قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في محاضرته الرمضانية الحادية عشرة: الإنسان متى وصل إلى مستوى أن يفقد عنصر الخير في نفسه، ويتحوَّل إلى مصدر إغواء وإفساد للآخرين، فهو وصل إلى مرتبة شيطان
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِبِـسْـــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في سياق الآيات المباركة من (سورة الأعراف)، التي بيّن الله لنا فيها جوانب معينة من قصة آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وموقف الشيطان العدائي والمتعنت، وما تضمنت تلك الآيات المباركة، من الدروس والعبر المهمة التي نستفيدها من تلك القصة، كنا قد تلونا البعض من تلك الآيات وتحدثنا على ضوئها، وكان فيما سبق:
البيان لما ذكره الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» عن نعمه العظيمة على الإنسان، على المجتمع البشري بشكلٍ عام، كيف مكَّن لهم في الأرض، وأنعم عليهم في خلقهم، وهو خَلَق الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه صورةً رائعةً ومميزة، ثم كرَّمه، نعمة السجود تكريماً لآدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» هي نعمة على كل البشر أيضاً، وفيها التكريم الكبير للإنسان.
وبيَّن الله لنا كيف امتنع إبليس- لعنه الله- من السجود مع الملائكة، وعمَّا كان الدافع الذي دفعه إلى ذلك، وتبيَّن لنا أن الدافع هو عقدة الكبر والعياذ بالله، ثم عندما طرده الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» من بين الملائكة، {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: 13-17]، فتحدثنا عمَّا تفرَّع من عقدة الكبر من المعاصي الكبيرة والسيئة والخطيرة:
فإبليس- لعنه الله- امتنع من السجود لآدم، فكانت هذه معصية.
ثم أصر على ذلك، فكان إصراره معصيةً أيضاً.
ثم إنه بعد ذلك- وبكل وقاحة- يخاطب الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» متهماً لله في عدله وحكمته، وهذا كان كفراً فظيعاً، ومعصيةً كبيرة.
ثم مع ذلك بعد أن طلب الإنظار، فكشف الله له أنه من المنظرين أصلاً، بيّن اتجاهه، الذي هو معصية، معصية كبيرة جداً، على أن يقود الضلال والكفر، وأن يتجه في كل ما بقي من زمن سيُعَمَّر فيه ويُنظر فيه للإغواء عن صراط الله المستقيم، لإضلال بني آدم وإغوائهم، وهذا ذنبٌ عظيمٌ جداً، ويريد أن يستمر على هذا الذنب كل تلك المدة التي سَيُنْظَر فيها.
قبل ذلك هو أساء إلى الله أيضاً بتحميله المسؤولية، حمَّل الله مسؤولية إغوائه، مع أنه الذي أوقع نفسه في الغواية بسبب عُقدة كبره.
وهكذا من ذنبٍ إلى آخر، ومن معصية إلى أخرى، ومعصية الإغواء عن طريق الحق كم فيها من المعاصي، في كل معصية يعصي الإنسان فيها بتشجيع وتحفيز وإغواء من الشيطان، يكون شريكاً في تلك المعصية والعياذ بالله.
فهناك درسٌ كبيرٌ جداً فيما يتعلق بهذا التحول الذي حصل في واقع الشيطان، في واقع إبليس نفسه، عندما خرج من تلك الحالة التي كان فيها متعبداً بين الملائكة، ولآلاف السنين، كما ورد في الآثار أنه بقي آلاف السنين متعبداً بين الملائكة، وكان قد ارتقى ليكون متعبداً بينهم، ومن جملتهم، يعبد الله معهم، فمن ذلك المستوى في العبادة والارتقاء الذي وصل إليه، ثم هذا التحول إلى: عاصٍ، متمرد، خبيث النفس، سيء، مُصرٍّ على المعصية، يتَّجه إلى أسوأ مستوى من العصيان، إلى أحط مستوى من الخبث والعياذ بالله! لماذا هذا التحول الخطير؟ هذا فيه درسٌ مهم.
نجد في تجربة الحياة، في واقع الناس وعلى مرِّ التاريخ، أن هناك من البشر أنفسهم من يتَّجه في طريق الحق، والإيمان، والعمل الصالح، ويستمر لزمنٍ طويل، والبعض في ظل ذلك قد يبرز له دورٌ مميز، فيظهر في ظاهر الحال إلى أنه على مستوى متقدِّم من الإيمان والعمل الصالح، ومستوى راقٍ يظهر فيه في إطار عملٍ من الأعمال الصالحة، كالجهاد في سبيل الله، أو أي عملٍ آخر من الأعمال الصالحة، فيأخذ وقتاً لا بأس به وهو في ذلك الاتجاه، ومع الزمن أيضاً يبرز في إطار دورٍ مميز، ثم يتغير واقعه في مرحلة معينة، أو عند ظروفٍ معينة، أو أحداثٍ معينة، فيتجه اتجاهاً منحرفاً تماماً، البعض إمَّا في إطار انحراف فكري وعقائدي، والبعض على المستوى العملي، البعض على المستوى العملي في جوانب معينة، والبعض على المستوى الأخلاقي، وهكذا، تختلف الأحوال باختلاف الكثير من الناس في اتجاهاتهم، وعوامل وأسباب انحرافهم، فما الذي يحدث؟ ما الذي يحدث؟ مع أن الإنسان إذا اتَّجه الاتجاه الإيماني الصادق مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، بإخلاصٍ لله «جَلَّ شَأنُهُ»، واتَّجه اتجاهاً صحيحاً، يحاول ألَّا تبقى لديه أي بذور، من البذور الخطيرة التي تؤثِّر عليه فيما بعد، فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو يثبت عباده المؤمنين، هو القائل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}[محمد: الآية17]، هذه آية مهمة جداً، تُبَيِّن لنا أن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» يزيد عباده الذين يهتدون هدايةً، بل ويؤتيهم التقوى، وهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» القائل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال: من الآية29]، وكم في القرآن الكريم من الآيات التي تبيِّن أن الله يزيد عباده الذين يهتدون، ويؤمنون، ويصدقون مع الله، ويخلصون لله، ويتجهون اتجاهاً صحيحاً سليماً؛ يزيدهم من الهداية، يزيدهم إيماناً، يزيدهم توفيقاً، يثبتهم، يتوب عليهم، يخرجهم من الظلمات إلى النور، يُمدهم بألطافه الخفية… وهكذا.
هناك أمورٌ خطرة جداً تؤثِّر على الإنسان:
منها: عندما يكون غارقاً في نفسه، ومتمحوراً حول ذاته:
هذه الحالة حالة خطيرة جداً؛ لأنها في الأخير تحوّل نفس الإنسان لدى الإنسان إلى صنم، وتحوّل وجهته في العمل إلى النفس، وليس إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذه من المخاطر التي تورَّط فيها الشيطان، فهو مع طول عبادته التي هي لآلاف السنوات- كما في الآثار والأخبار- عَظُمَتْ عنده نفسه، واستغرق في نفسه، بعد دهر طويل وهو على تلك الحال من العبادة، ويرى نفسه أنه قد وصل إلى أن يكون في جملة ملائكة الله بينهم، مستقراً بينهم، يتعبَّد لله معهم، أصبحت تَعظُم عنده نفسه، تَكبُر عنده نفسه، يُسَبِّح بحمد نفسه، يستغرق في نفسه؛ فَعَظُمَتْ نفسه عنده أكثر وأكثر وأكثر؛ فأصيب بداء الكبر، وهو من أخطر الأدواء، داء الكبر داءٌ خطيرٌ جداً، ذنبٌ عظيمٌ، ومفسدةٌ رهيبة لأي مخلوق (للإنسان، أو للجن أنفسهم)، حالة خطيرة جداً.
أيضاً إذا كان هناك بذرة خللٍ أخرى:
الإنسان قد يكون عنده بذرة خلل، فلا يحاول أن يُطهِّر نفسه منها، يُبقي عليها في أعماق نفسه، مع الزمن تكبر وتكبر وتكبر، ثم يواجه اختباراً معيناً في لحظة حساسة، فيتجلى ما قد وصل إليه ذلك الخلل، الذي كبر مع الوقت، كبر مع الوقت؛ لأنه يمكن أن يكبر فتزداد حالة الخبث في النفس والميل والانحراف نحو ذلك الخلل المُعَيَّن، الذي ينجذب الإنسان إليه، ويتجه إليه.
البعض- مثلاً- ميوله في شهواته النفسية، فهو لا يقتنع بالحلال، إمَّا رغبته الجنسية، لم يقتنع فيها بالحلال، ولم تتزكَ نفسه؛ لِتَطْهُر، وتبتعد عن الحرام وتمقت الحرام، يكبر ذلك الخلل، يكبر، يكبر، يكبر، وعند لحظة اختبار حساسة يسقط الإنسان سقوطاً خطيراً ومدوياً.
أو الأطماع مثلاً، أطماع مادية، لم يتطهر منها، ولم يحاول أن يتَّجه الاتجاه الإيماني المتكامل، الذي تزكو به نفسه، فيكبر عنده ذلك الخلل. أو الطموح في المقام المعنوي، يريد أن يكون صاحب شهرة وسمعة كبيرة، ومكانة بين أوساط الناس، ويصبح هذا بالنسبة له هدفاً، ويكبر معه ذلك؛ فهو يرى- في الأخير- أن تلك الأعمال هي لتحقيق هذا الهدف، بدلاً من أن يكون اتجاهه إلى الله، والله هو يعز عباده المؤمنين، ويجعل لهم الودَّ في قلوب عباده، الإنسان إذا اتجه مع الله بإخلاص، الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو من يتولى أن يجعل له العزة، وأن يجعل له المودة في قلوب عباده، من دون أن يكون ذلك هدفاً للإنسان من الناس أنفسهم، يتجه به إلى الناس أنفسهم، بل إن الإنسان المؤمن يمكنه أن يكون هدفه حتى مع الله أسمى من ذلك، أسمى من ذلك، هدفه رضا الله «جَلَّ شَأنُهُ»، وبقية الأمور يتركها لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، والله هو الذي يفيض على عباده المؤمنين بالخير والتكريم والنعم، يمنحهم من عزته، من حكمته، من فضله، الشيء الكثير، ولكن الحالة الخطيرة على الإنسان هي هذه، هي: الخلل الذي كان في البداية بشكل بذرات، بذرة في داخل النفس، وبقيت هذه البذرة، ونمت وكبرت مع الإنسان، لم يتخلص منها.
وكما سبق أيضاً حالة الأنانية، الأنانية حالة خطيرة جداً، والاستغراق في النفس، والتمحور حول الذات، من أخطر الأمور التي أثَّرت وتؤثِّر على الكثير من الإنس، كما أثَّرت قبل الإنس في الجن، وفي إبليس نفسه.
هذا التحوّل الخطير هو عبرة، هو درسٌ مهم، ليحذر الإنسان، وليسعَ إلى أن يكون اتجاهه الإيماني اتجاهاً صحيحاً نحو الله، نحو الله، أن يتجاوز ذاته، لا يغرق في نفسه، ولا يتمحور حول ذاته، تكون وجهته إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ويُخلِص لله «جَلَّ شَأنُهُ»، ويتطهر من أي بذرة خلل ينتبه لها في نفسه، بل ويسأل من الله ويطلب من الله أن يزكي نفسه حتى تجاه الجوانب التي قد يكون هو غافلاً عنها، وبذور الخلل التي قد يكون غير منتبهٍ لها، يستعين بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» على ذلك.
كشف الله لنا خطة إبليس، عدونا الشيطان الرجيم، خطته هي تلك: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، هو شديد العداء، ويريد أن يُلحِق أكبر وأقصى ضرر وأشد ضرر بالإنسان، فما هو الضرر الذي يمكن أن يلحق بالإنسان؟ هو في صده وإغوائه عن صراط الله المستقيم، بذلك يشقى، يخسر أكبر الخسائر، يتورط، ويُحرم من رضوان الله، ومن الجنة في الآخرة، كانت عقدة الشيطان: ألَّا يبقى أبونا آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» وَأُمُّنَا حواء «عَلَيْهِ السَّلَامُ» ألَّا يبقيا في تلك الجنة، التي ابتدأ مشوار حياتهما فيها، فما بالك بجنة القيامة، جنة الخلد، جنة الآخرة، الشيطان يريد أن يحرم الكل منها.
{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، صراط الله المستقيم هو نهجه، نهجه وهدايته لعباده، ما وجَّهنا إليه وما شرعه لنا في هذه الحياة، والشيطان يريد أن يصدنا عن نهج الله، لا نتَّبع هدى الله، ولا نسير في مسيرة حياتنا على أساس منهج الله وتعليماته القيِّمة، فمنهج الله هو صراط مستقيم، يوصل إلى الغايات العظيمة، إلى الفوز العظيم، إلى الفلاح والخير في الدنيا والآخرة.
{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ}، يعني: في إطار صدِّهم وإغوائهم عن الصراط المستقيم، {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، بمعنى: أنه سيحاول في الإنسان لإغوائه بكل وسيلة، بأي طريقةٍ مؤثرةٍ عليه، يحاول أن يَنْفُذ إليه من أي ثغرة، وأن يستغل أي نقطة ضعف لدى الإنسان، فإذا حاول في الإنسان- مثلاً- من جهة الأطماع، فوجده ليس طماعاً، يحاول فيه من خلال الشهوات الأخرى:
قد يؤثِّر على البعض- مثلاً- من جهة الرغبة الجنسية، أو الأطماع المادية، أو أيٍّ من الشهوات الأخرى، وقد يؤثِّر في البعض من جهة أخرى، لا ينجح من تلك الجهات، فيحاول أن يبحث من جهة أخرى.
قد يؤثِّر في البعض عن طريق الغضب، والغضب كما قال عنه أمير المؤمنين عليٌّ «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: ((جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبلِيس))، يعني: ثغرة خطيرة جداً للشيطان، ومما روى عن نبي الله عيسى بن مريم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» أنه قال: ((أقرب ما يكون الإنسان من غضب الله إذا غضب))، لحظة الغضب والانفعال تؤثِّر على الكثير من الناس، وهي ثغرة خطيرة على البعض من الناس؛ لأنه إذا غضب وانفعل؛ تهور، ولم يعد منضبطاً ولا متماسكاً، يمكن أن يقول أي شيء، يمكن أن يفعل أي شيء. وفعلاً في واقع الناس كم من الجرائم الكبيرة، من جرائم قتل، وإزهاقٍ للأرواح، وإساءات، وكم من ذنوب باللسان، إساءات كبيرة باللسان، افتراءات، بهتان، ظلم بأشكال كثيرة، أتت في حالة الغضب والانفعال.
البعض من الناس يأتيه من جوانب أخرى، قد يكون غير انفعالي، أو قد يكون إذا انفعل تماسك وخرج عن تلك الحالة، فيحاول الشيطان كما قلنا: الطموحات المعنوية، المناصب، حب السلطة، النفوذ، فتنة الأمر والنهي، وغير ذلك، فهو يبحث عند كل إنسان أين هي الثغرة، أين هي نقطة الضعف، من أين يمكن أن يؤثِّر عليه؛ فيصرفه ويدفعه ليخالف أمراً من أوامر الله، أو نهياً مما نهى الله؛ لأن هدى الله في الأخير يصل إلينا (إمَّا أمر، وإمَّا نهي)، فيحاول أن يجعلك تخالف، تخالف أمراً من أوامر الله، أو تخالف في نهيٍ من نواه الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وحين ذلك يوقعك في المعصية.
حتى الجوانب الدينية، قد يدفع بالبعض إلى أن يتدين بالضلالة:
إلى أن يفتري على الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» باسم الدين.
إلى أن يقول على الله بغير علم.
إلى أن يغلو في الدين، ويتجاوز الحق والحد.
إلى أن يبتدع في الدين، ويحسب على الدين ما ليس منه.
إلى أن يتجه في تدينه إلى أن يُحَرِّم ما أحل الله، أو يُحلَّ ما حَرَّم الله… أو غير ذلك.
يعني: في الجانب الديني هناك أيضاً مزالق يمكن أن يشتغل عليها الشيطان مع من لديهم رغبة في التَّديُّن، توجه ديني، وهو يائس من صرفهم عن التوجه الديني؛ لأن البعض من الناس لديهم توجه ديني في نفوسهم، فييأس من أن يخرجهم من توجههم الديني، فهو يحاول أن يغويهم ولو كان في إطار توجههم الديني- كما قلنا- في جوانب كثيرة يمكن أن يغويهم فيها.
أمَّا من ينجح في صرفهم عن مسألة الالتزام الإيماني والديني كلياً، ويتَّجه بهم إلى الفجور والفسق، والخروج عن الالتزام بالإيمان والتقوى، فهي حالة أيضاً يغوي فيها الكثير من الناس، ممن يُعَبِّدون أنفسهم له وللشهوات، وينزلقون تلك المزالق والعياذ بالله.
فإذاً ينبغي أن يكون لدى الإنسان وعي بإن الشيطان سيترصد له، وإذا فشل في جهة معيَّنة، أو من جانب معيَّن، سيبحث من جانب آخر، فمن المهم للإنسان أن يحرص هو على أن يكتشف هو ابتداءً نقاط ضعفه: أين هي نقطة ضعفي، التي أرى نفسي أثناءها قريباً من الزلل، هل هي الغضب والانفعال؟ هل هي الشهوات؟ هل هي الطموحات المتعلقة بالسمعة والشهرة، أو غير ذلك، حب النفوذ…؟ أن يبحث الإنسان هو ليكتشف نفسه، ليكتشف نقاط الضعف لدى نفسه، جوانب الخلل لدى نفسه، ويمكنه من خلال اكتشافه لذلك أن يلتجئ إلى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وأن يسعى لتزكية نفسه، وللحذر، الحذر إذا عرضت له تلك الحالات، وهناك في دين الله، في تعليمات الله، في توجيهات الله، ما يساعد الإنسان، إضافة إلى الاستعاذة بالله، الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والاتِّجاه الإيماني، وذلك يشكِّل وقايةً للإنسان.
{وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}[الأعراف: من الآية17]، حقد الشيطان على الإنسان، وعلى بني آدم بكلهم، حقد شديد جداً، ولا يرضيه، ولا يكفيه، ولا يقنعه، أن يغوي مليار إنسان، ويكون مصيرهم إلى جهنم، ويحترقون معه في نار جهنم، لا يكفيه ذلك، أساساً هو لو كان من الممكن له أن يغويهم بكلهم، فمستوى حقده، وعداوته، وعقدته، هي إلى درجة أنه يرغب بذلك، ولو أمكنه ذلك؛ لفعل ذلك، يريد هلاكهم بكلهم، يكرههم بأجمعهم، يحقد عليهم جميعاً، حقد يفوق تصورنا، حقد عجيب جداً، ولكن طموحه أنه إذا لم يمكنه أن يهلكهم بكلهم، وأن يغويهم بكلهم، فعلى الأقل الأكثرية منهم، أن يسعى لهلاك أكثرهم، ولإغواء أكثرهم.
وطموحه يعود إلى ما قد عرفه عن الإنسان، فيما عرفه مع الملائكة عن البشر؛ لأن هنا تساؤل: هل لو لم يكن الشيطان موجوداً، أو لم يغوَ إبليس، ويتَّجه لهذا الدور: لإغواء بقية البشر، ويستعين في ذلك بمن سيغوي معه من الجن أيضاً، من شياطين الجن، هل البشر في أنفسهم سيكونون مستقيمين، صالحين، وكان السبب الوحيد في غوايتهم هو الشيطان؟ الجواب: كلا، النفس البشرية من أصلها قابلةٌ للخير وللشر، والله يقول عن النفس البشرية: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس: الآية8]، والبشر بأنفسهم حتى لو لم يكن هناك إبليس، لو لم يغوَ إبليس، ولم يتحرك لإغوائهم؛ لكان منهم من يتَّجه في طريق الشر، ويصل إلى مرتبة شيطان من شياطين الإنس؛ لأن هناك شياطين أيضاً من الإنسان.
الإنسان متى وصل إلى مستوى أن يفقد عنصر الخير في نفسه، ويتحوَّل إلى مصدر إغواء وإفساد للآخرين، فهو وصل إلى مرتبة شيطان، شيطان، ابتعد عن الخير، ابتعد عن الحق، ووصل إلى درجة أن تحوَّل هو- بنفسه- إلى مصدر لإغواء الآخرين، يسعى لإغوائهم، ولإفسادهم، ولإضلالهم، عندما يصل إلى هذا المستوى، إلى ذلك المستوى، يعتبر شيطاناً من شياطين الإنس، الشياطين قسمان: من شياطين الإنس، ومن شياطين الجن.
ولكن الشيطان، الميزة هنا التي يمكن أن تكون نقطة إيجابية، لو وعاها الإنسان جيداً: أنَّ طريق الشر، عندما يصبح الذي عليها، يدعو إليها، ويقود من يتحرك فيها، هو عدوٌ سيءٌ جداً، وكائنٌ خبيثٌ، سيءٌ، رجسٌ، دنيءٌ، وصل إلى مستوى هابط جداً من الدناءة والخسة، فما هو عليه من الخسة والسوء، وما هو عليه فيما يحمله من العداء للإنسان، يمكن أن يكون حافزاً للإنسان لأن يستقيم في طريق الحق والخير، ما دام وعلى طريق الشر وطريق الغواية عدوٌ لك، يعاديك، يكرهك، يسعى لهلاكك، يبغضك، يسعى لأن يصل بك إلى الشقاء في الدنيا، والهلاك الدائم والأبدي في الآخرة، وأيضاً هو دنيء، وخسيس، وسيء جداً؛ فهذا يفترض أن يكون حافزاً للإنسان للانصراف عن طريق الشر، والثبات على طريق الخير، أن يكون حافزاً يساعد الإنسان على الاستقامة، وهو كذلك إن وعى الإنسان جيداً.
بعد أن كشف الله خطته للناس باعترافه، باعترافه؛ أمَّا الله فهو عليمٌ بكل شيء، لا يخفى عليه شيء، قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأعراف: الآية18]، قال له سابقاً: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا}[الأعراف: من الآية13]، بعد هذا الحوار، وكشف الله فيه للناس باعتراف إبليس كل هذا الذي قد كشفه، أخرجه وطرده بهذا الطرد: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا}، من السماء، من الساحة التي يتعبَّد فيها مع الملائكة، {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا}، {مَذْءُومًا}، يعني: مذموماً، معيباً، وفعلاً الحالة رهيبة التي وصل إليها الشيطان، نعوذ بالله! تحوَّل من مقام العبادة، والقدسيَّة، وشرف الطاعة؛ إلى خزي، وذل، وعيب، وعار، وشناعة المعصية المخزية، هبوط رهيب جداً، وتحوُّل رهيب جداً، فهو مذموم، لم يبقَ له أي مكانة، لم يبقَ شخصيةً محترمة، أصبح مذموماً معيباً، تلطخ بعار وفضيحة وخزي المعصية المسيئة، {مَدْحُورًا}: مطروداً بإذلالٍ وإهانة.
{لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}، فكثرتهم هي كثرة لجهنم، وليست نقصاً على الله، الله غنيٌ عن العباد، الجن والإنس بكلهم ليسوا إلَّا نقطةً صغيرةً جداً، وعدداً ضئيلاً يسيراً محدوداً في ملكوت الله الواسع، الملائكة وحدهم خلق بأعداد هائلة جداً، وكثيرة للغاية، أعداد الإنسان حتى بعد أن وصلوا إلى مليارات، ومعهم أعداد الجن، ليسوا إلَّا عدد يسير، ضئيل، بسيط، قليل جداً، والأرض هذه التي استخلفنا الله عليها، ليست إلَّا كحبة رمل في صحراء لا حدود لها، صحراء شاسعة، فنحن في إطار ملكوت الله الواسع، لسنا سوى نقطة صغيرة جداً، والله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» لو عصاه الخلق أجمعون؛ لما ضرته معصيتهم، فهو لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه، هو الغني الحميد، هو الغني الحميد، الله غنيٌ عن عباده؛ ولذلك مهما كانت الكثرة من الذين يكفرون نعمة الله، ويسيئون استغلال نعمه عليهم، فيما منحهم في أنفسهم من حواسهم، ومن جوارحهم، وفيما أوجد لهم من نعم في هذه الأرض، كلما أساء الإنسان استخدام هذه النعم التي وهبه الله إيَّاها في نفسه، في مداركه، في حواسه، في مواهبه، في طاقاته، في قدراته، وما مكَّن له في الأرض، وما منَّ عليه من المنافع في هذه الدنيا، إذا استخدمها في معصية الله؛ فهو يستخدمها فيما يضره، في مضار ومفاسد، وفيما يسبب له أيضاً الخزي، والهلاك، والعذاب الأبدي في الآخرة والعياذ بالله.
هذا الطرد الرهيب، يبيَّن لنا كيف كان سخط الله عظيماً على الشيطان، والله لعنه، ويأتي في الآيات الأخرى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص: الآية78]، وحالة المعصية حالة خطيرة على الإنسان، وعلى الجن أيضاً، وحالة الإصرار حالة خطيرة، وحالة العناد التي يستهوي البعض، العناد يستهوي البعض، يرتاح بالعناد، العناد خطر جداً على الإنسان، يشكِّل خطورة بالغة على الإنسان، كما رأينا كيف كان على الجن قبل الإنسان، وعلى الشيطان نفسه.
{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأعراف: من الآية18]، نعوذ بالله! من أتباع إبليس تمتلئ جهنم، تمتلئ من أتباع إبليس، من الجن والإنس، وهذا يفيد كثرتهم؛ ولذلك تصل إلى هذه الدرجة: {لَأَمْلَأَنَّ}، والعياذ بالله! وهذا أمرٌ مخيف، أمرٌ مخيف، ليسعَ الإنسان ألَّا يكون من ضمن تلك الأكثرية والعياذ بالله.
{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: الآية19]، لاحظوا مع طرد الشيطان بتلك الصورة المهينة، المذلة، المخزية، أتى التكريم والرعاية لآدم وحواء «عَلَيْهِمَا السَّلَام»، وأسكنهما الله تلك الجنة، جنة فيها مما يحتاجان إليه من طعام وشراب وملابس، وسائر متطلباتهما بوفرة، وبراحة، ويحصلان عليها من دون عناء، {فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا}، المأكولات والثمار متوفرة، {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، شجرة واحدة فقط، وبدأ ترويضهما على المسؤولية، وعلى الأمر والنهي بشكلٍ محدود، يعني: لم يدخلا ضمن التزامات واسعة، مثلاً: يمنعا من أشجار كثيرة، ومن أشياء كثيرة، وقائمة نواهي، وقائمة أوامر، بدأت المسألة متدرجة معهما، ليبدأ مشوار الحياة دون أن يكون هناك ضغط التزامات كثيرة عليهما؛ إنما شجرة واحدة نُهيا عن الأكل منها، وحُذِّرَا بأنَّ النتيجة ستكون هذه: {فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}.
الشيطان بعد طرده وهبوطه من جهة السماء، ومن بين أوساط الملائكة، اتَّجه ليبدأ مشواره العدائي، وليبدأ جولته الأولى في الاستهداف لآدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، ولحواء «عَلَيْهَا السَّلَامُ»، فاتَّجه إليهما، وأعدَّ خطته لكيفية الاستهداف لهما، والهدف الرئيسي هو: إخراجهما من تلك الجنة، ومن ذلك النعيم، ومن تلك الحياة الطيِّبة والسعيدة، التي تتوفر لهما فيها متطلبات الحياة براحة، هو يريد أن يخرجهما من ذلك، وأن يتَّجه بهما إلى المعاناة، هو يائس من إضلال آدم، أو إفساد آدم، لكنه يريد أن يُلحِق بآدم المعاناة، كيف يعاني، كيف يبدأ مشوار حياته بمعاناة، فاتَّجه لإعداد خطته، وركَّز على ماذا؟ على تلك الشجرة، هو يريد أن يخالفا ذلك النهي، فالشيطان يستهدفنا تجاه الأوامر والنواهي الإلهية، فيما أمرنا الله أو نهانا، يشتغل على هذه النقطة.
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}[الأعراف: من الآية20]، الهدف: أن يُلحِق بهما المعاناة والإفلاس، وأن يخسرا تلك الجنة وما فيها من متطلبات الحياة، إلى درجة ألَّا تبقى لهما حتى ملابسهما، وأن يرى كلٌّ منهما نفسه في موضع الضعف، والإفلاس، وانكسار النفس والإرادة، فيكون لهذا أثر على المستوى النفسي والمعنوي والمادي، والشيطان يريد أن يستهدف الإنسان في وضعه المعنوي، وإلحاقاً بذلك: في ظروف حياته أيضاً.
{لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}[الأعراف: من الآية20]، قام بالسعي لتصوير النهي الإلهي أنه ليس لمصلحتهما، وهذا مما يشتغل عليه الشيطان مع بني آدم: يحاول أن يصوِّر الأمر الإلهي، أو النهي الإلهي، أنه ليس في مصلحة الإنسان، وأنَّ مصلحة الإنسان في مخالفته، وهذا خداع، خداع بلا شك؛ لأن الله فيما يأمرنا، أو فيما ينهانا، يريد لنا الخير، ومن منطلق رحمته بنا «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
فهو يقول: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ}، يقول: أنَّ سبب النهي لكي لا تكونا ملكين، ترتقيا لتكونا في هذه المرتبة: ملكين، أو من الخالدين، لتبقيا في الحياة بلا موت، تعيشا للأبد، وأنَّ سرَّ الشجرة هو هذا السر، فلو أكلتما من تلك الشجرة، فستتحولا إلى ملكين، وتبقيا في الحياة بلا نهاية، بلا موت، بلا فناء، هو هنا يحاول أن يلامس رغبة، رغبة لديهما، رغبة الترقِّي، الطموح ليكون الإنسان في مستوى أفضل وأعلى مما هو فيه، ورغبة الخلود في الحياة، هو حاول أن يلامس رغبة معينة، ومع أنَّ تلك الشجرة ليس لها أي سر من هذه الأسرار، ليس لها أي سر على الإطلاق، شجرة عادية، إن أكلا منها تكون النتيجة نتيجةً لتلك المخالفة أن يخسرا كل ما هما فيه، لا يبقى لهما حتى الملابس، ولاحظوا الفارق الكبير جداً: بين الوهم الشيطاني، الذي يقدِّمه الشيطان في وسوسته للإنسان، والحقيقة، تباين تام، وتناقض تام، واختلاف تام؛ لهذا يحاول أن يشتغل على هذه النقطة التي لامست رغبة، ومن الواضح أنه استمر، يعني: حاول محاولات متكررة، وأنه لم ينجح منذ المرة الأولى، وسوس لهما في البداية، فلم ينجح، فحاول، وهذا يبين لنا التكتيك الشيطاني، أنَّ تكتيك إبليس، وتكتيك الشياطين، هو: المحاولات المتكررة، والسعي للتأثير على النفس البشرية مرات، ومرات، ومرات، ومحاولات متكررة.
{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}[الأعراف: الآية21]، في الأخير حلف لهما، حلف لهما ليطمئنا؛ لأنه واضحٌ أنهما ترددا، وقلقا، ولم يطمئنا إلى وسوسته تلك، وإلى ذلك الوهم الذي رسمه لهما، فهو حاول أن يقنعهما بذلك عبر اليمين لهما، فهو قدَّم عنواناً مخادعاً، وقدَّم أيضاً أسلوب النصح، وقدَّم نفسه كناصح، والله يكشف لنا أيضاً كيف يفعل الشيطان، وأولياء الشيطان، وأهل الضلال، يقدِّمون عناوين مخادعة، عناوين جذَّابة، وعناوين مقبولة، وفي نفس الوقت يقدِّمون أنفسهم كناصحين، ويريدون ما فيه مصلحة الآخرين، وهكذا.
{فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ}[الأعراف: من الآية22]، في الأخير أوقعهما في الخطر: خطر المخالفة، والنتائج المترتبة على ذلك، بعد سعيه المتكرر، واستخدامه أسلوب الحلف واليمين، وغرهما بذلك التزيين، والخداع، والوهم الذي رسمه لهما، عن سر تلك الشجرة، السر الزائف غير الواقعي.
{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ}[الأعراف: من الآية22]، مع ذلك الجو الذي أثَّر عليهما فيه حتى نسيا التحذير الإلهي لهما من الشجرة، ومن الشيطان وخداعه، وغفلا عن ذلك، {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الأعراف: من الآية22]، منذ اللحظة التي ذاقا فيها الشجرة، وقعا في النتيجة المؤسفة، خسرا كل شيء، وجُرِّدت عنهما حتى الملابس التي من الجنة، {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}، أخذا من أوراق الجنة ما ينظمانه ويلصقانه ويشبكانه مع بعضه البعض؛ لستر العورات، يعني: إفلاس من كل شيء، على الفور، على الفور أفلسا من كل شيء، خسرا دفعةً واحدة تلك الجنة وما فيها، حتى الملابس التي عليهما، وهي النتيجة المُرَّة التي أوصلهما إليها، وأراد أن يوصلهما إليها، وشعرا بالخسارة، وشعرا بأنه ورطهما، وخدعهما، وكانت لحظةً صعبةً عليهما.
وفي تلك الحالة، وهما- بالتأكيد- في حالة خجل من الله، شعور بالخطيئة، بالتقصير، وحينها تذكران نهي الله لهما، وغير ذلك، أتاهم النداء من الله، {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}، وفعلاً ليس هناك أي تقصير من جانب الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هو حذَّرهما، ونهاهما من الأكل من تلك الشجرة، ومن أن يقربا تلك الشجرة، حتى الاقتراب يشكِّل أحياناً تأثيراً على الإنسان، الاقتراب من المعصية، وكذلك حذَّرهما من الشيطان أنه عدوٌ مبين، يعني: لن ينصحهما، لن يقدِّم لهما أي شيءٍ فيه نصح، حتى وإن زعم أنه ناصح، وإن أقسم لهما أنه ناصح، وهذا حاله مع البشر، وحال أعوانه من شياطين الإنس والجن، مهما كانت العناوين مخادعة، وجذَّابة، ومهما كانت صورة ما يقدِّمونه أنه في إطار النصح، مثلما يعملونه مع الشعوب البشرية، والعالم الإسلامي في هذا العصر.
{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الأعراف: الآية23]، اعترفا وأنابا إلى الله، ولم يكن موقفهما كموقف الشيطان: العناد، والإصرار، والاتهام لله، أو الإساءة إلى الله؛ بل بأدب، وخضوع، وندم، واعتراف بالخطيئة، أنابا إلى الله، طلبا منه المغفرة، بهذا التعبير: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}، وفعلاً الإنسان بالمخالفة- إن خالف أمراً من أوامر الله، أو نهياً من نواهي الله- يظلم نفسه.
نكتفي بهذا المقدار…
وَنَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة يؤكد مواصلة التصدي للعدوان الأمريكي ويحث على الاهتمام بالدورات الصيفية
الثورة نت/..
أكد قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، مواصلة التصدي للأمريكي الذي يشترك مع العدو الإسرائيلي ويسنده ويحميه ويشاركه في عدوانه على فلسطين وضد شعوب الأمة.
وأشار السيد القائد في كلمته اليوم بتدشين الدورات الصيفية وحول آخر التطورات والمستجدات، إلى أن العدوان الأمريكي على اليمن هو جزء من المعركة التي يشترك الأمريكي فيها مع العدو الإسرائيلي.. مؤكدا أن العدوان الأمريكي لم يتمكن من إيقاف العمليات العسكرية المساندة للشعب الفلسطيني ولا توفير الحماية للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
العدوان الصهيوني على غزة:
وأكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة يتجلى في الممارسات الإجرامية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.. مشيرا إلى أن المنظمات الدولية تشهد على المجاعة في قطاع غزة ونفاد القمح والطحين من المخابز التي كانت توزع الخبر لأبناء الشعب الفلسطيني.
وأوضح أن العدو الإسرائيلي لأكثر من شهر وهو يمارس جريمة التجويع ومنع الغذاء والدواء عن الشعب الفلسطيني في غزة، كما استأنف الإبادة الجماعية ويلقي القنابل الأمريكية على الشعب الفلسطيني في خيامهم وأطلال منازلهم المدمرة.. مبينا أن العدو الإسرائيلي استأنف الإجرام منذ أكثر من نصف شهر بذات الوحشية والعدوانية التي كان عليها لمدة 15 شهرا.
وأفاد بأن العدو الإسرائيلي لا يلتزم بالقوانين ولا بالاتفاقيات ولا قيم ولا أخلاق ويرتكب أبشع الجرائم بكل توحش.. مؤكدا أن العدو الإسرائيلي يركز على محاربة الجانب الإنساني في كل ما يتعلق به من إعدامات ومنع كل مقومات الحياة، ويرتكب كل أنواع الجرائم في غزة بتشجيع أمريكي ويقدم له السلاح لقتل الأطفال والنساء.
وذكر السيد القائد أن الأمريكي يتبنى بشكل معلن وصريح ما يفعله العدو الإسرائيلي، وعندما استأنف عدوانه أكد البيت الأبيض دعمه لكل ما يقدم عليه الإسرائيلي.. وقال” ما يفعله العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية يهدف إلى التهجير وما حصل في جنين نكبة كاملة”.
وأشار إلى أن المسجد الأقصى مستهدف باستمرار بالاقتحامات وتحركات بن غفير تظهر الاستهداف والتصعيد ضد مقدس من أعظم المقدسات الإسلامية.. لافتا إلى أن الأمة أمام خطري جرائم العدو الإسرائيلي وما يهدف إليه من تصفية القضية الفلسطينية بدعم أمريكي شامل.
وبين أن العدو الإسرائيلي يخرق الاتفاق في لبنان ولم تتوقف انتهاكاته وغاراته وصولا إلى بيروت في استباحته للأراضي والدم اللبناني، ومستمر في عمليات القصف الجوي في دمشق وباقي المحافظات السورية وقسم الجنوب السوري إلى ثلاثة تصنيفات فيما الأمريكي يتوغل في ريف دمشق بحراسة من مسلحين محليين.
وأضاف” الجماعات التكفيرية في سوريا لا هم لها ولا شغل إلا قتل المدنيين المسالمين العزل الذين لا يمتلكون السلاح، تتفرج على ما يفعله العدو الإسرائيلي من قتل وغارات وتدمير دون أي توجه جاد وعملي للرد عليه”.. مبينا أن العدو الإسرائيلي يسعى فعليا لتثبيت معادلة الاستباحة لهذه الأمة بشراكة أمريكية.
وأفاد قائد الثورة بأن الخطة الإسرائيلية التي كشف عنها كبار المجرمين الصهاينة هي أنهم يريدون أن يتجهوا إلى تقطيع أوصال قطاع غزة.. موضحا أنه ومع تقطيع وعزل بقية القطاع عن بعضه وإطباق الحصار يفتح العدو لما يسمونه بالهجرة الطوعية.
وتساءل” أي هجرة طوعية والقنابل الأمريكية تلقى على الشعب الفلسطيني في خيامه وعلى أطلال منازله المدمرة وهو يجوع؟!”.. مشيرا إلى أن ما يفعله العدو الإسرائيلي في الضفة بمثل ما فعله في مخيم جنين هل هي هجرة طوعية أو تهجير قسري؟.
كما تساءل” إن لم يكن التهجير القسري بإطلاق القنابل الأمريكية القاتلة المدمرة على النازحين في مخيماتهم في الخيم القماشية فكيف هو التهجير القسري؟.. لافتا إلى أن الدور الأمريكي هو الأساس لأنه الممول والحامي والشريك والمتبني حتى لمسألة التهجير بنفسها.
وقال” لا يجوز أبدا ان يتحول كل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني إلى حالة روتينية يشاهدها الناس ويكتفى بالبيانات”.
وأكد السيد القائد أن صمت وتجاهل الشعوب العربية إزاء ما يجري في فلسطين انقلاب على كل المبادئ والقيم والأخلاق والقوانين والشرائع، ولابد من العودة للنشاط العالمي والتحرك بمثل ما كان عليه وأكثر في الـ15 شهرا في معركة طوفان الأقصى.
وأضاف” ينبغي أن يكون هناك نشاط واسع في مختلف البلدان على المستوى العالمي للضغط على الحكومات لتتبنى سياسات داعمة إنسانيا للشعب الفلسطيني، وأن يكون هناك عزل للعدو الإسرائيلي وللعدو الأمريكي في توجههما الوحشي المنفلت الهمجي الإجرامي، ولا ينبغي أن تتحول المسألة هذه المرة إلى حالة صمت يعم البلدان بكلها”.
وأشار إلى أن هناك ضغط أمريكي على الجاليات وعلى الناشطين في الجامعات إلى درجة الترحيل لبعضهم، وهناك ضغط أيضا في البلدان الأوروبية للتضييق على الناشطين والتهديد بترحيلهم.
ولفت إلى أن السلطات في ألمانيا تحذو حذو الأمريكيين في التضييق أكثر على الناشطين بل والبدء في ترحيل بعضهم.. مشددا على أهمية أن يكون هناك نشاط واسع لأن هناك خطر يتهدد الإنسانية والضمير الإنساني والقيم الإنسانية في كل العالم.
وأكد قائد الثورة أن الأمريكي والإسرائيلي يتجهان بالمجتمع البشري نحو الغابة والحيوانية والتنكر التام لكل شيء.. مشيرا إلى أهمية تذكير المؤسسات الدولية بمسؤولياتها وإقامة الحجة عليها والضغط عليها لتبني مواقف أكثر جدية.
وتساءل: “لماذا لا تقوم الأمم المتحدة بطرد العدو الإسرائيلي منها، وهي قد ارتكبت جرما عظيما وتحملت وزرا كبيرا يوم اعترفت بالكيان الإسرائيلي الغاصب لفلسطين”.. وقال” مجلس الأمن ولو أنه مجلس أمن المستكبرين وليس ضمن اهتماماته إطلاقا العناية بالمستضعفين لكن ينبغي أن يكون هناك تحرك”.
وذكر أن العدو الإسرائيلي ينزعج عندما يكون هناك تحرك من المنابر والجهات والمنظمات لمواقف أكثر، ومن واجب الجميع أن يذكر أبناء العالم الإسلامي بمسؤوليتهم الدينية والإنسانية والأخلاقية وباعتبار أمنهم أيضا القومي كأمة.
وأضاف” يجب أن يذكر الجميع بهذه المسؤولية ويجب الاستنهاض للجميع فحالة الصمت خطيرة وهي بحد ذاتها وزر وذنب تجاه ما يجري”.. مؤكدا أن تجاهل الأمة لما يجري في فلسطين لا يعفيها أبدا من المسؤولية بل تتحمل وزر التجاهل والسكوت.
وأشار السيد القائد إلى أن تحرك الأمة بأكثرها رسميا وشعبيا ليس في مستوى الموقف والحالة العامة حالة تخاذل وتجاهل وتفرج.. وقال” لو اتسعت المقاطعة للبضائع الإسرائيلية والأمريكية لكان لها تأثير كبير”.
وأضاف” يجب أن يكون هناك نشاط واسع في أوساط الشعوب على مستوى التبرع والإنفاق في سبيل الله، ويجب أن تتجه الأنظمة إلى خطوات عملية في المقاطعة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية للعدو الإسرائيلي”.
ولفت إلى أن وسائل الإعلام على المستوى الرسمي العربي يجب أن تغير من سياستها السلبية تجاه إخوتنا المجاهدين في فلسطين.. مشددا على أهمية أن تتغير وسائل الإعلام على المستوى العربي في أدائها المتردي تجاه العدو الإسرائيلي.
وأشار إلى أن التفريط في المسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية له عواقب خطيرة في الدنيا والآخرة.
موقف اليمن الرسمي والشعبي:
وأكد السيد القائد أن اليمن رسميا وشعبيا أعلن موقفه منذ أن قام العدو الإسرائيلي بمنع دخول الغذاء والدواء وعاد إلى التجويع من جديد للشعب الفلسطيني.
وقال” عدنا بالعمليات البحرية وحظر الملاحة على العدو الإسرائيلي ثم كذلك الاستئناف لعمليات القصف إلى عمق فلسطين المحتلة، ومنذ استئناف العدو الإسرائيلي الإبادة الجماعية من جديد على قطاع غزة عاد شعبنا العزيز إلى التحرك في مختلف الأنشطة”.
وأضاف” ما بعد شهر رمضان ستعود كل الأنشطة الشعبية ويتم استئناف الخروج المليوني إن شاء الله من الأسبوع القادم”.. لافتا إلى أن الشعب اليمني تحرك فيما يتعلق بالتعبئة رسميا وشعبيا مع الشعب الفلسطيني على كل المستويات.
وأشار قائد الثورة إلى أن العدو الأمريكي يسعى مع العدو الإسرائيلي إلى تكريس معادلة الاستباحة لأمتنا والاستفراد بالشعب الفلسطيني.
وأكد أن التحرك بالموقف الكامل والشامل من اليمن في نصرة الشعب الفلسطيني أغاض العدو الأمريكي والإسرائيلي.. مبينا أن الأمريكي اتجه للعدوان على بلدنا في إطار اشتراكه مع العدو الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني.
وجدد التأكيد على أن العدوان الأمريكي على بلدنا هو جزء من المعركة يشترك الأمريكي فيها مع العدو الإسرائيلي.. وقال” المعركة هي ما بيننا وبين العدو الإسرائيلي ونحن أعلنا موقفنا الكامل ومنه الدعم العسكري لإسناد الشعب الفلسطيني”.
وأضاف” موقفنا موجه ضد العدو الإسرائيلي، والأمريكي لأنه مشترك مع العدو الإسرائيلي أعلن عدوانه على بلدنا وبدأ هو ابتداء عدوانه على بلدنا”.. مؤكدا أن العدوان الأمريكي بكل همجية وإجرام يصعد ويستهدف الأعيان المدنية، مبينا أن الأمريكي والإسرائيلي مشتركان في المشروع الصهيوني.
فشل العدوان الأمريكي على اليمن:
وأفاد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، بأن الأمريكي يرتكب الجرائم وهو في حالة عدوان على بلدنا ليس له أي مستند أبدا.. موضحا أن الأمريكي في عدوانه على بلدنا هو في حالة تصعيد ولذلك يستخدم طائرات الشبح وقاذفات القنابل ويحاول تكثيف غاراته.
وذكر أن غارات واعتداءات الأمريكي تصل في بعض الأيام إلى أكثر من 90 غارة، ورغم تصعيد العدوان الأمريكي لكنه فشل والحمد لله ولا أثر له على القدرات العسكرية.. مؤكدا أن العدوان الأمريكي لم يتمكن من إيقاف العمليات العسكرية المساندة للشعب الفلسطيني ولا هو تمكن من توفير الحماية للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي.
وأوضح أن العدوان الأمريكي لم يتمكن أيضا من تنفيذ أهدافه فيما يسميه بتصفية القيادات والقضاء على أحرار اليمن.. وقال” الأمريكي فاشل وسيفشل باستمرار بإذن الله تعالى ولن يتمكن في المستقبل من تحقيق الأهداف المشؤومة”.
وأضاف” شعبنا يتوكل على الله ويعتمد عليه وله مسيرة طويلة في الجهاد في سبيل الله تعالى”.. مؤكدا أن الغارات الجوية والاستهداف المكثف للبلد ليست حالة جديدة والأمريكي أشرف بنفسه وأدار العدوان على بلدنا على مدى 8 سنوات.
وقال” مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية اعترفوا بفشلهم فيما يتعلق بتدمير القدرات العسكرية ولم يحققوا النجاح الذي يريدونه”.. مشيرا إلى أنه وأمام هذا العدوان الأمريكي والبلطجة الأمريكية، شعبنا العزيز له مسيرة طويلة في الجهاد في سبيل الله.
وتابع” نحن في العام العاشر في وضع جهاد ومواجهة للطغيان الأمريكي ومواجهة لكل من يتحالف معه في العدوان على بلدنا، والمهم بالنسبة لنا أننا وصلنا إلى درجة المواجهة المباشرة فيما بيننا وبين الإسرائيلي والأمريكي وهذا ما كنا نحرص عليه”.
ولفت قائد الثورة إلى أنه ” خلال كل المراحل الماضية كانت أمنيتنا الوحيدة ولا تزال أن يكف العرب عنا وأن يتركونا في المواجهة المباشرة بيننا وبين العدو الأمريكي والإسرائيلي”.. مبينا أن المعركة القائمة الآن هي معركة ما بيننا وبين العدو الإسرائيلي، والأمريكي هو جزء من هذه المعركة.
وقال” لسنا كالذين يتفرجون على جرائم العدو الإسرائيلي ويسكتون فنحن نؤدي مسؤوليتنا أمام الله سبحانه وتعالى، وما يهمنا هو أن يرضى الله عنا وأن ننجو من سخط الله وغضبه ولعنته وانتقامه وفي نفس الوقت يرضي ضميرنا الإنساني”.
وأضاف” ندرك أننا في موقف نعمل كل ما نستطيع ولا نتردد في أي شيء نستطيعه مما هو في إطار مسؤوليتنا الدينية”.
ومضى قائلا” لا ترهبنا أمريكا ولا نعتبرها مهيمنة على العالم فهي تنجح تجاه من يرضخون لها أما من يعتمدون على الله فالمسألة مختلفة”.. وأضاف” لسنا معتمدين على مستوى قدراتنا وإمكاناتنا تأتي في إطار الأسباب، واعتمادنا كليا هو على الله تعالى”.
وتابع” نحن في حالة انتصار على مدى كل العشرة الأعوام ولسنا في حالة هزيمة وهذه نعمة علينا من الله سبحانه وتعالى، وسنواصل إسنادنا للشعب الفلسطيني ومعركتنا وموقفنا المتكامل ضد العدو الإسرائيلي”.
موقف اليمن فاعل ومؤثر:
وجدد السيد القائد التأكيد على مواصلة التصدي للأمريكي الذي يشترك مع العدو الإسرائيلي ويسنده ويحميه ويشاركه في عدوانه على فلسطين وضد شعوب أمتنا.. وقال” نحن في إطار موقف فعال ومؤثر ونتصدى للعدوان الأمريكي ببسالة وفاعلية”.
وأشار إلى أن القوات الصاروخية تؤدي واجبها وكذلك الطيران المسيرة والدفاع الجوي.. مبينا أن الدفاع الجوي تمكن بفضل الله من إسقاط 17 طائرة من نوع إم كيو تسعة وهذا عدد كبير وحالة فريدة لا نسمع بمثلها.
ولفت إلى أن هناك بفضل الله على المستوى الشعبي حالة ثبات عظيم ومعنويات عالية وليس هناك أي التفات إلى أصوات المرجفين والمثبطين والمخذلين.. وقال” نحن في موقف متقدم على المستوى البحري وحاملة الطائرات ترومان هي في حالة هروب باستمرار والمطاردة لها مستمرة”.
وبين قائد الثورة أن الأمريكي يعتمد في تصعيده هذه الأيام على طائرات الشبح وقاذفات القنابل التي تأتي من قواعد أخرى من غير حاملة الطائرات “ترومان” أما الأخيرة فهي في حالة مطاردة باستمرار وهي تهرب في أقصى شمال البحر الأحمر.. مؤكدا أن اليمن في موقف قوي ومتقدم والأمريكي يعترف بفشله والواقع يثبت فشله أيضا.
التعاون مع الأمريكي هو إسناد للعدو الصهيوني:
وخاطب السيد القائد الأنظمة العربية والدول المجاورة قائلا” العدوان على بلدنا هو عدوان سافر وظالم ويستهدف الأعيان المدنية في إطار الاشتراك مع العدو الإسرائيلي، ونحن لا ننتظر ولا نتوقع أي موقف مساند لنا كشعب يمني عربي مسلم، فأنتم خذلتم الشعب الفلسطيني”.
وأضاف” لا ننتظر منكم شيئا بموجب الانتماء العربي، فمن خذل فلسطين سيخذل غيرها من شعوب هذه المنطقة”.
كما خاطب تلك الأنظمة قائلا ” العدوان علينا يشكل خطرا على الأمن القومي للعرب جميعا وعلى المنطقة العربية بكلها، نحن لا نتوقع منكم لأن يكون لكم أي موقف إيجابي أو مساند أو متضامن لأنكم تخليتم عن فلسطين”.
وقال” ننصح ونحذر كل الأنظمة العربية والبلدان المجاورة لليمن على المستوى الأفريقي وغيره ألا تتورطوا مع الأمريكي في الإسناد للإسرائيلي”.. مشيرا إلى أن ” العدو الأمريكي هو في عدوان على بلدنا إسنادا منه للعدو الإسرائيلي والمعركة بيننا وبين العدو الإسرائيلي”.
وأضاف” لا تتورطوا في الإسناد للعدو الإسرائيلي، يكفيكم الخزي والعار الذي قد تحملتموه وزرا فظيعا يبقى في الأجيال وتحملونه يوم القيامة في الخذلان للشعب الفلسطيني”.
ودعا الأنظمة العربية والدول المجاورة بألا تتورط في الإسناد للعدو الإسرائيلي ولا تحارب معه.. وقال” أي تعاون مع الأمريكي في العدوان على بلدنا بأي شكل من الأشكال هو إسناد للعدو الإسرائيلي”، مؤكدا أن “معركتنا هي من أجل فلسطين ومنع تهجير شعبها والضغط لوقف الإبادة ضده”.
وأردف السيد القائد مخاطبا الأنظمة العربية والدول المجاورة:” إذا قمتم بأي تعاون مع الأمريكي إما بالسماح له بالاعتداء علينا من قواعد في بلدانكم أو بالدعم المالي أو الدعم اللوجستي أو الدعم المعلوماتي فهو دعم وإسناد للعدو الإسرائيلي”.. مؤكدا أن معركة الأمريكي ضدنا هي معركة إسناد للعدو الإسرائيلي ولا نريد منكم أي شيء”.
وأضاف” كفوا أذاكم وشركم عنا واكتفوا بالتفرج بما يحدث من جرائم ضد أبناء الشعب اليمني، أنتم خذلتم فلسطين لكن لا تشاركوا في إسناد العدو الإسرائيلي، يكفيكم الخزي والعار الذي سيبقى عبر الأجيال بخذلانكم للشعب الفلسطيني وسيكون وزرا رهيبا عليكم”.
وتابع” لا تدعموا العدو الإسرائيلي ضدنا ولا تقفوا مع الأمريكي في إسناده للعدو الإسرائيلي ضد بلدنا، ولا تشتركوا في الدفاع عن العدو الإسرائيلي وحمايته ومحاربة من يحاربه واتركونا وشأننا”.
وقال السيد القائد” نحن مستعينون بالله في مواجهة العدو الإسرائيلي والأمريكي وواثقون بالله ومعتمدون عليه، ونخوض هذه المعركة بكل شرف وعزة وإيمان واعتماد كلي على الله سبحانه”.
وأكد أن السياسة الأمريكية عدوانية واستعمارية ومتكبرة وتوجه الأمريكي في هذه المرحلة هو توجه مستفز لكل دول العالم، والأمريكي والإسرائيلي في أسوأ مرحلة من الانعزال العالمي والسياسات العدوانية والتصرفات الهمجية والسياسات الرعناء والحمقاء.
وقال” لا ينبغي للعرب في مثل هذا الظرف أن يتجهوا للمزيد من الانبطاح للأمريكي والإسرائيلي”.. مشيرا إلى أن السياسات الترامبية معروفة في التعرفة الجمركية التي مثلت ضربة اقتصادية وابتزازا لحلفاء أمريكا وكبار شركائها.
وذكر السيد القائد أن كل الأوروبيين يصيحون ومن يتابع تصريحاتهم يعرف مدى تأثير السياسات الأمريكية المستفزة وابتزازها.. موضحا أن القرارات الترامبية والأمريكية لم تراع حلفاءها الأوروبيين وهم أقرب للأمريكيين من العرب والمسلمين.
ولفت إلى أن الأمريكي يتخذ سياسات اقتصادية مؤثرة سلبا على حلفائه الأوروبيين بما لها من تأثيرات على الشركات والمصانع، كما أن الأمريكي ليس عنده مشكلة تجاه كل التأثيرات السلبية لحلفائه بل ويمارس فيما يتعلق بحلف الناتو الأمريكي ابتزازا غير مسبوق.
أضاف” الأوروبيون يدركون أن عليهم أن يهتموا بما يوفر لهم الحماية لأنفسهم من أنفسهم والدول العربية لديها تفكير كيف تحظى بالحماية الأمريكية!!”.
وأشار إلى أن على الدول العربية أن تأخذ الدروس مما يحدث في أوروبا وما يفعله الأمريكي فيما يتعلق بسياساته الاقتصادية انقلب فيها حتى على مبادئ الرأسمالية.. مبينا أن السياسة العدوانية الأمريكية استفزت كل دول العالم والكل يرى أمريكا بصورتها الحقيقية فيما هي عليه من طغيان وتكبر وعدوانية وابتزاز.
وأوضح قائد الثورة أن ” المسؤولية على الجميع وفي الحد الأدنى أن تكف الأنظمة شرها عن الفلسطينيين ومن يقف معهم أو يدعمهم”.
الدورات الصيفية تحصين للجيل الناشئ:
وأكد قائد الثورة أن الدورات الصيفية تأتي في إطار الاهتمام بالجيل الناشئ لأن التعليم والمعرفة والتربية من الحاجات الأساسية لهذا الجيل.. مشيرا إلى أن هذه الدورات هي للتحصن في مواجهة الحرب العدوانية المفسدة المضلة التي يطلق عليها الحرب الناعمة.
ولفت إلى أن الدورات الصيفية تهدف إلى تربية الجيل الناشئ والتمسك بهويته الإيمانية وتنويره بالهدى والوعي والبصيرة والمعرفة والعلم النافع، كما تهدف إلى تنشئة الجيل على مكارم الأخلاق وعلى العزة الإيمانية والشعور بالمسؤولية.
وقال” نهدف لتنشئة جيل مؤمن قرآني عزيز كريم حر ينهض بدوره في تغيير الواقع نحو الأفضل وفي مواجهة التحديات والأخطار، ومن يتأمل في واقع الأمة بشكل عام يدرك أن هناك مخاطر كبيرة وفي ذات الوقت فرصا كبيرة”.
وذكر السيد القائد أن هناك مخاطر تتعلق بالسياسة المتبعة في كثير من البلدان نتيجة للتوجه الذي عليه أنظمتها وهو المزيد من تدجين الأجيال لأعدائها.. موضحا أن حال الأمة بشكل عام يتجه إلى توارث حالة تدجين الأمة للأجيال القادمة للخضوع للأعداء والذل والاستسلام والجمود.
وأكد أن توارث حالة التدجين من جيل إلى جيل هو انحدار نحو الحضيض وظلم للجيل الناشئ.. مشيرا إلى أن التحريف للمفاهيم والقيم والإسقاط فيما يسمى بالحرب الناعمة خطر كبير بكل ما تعنيه الكلمة.
وأفاد بأن بعض الأنظمة تتجه بالولاء للأمريكي والإسرائيلي لتؤقلم مناهجها الدراسية ونشاطها التثقيفي فتتجه بالجيل نحو الضياع.
وقال” من يتم إسقاطهم في الحرب الناعمة بالإضلال والإفساد هم في حالة قتل لإنسانية الإنسان ولشرفه ولمستقبله وهو أخطر من قتله وتصفيته جسديا”.. مؤكدا أن الخسارة الأكبر هي إسقاط الملايين من الجيل الناشئ ومن شباب أمتنا عبر الحرب الناعمة ممن فرغوهم من محتواهم الإنساني.
وتطرق قائد الثورة إلى واقع الأمة، موضحا أن الأمة في هذه المرحلة بشكل عام تعاني من الوهن والحالة العامة التي نراها تجاه غزة هي الوهن، وهي حالة خطيرة جدا على أمتنا.. مبينا أن الأمة في حالة مخزية ووهن وضعف ليس فيها عزة ولا كرامة ولا حرية ولا استقلال، في حالة استباحة بكل ما تعنيه الكلمة.
وأضاف” انظروا كيف هي أمة الملياري مسلم في مواجهة عشرة مليون يهودي صهيوني بضعفها وعجزها ووهنها”.. مؤكدا أن الحالة الخطيرة على الأمة شجعت الأعداء عليها وهي حالة غير طبيعية وليست سليمة ويجب التخلص منها والعمل على الخروج منها.
وأشار إلى أن بقاء الأمة غثاء كغثاء السيل يعني مداسة يدوسها الأعداء بأقدامهم.. وقال” أزمة الثقة بالله هي أم المشاكل التي تعاني منها أمتنا وتفرع عنها الخلل الكبير على مستوى الرؤية والبصيرة والوعي والقيم والأخلاق”.
وأفاد السيد القائد بأن من أهم ما تحتاج إليه أمتنا وجيلها الناشئ تعزيز العلاقة بالقرآن الكريم ككتاب هداية وأن نتعلم منه معرفة الله وترسيخ الشعور بعظمته.. مبينا أن تعزيز الأمة لعلاقتها بالقرآن تستعيد به فاعليتها وتخرج من الحالة الرهيبة من انعدام الفاعلية والوزن إلى النموذج الأصيل المغيض للكفار.
وأشار إلى أن ” كل بناء للجيل الناشئ لا يعتمد على القرآن الكريم وأسسه وهدايته ونوره لن يغير من الواقع شيئا بل يسهم في السقوط أكثر وأكثر”.. مؤكدا أن البناء القرآني العظيم الفعال والمؤثر المغير نحو الأفضل في هذه المرحلة الحساسة سيكون امتدادا للنموذج الأصيل.
وذكر السيد القائد أن مستوى الاستفادة من الدورات الصيفية يتطلب اهتماما من جميع الجهات ذات العلاقة على المستوى الرسمي والقائمين على الدورات الصيفية.. وقال ” من يمتلك الخلفية الثقافية والعلمية في التدريس عليه أن يساهم في الدورات الصيفية بجد ومثابرة وهذا إسهام عظيم في تربية الجيل الناشئ”.
وأكد أن تربية الجيل الناشئ وتعليمه وإكسابه المهارات اللازمة هو جزء من الجهاد في سبيل الله.. معبر عن الآمل من الجميع الاهتمام بالدورات الصيفية والمجتمع له دور أساسي ومهم في ذلك.