أيام قليلة تفصل السودانيين عن الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخامس من أبريل/نيسان الماضي.
تفاصيل العملية
ورغم هذه المدة، لا يزال لغز اختفاء الرئيس السابق عمر البشير، بعد فراره مع معاونيه عقب أسبوعين من اندلاع المعارك، من المستشفى العسكري في مدينة أم درمان، دون حل.


فلا أحد يعلم مكان الرئيس السابق، ولا أركان نظامه الهاربين من السجن والمتهمين بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، من قبل المحكمة الجنائية الدولية، حتى عندما زار وفد منها السودان الأيام الماضية، التقى وزيرة العدل المفوضة هويدا عوض الكريم، دون التوصل إلى أي معلومات مفيدة عن مكان البشير والآخرين المطلوبين.
إلا أن مصادراً مطلعة على الملف كشفت لصحيفة “الشرق الأوسط”، أنها تحدثت مع مصدر قريب من مراكز القرار في “الحركة الإسلامية” السودانية، طلب عدم الكشف عن هويته، فأوضح أن البشير تم تهريبه من مستشفى “السلاح الطبي” في أم درمان، إلى مكان آمن في شمال السودان.
محامي البشير: الرئيس السوداني السابق نجا من قصف استهدف مستشفى علياء بأم درمان.
وقال المصدر للصحيفة إن عملية تهريب البشير مع وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، نفذتها نخبة من “الدبابين”، وهم مجموعة من المقاتلين المتطرفين التابعين لتنظيم داعش، وقوات الإسلاميين الخاصة، دون مشاركة كبيرة من الجيش، الذي اقتصرت مهمته على توفير تأمين محدود للعملية، وفق كلامه.
كما رجح المصدر أن يكون الرجلان قد نقلا مباشرة إلى مدينة بربر في شمال البلاد، حيث تردد أن قادة الإسلاميين عقدوا اجتماعاً كبيراً سرياً في المدينة، ترأسه البشير.
وأشار إلى أن العملية تمت قبل أكثر من شهر تقريباً، وليس عقب وصول قوات الجيش لمنطقة “السلاح الطبي” المحاصرة منذ عدة أشهر.
كذلك ذكر المصدر القريب من “الحركة الإسلامية” أن الحالة الصحية والبدنية للرئيس السابق عمر البشير ورفيقه عبد الرحيم محمد حسين، تدهورت بشكل كبير خلال أشهر الاحتجاز.
تحقيق لرويترز : أنصار البشير يعرقلون جهود إنهاء إراقة الدماء في السودان
وأكد أن تهريب الرجلين تم التخطيط له قبل أشهر، وتم تنفيذه بواسطة “قوات خاصة محترفة تابعة للجناح العسكري لتنظيم الإسلاميين”، منذ أسابيع قليلة من الآن.
أيضاً تحدث المصدر عن تنفيذ عملية إنزال جوي معقدة سبقت تهريب الرجلين، هدفت لإنقاذهما، بإيصال مستلزمات طبية وغذائية عاجلة لهما، إثر تدهورت حالتهما الصحية والمعيشية لدرجة الحاجة لملابس بديلة لتلك التي تهرأت على جسديهما، وهو الأمر الذي حفز على تسريع عملية التهريب، مرجحاً أن تكون العملية قد تمت بطائرة مسيّرة، لا سيما أن المروحيات ستكون هدفاً سهلاً لقوات الدعم السريع، إذا حاولت الاقتراب من المنطقة المحاصرة.
بدوره، علّق الناشط السوداني البارز هشام عباس، في تغريدة على حسابه في منصة “فيسبوك” لقيت رواجاً كبيراً، إن ما أطلق عليها عملية فك الحصار عن سلاح المهندسين، ما هي إلا غطاء ناري كثيف لتهريب قياديين بحزب المؤتمر الوطني وبعض مرافقيهما من السلاح الطبي، من الذين ظلوا تحت الحصار منذ بداية الحرب، لتدهور الوضع الصحي لأحدهما، ما تطلب المغامرة الصعبة والمحفوفة بالمخاطر.
وعادة ما تلوذ السلطات العسكرية بالصمت حيال مثل هذه المعلومات، وسط صمت تام من الجيش حول هذا الملف.
لا معلومات منذ عام تقريباً
يشار إلى أن البشير حينما اندلعت الحرب في السودان العام الماضي، كان مع ثلاثة من كبار قادته وهم نائبه بكري حسن صالح، ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وعضو نظام “الإنقاذ” اللواء أحمد الطيب الخنجر، يقبعون في مستشفى علياء العسكري، تحت سيطرة الجيش داخل “السلاح الطبي” في مدينة أم درمان.
فيما كانت قوات “الدعم السريع” تفرض عليهم طوقاً محكماً من الحصار.
وبعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب، فر العشرات من قادة النظام المعزول المحتجزين من سجن كوبر المركزي، في منطقة الخرطوم بحري، كما اختفى أي ذكر للمجموعة الموجودة في المستشفى العسكري المحاصر.
ومنذ ذلك التاريخ تتضارب الأنباء عن مكان الرئيس السابق، وأركان نظامه الهاربين من السجن.

العربية نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: السلاح الطبی

إقرأ أيضاً:

مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية

مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية

كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم 6

▪️مقدمة

لطالما شكّلت الطبقة الوسطى العمود الفقري للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في السودان، حيث تجمع بين الموظفين، المهنيين، أصحاب المشاريع الصغيرة، ورواد الأعمال الذين يشكلون النواة الأساسية للإنتاج والاستهلاك. لكن الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 أدت إلى تآكل هذه الطبقة، حيث فقد الملايين وظائفهم، وتراجعت القدرة الشرائية بشكل حاد، ما جعل أفرادها عرضة للفقر والنزوح. ومع استمرار الانقسام الإداري بين حكومتين، تتلاشى فرص التعافي، ويتفاقم التفاوت الطبقي، حيث أصبحت البلاد تتجه نحو ثنائية قاتلة: طبقة ثرية مستفيدة من الحرب، وطبقة فقيرة تكافح للبقاء.

إن مستقبل السودان مرتبط إلى حد كبير بمصير طبقته الوسطى، فإذا ما استمر انهيار هذه الفئة، فإن الدولة ستدخل في مرحلة انهيار شامل لن تقتصر على الاقتصاد فقط، بل ستشمل جميع نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية. لهذا، لا بد من دراسة أوضاع الطبقة الوسطى في السودان، تأثير الحرب عليها، وكيف يمكن إنقاذها قبل فوات الأوان.

▪️الطبقة الوسطى: المفهوم والتركيب

ما هي الطبقة الوسطى؟

على الرغم من تعدد التعريفات لمفهوم الطبقة الوسطى، والتأكيد على اتسامها بدرجة عالية من التباين في مستويات التعليم والدخل والمكانة الاجتماعية، إلا أن هناك اتفاقًا واسعًا على أنها تجمع بين بعض سمات القوة العاملة (مثل عدم امتلاك وسائل الإنتاج في معظم الأحيان) وبين بعض صفات البرجوازية (مثل المشاركة في إدارة رأس المال والسيطرة جزئيًا على السوق).

وتشمل هذه الطبقة:
• الموظفين والمهنيين من أصحاب المرتبات والدخول الثابتة، مثل المعلمين، الأطباء، المهندسين، المحامين، والمحاسبين.
• أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مثل التجار والحرفيين وأصحاب المصانع الصغيرة.
• أصحاب الحيازات الزراعية المتوسطة، مثل المزارعين الذين يمتلكون مساحات زراعية صغيرة أو متوسطة.
• الشرائح العليا من موظفي القطاع الخاص، الذين يحصلون على دخول جيدة ولكنهم لا يملكون وسائل الإنتاج الكبرى.
• العاملين في مجال المعلوماتية والتكنولوجيا الحديثة، الذين ظهروا مع العولمة ويمارسون أعمالًا قائمة على الخدمات الرقمية والبرمجيات.
• الرعاة والعاملين في قطاع الثروة الحيوانية، الذين يشكلون قطاعًا حيويًا في الاقتصاد السوداني، حيث يعتمد ملايين المواطنين على منتجاتهم الغذائية.

▪️أهمية الطبقة الوسطى في الاقتصاد والمجتمع

تمثل الطبقة الوسطى الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي، فهي تستهلك المنتجات، تستثمر في التعليم والصحة، وتساهم في استقرار السوق عبر الطلب المستمر على السلع والخدمات. كما أنها تُعتبر الأساس لاستقرار الأنظمة السياسية، حيث ترتبط غالبًا بالنشاط المدني، والمشاركة في الحياة العامة، ونشر قيم الحداثة والديمقراطية.

لكن في السودان، تواجه هذه الطبقة اليوم خطر التلاشي بسبب الحرب المستمرة، حيث فقدت مصادر دخلها، وتراجعت قدرتها على الاستثمار في أبسط متطلبات الحياة، مما أدى إلى تحولها نحو الطبقة الفقيرة أو حتى إلى النزوح خارج البلاد.

الاقتصاد في ظل حكومتين: الطبقة الوسطى في مهب الريح

1. تدمير القطاع الصناعي: الطبقة الوسطى تفقد مصادر رزقها

قبل الحرب، ساهم القطاع الصناعي بنسبة 21% من الناتج المحلي الإجمالي وفقًا لتقارير بنك السودان المركزي. لكنه واجه تحديات كبرى مثل ضعف التمويل، ارتفاع تكلفة التشغيل، أزمة الطاقة، الضرائب الباهظة، وإغراق الأسواق بالسلع المستوردة. ومع اشتداد الحرب، تعرض حوالي 90% من القطاع الصناعي للدمار، حيث تضررت (3,493) منشأة صناعية في ولاية الخرطوم وحدها، شملت:
• المنشآت المتوسطة والكبيرة، حيث فقد 150,000 عامل وظائفهم.
• المنشآت الصغيرة، حيث فقد 100,000 عامل أعمالهم.

بذلك، تضرر 250,000 فرد من الطبقة الوسطى الذين كانوا يعتمدون على وظائف القطاع الصناعي، مما أدى إلى انزلاق آلاف الأسر إلى الفقر.

2. انهيار القطاع الزراعي: تدمير الإنتاج المحلي

يُعد القطاع الزراعي من القطاعات الأساسية في السودان، حيث يساهم بنسبة 32.7% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشمل ملايين المزارعين الذين تعتمد عليهم الطبقة الوسطى والفقيرة في الغذاء والاستهلاك. لكن الحرب تسببت في:
• نقص حاد في الإنتاج الزراعي بسبب انعدام الأمن وغياب التمويل اللازم للمزارعين.
• فقدان السودان 50% من محاصيله، ما أدى إلى أزمة غذائية حادة.
• تراجع زراعة الحبوب، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات وارتفاع الأسعار.

3. تأثير الحرب على قطاع الثروة الحيوانية

يعتمد ملايين السودانيين على قطاع الثروة الحيوانية الذي يشكل مصدر دخل رئيسي لكثير من أفراد الطبقة الوسطى، سواء في شكل مزارع دواجن، أو تجارة الماشية، أو الصادرات الحيوانية. لكن الحرب تسببت في:
• فقدان 50% من القطيع القومي بسبب غياب الأمن والنهب.
• توقف الصادرات الحيوانية، خاصة نحو مصر، بسبب غياب الاستقرار وتضرر طرق النقل.
• تأثر قطاع الدواجن بنسبة 85%، حيث تركز الإنتاج في ولايتي الجزيرة والخرطوم، وكلاهما تضرر بشدة.

4. انهيار قطاع الخدمات: فقدان الوظائف وانخفاض الإيرادات

يُعتبر قطاع الخدمات الأكثر ارتباطًا بالطبقة الوسطى، حيث يشمل المعلمين، الأطباء، المهندسين، المحامين، موظفي الحكومة، التجار، والعاملين في مجالات المال والتكنولوجيا. ووفقًا لتقارير بنك السودان المركزي، كان هذا القطاع يساهم بنسبة 46% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن الحرب أدت إلى:
• إغلاق آلاف الشركات والمؤسسات الخدمية بسبب النزوح والدمار.
• تراجع الإيرادات الحكومية بنسبة 80%، ما أثر بشكل مباشر على رواتب الموظفين.
• فقدان أكثر من 8-9 ملايين وظيفة، تشمل القطاعين الرسمي وغير الرسمي، أي ما يعادل 60-65% من الوظائف في البلاد.

▪️خاتمة: نحو مستقبل مظلم

رغم هذه التقديرات الواردة في التقارير الرسمية والتصريحات الصادرة عن المسؤولين الحكوميين، والتي تعكس الأرقام الأولية لحجم الضرر، إلا أنها قد تكون أقل من الواقع الفعلي نظرًا لعدم القدرة على حصر جميع الأضرار في ظل الظروف الأمنية المعقدة، وانهيار البنية التحتية الإدارية التي كانت تساهم في جمع البيانات الاقتصادية والاجتماعية.

مع استمرار الحرب والانقسام الإداري في السودان، وتشكيل حكومة موازية لقوات الدعم السريع في مناطق سيطرتها، تتجه الطبقة الوسطى إلى مرحلة خطيرة من التهميش والقمع. فقد أصبحت هذه الطبقة تعيش تحت تهديد السلاح، وتواجه مصادرة حقوقها، وإفقارها بشكل ممنهج، حيث لم تعد تملك القرار السياسي أو الاقتصادي، ولم تعد قادرة على الإنتاج والمساهمة في بناء الدولة.

إن أخطر ما في الأمر هو أن التشظي السياسي الحاصل اليوم ينذر بوضع بذور الانفصال المستقبلي، حيث تتجه البلاد نحو انقسامات عميقة قد تجعل من إعادة توحيد السودان مهمة مستحيلة.

احمد بن عمر

dr_benomer@yahoo.com

   

مقالات مشابهة

  • الجيش يقصف الدعم السريع قرب مطار الخرطوم واحتدام المعارك شرق الفاشر
  • مندوب السودان لدى الأمم المتحدة: 12 مبعوثاً أممياً تجاهلوا مطالب دمج مليشيا الدعم السريع في الجيش
  • اختفاء المخرج النوري بوزيد وعائلته تستغيث
  • مرافعة الطبقة الوسطى في الحرب السودانية
  • ما الذي أشعل فتيل الحرب في السودان؟
  • صوري مع البشير وآخرين..!
  • قائد الوحدة 8200: الجيش الإسرائيلي شُلّ لساعات يوم 7 أكتوبر
  • الجيش إذ انتفض وانتصر… والشعب إذ يشتعل ويبتدر
  • التقاعد تؤكد قرب إنجاز الوجبة الخامسة من معاملات متقاعدي الجيش السابق
  • حصر السلاح وإدانة الاحتلال.. تفاصيل مخرجات الحوار الوطني السوري