أسطوات المهنة|| النجارين.. باب النجار مخلع
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
«الكتبة والمداحين وشيوخ الطوائف والبنائين والنحاسين».. وغيرهم الكثير من المهن التى اشتهرت فى مصر خلال العصرين العثمانى والفاطمي، والذى سجلت الجدران والمساجد إبداعاتهم التى ظلت راسخة ومنقوشة عبر مئات السنين.
وتأخذكم "البوابة" نيوز فى رحلة، طوال شهر رمضان المبارك، وحديث حول تلك المهن وشيوخها وأسطواتها، التى اشتهرت فى مصر والعالم العربي، والتى لايزال الكثير منها موجودا حتى عصرنا الحالي، ومنها ما اندثر، وأصبح تراثا تشهد به جدران المساجد والقصور.
على الرغم من المثل الشائع "باب النجار مخلع" إلا أن طائفة النجارين في مصر المحروسة أخذت هرة بالغة، ولا تزال أبواب المساجد والجوامع والمنازل القديمة شاهدة على العصور المتعاقبة .
واشتهر النجار المصري بأنه يعمل بمهارة وخفة نادرتين، على الرغم من الأدوات البسيطة التي كان يستخدمها في مهنته، فكانت الأداة الأصلية التي يستعملها في جميع الأعمال كالبرى والشق والدق والخلع وهي القدوم.
وتذكر المراجع الأجنبية أن فن النجارة بمصر كان أقل تقدماً من جميع الفنون إذ من النادر أن ترى المصريين يضمون أجزاء الخشب بعضها إلى بعض عاشقاً ومعشوقاً، بل يبرونها من الأطراف في زوايا حادة ثم يثبتونها بعضها ببعض بالمسامير، وقلما يستعملون الخوابير لهذا الغرض، وهذا هو السبب الذى يعرض أشغالهم إلى سرعة التلف ويجعلها قبيحة الصناعة على أنه قد كان من نتائج انتشار الترسانات والمصانع التي أنشأها محمد على إتقان هذا الفن اليدوي بتخريج عمال على يد بعض الأسطوات الأوربيين، أحرزوا شيئاً من الحذق والبراعة في صناعتهم. وكان بالقاهرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر خمس طوائف خاصة بالنجارين هم نجارو الطواحين، ونجارو السواقي، ونجارو عربات، ونجارو دقي، ونجارو مراكب، وكان أكثرهم عدداً نجارو دقى، وأقلهم نجارو السواقي، وقام هؤلاء بصناعة الأثاثات وغيرها من المنتجات الخشبية للأهالى وللحكومة، وكانت الدولة تستفيد من خبرتهم في عملية فرز الأخشاب .
لكن طائفة النجارين بشتى أنواعها قد عانت أيضًا من وجود الحرفيين الأجانب في مصر ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر عمل الكثير من الأجانب في هذه الصنعة وزاحموا المصريين، وكانت الدولة تقوم بتعيين الأجانب، كما كان الأجانب يقومون بتوريد الموبيليات والعربيات وخلافها إلى سرايات الخديوي وقصوره.
وشهدت تلك الفترة تواجد ورش كثيرة لأشغال الخشب في القاهرة، حيث ذكرت بعض المصادر أن حسن الشامي شيخ طائفة النجارين كانت له ورشة هو وشريكه معدة لتشغيل الأخشاب الكائنة بساحة الحمير بثمن الأزبكية. وكانت الصناعات الصغيرة في الغالب تقتصر على ورشة صغيرة يشتغل فيها عدد يسير من العمال، وكانت يزاول الطائفة لها حوانيت ضيقة يشتغلون فيها عادة على ذمتهم بمعونة بعض الصبيان.
ولم تتوقف التحديات التي واجهت طائفة النجارين عند حد وجود الأجنب لكن هناك صعابا أخرى تمثلت في استيراد الأخشاب من الخارج، وكان لإقبال بعض المصريين على التشبه بالأجانب من حيث اقتناء الأثاث المصنوع على النمط الأوربي أحد أهم الصعاب التي واجهت صناعة نجارة الأخشاب، حيث لم يكن لدى الصانع المصري الاستعداد الكافي لمواجهة ذلك الطلب الجديد، وكانت هذه الأوضاع فرصة عظيمة للأجانب الذين زاحموا المصريين، وكانوا جاهزين بإمكاناتهم الفنية والمادية لاقتناص الفرصة وتلبية احتياجات الطبقة الراقية فى المجتمع القاهري من بكوات وباشوات، وسائر الأغنياء في تلك الفترة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: شهر رمضان المبارك
إقرأ أيضاً:
السودان بعد استعادة الخرطوم.. تحديات استقرار البلاد وسط استمرار التوترات والفصائل المسلحة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
فى تطور كبير يشهده السودان، أعلن الجيش السودانى أنه قد تمكن من السيطرة الكاملة على العاصمة الخرطوم بعد أكثر من أسبوع من المعارك العنيفة التى شهدت تقدمًا لافتًا للقوات المسلحة فى عدة مناطق استراتيجية.
هذا الإعلان جاء بعد استعادة القصر الرئاسى من قبضة قوات الدعم السريع فى هجوم واسع شنته قوات الجيش على مواقع المليشيات فى قلب الخرطوم.
وفى بيان صادر، أكد المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبدالله، أن القوات المسلحة قد "تمكنت من تطهير آخر جيوب لشراذم ميليشيا آل دقلو الإرهابية" فى محلية الخرطوم، فهذا التصريح الذى أطلقه جاء بعد أيام من المواجهات الدامية التى دارت فى عدة مناطق داخل العاصمة، لتضع بذلك نهاية تقريبية لأحد أطول فصول النزاع العسكرى فى تاريخ البلاد.
وأعلن قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، من داخل القصر الجمهورى أن الخرطوم تحررت من قبضة (قوات الدعم السريع)، وأن الأمر انتهى، فيما شوهدت أرتال من مشاة قوات الدعم السريع، وهى تتجه خارج الخرطوم عبر جسر جبل أولياء فى اتجاه ولاية النيل الأبيض.
وحط البرهان بطائرته الخاصة داخل مطار الخرطوم للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع فى أبريل (نيسان) ٢٠٢٣، وقال البرهان وهو يتجول داخل القصر الجمهوري: الخرطوم حرة والأمر انتهى.
وفسَّر مراقبون هذا الانسحاب المفاجئ لقوات الدعم السريع، بسبب عدم قدرتهم على الحفاظ على المواقع التى يسيطرون عليها، والصمود طويلًا أمام الهجوم الكبير الذى شنه الجيش، ما دفعها للانسحاب بدلًا من الدخول فى معارك خاسرة.
يعود الصراع بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع إلى أبريل ٢٠٢٣، عندما اندلعت اشتباكات بين الطرفين نتيجة لخلافات عميقة بشأن الترتيبات السياسية والأمنية فى البلاد.
وعلى الرغم من أن قوات الدعم السريع كانت قد تزايدت قوتها ونفوذها فى السنوات الأخيرة، إلا أن الخلافات على القيادة والتأثير بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، ومحمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، كانت الشرارة التى أشعلت الحرب.
ومنذ بداية الصراع، شهدت الخرطوم وعدد من المدن السودانية الأخرى معارك عنيفة تسببت فى سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى، كما أسفرت عن نزوح أعداد كبيرة من المدنيين إلى مناطق أكثر أمانًا داخل السودان أو عبر الحدود إلى الدول المجاورة مثل مصر وتشاد.
ومع مرور الوقت، بدأ الجيش السودانى فى تغيير استراتيجيته العسكرية فى مواجهة قوات الدعم السريع، حيث تكثف الجيش من عملياته العسكرية بشكل منظم، مستفيدًا من قواته البرية والجوية، وأطلق هجمات متزامنة على عدة مواقع فى العاصمة السودانية.
وتمكنت القوات المسلحة من استعادة القصر الرئاسى بشكل تدريجي، وسط تقارير عن معارك عنيفة فى أحياء مختلفة من الخرطوم.
وركز الجيش السودانى فى عملياته على القضاء على جيوب المليشيا وتفكيك شبكاتها العسكرية فى مناطق استراتيجية، وهو ما ساهم فى إحراز تقدم كبير نحو السيطرة الكاملة على المدينة.
وبينما كان الجيش يحقق تقدمًا ملحوظًا فى العاصمة، كانت قوات الدعم السريع تحاول مقاومة التقدم من خلال شن هجمات مضادة باستخدام أساليب غير تقليدية.
على الرغم من الانتصار العسكرى الذى حققه الجيش السودانى فى السيطرة على الخرطوم، فإن الوضع الإنسانى فى العاصمة يبدو مأساويًا للغاية.
فقد تسبب الصراع فى تدمير العديد من المنشآت المدنية، بما فى ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس، كما ارتفعت أعداد القتلى والجرحى بشكل كبير نتيجة للقتال العنيف، وتعرضت الخرطوم لشلل تام فى الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء.
فى ظل هذه الظروف، يعيش المدنيون فى العاصمة السودانية حالة من القلق والترقب، حيث أن الاشتباكات لا تزال مستمرة فى بعض الأحياء، وسط تقارير عن مئات من المدنيين العالقين بين طرفى النزاع.
علاوة على ذلك، فإن الأزمة الغذائية والإنسانية قد تفاقمت بسبب نقص الإمدادات الطبية والغذائية، مما يهدد حياة الآلاف من المواطنين.
وتستمر الأوضاع فى السودان فى جذب انتباه المجتمع الدولي، الذى أعرب عن قلقه العميق إزاء التصعيد العسكرى والأزمة الإنسانية فى البلاد، فقد أصدرت الأمم المتحدة تحذيرات من أن النزاع قد يتحول إلى أزمة إقليمية إذا استمر العنف فى الانتشار، حيث أن السودان يشترك فى حدود مع عدة دول تعانى من أوضاع أمنية غير مستقرة مثل تشاد وجنوب السودان.
وقد طالب العديد من الدول الغربية ومنظمات الإغاثة الدولية بضرورة وقف القتال فوريًا وتحقيق تسوية سياسية من خلال حوار بين الأطراف المتنازعة.
كما سعت بعض الدول العربية الكبرى إلى التدخل على الساحة الدبلوماسية لتهدئة الأوضاع، لكن الوضع يظل معقدًا للغاية بسبب استمرار التوترات بين الفصائل المختلفة فى السودان.
ورغم إعلان الجيش السودانى عن استعادة السيطرة على الخرطوم، فإن المستقبل السياسى للبلاد لا يزال غامضًا، حيث يتساءل العديد من المراقبين عما إذا كان الجيش قادرًا على بسط الاستقرار فى البلاد بعد هذه الحرب الطويلة، خاصة فى ظل وجود الكثير من الميليشيات المسلحة الأخرى التى قد لا تلتزم بالسلام.
إن التحدى الأكبر أمام السودان الآن هو كيف يتم بناء توافق سياسى بين القوى المختلفة، بما فى ذلك الجيش وقوات الدعم السريع، والحركات المسلحة الأخرى التى قد تكون لها مطالبها الخاصة.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على الحكومة السودانية المقبلة أن تتعامل مع التحديات الاقتصادية الهائلة وإعادة بناء المؤسسات الحكومية والإصلاحات السياسية التى تمثل مطلبًا شعبيًا كبيرًا فى البلاد.
ويرى مراقبون بأن الوضع فى السودان يدخل مرحلة حاسمة، حيث يتطلب الأمر جهودًا دولية وإقليمية مكثفة لضمان استقرار البلاد وتخفيف معاناة شعبها.