قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في محاضرته الرمضانية الحادية عشرة: الإنسان متى وصل إلى مستوى أن يفقد عنصر الخير في نفسه، ويتحوَّل إلى مصدر إغواء وإفساد للآخرين، فهو وصل إلى مرتبة شيطان
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِبِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الآيات المباركة من (سورة الأعراف)، التي بيّن الله لنا فيها جوانب معينة من قصة آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وموقف الشيطان العدائي والمتعنت، وما تضمنت تلك الآيات المباركة، من الدروس والعبر المهمة التي نستفيدها من تلك القصة، كنا قد تلونا البعض من تلك الآيات وتحدثنا على ضوئها، وكان فيما سبق:
البيان لما ذكره الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عن نعمه العظيمة على الإنسان، على المجتمع البشري بشكلٍ عام، كيف مكَّن لهم في الأرض، وأنعم عليهم في خلقهم، وهو خَلَق الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه صورةً رائعةً ومميزة، ثم كرَّمه، نعمة السجود تكريماً لآدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» هي نعمة على كل البشر أيضاً، وفيها التكريم الكبير للإنسان.
وبيَّن الله لنا كيف امتنع إبليس- لعنه الله- من السجود مع الملائكة، وعمَّا كان الدافع الذي دفعه إلى ذلك، وتبيَّن لنا أن الدافع هو عقدة الكبر والعياذ بالله، ثم عندما طرده الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من بين الملائكة، {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: 13-17]، فتحدثنا عمَّا تفرَّع من عقدة الكبر من المعاصي الكبيرة والسيئة والخطيرة:
فإبليس- لعنه الله- امتنع من السجود لآدم، فكانت هذه معصية.
ثم أصر على ذلك، فكان إصراره معصيةً أيضاً.
ثم إنه بعد ذلك- وبكل وقاحة- يخاطب الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» متهماً لله في عدله وحكمته، وهذا كان كفراً فظيعاً، ومعصيةً كبيرة.
ثم مع ذلك بعد أن طلب الإنظار، فكشف الله له أنه من المنظرين أصلاً، بيّن اتجاهه، الذي هو معصية، معصية كبيرة جداً، على أن يقود الضلال والكفر، وأن يتجه في كل ما بقي من زمن سيُعَمَّر فيه ويُنظر فيه للإغواء عن صراط الله المستقيم، لإضلال بني آدم وإغوائهم، وهذا ذنبٌ عظيمٌ جداً، ويريد أن يستمر على هذا الذنب كل تلك المدة التي سَيُنْظَر فيها.
قبل ذلك هو أساء إلى الله أيضاً بتحميله المسؤولية، حمَّل الله مسؤولية إغوائه، مع أنه الذي أوقع نفسه في الغواية بسبب عُقدة كبره.
وهكذا من ذنبٍ إلى آخر، ومن معصية إلى أخرى، ومعصية الإغواء عن طريق الحق كم فيها من المعاصي، في كل معصية يعصي الإنسان فيها بتشجيع وتحفيز وإغواء من الشيطان، يكون شريكاً في تلك المعصية والعياذ بالله.
فهناك درسٌ كبيرٌ جداً فيما يتعلق بهذا التحول الذي حصل في واقع الشيطان، في واقع إبليس نفسه، عندما خرج من تلك الحالة التي كان فيها متعبداً بين الملائكة، ولآلاف السنين، كما ورد في الآثار أنه بقي آلاف السنين متعبداً بين الملائكة، وكان قد ارتقى ليكون متعبداً بينهم، ومن جملتهم، يعبد الله معهم، فمن ذلك المستوى في العبادة والارتقاء الذي وصل إليه، ثم هذا التحول إلى: عاصٍ، متمرد، خبيث النفس، سيء، مُصرٍّ على المعصية، يتَّجه إلى أسوأ مستوى من العصيان، إلى أحط مستوى من الخبث والعياذ بالله! لماذا هذا التحول الخطير؟ هذا فيه درسٌ مهم.
نجد في تجربة الحياة، في واقع الناس وعلى مرِّ التاريخ، أن هناك من البشر أنفسهم من يتَّجه في طريق الحق، والإيمان، والعمل الصالح، ويستمر لزمنٍ طويل، والبعض في ظل ذلك قد يبرز له دورٌ مميز، فيظهر في ظاهر الحال إلى أنه على مستوى متقدِّم من الإيمان والعمل الصالح، ومستوى راقٍ يظهر فيه في إطار عملٍ من الأعمال الصالحة، كالجهاد في سبيل الله، أو أي عملٍ آخر من الأعمال الصالحة، فيأخذ وقتاً لا بأس به وهو في ذلك الاتجاه، ومع الزمن أيضاً يبرز في إطار دورٍ مميز، ثم يتغير واقعه في مرحلة معينة، أو عند ظروفٍ معينة، أو أحداثٍ معينة، فيتجه اتجاهاً منحرفاً تماماً، البعض إمَّا في إطار انحراف فكري وعقائدي، والبعض على المستوى العملي، البعض على المستوى العملي في جوانب معينة، والبعض على المستوى الأخلاقي، وهكذا، تختلف الأحوال باختلاف الكثير من الناس في اتجاهاتهم، وعوامل وأسباب انحرافهم، فما الذي يحدث؟ ما الذي يحدث؟ مع أن الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الإيماني الصادق مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، بإخلاصٍ لله «جَلَّ شَأنُهُ»، واتَّجه اتجاهاً صحيحاً، يحاول ألَّا تبقى لديه أي بذور، من البذور الخطيرة التي تؤثِّر عليه فيما بعد، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو يثبت عباده المؤمنين، هو القائل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: الآية17]، هذه آية مهمة جداً، تُبَيِّن لنا أن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يزيد عباده الذين يهتدون هدايةً، بل ويؤتيهم التقوى، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» القائل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال: من الآية29]، وكم في القرآن الكريم من الآيات التي تبيِّن أن الله يزيد عباده الذين يهتدون، ويؤمنون، ويصدقون مع الله، ويخلصون لله، ويتجهون اتجاهاً صحيحاً سليماً؛ يزيدهم من الهداية، يزيدهم إيماناً، يزيدهم توفيقاً، يثبتهم، يتوب عليهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، يُمدهم بألطافه الخفية… وهكذا.
هناك أمورٌ خطرة جداً تؤثِّر على الإنسان:
منها: عندما يكون غارقاً في نفسه، ومتمحوراً حول ذاته:
هذه الحالة حالة خطيرة جداً؛ لأنها في الأخير تحوّل نفس الإنسان لدى الإنسان إلى صنم، وتحوّل وجهته في العمل إلى النفس، وليس إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذه من المخاطر التي تورَّط فيها الشيطان، فهو مع طول عبادته التي هي لآلاف السنوات- كما في الآثار والأخبار- عَظُمَتْ عنده نفسه، واستغرق في نفسه، بعد دهر طويل وهو على تلك الحال من العبادة، ويرى نفسه أنه قد وصل إلى أن يكون في جملة ملائكة الله بينهم، مستقراً بينهم، يتعبَّد لله معهم، أصبحت تَعظُم عنده نفسه، تَكبُر عنده نفسه، يُسَبِّح بحمد نفسه، يستغرق في نفسه؛ فَعَظُمَتْ نفسه عنده أكثر وأكثر وأكثر؛ فأصيب بداء الكبر، وهو من أخطر الأدواء، داء الكبر داءٌ خطيرٌ جداً، ذنبٌ عظيمٌ، ومفسدةٌ رهيبة لأي مخلوق (للإنسان، أو للجن أنفسهم)، حالة خطيرة جداً.
أيضاً إذا كان هناك بذرة خللٍ أخرى:
الإنسان قد يكون عنده بذرة خلل، فلا يحاول أن يُطهِّر نفسه منها، يُبقي عليها في أعماق نفسه، مع الزمن تكبر وتكبر وتكبر، ثم يواجه اختباراً معيناً في لحظة حساسة، فيتجلى ما قد وصل إليه ذلك الخلل، الذي كبر مع الوقت، كبر مع الوقت؛ لأنه يمكن أن يكبر فتزداد حالة الخبث في النفس والميل والانحراف نحو ذلك الخلل المُعَيَّن، الذي ينجذب الإنسان إليه، ويتجه إليه.
البعض- مثلاً- ميوله في شهواته النفسية، فهو لا يقتنع بالحلال، إمَّا رغبته الجنسية، لم يقتنع فيها بالحلال، ولم تتزكَ نفسه؛ لِتَطْهُر، وتبتعد عن الحرام وتمقت الحرام، يكبر ذلك الخلل، يكبر، يكبر، يكبر، وعند لحظة اختبار حساسة يسقط الإنسان سقوطاً خطيراً ومدوياً.
أو الأطماع مثلاً، أطماع مادية، لم يتطهر منها، ولم يحاول أن يتَّجه الاتجاه الإيماني المتكامل، الذي تزكو به نفسه، فيكبر عنده ذلك الخلل. أو الطموح في المقام المعنوي، يريد أن يكون صاحب شهرة وسمعة كبيرة، ومكانة بين أوساط الناس، ويصبح هذا بالنسبة له هدفاً، ويكبر معه ذلك؛ فهو يرى- في الأخير- أن تلك الأعمال هي لتحقيق هذا الهدف، بدلاً من أن يكون اتجاهه إلى الله، والله هو يعز عباده المؤمنين، ويجعل لهم الودَّ في قلوب عباده، الإنسان إذا اتجه مع الله بإخلاص، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو من يتولى أن يجعل له العزة، وأن يجعل له المودة في قلوب عباده، من دون أن يكون ذلك هدفاً للإنسان من الناس أنفسهم، يتجه به إلى الناس أنفسهم، بل إن الإنسان المؤمن يمكنه أن يكون هدفه حتى مع الله أسمى من ذلك، أسمى من ذلك، هدفه رضا الله «جَلَّ شَأنُهُ»، وبقية الأمور يتركها لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والله هو الذي يفيض على عباده المؤمنين بالخير والتكريم والنعم، يمنحهم من عزته، من حكمته، من فضله، الشيء الكثير، ولكن الحالة الخطيرة على الإنسان هي هذه، هي: الخلل الذي كان في البداية بشكل بذرات، بذرة في داخل النفس، وبقيت هذه البذرة، ونمت وكبرت مع الإنسان، لم يتخلص منها.
وكما سبق أيضاً حالة الأنانية، الأنانية حالة خطيرة جداً، والاستغراق في النفس، والتمحور حول الذات، من أخطر الأمور التي أثَّرت وتؤثِّر على الكثير من الإنس، كما أثَّرت قبل الإنس في الجن، وفي إبليس نفسه.
هذا التحوّل الخطير هو عبرة، هو درسٌ مهم، ليحذر الإنسان، وليسعَ إلى أن يكون اتجاهه الإيماني اتجاهاً صحيحاً نحو الله، نحو الله، أن يتجاوز ذاته، لا يغرق في نفسه، ولا يتمحور حول ذاته، تكون وجهته إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويُخلِص لله «جَلَّ شَأنُهُ»، ويتطهر من أي بذرة خلل ينتبه لها في نفسه، بل ويسأل من الله ويطلب من الله أن يزكي نفسه حتى تجاه الجوانب التي قد يكون هو غافلاً عنها، وبذور الخلل التي قد يكون غير منتبهٍ لها، يستعين بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» على ذلك.
كشف الله لنا خطة إبليس، عدونا الشيطان الرجيم، خطته هي تلك: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، هو شديد العداء، ويريد أن يُلحِق أكبر وأقصى ضرر وأشد ضرر بالإنسان، فما هو الضرر الذي يمكن أن يلحق بالإنسان؟ هو في صده وإغوائه عن صراط الله المستقيم، بذلك يشقى، يخسر أكبر الخسائر، يتورط، ويُحرم من رضوان الله، ومن الجنة في الآخرة، كانت عقدة الشيطان: ألَّا يبقى أبونا آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» وَأُمُّنَا حواء «عَلَيْهِ السَّلَامُ» ألَّا يبقيا في تلك الجنة، التي ابتدأ مشوار حياتهما فيها، فما بالك بجنة القيامة، جنة الخلد، جنة الآخرة، الشيطان يريد أن يحرم الكل منها.
{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، صراط الله المستقيم هو نهجه، نهجه وهدايته لعباده، ما وجَّهنا إليه وما شرعه لنا في هذه الحياة، والشيطان يريد أن يصدنا عن نهج الله، لا نتَّبع هدى الله، ولا نسير في مسيرة حياتنا على أساس منهج الله وتعليماته القيِّمة، فمنهج الله هو صراط مستقيم، يوصل إلى الغايات العظيمة، إلى الفوز العظيم، إلى الفلاح والخير في الدنيا والآخرة.
{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ}، يعني: في إطار صدِّهم وإغوائهم عن الصراط المستقيم، {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، بمعنى: أنه سيحاول في الإنسان لإغوائه بكل وسيلة، بأي طريقةٍ مؤثرةٍ عليه، يحاول أن يَنْفُذ إليه من أي ثغرة، وأن يستغل أي نقطة ضعف لدى الإنسان، فإذا حاول في الإنسان- مثلاً- من جهة الأطماع، فوجده ليس طماعاً، يحاول فيه من خلال الشهوات الأخرى:
قد يؤثِّر على البعض- مثلاً- من جهة الرغبة الجنسية، أو الأطماع المادية، أو أيٍّ من الشهوات الأخرى، وقد يؤثِّر في البعض من جهة أخرى، لا ينجح من تلك الجهات، فيحاول أن يبحث من جهة أخرى.
قد يؤثِّر في البعض عن طريق الغضب، والغضب كما قال عنه أمير المؤمنين عليٌّ «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: ((جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبلِيس))، يعني: ثغرة خطيرة جداً للشيطان، ومما روى عن نبي الله عيسى بن مريم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» أنه قال: ((أقرب ما يكون الإنسان من غضب الله إذا غضب))، لحظة الغضب والانفعال تؤثِّر على الكثير من الناس، وهي ثغرة خطيرة على البعض من الناس؛ لأنه إذا غضب وانفعل؛ تهور، ولم يعد منضبطاً ولا متماسكاً، يمكن أن يقول أي شيء، يمكن أن يفعل أي شيء. وفعلاً في واقع الناس كم من الجرائم الكبيرة، من جرائم قتل، وإزهاقٍ للأرواح، وإساءات، وكم من ذنوب باللسان، إساءات كبيرة باللسان، افتراءات، بهتان، ظلم بأشكال كثيرة، أتت في حالة الغضب والانفعال.
البعض من الناس يأتيه من جوانب أخرى، قد يكون غير انفعالي، أو قد يكون إذا انفعل تماسك وخرج عن تلك الحالة، فيحاول الشيطان كما قلنا: الطموحات المعنوية، المناصب، حب السلطة، النفوذ، فتنة الأمر والنهي، وغير ذلك، فهو يبحث عند كل إنسان أين هي الثغرة، أين هي نقطة الضعف، من أين يمكن أن يؤثِّر عليه؛ فيصرفه ويدفعه ليخالف أمراً من أوامر الله، أو نهياً مما نهى الله؛ لأن هدى الله في الأخير يصل إلينا (إمَّا أمر، وإمَّا نهي)، فيحاول أن يجعلك تخالف، تخالف أمراً من أوامر الله، أو تخالف في نهيٍ من نواه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وحين ذلك يوقعك في المعصية.
حتى الجوانب الدينية، قد يدفع بالبعض إلى أن يتدين بالضلالة:
إلى أن يفتري على الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» باسم الدين.
إلى أن يقول على الله بغير علم.
إلى أن يغلو في الدين، ويتجاوز الحق والحد.
إلى أن يبتدع في الدين، ويحسب على الدين ما ليس منه.
إلى أن يتجه في تدينه إلى أن يُحَرِّم ما أحل الله، أو يُحلَّ ما حَرَّم الله… أو غير ذلك.
يعني: في الجانب الديني هناك أيضاً مزالق يمكن أن يشتغل عليها الشيطان مع من لديهم رغبة في التَّديُّن، توجه ديني، وهو يائس من صرفهم عن التوجه الديني؛ لأن البعض من الناس لديهم توجه ديني في نفوسهم، فييأس من أن يخرجهم من توجههم الديني، فهو يحاول أن يغويهم ولو كان في إطار توجههم الديني- كما قلنا- في جوانب كثيرة يمكن أن يغويهم فيها.
أمَّا من ينجح في صرفهم عن مسألة الالتزام الإيماني والديني كلياً، ويتَّجه بهم إلى الفجور والفسق، والخروج عن الالتزام بالإيمان والتقوى، فهي حالة أيضاً يغوي فيها الكثير من الناس، ممن يُعَبِّدون أنفسهم له وللشهوات، وينزلقون تلك المزالق والعياذ بالله.
فإذاً ينبغي أن يكون لدى الإنسان وعي بإن الشيطان سيترصد له، وإذا فشل في جهة معيَّنة، أو من جانب معيَّن، سيبحث من جانب آخر، فمن المهم للإنسان أن يحرص هو على أن يكتشف هو ابتداءً نقاط ضعفه: أين هي نقطة ضعفي، التي أرى نفسي أثناءها قريباً من الزلل، هل هي الغضب والانفعال؟ هل هي الشهوات؟ هل هي الطموحات المتعلقة بالسمعة والشهرة، أو غير ذلك، حب النفوذ…؟ أن يبحث الإنسان هو ليكتشف نفسه، ليكتشف نقاط الضعف لدى نفسه، جوانب الخلل لدى نفسه، ويمكنه من خلال اكتشافه لذلك أن يلتجئ إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأن يسعى لتزكية نفسه، وللحذر، الحذر إذا عرضت له تلك الحالات، وهناك في دين الله، في تعليمات الله، في توجيهات الله، ما يساعد الإنسان، إضافة إلى الاستعاذة بالله، الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والاتِّجاه الإيماني، وذلك يشكِّل وقايةً للإنسان.
{وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: من الآية17]، حقد الشيطان على الإنسان، وعلى بني آدم بكلهم، حقد شديد جداً، ولا يرضيه، ولا يكفيه، ولا يقنعه، أن يغوي مليار إنسان، ويكون مصيرهم إلى جهنم، ويحترقون معه في نار جهنم، لا يكفيه ذلك، أساساً هو لو كان من الممكن له أن يغويهم بكلهم، فمستوى حقده، وعداوته، وعقدته، هي إلى درجة أنه يرغب بذلك، ولو أمكنه ذلك؛ لفعل ذلك، يريد هلاكهم بكلهم، يكرههم بأجمعهم، يحقد عليهم جميعاً، حقد يفوق تصورنا، حقد عجيب جداً، ولكن طموحه أنه إذا لم يمكنه أن يهلكهم بكلهم، وأن يغويهم بكلهم، فعلى الأقل الأكثرية منهم، أن يسعى لهلاك أكثرهم، ولإغواء أكثرهم.
وطموحه يعود إلى ما قد عرفه عن الإنسان، فيما عرفه مع الملائكة عن البشر؛ لأن هنا تساؤل: هل لو لم يكن الشيطان موجوداً، أو لم يغوَ إبليس، ويتَّجه لهذا الدور: لإغواء بقية البشر، ويستعين في ذلك بمن سيغوي معه من الجن أيضاً، من شياطين الجن، هل البشر في أنفسهم سيكونون مستقيمين، صالحين، وكان السبب الوحيد في غوايتهم هو الشيطان؟ الجواب: كلا، النفس البشرية من أصلها قابلةٌ للخير وللشر، والله يقول عن النفس البشرية: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس: الآية8]، والبشر بأنفسهم حتى لو لم يكن هناك إبليس، لو لم يغوَ إبليس، ولم يتحرك لإغوائهم؛ لكان منهم من يتَّجه في طريق الشر، ويصل إلى مرتبة شيطان من شياطين الإنس؛ لأن هناك شياطين أيضاً من الإنسان.
الإنسان متى وصل إلى مستوى أن يفقد عنصر الخير في نفسه، ويتحوَّل إلى مصدر إغواء وإفساد للآخرين، فهو وصل إلى مرتبة شيطان، شيطان، ابتعد عن الخير، ابتعد عن الحق، ووصل إلى درجة أن تحوَّل هو- بنفسه- إلى مصدر لإغواء الآخرين، يسعى لإغوائهم، ولإفسادهم، ولإضلالهم، عندما يصل إلى هذا المستوى، إلى ذلك المستوى، يعتبر شيطاناً من شياطين الإنس، الشياطين قسمان: من شياطين الإنس، ومن شياطين الجن.
ولكن الشيطان، الميزة هنا التي يمكن أن تكون نقطة إيجابية، لو وعاها الإنسان جيداً: أنَّ طريق الشر، عندما يصبح الذي عليها، يدعو إليها، ويقود من يتحرك فيها، هو عدوٌ سيءٌ جداً، وكائنٌ خبيثٌ، سيءٌ، رجسٌ، دنيءٌ، وصل إلى مستوى هابط جداً من الدناءة والخسة، فما هو عليه من الخسة والسوء، وما هو عليه فيما يحمله من العداء للإنسان، يمكن أن يكون حافزاً للإنسان لأن يستقيم في طريق الحق والخير، ما دام وعلى طريق الشر وطريق الغواية عدوٌ لك، يعاديك، يكرهك، يسعى لهلاكك، يبغضك، يسعى لأن يصل بك إلى الشقاء في الدنيا، والهلاك الدائم والأبدي في الآخرة، وأيضاً هو دنيء، وخسيس، وسيء جداً؛ فهذا يفترض أن يكون حافزاً للإنسان للانصراف عن طريق الشر، والثبات على طريق الخير، أن يكون حافزاً يساعد الإنسان على الاستقامة، وهو كذلك إن وعى الإنسان جيداً.
بعد أن كشف الله خطته للناس باعترافه، باعترافه؛ أمَّا الله فهو عليمٌ بكل شيء، لا يخفى عليه شيء، قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأعراف: الآية18]، قال له سابقاً: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا}[الأعراف: من الآية13]، بعد هذا الحوار، وكشف الله فيه للناس باعتراف إبليس كل هذا الذي قد كشفه، أخرجه وطرده بهذا الطرد: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا}، من السماء، من الساحة التي يتعبَّد فيها مع الملائكة، {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا}، {مَذْءُومًا}، يعني: مذموماً، معيباً، وفعلاً الحالة رهيبة التي وصل إليها الشيطان، نعوذ بالله! تحوَّل من مقام العبادة، والقدسيَّة، وشرف الطاعة؛ إلى خزي، وذل، وعيب، وعار، وشناعة المعصية المخزية، هبوط رهيب جداً، وتحوُّل رهيب جداً، فهو مذموم، لم يبقَ له أي مكانة، لم يبقَ شخصيةً محترمة، أصبح مذموماً معيباً، تلطخ بعار وفضيحة وخزي المعصية المسيئة، {مَدْحُورًا}: مطروداً بإذلالٍ وإهانة.
{لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}، فكثرتهم هي كثرة لجهنم، وليست نقصاً على الله، الله غنيٌ عن العباد، الجن والإنس بكلهم ليسوا إلَّا نقطةً صغيرةً جداً، وعدداً ضئيلاً يسيراً محدوداً في ملكوت الله الواسع، الملائكة وحدهم خلق بأعداد هائلة جداً، وكثيرة للغاية، أعداد الإنسان حتى بعد أن وصلوا إلى مليارات، ومعهم أعداد الجن، ليسوا إلَّا عدد يسير، ضئيل، بسيط، قليل جداً، والأرض هذه التي استخلفنا الله عليها، ليست إلَّا كحبة رمل في صحراء لا حدود لها، صحراء شاسعة، فنحن في إطار ملكوت الله الواسع، لسنا سوى نقطة صغيرة جداً، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لو عصاه الخلق أجمعون؛ لما ضرته معصيتهم، فهو لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه، هو الغني الحميد، هو الغني الحميد، الله غنيٌ عن عباده؛ ولذلك مهما كانت الكثرة من الذين يكفرون نعمة الله، ويسيئون استغلال نعمه عليهم، فيما منحهم في أنفسهم من حواسهم، ومن جوارحهم، وفيما أوجد لهم من نعم في هذه الأرض، كلما أساء الإنسان استخدام هذه النعم التي وهبه الله إيَّاها في نفسه، في مداركه، في حواسه، في مواهبه، في طاقاته، في قدراته، وما مكَّن له في الأرض، وما منَّ عليه من المنافع في هذه الدنيا، إذا استخدمها في معصية الله؛ فهو يستخدمها فيما يضره، في مضار ومفاسد، وفيما يسبب له أيضاً الخزي، والهلاك، والعذاب الأبدي في الآخرة والعياذ بالله.
هذا الطرد الرهيب، يبيَّن لنا كيف كان سخط الله عظيماً على الشيطان، والله لعنه، ويأتي في الآيات الأخرى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص: الآية78]، وحالة المعصية حالة خطيرة على الإنسان، وعلى الجن أيضاً، وحالة الإصرار حالة خطيرة، وحالة العناد التي يستهوي البعض، العناد يستهوي البعض، يرتاح بالعناد، العناد خطر جداً على الإنسان، يشكِّل خطورة بالغة على الإنسان، كما رأينا كيف كان على الجن قبل الإنسان، وعلى الشيطان نفسه.
{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأعراف: من الآية18]، نعوذ بالله! من أتباع إبليس تمتلئ جهنم، تمتلئ من أتباع إبليس، من الجن والإنس، وهذا يفيد كثرتهم؛ ولذلك تصل إلى هذه الدرجة: {لَأَمْلَأَنَّ}، والعياذ بالله! وهذا أمرٌ مخيف، أمرٌ مخيف، ليسعَ الإنسان ألَّا يكون من ضمن تلك الأكثرية والعياذ بالله.
{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: الآية19]، لاحظوا مع طرد الشيطان بتلك الصورة المهينة، المذلة، المخزية، أتى التكريم والرعاية لآدم وحواء «عَلَيْهِمَا السَّلَام»، وأسكنهما الله تلك الجنة، جنة فيها مما يحتاجان إليه من طعام وشراب وملابس، وسائر متطلباتهما بوفرة، وبراحة، ويحصلان عليها من دون عناء، {فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا}، المأكولات والثمار متوفرة، {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، شجرة واحدة فقط، وبدأ ترويضهما على المسؤولية، وعلى الأمر والنهي بشكلٍ محدود، يعني: لم يدخلا ضمن التزامات واسعة، مثلاً: يمنعا من أشجار كثيرة، ومن أشياء كثيرة، وقائمة نواهي، وقائمة أوامر، بدأت المسألة متدرجة معهما، ليبدأ مشوار الحياة دون أن يكون هناك ضغط التزامات كثيرة عليهما؛ إنما شجرة واحدة نُهيا عن الأكل منها، وحُذِّرَا بأنَّ النتيجة ستكون هذه: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.
الشيطان بعد طرده وهبوطه من جهة السماء، ومن بين أوساط الملائكة، اتَّجه ليبدأ مشواره العدائي، وليبدأ جولته الأولى في الاستهداف لآدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، ولحواء «عَلَيْهَا السَّلَامُ»، فاتَّجه إليهما، وأعدَّ خطته لكيفية الاستهداف لهما، والهدف الرئيسي هو: إخراجهما من تلك الجنة، ومن ذلك النعيم، ومن تلك الحياة الطيِّبة والسعيدة، التي تتوفر لهما فيها متطلبات الحياة براحة، هو يريد أن يخرجهما من ذلك، وأن يتَّجه بهما إلى المعاناة، هو يائس من إضلال آدم، أو إفساد آدم، لكنه يريد أن يُلحِق بآدم المعاناة، كيف يعاني، كيف يبدأ مشوار حياته بمعاناة، فاتَّجه لإعداد خطته، وركَّز على ماذا؟ على تلك الشجرة، هو يريد أن يخالفا ذلك النهي، فالشيطان يستهدفنا تجاه الأوامر والنواهي الإلهية، فيما أمرنا الله أو نهانا، يشتغل على هذه النقطة.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}[الأعراف: من الآية20]، الهدف: أن يُلحِق بهما المعاناة والإفلاس، وأن يخسرا تلك الجنة وما فيها من متطلبات الحياة، إلى درجة ألَّا تبقى لهما حتى ملابسهما، وأن يرى كلٌّ منهما نفسه في موضع الضعف، والإفلاس، وانكسار النفس والإرادة، فيكون لهذا أثر على المستوى النفسي والمعنوي والمادي، والشيطان يريد أن يستهدف الإنسان في وضعه المعنوي، وإلحاقاً بذلك: في ظروف حياته أيضاً.
{لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف: من الآية20]، قام بالسعي لتصوير النهي الإلهي أنه ليس لمصلحتهما، وهذا مما يشتغل عليه الشيطان مع بني آدم: يحاول أن يصوِّر الأمر الإلهي، أو النهي الإلهي، أنه ليس في مصلحة الإنسان، وأنَّ مصلحة الإنسان في مخالفته، وهذا خداع، خداع بلا شك؛ لأن الله فيما يأمرنا، أو فيما ينهانا، يريد لنا الخير، ومن منطلق رحمته بنا «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
فهو يقول: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}، يقول: أنَّ سبب النهي لكي لا تكونا ملكين، ترتقيا لتكونا في هذه المرتبة: ملكين، أو من الخالدين، لتبقيا في الحياة بلا موت، تعيشا للأبد، وأنَّ سرَّ الشجرة هو هذا السر، فلو أكلتما من تلك الشجرة، فستتحولا إلى ملكين، وتبقيا في الحياة بلا نهاية، بلا موت، بلا فناء، هو هنا يحاول أن يلامس رغبة، رغبة لديهما، رغبة الترقِّي، الطموح ليكون الإنسان في مستوى أفضل وأعلى مما هو فيه، ورغبة الخلود في الحياة، هو حاول أن يلامس رغبة معينة، ومع أنَّ تلك الشجرة ليس لها أي سر من هذه الأسرار، ليس لها أي سر على الإطلاق، شجرة عادية، إن أكلا منها تكون النتيجة نتيجةً لتلك المخالفة أن يخسرا كل ما هما فيه، لا يبقى لهما حتى الملابس، ولاحظوا الفارق الكبير جداً: بين الوهم الشيطاني، الذي يقدِّمه الشيطان في وسوسته للإنسان، والحقيقة، تباين تام، وتناقض تام، واختلاف تام؛ لهذا يحاول أن يشتغل على هذه النقطة التي لامست رغبة، ومن الواضح أنه استمر، يعني: حاول محاولات متكررة، وأنه لم ينجح منذ المرة الأولى، وسوس لهما في البداية، فلم ينجح، فحاول، وهذا يبين لنا التكتيك الشيطاني، أنَّ تكتيك إبليس، وتكتيك الشياطين، هو: المحاولات المتكررة، والسعي للتأثير على النفس البشرية مرات، ومرات، ومرات، ومحاولات متكررة.
{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: الآية21]، في الأخير حلف لهما، حلف لهما ليطمئنا؛ لأنه واضحٌ أنهما ترددا، وقلقا، ولم يطمئنا إلى وسوسته تلك، وإلى ذلك الوهم الذي رسمه لهما، فهو حاول أن يقنعهما بذلك عبر اليمين لهما، فهو قدَّم عنواناً مخادعاً، وقدَّم أيضاً أسلوب النصح، وقدَّم نفسه كناصح، والله يكشف لنا أيضاً كيف يفعل الشيطان، وأولياء الشيطان، وأهل الضلال، يقدِّمون عناوين مخادعة، عناوين جذَّابة، وعناوين مقبولة، وفي نفس الوقت يقدِّمون أنفسهم كناصحين، ويريدون ما فيه مصلحة الآخرين، وهكذا.
{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}[الأعراف: من الآية22]، في الأخير أوقعهما في الخطر: خطر المخالفة، والنتائج المترتبة على ذلك، بعد سعيه المتكرر، واستخدامه أسلوب الحلف واليمين، وغرهما بذلك التزيين، والخداع، والوهم الذي رسمه لهما، عن سر تلك الشجرة، السر الزائف غير الواقعي.
{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ}[الأعراف: من الآية22]، مع ذلك الجو الذي أثَّر عليهما فيه حتى نسيا التحذير الإلهي لهما من الشجرة، ومن الشيطان وخداعه، وغفلا عن ذلك، {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الأعراف: من الآية22]، منذ اللحظة التي ذاقا فيها الشجرة، وقعا في النتيجة المؤسفة، خسرا كل شيء، وجُرِّدت عنهما حتى الملابس التي من الجنة، {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}، أخذا من أوراق الجنة ما ينظمانه ويلصقانه ويشبكانه مع بعضه البعض؛ لستر العورات، يعني: إفلاس من كل شيء، على الفور، على الفور أفلسا من كل شيء، خسرا دفعةً واحدة تلك الجنة وما فيها، حتى الملابس التي عليهما، وهي النتيجة المُرَّة التي أوصلهما إليها، وأراد أن يوصلهما إليها، وشعرا بالخسارة، وشعرا بأنه ورطهما، وخدعهما، وكانت لحظةً صعبةً عليهما.
وفي تلك الحالة، وهما- بالتأكيد- في حالة خجل من الله، شعور بالخطيئة، بالتقصير، وحينها تذكران نهي الله لهما، وغير ذلك، أتاهم النداء من الله، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}، وفعلاً ليس هناك أي تقصير من جانب الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هو حذَّرهما، ونهاهما من الأكل من تلك الشجرة، ومن أن يقربا تلك الشجرة، حتى الاقتراب يشكِّل أحياناً تأثيراً على الإنسان، الاقتراب من المعصية، وكذلك حذَّرهما من الشيطان أنه عدوٌ مبين، يعني: لن ينصحهما، لن يقدِّم لهما أي شيءٍ فيه نصح، حتى وإن زعم أنه ناصح، وإن أقسم لهما أنه ناصح، وهذا حاله مع البشر، وحال أعوانه من شياطين الإنس والجن، مهما كانت العناوين مخادعة، وجذَّابة، ومهما كانت صورة ما يقدِّمونه أنه في إطار النصح، مثلما يعملونه مع الشعوب البشرية، والعالم الإسلامي في هذا العصر.
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: الآية23]، اعترفا وأنابا إلى الله، ولم يكن موقفهما كموقف الشيطان: العناد، والإصرار، والاتهام لله، أو الإساءة إلى الله؛ بل بأدب، وخضوع، وندم، واعتراف بالخطيئة، أنابا إلى الله، طلبا منه المغفرة، بهذا التعبير: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}، وفعلاً الإنسان بالمخالفة- إن خالف أمراً من أوامر الله، أو نهياً من نواهي الله- يظلم نفسه.
نكتفي بهذا المقدار…
وَنَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
” الثورة نت” ينشر نص كلمة قائد الثورة حول آخر مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والتطورات الإقليمية والدولية
الثورة نت/..
نص كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حول آخر مستجدات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان والتطورات الإقليمية والدولية.
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في أواخر الشهر الأول من العام الثاني، للعدوان الوحشي، الإجرامي، الهمجي، الإسرائيلي، ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، العدوان الذي امتد مؤخراً ليشمل لبنان، في مستجدات هذا الأسبوع وتطوراته، أكثر من خمسةٍ وعشرين مجزرةً دموية، ارتكبها العدو الإسرائيلي، استشهد فيها وجرح ما يزيد على (الألف وأربعمائة فلسطيني)، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
والعدو الإسرائيلي مستمرٌ في جرائم الإبادة الجماعية، التي يستهدف بها الشعب الفلسطيني في كل أنحاء قطاع غزة، وبشكلٍ أكثر من بقية القطاع في شمال قطاع غزة، حيث استشهد على مدى أربعة أسابيع، أكثر من (ألفٍ ومائتين وخمسين شهيداً)، بحسب الإحصائيات المعلنة، من غير الجرحى، الذين هم بأعداد كبيرة.
ويسعى العدو الإسرائيلي في شمال قطاع غزة إلى تنفيذ مخطط جنرالاته المجرمين، وضباطه الدمويين، الذين أعدوا خطةً يهدفون من خلالها إلى إخلاء شمال قطاع غزة من السكان بشكلٍ كامل؛ بغية الانتقال إلى مرحلةٍ أخرى في بقية قطاع غزة، في مسعاهم لتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، بدءاً بشمال القطاع، ولتنفيذ هذا المخطط العدواني، يمارسون أبشع الجرائم في الاستهداف بالإبادة الجماعية لسكان شمال قطاع غزة، من ذلك: جرائم القتل الجماعي للسكان، يقتلونهم في منازلهم، بتدمير مساكنهم على رؤوسهم، والسعي لإبادتهم فيها، وأيضاً بالاستهداف لهم إلى مراكز الإيواء، التي يتجمعون فيها بعشرات الآلاف، فيقومون بالاستهداف لهم:
البعض الاستهداف لهم بالغارات الجوية.
والبعض يستهدفونهم بالقصف المدفعي.
والبعض يستهدفونهم بالاقتحامات المباشرة، للعدوان المباشر عليهم أثناء الاقتحام، وإخراجهم بالقوة والعنف والإجرام من مراكز الإيواء، ومن ثمَّ القيام بفصل الكثير منهم عن البقية؛ لاختطافهم، حيث يختطفون المئات من الأهالي.
وأيضاً يقومون بتنفيذ اعتداءات على البقية ما بعد خروجهم من مراكز الإيواء، وهم في الشوارع يستهدفونهم بالمدفعية، ويستهدفونهم أيضاً بالقناصة، وبأشكال الاستهداف، قاموا بتهجير عشرات الآلاف منهم تحت القصف، وكل أشكال الاعتداء، من شمال القطاع إلى مدينة غزة.
الجرائم الرهيبة كان من ضمنها: الجريمة الكبيرة التي ارتكبها العدو الإسرائيلي في (بيت لاهيا)، واستهدف فيها مبناً كبيراً من خمسة طوابق، على كلِّ من فيه من الأطفال والنساء، وهكذا جرائم رهيبة جداً يستهدف الأهالي بها بالقتل، وأيضاً بسلاح التجويع، يمنع عنهم الغذاء، ويحاصرهم أشد الحصار، وكذلك يعمل على إنهاء كل الخدمات الطبية، من خلال استهدافه للمستشفيات، وللكوادر فيها، وللمرضى والجرحى فيها، ويحاول ألَّا يبقى هناك أي خدمة طبية تُقدَّم للأهالي، في مسعىً من العدو لتدمير كل مقومات الحياة والبقاء في شمال قطاع غزة.
ويواصل جرائمه في بقية القطاع بكل أشكالها وأنواعها، من: حصار، وتجويع، وقتل للأهالي في مراكز الإيواء وغيرها… وهكذا كل أنواع الجرائم، إضافةً إلى جرائمه المستمرة ضد الأسرى والمخطوفين، وهي من أبشع الجرائم، ولربما لا مثيل لها أبداً، في كل السجون والمعتقلات في أنحاء العالم، ولدى كل المجرمين في العالم، ليس هناك من يمارس الإجرام بالقدر الذي يمارسه العدو الإسرائيلي، مع تشجيعٍ غربي، ومساندة غربية، وتواطؤ واضح من كثيرٍ من الأنظمة في العالم، من ضمن ذلك: الاعتداء الذي ارتكبه الصهاينة ضد مجموعةٍ من الأسرى الفلسطينيين، من بينهم القيادي البارز في حركة فتح: مروان البرغوثي ورفاقه، وهذا يوضِّح أنَّ العدو الإسرائيلي يستهدف كل أبناء الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن مختلف مكوناتهم السياسية، وهذا شيءٌ واضح.
في سياق العدوان الإسرائيلي، أصدر العدو الإسرائيلي ما يسميه بـ(قانون)، وعلى الطريقة الإسرائيلية، التي كل شيءٍ فيها يتَّسم بالعدوانية والإجرام والظلم، حتى ما يسميه بقوانين، عادةً ما تكون عبارةً عن صيغة عدوانية ظالمة، يسميها قانوناً، وهي تصادر حقوقاً، أو تقرر اعتداءً معيناً، أو جريمةً معينة، فأصدر ما يسميه بقانون الحظر لمنظمة الأونروا وأنشطتها الإنسانية، التي تقدِّمها للشعب الفلسطيني، مع أنها فرعٌ من فروع الأمم المتحدة، ومنظمة تابعة للأمم المتحدة، وأنشطتها أنشطة إنسانية، تقدم خدمات في التغذية، في التعليم، في مختلف الجوانب الإنسانية بشكلٍ واضح، ومعروف لدى العالم أجمع، ولكنه يسمي حتى تقديم تلك الخدمات الإنسانية، يسميها بأنشطة إرهابية، يوصِّف تقديم الغذاء للأطفال والنساء من أبناء الشعب الفلسطيني، للأهالي، للمجتمع الفلسطيني، يوصِّف تقديم الغذاء لهم بأنه نشاط إرهابي؛ عندما يقدَّم الحليب للأطفال الرُّضَّع، يوصِّف العدو الإسرائيلي ذلك بأنه نشاط إرهابي! عندما تقدَّم أي خدمة إنسانية في الجانب الطبي، أو في التعليم، أو في غيره للشعب الفلسطيني، يوصِّف العدو الإسرائيلي ذلك بأنه نشاط إرهابي!
أمَّا ما يقوم به هو من قتلٍ لآلاف الأطفال، وآلاف النساء، وإبادةٍ جماعيةٍ للشعب الفلسطيني، وتجويعٍ للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، وتعذيبٍ للأسرى والمخطوفين بأبشع أنواع التعذيب، وتجويعٍ، وكل الممارسات الإجرامية، فهو يسمِّي ذلك بأنه ممارسات عادلة، ويسمِّي عدوانه بأنه حربٌ عادلة! وهي نفس وجهة النظر الأمريكية، الموقف الأمريكي، الراعي الأمريكي، يسمِّي كل ذلك [دفاعاً عن النفس]!… وغيره من التوصيفات، التي يحاول فيها أن يجمِّل ما يقوم به العدو الإسرائيلي.
مع ما يقوم به العدو الإسرائيلي من جرائم فظيعة، وإبادة جماعية، وتجويع، ومحاصرة في كلِّ شيء للشعب الفلسطيني، الذي يعاني حتى في الحصول على مياه الشرب، في الحصول على كل متطلبات الحياة، فمع قدوم فصل الشتاء تعظم المعاناة، ويصبح مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، في ظل تلك الظروف القاسية جداً، والحصار الشديد، وانعدام كل متطلبات الحياة الضرورية، يصبحون معرَّضين للأمراض المتنوعة، ولاسيَّما الأطفال، والطاعنين في السن، والمرضى، والجميع يعانون من سوء التغذية، الكل معرَّض للمعاناة الكبيرة، ومخاطر الأمراض الصحية، التي تأتي مع قدوم فصل الشتاء، مع انعدام وسائل التدفئة، ومتطلبات الحياة الضرورية.
إضافةً إلى جرائم العدو، التي يستهدف بها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، يواصل جرائمه في الضفة الغربية أيضاً، ويستهدف الشعب الفلسطيني في الضفة بكل أشكال الاستهداف، يمارس سلوكه الذي أصبح سلوكاً يستمر فيه، ومتنوعاً، من: اقتحامات، وجرائم قتل، وتدمير للمنازل، واختطافات… وغير ذلك، مع ذلك كله يواصل العدو الإسرائيلي الانتهاك لحرمة المقدَّسات (المقدَّسات الإسلامية)، ينتهك حرمة المسجد الأقصى بالاقتحامات التي ينفِّذها الصهاينة بشكلٍ متكرر، لا يخلو أسبوعٌ من ذلك، انتهاكات مستمرة، وتدنيس لباحات المسجد الأقصى، إضافةً إلى ما يُعِدُّ له العدو الإسرائيلي- وهي خطوة سيئة جداً، ومستفزة للغاية- من حفل تخرُّجٍ لمجموعةٍ من جنوده المجرمين في ساحة حائط البراق، وهذه خطوة إجرامية تستفز مشاعر المسلمين، من بقي في قلبه مثقال ذرةٍ من الشعور بالانتماء للإسلام.
أمَّا في ما يتعلَّق بعدوانه على لبنان: فهو يستهدف الشعب اللبناني في كل أنحاء لبنان، وبشكلٍ أكبر في جنوب لبنان، وفي الضاحية الجنوبية، ويستخدم نفس أسلوبه وسلوكه الإجرامي في التدمير الشامل للقرى والبلدات، واستهداف من فيها من السكان، من لم ينزح ويهجَّر قسرياً، فهو معرَّضٌ للاستهداف بالقصف والقتل، وهكذا نتج عن هذا الاستهداف الشامل للأهالي في البلدات والقرى الكثير من الشهداء، والكثير من الجرحى، إضافةً إلى الاستهداف الممنهج لكل الخدمات التي تقدَّم لهم، استهداف للمستشفيات، والخدمات الطبية، وسيارات الإسعاف، استهداف للبلديات، التي تقدِّم الخدمة المدنية للأهالي… وغير ذلك، واستهداف أيضاً للصحفيين، ولوسائل الإعلام؛ بهدف حجب الحقيقة عن أنظار العالم.
العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف الشعب اللبناني، معظم الشهداء نتيجةً لذلك في لبنان من الأطفال والنساء، ومعظم الجرحى كذلك من الأطفال والنساء، كما هو الحال في غزة.
من مستجدات هذا الأسبوع أيضاً هو: العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية في إيران، وبغض النظر عن حجم الأضرار الناتجة عن ذلك، فهو انتهاكٌ للسيادة، وهو اعتداء بكل ما تعنيه الكلمة، وهو محاولةٌ من العدو الإسرائيلي، ومعه الأمريكي، شريكه في كل جرائمه واعتداءاته، على فرض معادلةٍ جائرةٍ ظالمة، يستهدف بها كل أمتنا الإسلامية، وهي: معادلة الاستباحة، أن يكون للعدو الإسرائيلي أن يضرب أينما شاء وأراد، في أيِّ بلدٍ مسلم، من العالم العربي وغيره، ويستهدف ما أراد ومن أراد، وبأي مستوى من الاعتداء والإجرام، وألَّا يرد عليه أيُّ بلدٍ استهدف، ولا أي جهة تستهدف، ولا أي شعبٍ يستهدف، هذا ما يسعى له العدو الإسرائيلي، وكان ظاهراً حتى في الشروط التي يشترطها لوقف إطلاق النار، ولوقف العدوان على لبنان، يشترط هذا النوع من الاشتراطات، وهو يريد كذلك تجاه كل دول المنطقة بكلها، يريد أن يفرض له هذه المعادلة: أن يكون مستبيحاً لبلدان وشعوب أمتنا بكلها، وأن يستهدف ما أراد، سواءً أهدافاً بشرية، أو منشآت (سواءً عسكرية، أو مدنية)، في أيِّ بلدٍ يريد، يريد ألَّا يكون لأيِّ بلدٍ من بلدان أمتنا أي استقلالية، ولا حُرِّيَّة، ولا سيادة، أن تكون هذه الشعوب ومنشآتها، وحتى سيادتها مستباحةً، من أجله هو، ومن أجل أن يفرض نفوذه وسيطرته في هذه المنطقة، التي يسميها الغرب بـ [الشرق الأوسط].
العدوان الإسرائيلي استهدف منشآت عسكرية، وانتهك السيادة الإيرانية، ونتج عن ذلك أربعة شهداء، ودم المسلمين ليس رخيصاً، والمعادلة التي يسعى لها العدو الإسرائيلي هي معادلة جائرة، وظالمة، وباطلة، وفي نفس الوقت هي تشكِّل خطورةً على أمتنا الإسلامية بكلها، في أيِّ بلدٍ مسلم؛ لأن ذلك يعرِّض شعوب هذه المنطقة بكلها، شعوب أمتنا الإسلامية بأجمعها، للخطر، عندما تكون سيادتها مستباحة، ودماؤها مستباحة، وحقوقها مستباحة، هذا امتهان للكرامة، وهذا استرخاص للأمة، وإذلالٌ ما بعده إذلال، عندما تقبل الأمة بهذا النوع من المعادلات الجائرة والظالمة.
ولذلك الأمريكي طلب عدم الرد من الجمهورية الإسلامية، ألَّا ترد على الاستباحة، وعلى الانتهاك للسيادة، وعلى إسالة الدم الإيراني، طلب منها عدم الرد، الغرب على نفس المنهج، وعلى نفس السلوك، الكل يطلبون من إيران عدم الرد، أن تترك المجال للعدو الإسرائيلي ليضربها، ولا ترد عليه، وهذا ما يريدونه من كل البلدان في هذه المنطقة كما قلنا، وما سبق للعدو الإسرائيلي من القيام به في ما مضى ضد كثيرٍ من بلدان أمتنا، ولاسيَّما البلدان العربية، كان له في ما مضى قديماً عدوان في العراق دون رد، عدوان على تونس، عدوان في السودان، وعدوان متكرر ومستمر لا يكاد ينفك أسبوعياً على سوريا… وهكذا اعتداءات على كثيرٍ من بلدان أمتنا، ويريد أن يوسِّع هذه الدائرة؛ لتكون كل المنطقة مستباحةً له، هذه المعادلة لا ينبغي أبداً أن تقبل بها أي دولة مسلمة، أو عربية، أو حرة، في العالم أبداً.
الأمريكي طلب بشكلٍ صريحٍ وواضح- كما هو حال الدول الأوروبية- من الجمهورية الإسلامية في إيران عدم الرد، وكذلك حذَّر من سوء الفهم، وهذا من غاية الوقاحة، وقاحة عجيبة جداً، يجرؤ عليها الأمريكي ومعظم الدول الأوروبية، ويتخاطبون بهذه اللغة مع أمتنا فقط، ويراد لهذه اللغة أن تكون لغة يُتَخاطب بها مع المسلمين: [ألَّا تردوا أيها المسلمون على من يستبيحكم، من يقتلكم، من ينتهك سيادتكم، من يستذلكم، من يدمِّر منشآتكم، لا تردوا عليه عندما يكون هو الإسرائيلي، أو يكون هو الأمريكي، أو يكون هو ذراعاً من الأذرعة الصهيونية، لا تردوا عليه، اخنعوا، استسلموا، اخضعوا، اسكتوا، كونوا في غاية الاستسلام والذلة والهوان]! وهل يرضى حرٌّ في هذا العالم لأن تفرض عليه مثل هذه المعادلة التي يتبناها الأمريكي، هي رؤية أمريكية تجاه كل العرب، وليس لها استثناءات في أيِّ بلدٍ عربي، الكل مستباح؛ ولـذلك كان من الجيد أنَّ الكثير من الدول أصدرت بيانات كان فيها إدانة صريحة وواضحة لذلك العدوان؛ لأنه تأسيس لمعادلة يريدون أن يثبِّتوها على الجميع بلا استثناء، مع أنَّ البعض من الدول العربية لم تكن جريئة لأن تصدر إدانةً واضحة، هي بعد لم تصدر إدانة واضحة تجاه ما يعمله العدو الإسرائيلي في فلسطين، وما يرتكبه من جرائم ضد الشعب الفلسطيني.
الأمريكي الذي يطلب من الجمهورية الإسلامية في إيران عدم الرد، وألَّا تسيء الفهم، وأنَّ عليها أن تقبل بالاعتداءات الإسرائيلية دون رد، ويريد هذا من كل أمتنا، هو- كما كررنا في كلِّ كلمة- شريكٌ أساسيٌ في العدوان على قطاع غزة، والاستهداف للشعب الفلسطيني، ومحاولة تضييع الحق الفلسطيني، لصالح العدو الإسرائيلي؛ لأن الأمريكي- كما قلنا في الكلمة في الأسبوع الماضي- هو مشتركٌ مع العدو الإسرائيلي في الاعتقاد بالصهيونية، والانتماء للصهيونية، وهذا ما يُصرَّح به الزعماء الأمريكيون، والقادة الأمريكيون، والرؤساء الأمريكيون، والمسؤولون الأمريكيون؛ ولـذلك هو يتحرَّك أساساً مع العدو الإسرائيلي، وهما وجهان لعملةٍ واحدة، ضمن معتقدٍ موحَّد، ضمن أهداف واحدة، ضمن مشروع واحد، ضمن برنامج واحد، وهم يعملون أن يكون كل ما يتحقق لهم لخدمة ذلك المشروع العدواني المستهدف لأمتنا، وفي المقدِّمة: العرب قبل غيرهم، تستباح بالمشروع الصهيوني أرضهم، ويستباحون هم، تهدر دماؤهم، لا يبقى لهم وفق ذلك المشروع الصهيوني حتى الحق في الحياة، حتى الحق في الحياة، يستباحون ويستباح كل شيء.
الأمريكي هو شريكٌ أساسي، بل إنَّ الحرب فعلاً- كما قال عنها بالأمس سماحة الأمين العام لحزب الله الشيخ/ نعيم قاسم “حفظه الله”- حرب أمريكية وغربية إسرائيلية، وليست فقط عدواناً إسرائيلياً، هي عدوان فعلاً من الجميع، عدوان من الأمريكي، والدول الغربية المساهمة، والإسرائيلي، تستهدف أمتنا بشكلٍ عام، وهذه حقيقة واضحة.
عندما ننظر إلى المجهود الأمريكي الداعم للعدو الإسرائيلي، فهو الأكثر، الأكثر حتى مما يمتلكه الإسرائيلي، أو يقدِّمه الإسرائيلي، الترسانة العسكرية التي يعتمد عليها العدو الإسرائيلي في حوزته لتنفيذ جرائمه وعدوانه ضد الشعب الفلسطيني، ضد لبنان وشعبها، وضد أيِّ بلدٍ عربيٍ أو مسلم، هي من الأمريكي:
طائرات الـ [F] بأنواعها: [F15] [F16] [F35]، هي أمريكية، قدَّمتها له أمريكا، وهو يعتمد عليها بشكلٍ أساسي.
القنابل والصواريخ التي يستخدمها في اعتداءاته وجرائمه، كلها من المخازن الأمريكية، وقدَّمها له الأمريكي، ويقدِّمها باستمرار، وهو يعلم أنه سيستهدف بها الأطفال والنساء، وأنه سيدمِّر بها المساكن والأحياء، بل إنَّ الأمريكي بنفسه يصنع قنابل كبيرة، قوية التدمير جداً؛ لتدمير المدن، وقتل المدنيين، بشكلٍ صُنع خصيصاً لذلك، قنابل لتدمير المدن وقتل المدنيين، وهذا بشكلٍ واضح.
على مستوى التمويل للعدوان، الإسرائيلي يقول في تقاريره: أنَّ الاسهام الأمريكي في التمويل المالي اللوجستي، الذي يعتمد عليه العدو الإسرائيلي في عدوانه على قطاع غزة، كل هذه المدة على مدى عام، ونحن في العام الثاني، في أواخر الشهر الأول من العام الثاني، المجهود الأمريكي بنسبة 75% في التمويل للعدوان، في تقديم الخدمات اللوجستية بأنواعها، 75%!
إضافةً إلى ما يقدِّمه البريطاني، وما يقدِّمه الألماني، وما قد يكون بعض العرب أيضاً يقدِّمونه، ودول غربية أخرى تقدِّمه، فيبقى ما يقدِّمه الإسرائيلي شيئاً محدوداً، ولو أنَّه شيء مكلِّفٌ له، يكلِّفه الكثير، لكن مقارنةً بحجم العدوان، ومتطلباته الهائلة، وهو بهذا الحجم من الهمجية والوحشية، هذا المستوى من القصف الذي ينفِّذه العدو الإسرائيلي باستمرار، قنابل وصواريخ، وكلفة كبيرة جداً للعمليات ومتطلباتها، العمليات العدوانية والوحشية والإجرامية، لكن حتى هذا المستوى من القصف الناري، والاستهداف بالمستوى الكثيف جداً؛ لأنه يُقدَّم له كل ذلك المستوى من الدعم الذي معظمه أمريكي، فالأمريكي هو شريكٌ أساسيٌ.
إضافةً إلى نشاط خبرائه، الخبراء الأمريكيون الذين لهم دورٌ أساسي: في الخطط، في الإشراف على كثير من العمليات، في متابعة الكثير من الجرائم.
الدور الاستخباراتي بكل أشكاله وأنواعه، بما في ذلك ما يعتمد الأمريكي فيه على طائراته الاستطلاعية، التي لا تنفك عن نشاطها الذي يستهدف الشعب الفلسطيني، ويستهدف لبنان، ويستهدف بقية البلدان، يستهدف اليمن والعراق أيضاً، وما يسميه الأمريكي بـ (الفرق الانغماسية)، التي تدخل ضمن أنشطة أخرى، وغطاء آخر في بعض الأنشطة، لتتجسس، وتجمع المعلومات من الميدان؛ من أجل الاستفادة منها في الاستهداف للشعب الفلسطيني، وهكذا في لبنان.
ما يقوم به الأمريكي في لبنان، من محاولة إثارة الفتنة، والتحريض ضد المقاومة، وضد حزب الله في لبنان، ومحاولة إثارة الفتنة بين أبناء الشعب اللبناني.
ما يقوم به الأمريكي من خلال قواعده المنتشرة في المنطقة، وانتشاره في البحر، يوظِّف كل ذلك الحضور العسكري، والتواجد العسكري في المنطقة بكلها، لخدمة العدو الإسرائيلي، وللضغط لصالح العدو الإسرائيلي، ولاعتراض الكثير من المسيَّرات والاستهدافات من جبهات الإسناد؛ التي تساند الشعب الفلسطيني، فيعترض ما يأتي منها بقدر ما يستطيع…إلخ.
فأمريكا هي وإسرائيل وجهان لعملة واحدة.
في مقابل هذا العدوان الهائل، والمستمر، والإجرامي، والوحشي، مع ما فيه من حصار وتجويع، فالصمود الفلسطيني بعد كل ما قد مضى هو عظيمٌ جداً، وخارج الحسابات المتوقعة لدى العدو الإسرائيلي، ولدى الأمريكي نفسه، كلٌّ منهما لم يكن يتصوَّر أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مع الحصار الذي له زمنٌ طويل، مع ذلك العدوان الهمجي المدمِّر تدميراً شاملاً، ما كانوا يتوقعون أن يصمد الإخوة المجاهدون من كتائب القسام، ومن معها من الفصائل الفلسطينية، ويواصلون القتال في سبيل الله بكل بسالة، بثبات، بتماسك، بفاعليةٍ وتأثير، بتنكيلٍ بالعدو إلى هذا المستوى، وطول هذه المدة، وبهذا المستوى من الصمود والثبات والتماسك.
العمليات البطولية النوعية لكتائب القسام، شهدت تطوُّراً نوعياً ملحوظاً في تكتيك المجاهدين، وفي تنكيلهم بالعدو الإسرائيلي، وحتى في انتخابهم للأهداف، وما يقومون به من عمليات الرصد بدقة، واختيار الهدف، ثم الاستهداف للأهداف المعادية استهدافاً مؤثراً، بحيث لا تكاد تخلو عمليةٌ من عملياتهم في الفترة الأخيرة من التأثير المباشر على العدو الإسرائيلي، والنكاية به، وإلحاق الخسائر به قتلى وجرحى من ضباطه وجنوده، بما في ذلك قتل ضباط قادة في جيش العدو الإسرائيلي، ومن ضمنهم قائد ما يسمونه بـ[اللواء 401]، الذي هو من الرتب العسكرية الكبيرة في جيش العدو، وقُتِلَ أثناء عدوانه في قطاع غزة.
العمليات التي تنفِّذها كتائب القسام، يظهر فيها القدرة الفائقة في الأداء بكل ما تعنيه الكلمة، وفي كل مراحل تنفيذ العملية، من رصد، من تفجير العبوات الناسفة باحترافية، بما يؤثِّر على العدو، واستخدامٍ لها بشكلٍ ممتاز، وتدمير مستمر لآليات العدو، وهكذا بقية العمليات التي تنفِّذها كتائب القسام، على مستوى القصف بالهاون وغيره.
سرايا القدس أعلنت كذلك عن تنفيذ (ثلاثة عشر عملية)، من ضمنها عمليات قصف بالصواريخ.
بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في قطاع غزة- كذلك- تواصل عملياتها مع كتائب القسام، في ظل هذا التعاون والتنسيق، والجو الأخوي للإخوة المجاهدين في قطاع غزة، وعمليات متنوعة، كلها تُعبِّر عن الصمود، وتشهد على الثبات والتماسك.
من العمليات المهمة في هذا الأسبوع في غير قطاع غزة، هي: عملية الدهس البطولية لعشراتٍ من الجنود الصهاينة، من ضباط وجنود [الوحدة 8200]، التي هي وكر التجسس الإسرائيلي، في قاعدة [غليلوت] العسكرية، نفَّذها مجاهدٌ بطلٌ من أبناء الشعب الفلسطيني، وخرقت المنظومة الأمنية للعدو، وأرعبت الصهاينة المغتصبين، وكانت صدمةً إضافية تزيد من مستوى القلق والخوف، وفعلاً تمثل اختراقاً كبيراً للمنظومة الأمنية التي بحوزة العدو، عندما استهدفت ضباط وجنود تلك الوحدة، التي هي وكرٌ للتجسس، فلم تستطع أن تحمي نفسها بنفسها، ولا أن تكتشف تلك العملية، وتحول دون تنفيذها.
كذلك هناك في الضفة الغربية عمليات كثيرة نفَّذها الإخوة المجاهدون في الضفة الغربية، ما يقارب (خمسة عشر عملية)، وهي من العمليات المؤثِّرة على العدو الإسرائيلي.
وعلى العموم، من الواضح التماسك القوي، والثبات العظيم للإخوة المجاهدين في قطاع غزة، وللإخوة المجاهدين على مستوى الضفة الغربية، وهذا يدل على الفشل الكبير للعدو الإسرائيلي.
العدو الإسرائيلي يعتمد بشكلٍ كبيرٍ جداً على الإبادة الجماعية، وعلى قتل الأطفال، وعلى قتل النساء، وهذا لا يعتبر أبداً إنجازاً عسكرياً، هو إجرام رهيب جداً، من أبشع الإجرام، ولكن لا يعتبر إنجازاً عسكرياً، الإخوة المجاهدون مستمرون في عملياتهم، متماسكون، ثابتون، فاعلون.
وأيضاً فشل العدو الإسرائيلي في الوصول إلى ما أعلن عنه باعتباره هدفاً رئيسياً له، من أن يستعيد أسراه من دون صفقة تبادل، وهكذا فشل في تحقيق أهدافه التي أعلن عنها منذ بداية عدوانه على قطاع غزة؛ ولــذلك فهو فاشل.
والنجاح الفعلي والحقيقي هو للمجاهدين الفلسطينيين، في كتائب القسام ومعهم بقية الفصائل المجاهدة، هم الذين يُحسَب لهم الإنجاز العسكري، والنجاح العسكري، والتوفيق الإلهي، والشرف العظيم بأدائهم بهذه المسؤولية المقدَّسة في الجهاد في سبيل الله، والتصدي لأعداء الله، وأعداء الإنسانية، الذين يرتكبون أبشع الجرائم، ويستهدفون عباد الله المستضعفين والمظلومين، ويقتلون الأطفال والنساء.
أيضاً لا يزال العدو الإسرائيلي متخبطاً تجاه المشهد البطولي العظيم للشهيد القائد يحيى السنوار “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، الإسرائيلي في مأزق فعلي تجاه ذلك المشهد البطولي، الذي تسرَّب بغير إرادةٍ منه، ولا اختيارٍ منه، ثم يحاول بعد كل فترة أن يزيِّف مشهداً إضافياً، أو يقدِّم روايةً مختلفة، أو يتنكَّر لذلك المشهد الذي انتشر، وهكذا هو في حالة تخبط بكل ما تعنيه الكلمة، هذا مما يشهد أيضاً على فشله.
فيما يتعلَّق بالصمود العظيم للمقاومة في لبنان: على مدى شهرٍ من العدوان البري، والعملية البرية، التي كان العدو الإسرائيلي يتوقع أنه يتمكن من خلالها من الاجتياح بكل بساطة لجنوب لبنان، بعد جرائمه الممهدة لها، فالعدو الإسرائيلي مصدومٌ بصمود الإخوة المجاهدين في حزب الله، والمقاومة اللبنانية، وقد تكبَّد العدو الإسرائيلي الخسائر الكبيرة، والهزائم تلو الهزائم، وفعلاً الواقع يشهد أنَّ العدو الإسرائيلي في تلك العملية العدوانية مهزوم بكل ما تعنيه الكلمة، وقد تكبَّد خسائر كبيرة في صفوف قواته المعتدية، قرابة الألف من الجرحى والقتلى، مع تكتمه الكبير على الخسائر، ما يظهر هو الشيء القليل جداً، وما يعلن عنه هو الشيء القليل جداً، في مقابل ما يتكتم عليه العدو الإسرائيلي.
العدو الإسرائيلي في عدوانه البري على لبنان، عجز بشكلٍ واضح عن الاختراق الميداني، بالرغم من الغطاء الناري الهائل، هو ينفِّذ الكثير والكثير من الغارات، بأفتك القنابل الأمريكية، وله نشاط تجسسي لا يكاد يتوقف من أجواء لبنان، ثم ينفِّذ كل أنواع القصف، ثم يبدأ بالتقدم، يتقدَّم شيئاً ما، ثم لا يلبث أن يشتبك معه المجاهدون في حزب الله والمقاومة اللبنانية من المسافة صفر، ويكبِّدونه الخسائر بشكلٍ مباشر، بالقتلى والجرحى في صفوف ضباطه وجنوده، وبتدمير آلياته، ثم يهرب وينسحب، وهكذا هو المشهد على مدى شهرٍ كامل.
ومن الواضح أنَّ العدو الإسرائيلي في مأزق حقيقي في عدوانه البري على لبنان، فهو حاول أن يغيِّر من تكتيكه الذي اعتمد عليه في عام 2006، في عدوان تموز، في هذه المرة يحاول أن يقدِّم القليل من الآليات، وأن يقدِّم أحياناً قبلها من المشاة، من يتقدَّمون قبلها، ويتسللون، هو يعتمد على التسللات بشكل كبير، ولكنه فشل، فهو إن قدَّم المشاة؛ عَرَّض جنوده وضباطه للقتل المباشر، والاستهداف المباشر، وإن قدَّم الآليات، مثل تكتيكه في حرب تموز 2006؛ فهو يخشى من تكرار ذلك المشهد، ومن تحقق الوعد الذي وَعَدَ به شهيد الإسلام والإنسانية، سماحة السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، بأن يشاهد العالم بالبث المباشر مشاهد آليات العدو وهي تحترق، فأصبح خائفاً من ذلك المشهد، فهو يقدِّم القليل من الآليات، ومع ذلك تستهدف، وتدمَّر، وتحترق، والبعض منها أيضاً يحترق بالبث المباشر، فهو في مأزقٍ من الأمرين، وفي مشكلة تجاه أي تكتيك يعتمد، كل تكتيكٍ يعتمده، إمَّا هذا أو ذاك، يكبِّده الكثير من الخسائر، وتكون نتيجته الفشل، وهو خاسرٌ وخائب؛ نتيجة التوفيق الإلهي للإخوة المجاهدين في حزب الله، والمقاومة اللبنانية، بالصمود العظيم، والثبات العظيم، بكل ما يمتلكونه من إيمان، وثقةٍ بالله تعالى، وتوكلٍ على الله، ووعيٍ عظيم، وما زادهم به استشهاد القادة، وفي مقدِّمتهم شهيد الإسلام والإنسانية السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، ما زادهم من العزم، والتفاني، والاستبسال، والاندفاع للتنكيل بالعدو، والانتقام منه.
وفعلاً هي فرصة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة، طالما اعتمد العدو الإسرائيلي في الاستهداف لأبناء أمتنا على سلاح الجو، والقنابل الأمريكية، ليقتل من بعيد ويهرب، ولكن في العمليات البرية، التي يضطر فيها للالتحام المباشر، يتبيَّن خُبْره، وتتجلى حقيقته، بكل ما يمتلك من إمكانات، يظهر فاشلاً، ويظهر مهزوماً، مذعوراً، خائفاً، يهرب ضباطه وجنوده، بالرغم من أنهم محميون بهذه المعدات والإمكانات والآليات التي بحوزتهم، بالطائرات من الجو بكل أنواعها، وبالآليات العسكرية بكل زخمها من البر، ومع ذلك يظهرون في ذلك المستوى من الفشل، والعجز، والذعر، ويؤثِّر فيهم حتى على مستوى قتل الجندي الواحد، يخيفهم جداً، تتجلى الحقيقة القرآنية التي أخبر الله بها عنهم، عن خوفهم من الموت، ومما وراء الموت من المستقبل الرهيب، والعذاب الإلهي، {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ}[البقرة:96]، {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ}[البقرة:96]، فعلاً هم الأكثر جبناً، وخوفاً، ورعباً، وهم يدركون ما هم عليه من الظلم، والإجرام، والباطل، ومصيرهم في الآخرة؛ ولــذلك هم يتهرَّبون، وهم في حالة ذهول من مدى ثبات وصمود المجاهدين، وأدائهم البطولي، وعملياتهم المحكمة، وكمائنهم المنكِّلة بالعدو، التدمير للآليات، بالرغم من أنَّ العدو- كما قلنا- حاول أن يغيِّر تكتيكه عن الماضي، ويقدِّم القليل منها مع المتسللين، ولكن بالرغم من كل ذلك، تم تدمير ثمانية وأربعين آلية.
عمليات القصف الصاروخي من جنوب لبنان، ومن أنحاء لبنان مستمرة؛ لتستهدف العدو الإسرائيلي:
منها ما يستهدف العدو الإسرائيلي في الجبهة، إسناداً ودعماً للإخوة المجاهدين المشتبكين مع العدو في الميدان.
ومنها ما يستهدف العدو الإسرائيلي في كل المغتصبات في شمال فلسطين.
ومنها ما يستهدف مدينة حيفا المحتلة، والتي أصبح الواقع فيها نتيجةً للعمليات المستمرة بالقصف والاستهداف للعدو الإسرائيلي إليها، أصبح واقع العدو فيها واقعاً مخزياً، ومشلولاً، وعاجزاً عن ممارسة الأنشطة الاعتيادية اليومية، وأصبح الكثير من الصهاينة المحتلين في معظم شمال فلسطين المحتلة، وفي حيفا المحتلة نفسها، يمضون الكثير من أوقاتهم في الملاجئ، في خوفٍ ورعبٍ، ولا تكاد تتوقف صافرات الإنذار، فهي في كثيرٍ من الأحيان تؤدِّي أداءها المناسب في إخافتهم، وفي أن تمتلئ قلوبهم بالرعب، وفي توقعهم في كل لحظة للمزيد والمزيد من الصواريخ والطائرات المسيَّرة.
فشل العدو الإسرائيلي بكل منظوماته التي يمتلكها، أو التي بحوزته للدفاع الجوي، من منع الطائرات المسيَّرة الانقضاضية، التي يطلقها إخوتنا المجاهدون في حزب الله لاستهداف العدو، فشلوا في اعتراضها ومنعها، وأصبحت تؤرِّقهم وتقلقهم، وأصبح واقعهم أمامها مخزياً، إلى درجة أنهم اعترفوا وهم في حرج وخزي بكل ما تعنيه الكلمة عن عجزهم من منعها، يحلق البعض منها لأكثر من ساعة في أجواء فلسطين المحتلة، يحاولون أن يصيبوها، وأن يستهدفوها، وأن يسقطوها، فيفشلوا بكل وضوح؛ ولــذلك نرى الفاعلية العالية في أداء حزب الله، في الوقت الذي كان العدو الإسرائيلي يتوقَّع أن يكون حزب الله قد وصل إلى حالة الانهيار، أو الضعف الشديد، فها هو حزب الله حاضرٌ في هذه المعركة، في هذا الموقف المشرِّف، بكل قوة، بكل فاعلية، بكل استبسال، في الميدان حاضرٌ بثبات، في الأداء الناري، فيما يتعلَّق بالقصف الصاروخي، والقصف بالمسيرات، عمليات مستمرة، وعمليات مكثَّفة، وعمليات فاعلة ومؤثِّرة على العدو، منها تلك العملية التي استهدفت المجرم [نتنياهو]، إلى غرفة نومه؛ ولــذلك ما يحدث هو خيبة أملٍ حقيقية للعدو الإسرائيلي، وصولاً إلى العمليات أيضاً التي يستهدف حزب الله العدو الإسرائيلي بها، من خلال صواريخ قوية ودقيقة، تتمكن من الوصول إلى يافا المحتلة، التي يسميها العدو بـ[تل أبيب].
والخلاصــة: أنَّ الملايين من الصهاينة المغتصبين، يمضون الآن أكثر وقتهم في الملاجئ، في خوف، ورعب، وذعر، ولا يهنؤون أبداً بالحياة في ظل احتلالهم، وعدوانهم، وإجرامهم، والعدو الإسرائيلي الذي كان يعلن عودة المغتصبين إلى تلك المغتصبات في شمال فلسطين المحتلة، في الحدود مع لبنان، بأمنٍ وسلام، ها هو لم يعد يتمكن من تأمين المغتصبين الصهاينة في حيفا، وما بعد حيفا، ولا في معظم المغتصبات في شمال فلسطين.
حزب الله فيما يتعلَّق أيضاً بمعالجة ما كان قد حدث من استهدافات، وفي سياق ترميم وضع الحزب، أعلن أيضاً حزب الله، ووفق آلياته المتَّبعة والمعتمدة، على توافق شورى حزب الله على سماحة الشيخ/ نعيم قاسم أميناً عاماً للحزب، الشيخ/ نعيم قاسم غنيٌ عن التعريف، أَكْرِم وأَنْعِم بنعيم قاسم، من أبرز قادة ومؤسسي الحزب، وكان نائباً للأمين العام من بعد تأسيس الحزب، وإلى حين اختياره أميناً عاماً.
في كلمته بالأمس، أعلن الاستمرار في نفس برنامج سماحة شهيد الإسلام والإنسانية السيد/ حسن نصر الله “رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ”، دعاؤنا للشيخ نعيم قاسم بالتوفيق والسداد، ونحن في جبهة اليمن إلى جانبه، وجانب إخوتنا في حزب الله، والمقاومة اللبنانية، والشعب اللبناني، بكل ما نستطيع، في مواجهة العدو الإسرائيلي، والمشروع الصهيوني في المنطقة.
فيما يتعلَّق بجبهة الإسناد العراقية: يواصل مجاهدو المقاومة الإسلامية في العراق، عمليات القصف والاستهداف للعدو الإسرائيلي بالطائرات المسيَّرة، ونفَّذوا خلال هذا الأسبوع (اثني عشر عملية)، استهدفت أهدافاً عسكريةً تابعةً للعدو الإسرائيلي، في أم الرشراش، وفي غور الأردن، وفي الجولان المحتلة، وفي عكا، وفي شمال فلسطين، مؤكِّدين استمرار عملياتهم ضد العدو الإسرائيلي بوتيرةٍ متصاعدة، والأداء المتصاعد لإخوتنا الأعزاء المجاهدين في العراق هو ملحوظ، وهو يبيِّض الوجه، وهو مؤرقٌ ومزعجٌ ومؤثرٌ على العدو الإسرائيلي.
فيما يتعلَّق بالإسناد من جبهة يمن الإيمان والجهاد والحكمة، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدِّس): تستمر العمليات العسكرية في البحار، لاصطياد السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي والأمريكي والبريطاني، مع ندرة حركتها في البحر الأحمر، انعدام الحركة فيما يتعلَّق بالعدو الإسرائيلي، والندرة للحركة التابعة للأمريكي والبريطاني، وفعلاً- يعني- لدينا أزمة في الحصول على شيءٍ من تلك السفن لاصطيادها، لكن هناك عمل مستمر، وبحث مستمر، وملاحقةٌ لها إلى البحار الأخرى، إلى البحر العربي.
في أبرز تطوُّرات هذا الأسبوع فيما يتعلَّق بالعمليات البحرية: كان الاستهداف لـ (أربع سفن) شرق سقطرى، أقصى البحر العربي من جهة الشرق، يأتي هذا في سياق تقوية مسار الاستهداف باتِّجاه المحيط الهندي، وشرق البحر العربي؛ لملاحقة المسارات الجديدة التي تهرب إليها السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وشركائه، هم يحاولون أن يبتعدوا وأن يتهرَّبوا من جهة المحيط الهندي؛ لاتِّساعه الكبير، اتِّساعه الكبير جداً، يعني: محيط من المحيطات، فهم يحاولون أن يتهرَّبوا من هناك.
هذه العمليات الأربع في هذا الأسبوع، التي استهدفت سفناً هناك، هي عمليات مهمة جداً، ونعمل على أن يتوفَّر الزخم اللازم- بإذن الله تعالى- لملاحقتهم إلى هناك، إلى أقصى الشرق في البحر العربي، وإلى المحيط الهندي.
وقد بلغ إجمالي عدد السفن المستهدفة، المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، وبالأمريكي والبريطاني، إلى: (مائتين واثنتين)، وهذا يعتبر إنجازاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة، والأمريكي هو في غاية الانزعاج نتيجةً لذلك؛ لأنه فشل في ما كان قد تعهَّد به للعدو الإسرائيلي، من أن يؤمِّن له الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ولأول مرة وفي منطقة واحدة فقط، تصبح مصالح العدو الإسرائيلي مستهدفةً بهذا الشكل، لا يتمكَّن أبداً من أن يواصل ملاحته عبر البحر الأحمر من باب المندب، لأول مرة يحدث ذلك، وعلى مدى كل هذه المدة الطويلة لأكثر من عام.
الأمريكي منزعجٌ تجاه هذا الفشل، والذي أيضاً يؤثِّر على سمعتهم، على نفوذهم، على غطرسته وسيطرته؛ لأنه يسعى وفقاً لهيمنته التي تعوَّد عليها، ونفوذه الذي كان قائماً، على أن يبقى مسيطراً فيما يخدم العدو الإسرائيلي، ويخدم الأجندة العدوانية والمؤامرات التي تستهدف شعوب أمتنا، وتستهدف الشعب الفلسطيني في المقدِّمة، فالأمريكي في غاية الانزعاج تجاه ذلك، وهو يسعى إلى إيقاف هذه العمليات، يسعى من خلال عدوانه المستمر، في كل أسبوع ينفِّذ عدداً من الغارات يستهدف بها بلدنا، يواصل من خلال الضغط السياسي، يواصل أيضاً من خلال الضغط الاقتصادي، يحاول باستمرار أن يورِّط الآخرين، ولاسيَّما التحالف السعودي الإماراتي، الذي عمل سابقاً تحت إشرافه في العدوان على بلدنا، في عدوان لم ينته بعد، يحاول أن يورِّطهم من جديد؛ ليتورطوا في التصعيد من جديد، خدمةً صريحةً واضحةً للعدو الإسرائيلي، وهذا شيء هم يعرفون بأنه مخزٍ، السعودي يعرف، وغيره يعرف بأن اشتراكهم في هذه المرحلة، في معركة مباشرة لإسناد العدو الإسرائيلي، سيكون مخزياً لهم، وفضيحةً لهم، وعاراً عليهم، وفي نفس الوقت يكلِّفهم الخسائر الرهيبة دون تحقيق الأهداف، حتى الأهداف التي يريدها الأمريكي، لكن الأمريكي في الحد الأدنى يريد أن يكون الآخرون متورِّطين معه، وداخلين في الورطة.
إذا كان الأمريكي بإمكاناته وعدوانه لم يعد يتمكَّن في عدوانه لإسناد العدو الإسرائيلي، ولمشاركة العدو الإسرائيلي، من منع هذه العمليات التي ينفِّذها اليمن إسناداً لفلسطين، فليس هناك أحداً غيره أيضاً من البلدان والقوى الأخرى، سيتمكن من إيقاف هذه العمليات المساندة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حتى يُفَك عنه الحصار والعدوان الظالم الإجرامي الوحشي الإسرائيلي، لن يتمكن أحد من إيقاف هذه العمليات، لابدَّ من وقف العدوان على قطاع غزة، ووقف العدوان على الشعب اللبناني؛ لأنَّـها جبهة واحدة، جبهة واحدة في جهتين، وقضية واحدة لبلدين عربيين مسلمين؛ ولــذلك فالعدو الإسرائيلي عليه أن يوقف عدوانه.
العمليات العسكرية مستمرة بالقصف الصاروخي، وبالطائرات المسيَّرة، إلى عمق فلسطين المحتلة، لاستهداف أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي في يافا المحتلة، وفي عسقلان، نفِّذت عمليات هذا الأسبوع بـ(ثلاثة عشر صاروخاً بالِسْتِيّاً، ومُجَنَّحاً، وطائرة مسيَّرة).
الأنشطة الشعبية مستمرة، وقد بلغ إجمالي المسيرات، والمظاهرات، والفعاليات المتنوعة، إلى: (سبعمائة ألف وثلاثة وثمانين ألفاً، وأربعمائة وتسعة وثمانين)، ما بين مسيرة، ومظاهرة، ووقفة، وفعالية، وهذا رقمٌ كبيرٌ جداً في غضون كل هذه المدة، على مدى ثلاثة عشر شهراً، غير مسبوق ولا مثيل له في أي بلد تجاه أي قضية، وهذا من التوفيق الإلهي لشعبنا العزيز، هذا من الشواهد لقول رسول الله “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ”: ((الإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ))، هذا الحضور الشعبي بتفاعلٍ حقيقيٍ صادق، يظهر بشكلٍ جلي في وجوه وكلمات ومواقف أبناء شعبنا العزيز، في مسيراتهم وتظاهراتهم المؤيِّدة للشعب الفلسطيني، كلها تعبِّر عن الإيمان، عن الموقف الإيماني.
هذا الحضور المستمر دون كلل، ولا ملل، مستمر بزخمٍ عظيم، وحضورٍ مليوني، هذا يدل على الإيمان، على الوفاء، على القيم الأصيلة، على أصالة هذا الشعب في انتمائه الإسلامي.
أيضاً فيما يتعلَّق بالدورات العسكرية في إطار التعبئة، التي هي من أهم الأنشطة الإيمانية والجهادية لشعبنا العزيز: قد بلغ عدد المتخرِّجين من دورات التأهيل والتدريب العسكري فيها أكثر من نصف مليون، يعني: (خمسمائة وتسعة عشر ألف وتسعة وعشرين متدرباً)، وإن شاء الله لدينا الأمل أن يصل عددهم إلى مليون، ومن بعد ذلك إلى أكثر، وللعلم هناك أيضاً القوة العسكرية التي قد حظيت أصلاً بالتدريب، وما سبق ذلك أيضاً من التحاق بدورات التدريب في إطار أنشطتها، هناك أيضاً الكثير من أبناء شعبنا بحكم المتدرِّبين، مقاتلون بالفطرة.
الأنشطة المتنوعة للتعبئة، من: مناورات، وعروض عسكرية، ومسير عسكري، أنشطة كثيرة، قد بلغت إلى (ألفين وتسعمائة وثلاثة عشر نشاطاً)، ما بين مناورة، ما بين مسير عسكري، ما بين عرض عسكري. هذا فيما يتعلق ببلدنا.
فيما يتعلَّق بالمظاهرات في بلدان متعددة من العالم: تستمر التظاهرات الأسبوعية في بلدان كثيرة، بالرغم من القمع، والاضطهاد، والمضايقة في بعضٍ من البلدان الغربية، مثل أمريكا، مثل بريطانيا، ألمانيا… دول أخرى تضطهد الذين يخرجون للتظاهرات، تضايقهم، أحياناً تهجم عليهم ما يسمونه عندهم بـ[الشرطة]، من البلاطجة، يهجمون عليهم حتى بالكلاب البوليسية، تستمر تلك المظاهرات في: استراليا، وإيطاليا، والنمسا، وهولندا، والسويد، والنرويج، وبريطانيا، وأمريكا، وإيرلندا، وكوريا الجنوبية، واليابان، والدنمارك، وألمانيا، وسويسرا، وتركيا، تركيا من بلدان العالم الإسلامي.
أمَّا في العالم العربي وللأسف، ففيما عدا اليمن، خرجت مظاهرات في المغرب، وفي البحرين، وفي الأردن، وفي تونس، في البحرين مع معاناة كبيرة جداً من المضايقات، وبشكلٍ محدود؛ نتيجةً للسياسة الإجرامية المتصهينة لآل خليفة في البحرين، في الأردن خروج واسع، في المغرب خروج كبير، في تونس خروج بالمئات.
من التوفيق الإلهي أن يكون لشعبنا العزيز موقفه المتميز والمتكامل رسمياً وشعبياً، وأن يتحرَّك تحركاً كاملاً: عسكرياً، وسياسياً، وإعلامياً، وكذلك الجهاد بالنفس وبالمال، والإنفاق في سبيل الله… في كل المجالات، هذه نعمة كبيرة، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[المائدة:54].
في مقابل الإجرام الصهيوني، والمشروع الصهيوني العدواني، المستهدف لأمتنا في دينها ودنياها، من المعيب، من المخزي، من الذنب العظيم، من التقصير الكبير، ألَّا يكون هناك موقفٌ لأيِّ بلدٍ عربي أو إسلامي، أو أيِّ مكون من أبناء أمتنا تجاه ذلك؛ لأن علينا مسؤولية دينية، وإنسانية، وأخلاقية، تجاه ذلك، تجاه الشعب الفلسطيني، وتجاه الشعب اللبناني، تجاه أنفسنا كأمةٍ مسلمةٍ مستهدفة، تجاه أنفسنا كعرب مستهدفين قبل غيرهم، من العدو الإسرائيلي، ومن المشروع الصهيوني.
من المعيب الذي لا يليق حتى بإنسانية الإنسان، فما بالك عندما يكون منتمياً للإسلام الدين الإلهي الحق، الدين العظيم الذي مبادئه عظيمة، مبادئه أولها: التحرر من العبودية للطاغوت، ألَّا نقبل بأن نكون عبيداً إلَّا لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، لله الواحد القهار، فمن يرضى بالعبودية للعدو الإسرائيلي، لشرِّ خلق الله، لأولئك المجرمين، إخوان القردة والخنازير، من يقبل بأن يكون عبداً لهم، تصادر حُرِّيَّته، كرامته، تصادر إنسانيته في خدمتهم، وفي الإذعان لهم، وفي الاستسلام لهم، فقد فَقَد كل شيء، فَقَد إنسانيته، يوم شاهد الشعب الفلسطيني، وهو في تلك المأساة التي لا مثيل لها، شاهد الأطفال يقتَّلون، يمزَّقون إلى أشلاء، وشاهد الآلاف منهم يصرخون ويبكون، وهم مضرَّجون بالدماء، شاهد الكثير منهم وقد صاروا أيتاماً، بلا معيل، ولا سند، ولا قريب، شاهد الشعب الفلسطيني وهو في تلك المظلومية الرهيبة جداً، وتفرَّج على ذلك، أيُّ إنسانية بقيت؟! أيُّ دينٍ بقي؟! أيُّ إسلامٍ بقي؟! أيُّ إيمانٍ بقي لمن لا يكترث، لا يتأثر، لا يستشعر مسؤوليته تجاه ذلك؟!
المشروع العدائي الصهيوني المشترك بين إسرائيل وأمريكا، والمتصهينين في الغرب، هو مشروع يستهدف أمتنا، وهم كما قلت: الأمريكي والإسرائيلي وجهان لعملةٍ واحدة، {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]؛ أمَّا من يلتحق بهم من العرب، فليس محسوباً عندهم هم في مستواهم؛ إنما هو مستغل، مستعبد، أداة من أدواتهم، لكنه بتوليه لهم، وتأييده لهم، ولو إعلامياً، حتى على المستوى الإعلامي، التأييد للصهاينة ولاءٌ لهم، والله يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51]، يصبح معهم شريكاً لهم في جرائمهم الفظيعة، والتي لا مثيل لها، وما أسوأ حال إنسان يلقى الله يوم القيامة وهو شريكٌ في تلك الجرائم الصهيونية الرهيبة.
المسؤولية كبيرة علينا جميعاً على المستوى الديني، الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” يقول في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:102]، يعني: أعلى مستوى من التقوى، في سياق ماذا؟ في سياق مواجهة فريق الكفر، والشر، والإجرام، والظلم، والإفساد في الأرض من أهل الكتاب، وهم في هذا العصر: الصهاينة من اليهود، وحلفائهم من النصارى، هم الذين يجسِّدون الامتداد لذلك النهج، لذلك الفريق الذي تحدَّث عنه القرآن الكريم، وذلك واضحٌ لا شك فيه أبداً.
هم الذين يحاولون أن يورِّطوا أمتنا؛ لتخسر دينها، وكرامتها، وعزتها، ودنياها، وتخسر كل شيءٍ من أجلهم؛ ولــذلك عندما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:102]: أعلى درجات التقوى، {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102]؛ لأن الإخلال بهذه المسؤولية، والتنصل عن الموقف اللازم، بما فيه من التزام إيماني، وإنساني، وأخلاقي، وديني، هو إخلال، إخلال بالأخلاق، إخلال بالدين، بالقيم، بالمبادئ الإسلامية؛ ولــذلك يتنافى مع مبادئ الإسلام، وقيم الإسلام، ليس مجرد وجهة نظر سياسية مجرَّدة، ليس لها جذور أخلاقية، أو ارتباط أخلاقي، لا؛ إنما يوصَّف الإخلال بذلك: أنه إخلال بمبادئ إسلامية، وقيم إسلامية، وقيم إنسانية فطرية، والمسألة مهمة جداً.
ولــذلك فالموقف الصحيح، الذي يجدي ويفيد في الدنيا والآخرة، والذي هو مسارٌ ناجح، وله أفقه الواضح، في إطار وعد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بزوال ذلك الكيان الإجرامي، الصهيوني، المتوحش، المؤقت، هذا الخيار، هذا الموقف، هذا الاتجاه في المواجهة للعدو الإسرائيلي، والتصدي والمحاربة للمشروع الصهيوني، هو المسار الناجح، المفلح، الظافر، الذي يحظى بالتأييد الإلهي، والأقل كلفة، والأقل كلفة، مهما كانت التضحيات فيه، مهما كانت المعاناة فيه، مهما كانت المتاعب فيه، هي لا شيء، بجانب ما لو خسرت الأمة كل شيء: حُرِّيَّتها، دينها، كرامتها، مستقبلها في الآخرة، حتى المستقبل في الآخرة، يجب أن يحضر في الحسابات، وفوق كل شيء، وفوق كل شيء؛ لأنه المستقبل الأبدي، ونحن أمةٌ مسلمة، تؤمن بالله واليوم الآخر، تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، ونؤمن بالحساب والمصير إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
عندما نتأمل على مستوى الواقع، هو أيضاً الموقف الضروري، الذي لابدَّ منه، الخيار الضروري والصحيح؛ لأننا بين خيارين فقط:
هذه الأمة إمَّا أن تكون أمةً مستسلمة، خانعة، مستباحة، وتدفع الثمن الهائل في ظل ذلك.
وإمَّا أن تتحرك وفق الموقف الصحيح، ووفق تعليمات الله تعالى، وتحظى بتأييد الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وتحافظ على حُرِّيَّتها وكرامتها، بل وأن يكون اتِّجاهها الصحيح عاملاً في بنائها؛ لأن جزءاً من الكلفة التي تدفعها الأمة، هو نتيجة لما كانت قد وصلت إليه الأمة، في إطار تقصيرها وتفريطها، وإهمالها لمسؤولياتها الكبرى.
المسؤولية الكبرى التي حمَّل الله هذه الأمة إياها، كأمة تنتمي لرسالة الله، ولدين الله الحق (الدين الإسلامي)، وتتحرك في إطار المشروع الإلهي، كأمةٍ ورثت إرث كل أنبياء الله، وإرث كلِّ رسل الله، الرسالة الإلهية، الدين الإلهي بمبادئه، بقيمه العظيمة، بمشروعه العادل، بحضارته الراقية، التي تعتمد على المبادئ والأخلاق والقيم، الأمة فرَّطت على مدى زمنٍ طويل في ذلك؛ فوصلت إلى ما وصلت إليه، وأصبحت فيما هي فيه من الضعف، والشتات، والفرقة؛ ولــذلك سنعاني كأحرار ومجاهدين نتحرك في ظل الوضع الذي كانت قد وصلت الأمة إليه، لكن هذا التحرك يبنينا، يقوِّينا، يجعلنا في إطار رعاية من الله، ومعونة من الله، وتأييد من الله، وفي إطارٍ بنَّاء، نبني فيه قدراتنا، نبني فيه كل عناصر القوة، التي نسعى لامتلاكها، نسعى فيه لأن نكون بمستوى التحديات، فيتحول التحدي إلى فرصة، وتتحول المخاطر نفسها إلى حوافز ودوافع للبناء والنهضة، وهذا شيءٌ مهمٌ جداً.
عندما نتأمل في واقعنا، أمتنا على مدى عقود من الزمن تستغيث بالأمم المتحدة، ماذا فعلت لها الأمم المتحدة؟! حتى لو أصدرت قرارات؛ لا تنفَّذ، ولا يكون لها حتى قيمة الحبر الذي كُتِبت به، ماذا أفادها مجلس الأمن؟! وهو مجلس أمن المستكبرين، وليس مجلس أمن المستضعفين والمظلومين، لا حرمة لهم، ولا التفات إليهم، ولا اهتمام بهم، ولا إنقاذ لهم، هو لا يفعل لهم أي شيء، ماذا فعلت محاكم العدل، الجنايات… غيرها، مؤسسات على أساس أنها مؤسسات معنية بإقامة حقٍّ، أو عدلٍ، أو إنصاف مظلوم؟! لم تفعل أي شيءٍ لأمتنا، ها هي القضية الفلسطينية، والمظلومية الفلسطينية، لما يقارب مائة وخمسة أعوام، جزءٌ منها في إطار الظلم والاحتلال البريطاني، والجزء الأكثر وريثه الصهيوني.
ما الذي فعلوه للشعب الفلسطيني ولأمتنا؟! هل سبق وأن فعلوا شيئاً للبنان، أو لسوريا؟! أتى الأمريكي ليتبرع بالجولان السورية، وكأنها من إرث أبيه، بكل وقاحة، وبكل جرأة، وبكل استباحة لبلدان أمتنا، كل تلك المؤسسات والمنظَّمات، حتى المؤسسات المحسوبة لهذه الأمة، لكنها ليست مرتبطة بمبادئ هذه الأمة، وقيم هذه الأمة، وشعوب هذه الأمة، مؤسسات شكلية، سلبياتها أكثر من إيجابياتنا، وباطلها أكثر من حقها، وما فعلته ضد شعوب من هذه المنطقة، وقوى من هذه المنطقة من أبناء الأمة، أكثر مما فعلته ضد العدو، لم تفعل فعلياً أي شيء ضد العدو بما تعنيه الكلمة، وإذا فعلت شيئاً في مراحل معينة، فقد كفرَّت عنه بالكثير والكثير لخدمة العدو الإسرائيلي.
أمتنا الإسلامية وحدها إذا انتمت لإيمانها انتماءً صادقاً، هي المؤهلة لإقامة القسط في الحياة؛ لأنه من مسؤولياتها، هي الأمة التي خاطبها الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}[النساء:135]، نحن نحن المسلمين، من نحن معنيون في هذه الأرض أن نواجه المشروع الصهيوني، الذي هو خطرٌ على البشرية بكلها، ومن وقاحته أنه يريد أن يجعل من بلدنا وأرضنا العربية مرتكزاً لشره، الذي يمتد إلى بقية أنحاء العالم، نحن الأمة المعنية بإقامة القسط، نحن من نتحمَّل هذه المسؤولية، ونحن من لدينا المؤهلات والعوامل اللازمة، إذا انطلقنا على ضوء تعليمات الله تعالى، كأمةٍ مسلمة، لدينا القرآن، والإسلام، والمبادئ، والقيم، التي تؤهلنا لأن نكون الأمة التي تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعمل على إقامة القسط، لكن بتخاذلنا، بتفريطنا في أداء هذه المسؤولية، بَلَغ الحالة إلى أن نكون الأمة الضحية، أكثر من غيرها من الأمم، الضحية للظلم، والضحية للإجرام، للطغيان الذي يمارسه شرُّ الناس، شرُّ البرية، المجرمون الصهاينة، صهاينة العصر، الذين هم أكثر إجراماً، ويمتلكون لوسائل الإجرام ما لم يمتلكه أحدٌ قبلهم، الفراغ الذي تركه المسلمون في تقصيرهم بمسؤوليتهم لم يملأه أحد، لا أمم متحدة، لا محاكم عدل، لا أحد هنا وهناك، نحن من علينا أن نتحرك، وأن نوقف الصهاينة عند حدهم، الصهيوني الذي أتى لاستباحة أمتنا، وأصبحت أمتنا ضحيةً لاستباحته، ينبغي أن ندرك مسؤوليتنا نحن للتصدي له.
نحن في جبهتنا هذه جبهة الإسناد في اليمن، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس)، نرصد باستمرار النشاط الأمريكي ضد بلدنا، وضد أمتنا، ونحن نستعد باستمرار لأي مستوى من التصعيد يريد الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني أن يذهبوا إليه، شعبنا العزيز- ونحن في اليوم الأخير من شهر أكتوبر- قد وصل كل محطاته التاريخية المشرِّفة، في كل المراحل التاريخية، ومنها: (ثورة أكتوبر) ضد الاحتلال البريطاني، الذي كانت نتيجته: دحر الإمبراطورية البريطانية آنذاك، وصل تاريخه المشرِّف (ثوراته وجهاده في الماضي) وصله أيضاً بجهاده المشرِّف، وموقفه العظيم، ضد العدو الإسرائيلي، وضد أمريكا وبريطانيا، وهو الآن في هذه المرحلة أكثر حضوراً، وأكثر وعياً، وأكثر استعداداً، وأكثر ثباتاً في حمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى، حتى من تلك المرحلة التي واجه فيها بريطانيا، هو يتحرك في سبيل الله تعالى بشرف، وإيمان، وعزٍّ إيماني، بكل ما تعنيه الكلمة، بقيمه ومبادئه.
أدعو شعبنا العزيز إلى الخروج المليوني يوم غد الجمعة، في العاصمة صنعاء، وفي بقية المحافظات والمديريات، حسب الترتيبات المعتمدة، جهاداً في سبيل الله، ونصرةً للمستضعفين من عباد الله، نصرةً للشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني، تحركاً في إطار التزام شعبنا الإيماني المقدَّس.
نَسْأَلُ اللهَ “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرنَا بِنَصْرِهِ، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْر لِلشَّعبِين الفِلَسْطِينِيّ وَاللُبْنَانِيّ، ولِلمُجَاهِدِينَ الأَعِزَّاء فِي فِلَسْطِينَ وَلُبْنَان، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛.