"عمرو وأحمد وسامح" وحكاية الحمار وال"بودكاست"
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
ظللت لسنوات لأدري لماذا ضحك "خريسيبوس" على الحمار، لكن اكتشفت ذلك الآن، بعد حلقة "أحمد طحال" و"أديب بودكاست"، كان قبلها قد قال "أديب" بأن "أصحاب بابا هم اللي شغلوني" ثم بعدها قال ما قاله نجم "الحفلات والمحال والطحال" عن شقيقه "العالم".
والسؤال ألم يكن افضل من الإيفهات.. أن يهدي أخيه سيارة أخرى بدل ال128 التي تعطل به على الدائري! "حتى من باب الأخوة".
وقبل كل شئ وحتى لا نلعن زماننا، ونقول "شايفين مصر"، على مر التاريخ وفي كل الأزمنة" سامح" يجاهد ليشتري "128" وأحمد وعمرو وعمرو وحبيشة يركبون طائرات خاصة، هذا أمر عادي ألم تر "أنغام وهي تغني مع رمضان" هذا كله جائز في فرق وفقرات "الترفيه".. أموال وحرير ومتع للأراجوزات حتى يملأون البطون فتغيب العقول ويصنعون النكات، فشرط صناعة "النكتة" هو غياب "العقل". ليضحك المغيبون على كل شئ.
لن أذكرك بمقولة الإمام الشافعي التي نستحضرها في كل مناسبة كهذه والتي نقف عند ظاهرها ولا نعرف معناها.
ومن "الشافعي" ل"العقاد" سنمر بمراحل عدة، لكنه نقل تلك الحكمة أو لنقل المعلومة إلى أجيال أخرى في واقعة سؤال صحفي لشكوكو: "إنت أشهر أم العقاد".. فأجاب: شكوكو: "العقاد معاه عربية 128 بتعطل على الدائري" أو كما قال: "خلي العقاد ينزل معايا ميدان التحرير ونشوف الناس هتروح على مين".. وكان رد العقاد: "لو نزلنا شكوكو ورقاصة الناس هتسيبه وتروح على الرقاصة".
ليس غريبا أن يخطف الزيف الأعين لكنه لا يخطف القلوب والألباب، هؤلاء وغيرهم من قصدهم الشافعي والعقاد وآلان دونو، هم "نظام التفاهة" الموجود دائما، الذي يكسب معركة" الدائري" ويخسر في عبور" الصراط" حيث المعيار هناك لصاحب العلم.. لصاحب الأثر.. لصاحب الفضيلة.. لمن نفع الناس وعلمهم وقدم لهم الدواء.. لمن خدم الإنسانية، لصاحب السيارة ال128.
هناك حيث لن يجد "أديب" "أصدقاء بابا" ولا يجد" سعد الطحال" من يضحك على هرائه، سيغني هناك اختياراتي على وقع آخر وأنغام أخرى، سيعطل على "الصراط" وسينادي على الدكتور "سامح" "ليقطره".
العيب لم يكن أبدا في "المسك" لكن في وجوده بسوق للكير.. هذه التأشيرة محدودة المدة ومعروفة كل تفاصيلها، كل الأنبياء والحكماء والعلماء والفلاسفة وأصحاب الفكر لا يهتمون بالوسيلة لكن يشغلهم الغاية.. ترنوا أرواحهم إلى الهدف.. وسواء قطعوا السبل سيرا أو بال" 128" وغيرهم ركب طائرات، هم يصلون ولا يخطأوون الطريق وغيرهم "يتوه".
منذ أيام في إحدى البرامج التي على شاكلة ما ذكرت، أعطى مذيع "فلوس" لصاحب عربة "موز" وقال له: نادي على الكيلو بجنيه، وحين فعل اندفع إليه الناس كالأمواج، هذا جائز في جمهورية الموز، في مجتمع تحكمه "قوانين الجبلاية".. في "زمن الجوع" لكنه أمر عارض.. فالأسد الذي مات جوعا ما زال الناس يذكرونه "أسد"، والكلب الذي أكل لحم الظأن، ظل كلبا حتى بعد ما أكل اللحم، ولم يذكر أحد "ذو جهل" الذي نام على حرير، وبات ذكر الشافعي نوع من التسبيح، والناس قد تركوا "شكوكو" على المسرح حين شاخ ولم يعد قادرا على الرقص، وأسرعوا إلى حيث ينام " العقاد" يعتذرون.
سينسى الناس والتاريخ عما قليل "أحمد" و"عمرو" وسيبقى "سامح".. هذا قانون الله.. أما قوانينهم فهي "بودكاست".
وأخيرا يا صديقي كل "كيمو وله انتيمو".. فإذا رأيت "شكوكو والراقصة وعمرو ونجم الطحال" فلا تضحك كثيرا فالفيلسوف الإغريقي خريسيبوس "مات من الضحك.
في خلال إحدى الجلسات الخمرية، وعقب إكثاره من شرب الخمر، كالذين يقدموه لنا على "الشاشات"، شاهد خريسيبوس حمارًا وهو بصَدَد أكل حبة تين، فما كان منه إلا أن انفجر ضاحكًا مُطالبًا بمنح الحمار كأس خمر لمساعدته على الهضم.
دخل فيلسوف الرواقي الشهير في نوبة ضحك هستيرية انتهت بوفاته وسط ذهول جميع الحاضرين.
قبل أن يموت خريسيبوس ترك عبارة على جدار الأيام: "يا صديقي لا تضحك مع الحمار أو عليه.. حتى لا تموت غبيا".
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
في ذكراه: ظاهرة عباس محمود العقاد!
(1)
قبل أيام قليلة حلت الذكرى الواحدة والستين لرحيل الكاتب والمفكر العصامي الأشهر في الثقافة العربية الحديثة؛ عباس محمود العقاد (توفي في مارس من العام 1964). والعقاد أحد آباء الثقافة العربية في القرن العشرين؛ مهما كان الرأي والتقييم بين المغالين في النظر إليه وإحلاله مكانة تصل إلى القداسة المطلقة ولا يقدمون عليه أحدا ممن عاصرهم أو زاملهم من كبار رواد النهضة العربية في النصف الأولى من القرن العشرين، أو بين المهونين من قدره ومن شأنه ومن إنجازه كله!
وأنا بين الرأيين أنظر إلى العقاد باعتباره مثقفا كبيرا بلا شك، وتجربة فريدة ورائعة ذات خصوصية في تاريخ هذه الثقافة، ترك ما سيبقى بكل تأكيد، وترك سيرة عامرة بالتفاصيل والتناقضات شأن كل سيرة حية تأثرت بسياقها التاريخي والاجتماعي كما أنها أثرت أيضا بما أوتي لها من مواهب وقدرات استثنائية، وقد ترك العقاد إرثا غزيرا وزاخرا وكما قلت سيبقى منه الكثير يحظى بالقيمة والاحترام والتقدير، وهناك بطبيعة الحال ما تجاوزه الزمن والتطور الإنساني والارتقاء بمستويات الوعي والقدرات والأدوات التي يمارسها الإنسان في تفكيره وتطوره ومعاشه كله.
(2)
وأنا بين الرأيين أنظر إلى العقاد نظرة إكبار واحترام لكن دون مغالاة ولا تقديس ولا حصانة من النقد والنظر والمراجعة والفحص! كما أنظر إليه نظرة أجتهد في أن تكون مقاربة لمجمل مشروعه منذ بداياته وحتى نهاياته؛ لا يجوز حين النظر إلى هذا المشروع كله الاجتزاء أو الاقتطاع أو الابتسار أو الاكتفاء بجزء دون الأجزاء أو تفصيلة وإهمال باقي التفصيلات.. أو التركيز على كتاب أو كتابين أو حتى عدة كتب وإهمال الباقي أو إسقاطه وبالتالي سيترتب على هذا الإهمال أو الإقصاء أو الاستبعاد أحكام غير دقيقة وقراءات مبتسرة أو محاولة لإثبات وجهة نظر مسبقة أو ارتهان مشروع العقاد كله لهذه الرؤية أو تلك الأيديولوجيا بحسب المنظور والزاوية التي يقرأ منها قارئه ما يريد أن يثبته!
فمع كاتب غزير الإنتاج حقيقة، متعدد المواهب وفخم الحضور مثل "العقاد"، فأنت أمام مؤسسة راسخة قائمة على تصورات كبيرة وضخمة، كالبناء الهندسي، المرتب، المؤثث، فلم يكن مشروعه الثقافي والفكري والأدبي، عشوائيا، أبدًا، كان يكتب وهو يعلم جيدا ماذا يكتب وكيف وما موضعه من مجمل أعماله وأين، أنت هنا تتحدث عن العقاد، واحد من العقول الفذة التي أنجبتها الثقافة العربية في القرن العشرين بلا جدال، سواء اتفقت مع كل ما كتب أو بعضه أو لم تر كثيرا مما يردده من بعده تلاميذه وأشياعه في حقه!
(3)
وإذا كان مواليد العام 1964 (وهي السنة التي توفي فيها العقاد) قد تجاوزوا الستين من أعمارهم؛ فإن هناك أجيالا بأكملها في العالم العربي نشأت وهي بعيدة الصلة بين تكوينها الثقافي وقراءاتها العامة وبين العقاد بالأخص تحت وطأة الصورة الذهنية التي كرست (ولا أعلم الحقيقة كيف ولماذا كرست بهذه الطريقة!) عنه من أنه كان جهما وكان صعبا وأن كل ما كتبه معقد لأنه "عقاد"!!
عمومًا وبعيدا عن هذه التعميمات المخلة والتنميطات التي تمثل آفة من آفات الثقافة العربية، سأكتفي لحدود المساحة بإلقاء بعض الضوء عما أظنه يمثل خلاصة للعقاد؛ خلاصة لكفاحه الإنساني ونضاله الفكري والثقافي، وكذلك للمساحات الكبيرة والضخمة التي احتلها في تاريخ هذه الثقافة في الأدب والنقد واللغة والشعر والمراجعة الذاتية وفي الفكر والفلسفة وفي الإسلاميات والدراسات القرآنية.. إلخ.
يمثل العقاد في ظني "حالة" أو "ظاهرة" بكل ما تعنيه الكلمة، حاز شهرة ربما لم ينلها أحد ممن عاصره (باستثناء طه حسين منفردا)، لا أظن أن أحدا يختلف على مواهبه الاستثنائية وإرادته التي لا تلين، وهو عبقري من عباقرة الثقافة العربية الحديثة، أديب وناقد وشاعر ومؤرخ وفيلسوف ومفكر وغير ذلك! وهذا كله حازه بجهده وإرادته وعمله الكبير طوال رحلة حياته.
ورغم تخرجه من المرحلة الابتدائية فقط فإن شغفه بالقراءة والبحث جعله يقبل على العلم والمعارف بأشكالها وألوانها وأنواعها كافة ويستزيد منها بصورة ربما لم تتوفر لمن أنفق عمره كله في تخصصه (وكان بهذا أعجوبة حقيقية شهد له بذلك القاصي والداني)، فأصبح بذلك علما من أعلام الفكر وأنصار التجديد في الأدب (على الأقل في النصف الأول من حياته لأن مواقفه إزاء التجديد والتطور الأدبي والفكري والثقافي ككل سيتراجع تماما ويتخذ منظورا مناقضا لما كان عليه في مقتبل حياته).
(4)
ويبدو أن توقف العقاد عند مرحلة التعليم الأولي «الابتدائية» ألهب في داخله رغبة التعويض عن التعليم المنظم، والتكوين الأكاديمي، فتميز بنهمه المعرفي الاستثنائي الذي دفعه إلى اقتحام عشرات المجالات المعرفية التي أنتجت عددًا ضخمًا من الكتب (جاوزت المائة كتاب في فنون الثقافة العامة، والفكر الفلسفي والسياسي، مروراً بالعبقريات والنقد الأدبي والدراسات الإسلامية واللغوية، فضلاً عن ألوان الثقافة الغربية وأعلامها من أمثال غوته، وفرنسيس بيكون، وفرانكلين، وبرنارد شو، ومعهم غاندي وخيمينيز، وانتهاء بدواوين عشرة من الشعر ورواية يتيمة هي «سارة») التي لم يعد بعدها إلى فن القص إلا مهوّناً من شأنه بالقياس الي فن الشعر الذي رأي فيه التعبير الأمثل عن الشعرية العربية، أو اللغة الشاعرة، مقابل فن القص الذي رأي أعماله بمثابة «قنطار خرنوب ودرهم حلاوة». وهو التهوين الذي تصدى له نجيب محفوظ الشاب في بواكير حياته الإبداعية، وواجهه بمقالات حجاجية معارضة في مجلة «الرسالة»، كانت بمثابة نبوءة عن صعود زمن الرواية التي وصفها محفوظ بأنها «شعر الدنيا الحديثة».
وقد شهر العقاد بحدته ومواجهاته ومعاركه حامية الوطيس، وقد كان للأمانة حرا جريئا مقداما غير هياب ولا وجل من خوض هذه المعارك مهما كانت وأيا من كان يواجه!
عرف بمعاركه الأدبية مع كبار الكتاب، فاختلف مع طه حسين وغيره من النقاد بسبب قراءاته التحليلية المتفردة والخارجة عن المألوف، حظي بإعجاب وتقدير نظرائه الذين وجدوا في أدبه نبض الحياة المصرية الحديثة.
وقد شغل العقاد الدنيا والناس بمعاركه العنيفة وهجومه الضاري على خصومه، ابتداء من حملته العاصفة على المدرسة الإحيائية التي كان أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، أبرز شعرائها، وصاغ آراءه الهادمة للقديم والمؤسِّسة للجديد في كتابه «الديوان» الذي اشترك فيه مع قرينه إبراهيم عبدالقادر المازني الذي اختص المنفلوطي - أبرز ناثري المدرسة القديمة- بالهجوم، بينما تفرغ العقاد لشوقي الذي وجَّه إليه أقسى أنواع النقد، تحطيماً للقداسة التي انطوى عليها شعر المدرسة القديمة في النفوس، وتبشيراً بالمذهب الشعري الجديد الذي دعا إليه مع صديقيه المازني، وعبدالرحمن شكري، فيما عرف باسم «جماعة الديوان».
(5)
ترك العقاد ما يزيد على المائة كتاب! في جميع فنون التأليف والآداب والمعرفة؛ وقد انفردت مؤسسة دار المعارف العريقة، وطوال أكثر من ثلاثة عقود في حياته، ثم بعد مماته، بنشر الإنتاج الأدبي والنقدي والفكري لعباس محمود العقاد، أشهرها وأظهرها وأبقاها أثرا وتأثيرا، أخرجته دار المعارف في طبعات مدققة محققة حازت شهرة واسعة وقبولا في جميع أرجاء العالم العربي.
وقد شهر العقاد بعدة سلاسل من الكتب أخرج الكثير منها تحت عنوانات عريضة مثل «العبقريات» وهي سلسلة من الكتب التي أعاد فيها قراءة بعض الشخصيات الكبرى في تاريخ الإسلام وعلى رأسها شخصية النبي صلى الله عليه وسلم التي استهلها بـ«عبقرية محمد» وختمها بـ«عبقرية المسيح». وقد جمعت العبقريات الخمس التي أخرجها عن دار المعارف في مجلد واحد طبع مرارا.
ومنها كذلك مجلد «الإسلاميات» الفخم الضخم الذي أخرجته دار المعارف قبل ما يزيد على الثلاثين عاما، ويضم بين دفتيه سبعة كتب دارت حول شخصيات من الصحابة والمتصلين بتاريخ النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تعددت طبعات العشرات من كتبه في الإسلاميات، والسير والتراجم، والدراسات الأدبية واللغوية، والدراسات التاريخية.. إلخ..