بقلم: محسن الشمري ..

ولد نموذج الدولة الحديثة بعد مخاضات وتجارب الامم والشعوب عبر تاريخ طويل من سومر واكد وبابل وآشور إلى عصبة الامم والامم المتحدة،فحجبت الغرابيل اصنام من الأحجار والهة من البشر والهة الرياح والمطر والحب وغيرها،وتمزقت عقود وعقود بين هذه الالهة والكهنوت عبر التاريخ وفي كل بقاع الارض.

غاية التوحيد ترتبط بتحرير الانسان من سطوة الحاكم والكهنوت وإطلاق العنان لعقله في التدبر والتفكر في نفسه وفي النفس الأخرى وفي الملكوت وفي مالك الملك والارتقاء بمستوى الوعي إلى مرحلة بناء النفس والأسرة والمجتمع والدولة والتعايش بسلام وتسامح وتكامل في الفضاءات المجاورة والقريبة ومع باقي شعوب الارض والانتقال إلى مرحلة تطبيقية لنظريات الحكم والإدارة وتبويب وتنظيم الطاقات الكامنة للمواطن وتناغمها مع الثروات.

لذلك تكون الدولة ظل الخالق(وليست السلطة)في تلبية كل الضرورات والتحديات الحياتية الشخصية والأسرية والمحلية والدولية،وهذه الدولة اعلى وابعد وأكمل واتم من طموح توماس هوبز للدولة عندما شبهها بالكائن الأسطوري في كتابه المرجعي الرائع(الليفاثان).

حتمية قدوم الدولة نابعة من ارادة الخالق القادر لان الخالق يريد لها ان تكون وموعد ولادتها يقترب مع ارتفاع مستوى الوعي وطغيان الفساد والافساد وعندها يبدا انحسار السلطويين واضمحلالهم وتلاشيهم،لان ارادة الخالق تتدخل لدفع المفاسد عندما تبلغ مرحلة الطغيان والشواهد القريبة والبعيدة لا حصر لها.

ان فضائح الزعيم أو الرئيس او الوزير أو عضو مجلس النواب أو المستشار أو وكيل الوزير أو عميد الكلية او الضابط الكبير او صاحب الاموال؛عمليا تطيح بالمنظومة الحاكمة او بالحزب او تذهب بصاحبها إلى السجن وعندما يتم الاعلان عن الفضائح باستمرار دون محاسبة او عقاب،فيختلط الأمر على المواطنيين بأن قوانين الشيطان تحكم وليس قوانين الرحمن في المساواة والإنصاف والعدل والاخلاق الحميدة والقيم الأعراف والمبادئ،عندها تتجلى ارادة الخالق بهزيمة الشياطين الأنسيين بطريقة تثبت للجميع قدرة واستطالت الواحد الاحد.

الكتب السماوية تذكر عبر كثيرة من هذا النوع وشواهد التاريخ المنظورة لاتخرج عما تذكره الكتب السماوية بدحر الشياطين عند طغيانهم ولبس ثوب الالهة الأنسيين.

الاحتجاجيون(proteters) في كل مكان وزمان هم من يقودون المستقبل؛لانهم ببساطة يفكرون خارج صناديق السلطويين ويقتربون من الدولة مع مرور الزمن فيضيفون المؤثرات الايجابية لمعادلات ادارة وطنهم والعمل بروح الدستور والالتزام بمواده وتطبيق القانون وحفظ الاموال العامة.

الاحتجاجيون كانوا ومازالوا ويبقون احرار وهم بشر وليسوا ملائكة ولا يكونوا شياطين إنسيين لان فطرتهم اسلم بكثير من السلطويين ومن الذين يدورون في فلكهم وكذلك يتمتع الاحتجاحيون بنسبة اعلى من الصدق مقارنة بالسلطويّين واتباعهم.

قال ديكارت:(أنا افكر إذا انا موجود)
وقال بايرون:(أنا أحب إذا انا موجود)
وكافكا:(أنا خائف إذا انا موجود)

الاحتجاجيون يقولون:
أنا حر إذا انا موجود
أنا واعي إذا انا موجود
أنا صادق وأمين ومخلص إذا انا موجود

محسن الشمري

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

عبادات بلا رحمة.. حينما يغيب جوهر الدين عن القلوب

 

 

يحل رمضان شهر الرحمة والتسامح فتعلو الأصوات بالدعوة إلى الصلاة والقيام والصيام. لكن المفارقة الصادمة ان بعضا ممن يدعون إلى هذه العبادات يغفلون عن أسمى قيمها وهي الرحمة والعطاء. كيف لمن يخشع في صلاته ويتلو آيات الانفاق والعطف ان يغض الطرف عن جوع مسكين أو دمعة يتيم وهو قادر على العطاء.
لم يكن الدين يوما مجرد طقوس بل هو سلوك وأخلاق قبل ان يكون ممارسات ظاهرية. كم من أشخاص يحرصون على أداء الصلاة في أوقاتها ويقيمون الليل لكنهم لا يتورعون عن تجاهل المحتاجين. ربما يتفاخرون بولائمهم العامرة بينما هناك من يبيت بلا طعام. هؤلاء يمارسون تدينا شكليا يركز على الصورة لا الجوهر وهو نقيض لما جاء به الإسلام.
النبي محمد عليه الصلاة والسلام عندما سئل أي الإسلام خير قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف. جعل العطاء صفة من صفات الإيمان الحق فلم يفصل بين العبادة والإحسان إلى الخلق. من أراد القرب من الله فلابد ان يكون قلبه ممتلئا بالرحمة ويده ممدودة بالعطاء.
الصيام ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب بل هو تجربة روحية تهدف إلى تهذيب النفس واستشعار معاناة الفقراء. من يصوم نهاره ويشعر بالجوع لساعات كيف له ان يتجاهل من يجوع طوال العام. من يردد قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ثم يبخل بما يفيض عن حاجته كيف له ان يدعي التقوى.
الإسلام لم يجعل العبادات معزولة عن القيم الإنسانية بل جعلها مرتبطة بها ارتباطا وثيقا. النبي محمد عليه الصلاة والسلام قال من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه. العبادات بلا أخلاق أو رحمة لا قيمة لها عند الله بل تتحول إلى مجرد طقوس فارغة لا تؤثر في القلوب.
مع حلول رمضان تزداد مظاهر البذخ في بعض المجتمعات حيث تنفق الاموال على الولائم الفاخرة والمناسبات الرمضانية. في المقابل يظل الفقراء يترقبون يدا تمتد اليهم لتخفف عنهم قسوة الحياة. هذا المشهد يعكس خللا في فهم المقاصد الحقيقية للصيام فهو ليس تخزين الطعام بالنهار ثم تناوله بوفرة في الليل.
الغرض من رمضان ليس إشباع الجسد فقط بل تربية النفس على الإحساس بالآخرين ومد يد العون لهم. الإسلام حذر من هذا التناقض فجاء في الحديث الشريف ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه. كيف لمن يشبع ان يغفل عن جوع من يسكن في نفس المدينة بل ربما في نفس الحي.
رمضان ليس مجرد موسم للعبادات الشكلية بل هو فرصة لتجديد العلاقة مع الله عبر الرحمة والعطاء. من كان ميسورا فليبحث عن الفقراء قبل ان يبحث عن موائد الإفطار الفاخرة. من كان حريصا على قيام الليل فليكن احرص على مساعدة المحتاجين فذلك القيام الحقيقي.
المجتمع بحاجة إلى صحوة إنسانية يفهم فيها الناس ان الإيمان ليس مجرد ركعات بل هو قلب يرحم ويد تعطي ونفس تسامح. من اراد القرب من الله فليرحم عباده أولا والا فلا حاجة لعبادته الجافة. الرحمة هي جوهر الدين وبدونها تتحول العبادات إلى حركات لا روح فيها.

مقالات مشابهة

  • أنا الهرم الرابع.. والتاريخ يشهد.. عصام الحضري يفتح النار على الجميع
  • ضياء الدين بلال: حمدوك .. الحكيم المزيف ..!
  • نص المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • محمد بن راشد: تكريم رئيس الدولة لجهودنا في خدمة كتاب الله تقدير أعتز به
  • كبسولات في عين العاصفة : رسالة رقم [152]
  • عبادات بلا رحمة.. حينما يغيب جوهر الدين عن القلوب
  • نص المحاضرة الرمضانية الثالثة للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1446هـ
  • حزب المصريين: تنوع طروحات الأراضي الصناعية يدعم القطاعات الاستراتيجية
  • قراءة تفكيكية في كتاب “التصوف والسياسة في السودان” للدكتور عبد الجليل عبد الله صالح
  • في محاضرته الرمضانية الثانية قائد الثورة: القرآن الكريم هو كتاب هداية جاء بأحسن القصص