات النظر بين مصر والدول الاخرى.

وتابع قائلا: الخبر إن مصر قامت بسداد 37.8 مليارات دولار من ديونها في عام 2024، وتحقيق فائض في الموازنة العامة للدولة بنسبة 4% العام 2024.

الاقتصاد المصري

واختتم المحلل السياسي قائلا:  في عام 2025 معناها الاقتصاد المصري سينتعش وسيكون على الطريق الصحيح، خصوصا في ظل الأحداث الخارجية التي فرضت نفسها على الساحة من حروب وصراعات وخلافه.

جدير بالذكر أن الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، رحب بالاتفاق الذي تم بين صندوق النقد الدولي والحكومة المصرية على مستوي الخبراء، بشأن المراجعة الرابعة وهو ما يتيح صرف 1.2 مليار دولار بموجب برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتم بين الجانبين، الأمر الذي يؤكد حرص الحكومة علي تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وثقة الصندوق في قوة الاقتصاد المصري وقدرته علي التعافي من آثار الضغوط الاقتصادية التي مر بها خلال السنوات الأخيرة بسبب الأزمات العالمية والتوترات الإقليمية التي عانت منها المنطقة علي مدار العام الماضي، والتي أدات إلى إنخفاض حاد في إيرادات قناة السويس.

وقال "محسب '، إن صندوق النقد الدولى، توقع أن تحقق الموازنة العامة لمصر فائضًا أوليًا بنسبة 4٪ العام المالى المقبل 2025 – 2026  ثم يرتفع إلى 5٪ في العام المالى 2026 – 2027، وهو ما يعنى الفرق بين إيرادات الموازنة العامة ومصروفاتها مع استبعاد فوائد الديون، لافتا إلى أن الصندوق أثني علي إجراءات الإصلاح الضريبي التي أتخذتها الحكومة، وأن هناك إجراءات أخرى تم الاتفاق عليها من بينها رفع نسبة الضرائب على الإيرادات 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العامين المقبلين، مع التركيز على إلغاء الإعفاءات بدلاً من زيادة الضرائب، وهو ما يعني زيادة الإنفاق الاجتماعي لمساعدة الفئات الضعيفة.

مقالات مشابهة

  • ثروة ترامب ترتفع بمقدار 3.6 مليار دولار
  • 2.3 مليار دولار عائدات السياحة في تونس منذ بداية العام
  • "Moana 2" يقترب من تحقيق مليار دولار
  • القناة 12 العبرية: القنبلة التي استهدفت هنية كانت في وسادته
  • قناة السويس تفقد 7 مليارات دولار بسبب تطورات البحر الأحمر
  • سداد 37 مليار دولار.. إنجازات اقتصادية مصرية في 2024 (فيديو)
  • أحمد موسى: مصر سددت 38.7 مليار دولار ديونًا مستحقة
  • رئيس الوزراء: مصر تُسدد 38.7 مليار دولار من ديونها في 2024
  • صندوق النقد يتفق مع مصر على صرف 1.2 مليار دولار ضمن اتفاق الإقراض
  • أردوغان يضع المسلحين الكورد أمام خيارين ويدعو لدعم سوريا بـ500 مليار دولار