بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
تستعد الدولة الأردنية لاستحقاق دستوري هام يتمثل بإجراء الانتخابات النيابية لاختيار مجلس النواب العشرين، حيث تنتهي المدة الدستورية للمجلس الحالي في منتصف شهر تشرين الثاني القادم. وبصرف النظر عن السيناريوهات المحتملة حول موعد حل المجلس القائم وتحديد تاريخ الانتخابات المقبلة، فإن العنصر الأهم يتمثل في أوجه التحديث السياسي الذي سيرافق العملية الانتخابية القادمة، وما سيميزها عن سابقاتها من حيث طبيعة المترشحين فيها وآلية التصويت وتوزيع المقاعد النيابية.



فقانون الانتخاب الحالي لعام 2022، والذي ستجرى على أساسه الانتخابات القادمة، قد أعطى فرصا حقيقية للأحزاب الأردنية لكي تقوم بنقل نشاطها السياسي من داخل مقراتها الحزبية ومن الشوارع والساحات العامة إلى أروقة البرلمان، وذلك عندما خصص لها مقاعد نيابية في المجلس القادم على مستوى الوطن بواقع (41) مقعدا نيابيا، ناهيك عن امكانية قيام الأحزاب السياسية بإعداد قوائم انتخابية لها على مستوى الدوائر المحلية، وذلك من أجل زيادة حصتها من التمثيل النيابي في مجلس النواب العشرين.

وكالعادة، ومع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، تبدي بعض الأحزاب السياسية ترددا في المشاركة في الانتخابات من عدمها. كما يقوم البعض منها بالتلويح بورقة المقاطعة السياسية، وذلك لأسباب مختلفة منها لفت أنظار المتابعين السياسيين إليها بهدف زيادة غلّتها من أصوات الناخبين، أو نتيجة عجزها عن مقارعة الأحزاب القائمة وتدني فرص فوز مرشحيها، فتختار الانسحاب «التكتيكي» كخيار أفضل من تجرع مرارة الهزيمة الانتخابية.

ويبقى التساؤل قائما حول مدى أحقية الأحزاب السياسية الأردنية في مقاطعة الانتخابات النيابية، وما إذا كانت المشاركة في العملية الانتخابية يعد واجبا قانونيا أم أخلاقيا عليها.

إن المتابع لمجريات الإصلاح السياسي في الأردن، وما قدمته لجنة تحديث المنظومة السياسية من توصيات تخص قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، يجد بأن النهج التشريعي في التعامل مع الأحزاب الأردنية قد تغير. فتعريف الحزب السياسي ونطاق عمله في القانون الحالي قد اختلف عما كان عليه الوضع في قوانين الأحزاب السياسية السابقة التي تعاقبت على الدولة الأردنية منذ استقلالها.

فقد عرّف قانون الأحزاب السياسية النافذ لعام 2022 الحزب بأنه «تنظيم سياسي وطني، يتألف من أردنيين تجمعهم قيم المواطنة وأهداف وبرامج ورؤى وأفكار مشتركة، ويهدف إلى المشاركة في الحياة السياسية والعمل العام بطرق سلمية ديمقراطية لغايات مشروعة ومن خلال خوض الانتخابات بأنواعها، بما فيها الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومات أو المشاركة فيها وفقا للمادة (35) من الدستور».

إن ما يميز هذا التعريف الجديد للحزب السياسي أنه قد ربط إنشاء الحزب بخوض الانتخابات بأنواعها المتعددة، وفي مقدمتها الانتخابات النيابية، وتشكيل الحكومات والمشاركة فيها استنادا لأحكام المادة (35) من الدستور. فلم يسبق لأي قانون أحزاب أردني سابق أن قرر هذا الرابط التشريعي بين الحزب السياسي وتشكيل الحكومات الدستورية، فنطاق عمل الحزب السياسي في القوانين الأردنية القديمة كان يقتصر فقط على فكرة المشاركة في الحياة السياسية، وتحقيق أهداف محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

إن هذا الارتباط التشريعي بين تأسيس الحزب السياسي وحق جلالة الملك في تعيين رئيس الوزراء والوزراء استنادا لأحكام المادة (35) من الدستور قد أصرت عليه كافة القوى السياسية والحزبية التي تمثلت في لجنة التحديث السياسي، حيث انطلقت من فهم مشترك بأن الحزب يجب أن يكون هدفه ومبتغاه الحقيقي الوصول إلى السلطة وتشكيل الحكومات وفق أحكام الدستور.

كما نجحت الأحزاب السياسية الأردنية في جني مكاسب تشريعية أخرى في قانون الأحزاب الحالي تتمثل بالنص صراحة على جواز ممارسة العمل الحزبي داخل مؤسسات التعليم العالي دون أي تضييق أو مساس بحقوق الطلبة في الجامعات، وذلك تحت طائلة اللجوء إلى القضاء لرفع التعرض والمطالبة بالتعويض عن الضرر المادي المعنوي. وهذه الأحكام المستحدثة ليس لها مثيل في قوانين الأحزاب السياسية السابقة في الأردن.

إن المكتسبات القانونية التي حققتها الأحزاب السياسية من عملية التحديث السياسي في الأردن يفرض عليها التزاما أدبيا وأخلاقيا بأن تسهم في انجاح مسيرة التطوير والبناء الدستوري الوطني. فهي قد نالت مرادها بأن فرضت نفسها وبقوة شريكا في عملية تشكيل الحكومات مع جلالة الملك، بالتالي لا يحق لها بعد ذلك أن تنسحب من مضمار الاصلاح السياسي تحت ستار حجج واهية لا تسمن ولا تغني من جوع.

أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

laith@lawyer.com


المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: مجلس شهر مجلس سويسرا الصين رمضان مجلس العراق الجزائر غزة الاحتلال القطاع شهر الانتخابات النیابیة الأحزاب السیاسیة الحزب السیاسی المشارکة فی

إقرأ أيضاً:

تجري اليوم.. ما تريد معرفته عن انتخابات إقليم العاصمة الهندية دلهي

دلهي – بدأ أكثر من 15.5 مليون ناخب من سكان هند منذ صباح اليوم الأربعاء بالتوجّه إلى صناديق الاقتراع في إقليم العاصمة الوطنية الهندية دلهي لانتخاب 70 عضوا في الجمعية التشريعية.

وتأتي هذه الانتخابات في ظل سعي حزب "عام آدمي"، الذي يتولى الحكم في إقليم العاصمة منذ عام 2015، للفوز بولاية ثالثة على التوالي بعد انتصاره في انتخابات عامي 2015 و2020.

في المقابل، يسعى حزب "بهاراتيا جاناتا"، الذي يقود الحكومة المركزية بقيادة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، إلى كسر هيمنة حزب "عام آدمي" على المشهد السياسي في دلهي بعدما أخفق في الفوز بانتخابات الجمعية التشريعية للإقليم على مدى عقود.

ووفقًا للجنة الانتخابات في دلهي، من المقرر إعلان نتائج الانتخابات يوم السبت المقبل.

رئيس وزراء دلهي السابق أرفيند كيجريوال برفقة والديه على كراس متحركة للتصويت في انتخابات الجمعية التشريعية (رويترز) ما هو "إقليم العاصمة الوطنية" دلهي؟

تنقسم الهند إلى 28 ولاية و8 أقاليم اتحادية، حيث تتمتع الولايات بحكومات منتخبة يقودها رئيس وزراء الولاية وجمعية تشريعية، مما يمنحها درجة كبيرة من الحكم الذاتي، إلى جانب سيطرتها على الأمن والشرطة والأراضي.

في المقابل، تخضع الأقاليم الاتحادية للإدارة المباشرة من الحكومة المركزية باستثناء ثلاثة أقاليم تتمتع بحكم ذاتي نسبي عبر جمعيات تشريعية منتخبة، وهي: دلهي، وجامو وكشمير، وبودوتشيري.

ورغم أن دلهي تُصنف بوصفها إقليما اتحاديا، فإنها تتمتع بوضع خاص باعتبارها "إقليم العاصمة الوطنية"، مما يمنحها بعض الصلاحيات الإدارية، لكنها تظل خاضعة لسيطرة الحكومة المركزية في قضايا رئيسية، أبرزها الأمن والشرطة والأراضي.

إعلان ما الأحزاب السياسية الرئيسية المشاركة في الانتخابات؟ حزب "عام آدمي" الذي يحكم دلهي منذ عام 2015، حيث فاز في فترتين متتاليتين ويسعى الآن للاحتفاظ بالسلطة لولاية ثالثة. وكان زعيم الحزب أرفيند كيجريوال رئيس وزراء حكومة إقليم دلهي حتى سبتمبر/أيلول 2024، قد استقال من منصبه بعد اتهامات بالفساد ليحل محله في رئاسة الحكومة أتيشي مارلينا من حزبه.
ويُصنف الحزب عادة على أنه يسار الوسط في الجمعية الحالية، ويُعتبر "عام آدمي" الحزب الحاكم، إذ يمتلك 62 مقعدا من أصل 70 في الجمعية التشريعية. حزب بهاراتيا جاناتا الذي حكم دلهي من 1993 إلى 1998 بعد إعلان دلهي إقليم العاصمة الوطنية للهند بموجب تعديل دستوري، مما منحها وضعا خاصا. ولكن بعد فترة ولايته الأولى، لم يتمكن الحزب من تشكيل حكومة في دلهي، رغم فوزه بـ31 مقعدا من أصل 70 مقعدا في انتخابات 2013، لفشله في الحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة.
وفي الجمعية الحالية، يمتلك حزب بهاراتيا جاناتا 8 مقاعد من أصل 70 مقعدا، ويشغل دور حزب المعارضة. حزب المؤتمر الوطني الهندي الذي حكم دلهي من 1998 إلى 2013، فقد نفوذه بعد ذلك بحصوله على 8 مقاعد من أصل 70 في انتخابات 2013. وفي انتخابات 2015 و2020 لم يتمكن الحزب من الفوز بمقعد واحد رغم كونه حزب المعارضة الرئيسي على المستوى الوطني. هندي مسلم يشارك في التصويت في الانتخابات العامة الهندية العام الماضي (شترستوك) ما أبرز وعود الأحزاب في هذه الانتخابات؟

تعهّد حزب "عام آدمي" بتنفيذ عدة مبادرات للرعاية الاجتماعية تشمل: توفير الأدوية المجانية لكبار السن، والسفر المجاني بالحافلات للطلاب، وخلق فرص عمل للشباب، وصرف مخصصات شهرية للنساء، وضمان مياه شرب نظيفة، إضافة إلى تغطية تأمينية للسائقين.

من جانبه، أعلن حزب بهاراتيا جاناتا عن تعهده بتوفير وظائف حكومية وفرص عمل حر، إضافة إلى تحويل دلهي إلى مدينة تعتمد على الحافلات الكهربائية. ويشمل برنامجه منح حقوق الملكية الكاملة للمستعمرات غير المرخصة، وتوفير التأمين الصحي للعاملين المؤقتين.

إعلان ما أهمية هذه الانتخابات لحزبي "عام آدمي" وبهاراتيا جاناتا؟

في حديث للجزيرة نت، يقول الكاتب الهندي المتخصص في السياسة الهندية والقوميين اليمينيين الهندوس نيلانجان موخوبادياي إن هذه الانتخابات تشكل محطة مهمة لحزب "عام آدمي" لسببين:

تعرض الحزب لهجمات متكررة من حزب بهاراتيا جاناتا على مدى السنوات الماضية، حيث اعتُقل العديد من وزرائه في حكومة دلهي بمن فيهم زعيمه كيجريوال. يُعد حزب عام آدمي، إلى جانب حزب المؤتمر الوطني الهندي، من بين قلة من أحزاب المعارضة التي تمتلك نفوذا في أكثر من ولاية على مستوى الهند، في حين أن معظم الأحزاب المعارضة الأخرى تقتصر قوتها على ولاية واحدة في أغلب الأوقات.

ويرى موخوبادياي أنه إذا تمكن حزب "عام آدمي" من الاحتفاظ بالسلطة في دلهي، فسيعزز موقعه كقوة معارضة رئيسية على المستوى الوطني.

كما أوضح موخوبادياي، فإن هذه الانتخابات تعد مهمة لحزب بهاراتيا جاناتا، إذ لم يتمكن من الفوز بأي انتخابات لتشكيل حكومة في دلهي منذ عام 1998، مما جعله بعيدا عن السلطة في الإقليم.

ويعتبر موخوبادياي أن الحزب يسعى إلى إحياء نفسه بالفوز في الانتخابات بدعم من قادة بارزين مثل رئيس الوزراء ناريندرا مودي، ووزير الداخلية أميث شاه، ورئيس وزراء ولاية أوتار براديش ويوجي أديدياناث، وجميعهم من خارج إقليم دلهي. وفي الوقت ذاته، يشير إلى أن الحزب يفتقر حاليا إلى زعيم محلي يتمتع بالشعبية نفسها.

حزب بهاراتيا جاناتا يسعى للفوز في انتخابات الجمعية التشريعية للعاصمة دلهي (الجزيرة) ما السيناريو المتوقع للنتائج؟

في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فاز حزب بهاراتيا جاناتا بجميع المقاعد السبعة في دلهي، ومع ذلك يرى موخوبادياي، في حديثه للجزيرة نت، أن هذا لن يؤثر على فوز حزب "عام آدمي" في الانتخابات الحالية.

إعلان

وأشار إلى أنه رغم فوز حزب بهاراتيا جاناتا بجميع المقاعد السبعة في دلهي في الانتخابات البرلمانية السابقة في 2014 و2019 و2024، فإن حزب "عام آدمي" نجح في الفوز في انتخابات إقليم العاصمة الوطنية على التوالي منذ عام 2015.

وأضاف للجزيرة نت "قرر الناس التصويت لصالح حزب عام آدمي في الانتخابات على مستوى الإقليم، وحزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات على المستوى الوطني".

مقالات مشابهة

  • أزمنة الكرب وبعثرة الأوطان (٤٧)
  • ميركل تحض الأحزاب في ألمانيا على التحلي بالهدوء قبل الانتخابات
  • نائب: تعديل قانون الانتخابات يزيد من العزوف عن المشاركة في الانتخابات
  • تجري اليوم.. ما تريد معرفته عن انتخابات إقليم العاصمة الهندية دلهي
  • رفعت قمصان: النظام الانتخابي يهدف لتمكين الأحزاب السياسية
  • «وزير الشئون النيابية»: مواعيد انتخابات «النواب والشيوخ» محددة سلفا من تاريخ انعقاد أول جلسة
  • "المجالس النيابية والنظام الانتخابي 2025".. نقاش موسّع في القاعة الرئيسية بمعرض الكتاب
  • محمود فوزي: الحكومة تحترم الدستور وتشجع العمل السياسي
  • مقلد: مصر على مدار تاريخها تجد اختلاف على النظام السياسي الانتخابي
  • «مصر أكتوبر» يكثف جهوده لتوعية المواطنين بأهمية المشاركة في الانتخابات