عربي21:
2024-11-27@14:05:53 GMT

هل تفقد مصر ما تبقى لها من مكانة؟!

تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT

لم تسلم زكائب الدولارات التي انهمرت على مصر مؤخرا من أطراف دولية وإقليمية؛ من شكوك المصريين وتساؤلاتهم عن المقابل المدفوع أو الذي سيدفع نظير هذه المليارات التي هي ليست عملا خيريا بالتأكيد. لم تكن الإجابة عويصة عليهم بعد خبرة عشر سنوات مع النظام الذي يحكمهم، وأصبحوا يعرفون جيدا أولوياته ومحاذيره، وعلى الفور كانت الإجابة جاهزة، "إنها غزة" و"المهاجرون الأفارقة".



من يمد يده لا يستطيع أن يمد قدمه، وحين كانت مصر قوية عفية ذات مهابة في منطقتها، كانت توصف بالشقيقة الكبرى، صاحبة الكلمة المسموعة. لن نذهب بعيدا إلى الخمسينات وحتى التسعينات من القرن المنصرم بحثا عن تلك المكانة المفقودة، بل وجدنا هذه المكانة والهيبة عقب ثورة يناير، فحين هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي غزة أواخر 2012 إبان حكم الرئيس المدني محمد مرسي رحمه الله، تدخلت مصر على الفور فأوقفت العدوان بكلمة من رئيسها، وبزيارة لرئيس حكومتها إلى غزة، وبفتح معبر رفح بشكل كامل أمام دخول المساعدات دون إذن أو تنسيق مع الكيان.. لقد حسب الكيان لمصر وقتها حسابا فلم يجرؤ على تعطيل أي قافلة مساعدات، وحسبت الإدارة الأمريكية لمصر حسابا فقطعت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون رحلتها الآسيوية عائدة إلى القاهرة بحثا عن حل سريع، وقبلت الصياغة المصرية لوقف إطلاق النار..

لكن تلك الهيبة تبعثرت في حرب غزة الأخيرة، ووقفت عاجزة عن فتح معبر رفح بشكل كامل خشية الضربات الإسرائيلية لقوافل المساعدات، ثم هي نقف الآن متفرجة على إنشاء ميناء بحري في غزة سيكون بديلا لمعبر رفح؛ ما يفقد مصر آخر أوراقها التي تمنحها دورا مهما في غزة، وينتقص من مكانتها عموما.

كانت مصر في مرحلة "الغرغرة" اقتصاديا قبل أيام من طوفان الأقصى، ديون خارجية تجاوزت 165 مليار دولار، وأقساط وفوائد حل أجل دفعها خلال العام 2024 بقيمة 34 مليار دولار، بخلاف ما يستحق للأعوام التالية، بينما كان احتياط النقد الأجنبي في البنك المركزي 33 مليار دولار فقط. وهناك العديد من المشروعات الكبرى التي عجزت السلطات عن استكمالها فقررت تجميدها عند مراحلها الأولى، وكميات ضخمة من الواردات السلعية محتجزة في الموانئ المصرية بسبب نقص العملة الصعبة لسداد مستحقاتها، أضف إلى ذلك فاتورة واردات سنوية تبلغ حوالي مائة مليار دولار، فيما تراجعت الصادرات بنسبة 25 في المئة في الفترة من كانون الثاني/ يناير وحتى أيلول/ سبتمبر 2023 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، حيث سجلت حوالي 31.5 مليار دولار، بانخفاض نحو 7.8 مليار دولار وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء.

زاد من صعوبة الموقف تشدد صندوق النقد الدولي في مطالبه المرتبطة بقرض بسيط قيمته 3 مليارات دولار فقط لعلاج بعض الخلل في الميزانية، حيث كان يلح على تعويم الجنيه بشكل عاجل، وعلى خصخصة القطاع الاقتصادي العسكري، وفي الوقت نفسه (قبل طوفان الأقصى) أعلنت الدول الخليجية التي اعتمدت عليها مصر من قبل كثيرا؛ توقفها عن تقديم مساعدات جديدة.. وكل هذا تغير تماما بعد الطوفان.

أصبح السيسي أكثر استعدادا لفعل أي شيء لإنقاذ نظامه، خاصة أن لديه سابق خبرة حين تنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ثمنا لدعمها الكبير له عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وقد استطاع قمع الاحتجاجات الشعبية، كما أهدر حكما قضائيا باتا صادرا من المحكمة الإدارية العليا ببطلان ذلك التنازل، كما أنه سكت عن الممارسات الإماراتية الماسة بالأمن القومي المصري في أفريقيا خاصة في إثيوبيا والسودان، وقبِل تمدد دورها على حساب مصر فيما يخص القضية الفلسطينية والتطبيع الإبراهيمي.

في الأزمة الاقتصادية الجديدة جاءت حرب غزة بردا وسلاما على النظام رغم أنها تسببت في تراجع إيرادات قناة السويس مؤخرا بحدود 50 في المئة بعد ضربات الحوثيين للسفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الكيان عبر البحر الأحمر، فجأة اكتشف الغرب وتابعوه من العرب أهمية مصر في المعركة، فهي الدولة المجاورة مباشرة لقطاع غزة، وهي التي تملك السيادة على معبر رفح شريان الحياة للقطاع، وهي تملك في الوقت نفسه علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني.

مع الاجتياح الإسرائيلي للقطاع ورفعه شعار التهجير، اتجهت عيون الكيان وداعميه إلى مصر كمكان مناسب لهذا التهجير، وبدأ التلويح بورقة المساعدات المالية الضخمة لإنقاذ الاقتصاد المصري ثمنا لذلك، وعلى الرغم من الموقف الرسمي المصري المعلن الرافض للتهجير إلى سيناء واعتبار ذلك خطا أحمر، إلا أن محاولات الالتفاف على هذا الموقف المصري من قبل الكيان الصهيوني وداعميه لا تزال قائمة، وهذه المحاولات لا تنطلق من فراغ بل لقناعتها بإمكانية تحقيق ذلك عبر حوافز أكثر تشجيعا، مستغلة الحالة المتردية للاقتصاد المصري وحاجة النظام للمزيد من المليارات لسداد ديونه واستكمال مشروعاته، والإنفاق على أساسيات الحياة.

بناء ميناء بحري في غزة بحجة تسهيل وصول المساعدات إلى سكان القطاع يمثل خطورة كبيرة ليس فقط على الوضع في غزة، بل على الأمن القومي المصري وعلى الدور المصري التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، فهذا الميناء الذي يتم تأسيسه دون موافقة من الجانب الفلسطيني، والذي سيفتح الباب لدخول قوات أمريكية وغربية دون موافقة فلسطينية أيضا، سيكون أيضا ثغرة لتنفيذ مخطط التهجير بطريقة التفافية، فمع تزايد القصف الجوي والبري، ومع احتمال وقوع الاجتياح الشامل لمدينة رفح التي تحتضن أكثر من مليون لاجئ ستكون الفرصة سانحة أمام آلاف الفلسطينيين الذين يريدون النجاة من الموت، وستقدم الولايات المتحدة والدول الأوربية تسهيلات كبيرة لمن يرغب في الخروج، واستضافتهم في دول أوروبية وعربية وستكون مصر من تلك الدول، حتى لو لم يكن التوطين في سيناء بل في محافظات مصرية أخرى، وسيبرر النظام المصري الأمر ساعتها بأنه جزء من تسوية دولية مؤقتة للأزمة.

بالإضافة إلى صفقة رأس الحكمة التي بلغت 35 مليار دولار، أبرمت مصر اتفاقات برقم مماثل تقريبا مع الاتحاد الأوربي، ومع صندوق النقد، والبنك الدولي، وبعض المؤسسات الدولية، بعد أن كانت هذه الأطراف متشددة أو رافضة لتقديم المساعدات من قبل، وليس خافيا أن هذا التغير المفاجئ في مواقفها يرتبط بشكل أساسي بحرب غزة والدور المصري الراهن، والمستقبلي حيالها، وأيضا الدور المصري في مكافحة الهجرة إلى أوروبا.

هذه المليارات يمكن أن تسهم في حلول ولو جزئية للأزمة الاقتصادية، لكنها تنتقص حتما من هيبة مصر ودورها ومكانتها، فمن يمد يده لا يستطيع مد رجله كما ذكرنا.

twitter.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر غزة المساعدات السيادة مصر غزة مساعدات السيادة نفوذ مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ملیار دولار فی غزة

إقرأ أيضاً:

وزير الاقتصاد اللبناني: تكلفة الحرب تتجاوز 20 مليار دولار

قال وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، “إن هذه الحرب أعادتنا 10 سنوات إلى الوراء، وتكلفة الأضرار المادية والخسائر الاقتصادية للحرب على لبنان ستتخطّى بكثير 20 مليار دولار”.

وأضاف سلام لقناة الحرة: “إن لبنان “يحتاج بين 3 إلى 5 سنوات صعبة ليتعافى فقط من مشكلة النزوح وإعادة الإعمار”.

وبشأن تأثيرات الحرب مع إسرائيل على الالتزامات الاقتصادية للبنان، صرح سلام “أعلمنا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن كل ما تمّ الاتفاق عليه سابقاً مع لبنان، تغيّر بسبب الحرب والدمار والنزوح”.

وحول التبعات التي يمكن أن تنجم عن أي حصار كامل قد تخضع له لبنان، قال إن البلد “يمكنه الصمود بما يمتلكه من مقوّمات لفترة بين 4 إلى 5 أشهر”، لكنه يستبعد فرض حصار “إلاّ إذا حصل لفترة وجيزة كوسيلة ضغطٍ في آخر مراحل المفاوضات”.

وأضاف وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام: “إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يريد توقيع اتفاق سلام بين لبنان وإسرائيل “وسيعمل عليه”، مضيفا “كل رئيس أميركي جديد يجب أن يُنجز نجاحاً كبيراً داخليّاً وخارجيّاً في أول 100 يوم في سدّة الرئاسة، وإحدى نجاحات “ترامب” ستكون أنه فور دخوله البيت الأبيض سيقوم بالاتصال “ببنيامين نتانياهو ليقول له: بعد هذا الاتصال لن تُطلق ولا رصاصة”.

وعلّق وزير الاقتصاد على قرار إدراج لبنان في اللائحة الرمادية لغسل الأموال ومكافحة الإرهاب، قائلا إن ذلك “ليست مزحة”، وأضاف أن احتمال تصنيف البلد في اللائحة السوداء سيكون “كارثة الكوارث”، مردفا “بهذا ننتهي كبلد ونذهب الى شريعة الغاب، وقد اقتربنا منها كثيراً”.

وكانت أدرجت مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) لبنان، في أكتوبر الماضي، باللائحة الرمادية لغسل الأموال.

مقالات مشابهة

  • خامس أغنى رجل في العالم يتبرع بـ99.5% من ثروته.. كم تبقى لأبنائه؟
  • النقل العراقية توقع عقداً مع شركة إيطالية بقيمة 22 مليار دولار وبرلماني يؤكد عدم الحاجة له
  • صندوق استثمار دخل المعادن في غانا يحقق 1.02 مليار دولار من عائدات الذهب خلال عام
  • "سوفت بنك" تزيد حصتها في "OpenAI" بـ1.5 مليار دولار
  • جراء الغارات الاسرائيلية... المدير الاقليمي لوزارة الاشغال تفقد الاضرار التي لحقت بالمعابر الحدودية في عكار
  • تركيا تستثمر نحو 20 مليار دولار بـطريق التنمية والعراق يؤكد: المشروع يعزز علاقاتنا
  • السعودية تقر موازنة 2025 بعجز متوقع بـ27 مليار دولار
  • البنك المركزي المصري يعتزم طرح أذوني خزانة بقيمة 1.85 مليار دولار في ديسمبر 2024
  • وزير الاقتصاد اللبناني: تكلفة الحرب تتجاوز 20 مليار دولار
  • صباغ : سورية تجدد إدانتها للاعتداءات الإسرائيلية السافرة على دول المنطقة وشعوبها، وإدانة جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني