حدث في الثالث عشر من رمضان .. قصة ثورة أهالي قرطبة
تاريخ النشر: 24th, March 2024 GMT
حدث فى مثل هذا اليوم الموافق 13 رمضان من عام 202 هـ ، قام أهالي قرطبة بثورة عارمة ضد الأمير "الحكم بن هشام" عرفت بثورة "أهل الربض" كادت أن تزعزع ملكه، وقد قابل الحكم هذه الثورة ببطش شديد، ندم عليه عند موته سنة 206ه ندما شديدا.
حدث في الثالث عشر من شهر رمضان .. قصة محمد علي باشا حدث فى 9 رمضان .. قصة فك حصار القاهرة أواخر الخلافة الفاطميةغير أن محنة أهل الربض كانت تحمل في طياتها منحة كتب الله لها تأسيس إمارة بحرية دام حكمها 138 سنة ، في عام 198 هـ عزم مجموعة من فقهاء قرطبة منهم يحيى بن يحيى الليثي وعيسى بن دينار وطالوت بن عبد الجبار المُعافري لخلع الحكم بن هشام ( المُلقب فيما بعد بالحكم الربضي ) لما رأوه منه من قسوة والخروج على أحكام الدين وبذخ وشغف باللهو والشراب وألبوا العامة ضده من على المنابر.
و رأى الفقهاء في أموي آخر يدعى محمد بن القاسم المرواني بديلاً يصلح للحكم. غير أن الحكم تفطن إلى تدبيرهم فقبض على بعضهم وفر البعض وكان ممن فر يحيى بن يحيى وعيسى بن دينار.
و ازداد كرههم له و سخطهم عليه بعدما فرض ضرائب مرهقة في عام 202 هـ فاضطرمت بقرطبة الثورة التي كادت تقلتع الحكم بن هشام عن الحكم. حيث روى المؤرخون أنه كان مارا يوما في موكبه بسوق الربض فتعرض له بعض العامة بالقول فأمر بالقبض على عشرة من زعمائهم وصلبهم. تلى ذلك مشادة وقعت بين أحد مماليك الحكم وبين رجل يصقل السيوف قتله على إثرها المملوك.
عندئذ ثار العامة وحملوا السلاح، وعلى الأخص أهل حي ربض شقندة الواقعة جنوب قرطبة.
وتوجهوا إلى القصر من كل ناحية في 13 رمضان سنة 202هـ، فجمع الحكم حراسه لصدهم. ثم بعث قائده وابن عمه عبيد الله البُلنسي وحاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث في قوة قاتلت الثائرين
وطردتهم من فناء القصر، ثم واصلت القتال حتى دخلت ربض شقندة وأشعلت فيه النار، فتفرق الثائرون إلى بيوتهم فوجدوها محترقة.
حيث أحاط الجنود بالثوار وقتّلوهم ونهبوا دورهم لمدة ثلاثة أيام، ففر عدد كبير من أهل الربض، وأمر بن هشام بصلب 300 ثائر منكسين. ثم أمر جنوده بالكف عن الثوار، غير أنه أمر بهدم دورهم وإجلائهم عن قرطبة، فتفرقوا في أنحاء الأندلس وعبر عدد منهم إلى المغرب
كما توجه آلاف منهم إلى الإسكندرية حيث كانت في ذلك الوقت تابعة للخلافة العباسية ومركزًا قويًّا للتجارة والتواصل البحري مع العالم
ولكن أنهكتها اضطرابات الصراع بين الأمين والمأمون على السلطة؛ مما جعل الفرصة سانحة للأندلسيين المطرودين بالاستقلال والسيطرة على الإسكندرية لأكثر من خمس سنوات.
ولكن “عبد الله بن طاهر” والي مصر وصاحب المأمون زحف إليهم بجيش جرار وحاصر الإسكندرية في عام 212 هـ، فطلبوا الأمان على أن يسلموا المدينة، فطالبهم بالخروج عن كل أراضي الدولة العباسية وعدم العودة مرة أخرى
لم يكن أمامهم سوى البحر مرة أخرى وكأن القدر حتم عليهم الرحيل دومًا مطرودون من ديارهم في الأندلس والآن مطرودون من مستقرهم في الإسكندرية ، توجهوا إلى جزيرة إقريطش أو كريت (على مشارف بحر إيجة الذي يشكل المدخل الحساس للقسطنطينية) عام 212 هـ بقيادة حفص عمر البلوطي رحمه الله وكانت بها حامية بيزنطية فغلبوها ولم يجدوا مقاومة من سكانها الأصليين الذين كاموا أيضا ساخطين على ظلم و احتقار الحكام البيزنطيين فأسس الأندلسييون فيها دويلة استمرت حتى عام 350 هـ سقطت بهزيمتهم من قبل البيزنطيين الذين باعوها لحاكم البندقية.
وفي عام 1080هـ استنجد أهل الجزيرة بالعثمانيين لتخليصهم من حكم البنادقة، فأرسل العثمانيون حملة لفتحها فعاد الحكم الإسلامي لجزيرة كريت مرة ثانية.
وتبقى أرض كريت هي الأرض الوحيدة التي احتفظت بجثامين المطرودين الأندلسيين من أهل الربض.
وتبقى بعض آثارهم شاهدة على تاريخ أمة حكمت الجزيرة بالعدل والرحمة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حدث فى مثل هذا اليوم
إقرأ أيضاً:
في تذكّر ثورة في السودان غابتْ
جمال محمد إبراهيم
(1)
تدخل ثورة السودانيين التي أذهلت العالم عامها السادس، وهي التي أسقطت، بقوة إرادة شعب غالبة، نظاماً أرهق بلده، وعجزت منظمات المجتمع الدولية والإقليمية عن إرجاعه لاتباع سبل الحكم الرشيد، فلم يرعوِ. غير أن السودانيين صبروا على نظامٍ باطشٍ اتّبع تعديل أساليب حيواتهم، من قبل أن يوفّر لهم الأمن ويؤمِّن لهم الغذاء، فأخذوا بتأديب كلِّ مَـن يعارض نظامهـم الإسلاموي بأعنف ممّا ناله المسـلمون مِنْ أذىً على أيدي كفّـار قريش. أسّـس "نظام الإنقاذ" الذي رعاه عـرّابهم حسن الترابي، رحمه الله، بيوتاً للتعذيب من درجة فظائعـها أن جلاوزتهم سمّوها، قبل أن يسميها الناس، "بـيـوت الأشـباح". تلك غرف وأقبية سـرّية يُهان فيها معارض النظام من الـرّجال، وتعـذّب النـسـاء والفتيات بالسياط في الميادين العامة، ليستفرد أعوان النظام بمقـدّرات البــلاد نهـباً ممنهجاً وإتلافاً. قال عنهم أديب مهذّب له مكانة ولهُ احترام عالمي، الطيّـب صالح، إنهم فعلـوا ببلاد السودان أفعالاً لكأنهم كُلفوا بتدميرالبلاد تكليفاً، فتسـاءل: من أين أتى هؤلاء؟
على المستوى الخارجي، كاد أن ينطق كبارالمجتمع الدولي ومنظماته التي ترعى الأمـن والسـلم وحـقـوق الإنسـان، بالتساؤل نفسه الذي أطلـقـه الأديـب الراحل: من أين أتى هؤلاء؟. ... ذلك قليل القليل ممّا عرفتُ عن ذلك النظام الباطش، فجرى توثيق شرِّ أفعاله وحدثتْ عنها كتبٌ ومجلدات. هَبَّةُ السودانيين جميعهم في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2018، التي أسقطتْ "نظام الإنقـاذ"، كانت درساً جديداً يقدمه شعب السودان لشعوب العالم وشـعوب إقليمه خصوصاً، في كيفية التخلص من نظم الطغيان الباطش، حَريّ بأن يجري توثيقه في كتاب التاريخ.
(2)
تلك مقدمة لمقالي عن تلك الثورة وعمّن وثق لها، وهو فؤاد مطر الذي كان أول من أصدر كتاباً شاملاً، وثق، في صفحاته التي تجاوزت الخمسمائة، رصداً لتلك الثورة في عاميها الأولين، وتفاصيل المجاهدة السياسية التي بذلتْ لترتيب أمور الدولة السودانية بعد نجاح تلك الثورة. غـير أن نظاماً شمولياً طاغياً تسلط 30 عاماً على رقاب الشعب، وكانت آخر وأبرز إخفاقاته أن فصل جنوب السودان عن شماله، ثم خلّـف ترِكة من اقتصادٍ منهار وضعف سياسي يصعب ترميمه، فتعثّر تجاوز حقبة الدمار ابتداراً حقبة الإعمار.
لن تتناول هذه المقالة ما وقع بعـد ذينك العاميـن من خلافات. لقد نصح الناصحـون في داخـل السودان ومن خارجه، ومن المجتمع الدولي والإقليمي، بهدف كبح جمـاح الخلافات، فأخفـق الجميع في منع التصعيد الخلاف بين المدنيين صنّاع الثورة والعسكريين الذين تحالفوا معهم لإسقاط نظام الإنقـاذ، فغاب ألق الثورة باندلاع حربٍ لم تُبقِ أخضر ولا يابساً.
لن يُتاح للصحافي الهمام فؤاد مطر، الذي أحـبّ السودان شعـباً وقادة وسياسيين وعسكريين، خلال عقود، أن يكتب ما لا أريد لقلمه أن يكتب عن بلد أحبّه وهو على قارعة الأفول.
(3)
ما مرّ على الصحافة العربية أن يخصّص كاتبٌ ومحللٌ صحافي، لا مقالاً ولا كتاباً فحسب، بل محبة موضوعية وانقطاعاً صادقاً لبلدٍ أحبّه، وإن لم يكن من أبنائه. مثل ذلك الصحافي المميّـز في مدرسـة الصحافـة التحليلية والتوثيقية، فـؤاد مطـر، أطال الله عمره وأبقـاه شاهداً صحافياً للقضايا العربية بصدقية وانقطاع. أخلص في تخصّصه للسودان وقضاياه إخلاصاً منقطعاً، منذ حضـوره مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم، عقب هزيمة الجيوش العربية في يونيو/ حزيران 1967، وشهد، بقلبه قبل عينيه، كيف أسرع قادة السودان إلى تضميد الجراح العربية في تلكم الأيام العصيبة في عاصمتهم الخرطوم، حين طرح قادة السودان مبادرة دعـم الدول العربية المتضرّرة لتجاوز آثار الحرب. وبعد إجازة القرار، سـعى بعض زعماء عرب حاضرين لتخصيص دعم لحكومة السودان إكراماً لمبادرتها. عندها وقف وزير مالية السودان، الشريف الهندي، معبّراً عن تقدير السودان المسعى، وأعلن أن حكومته تعتذر، بإباء وشمم، عن عدم قبول أيّ دعمٍ، وأنها ترى أن الأَولى به الدول العربية الجريحة. كان فـؤاد هـناك شاهداً للوقائع، مثلما شهد بعد ذلك مبادرة رئيس وزراء السـودان للمصالحة الشهيرة بين زعيمين عربيين كبيرين، جمال عبد الناصر والملك فيصل، فطويت صفحة حـرب اليمن.
تلك من اللحظات التاريخية، تعلق الصحفي الكبير بعدها بالسّودان، وأحبّ أهله وجذبته السياسة السودانية، فصار من أوائل الصحافيين الذين تخصّصوا في الشأن السوداني، من غير السودانيين.
(4)
لم يطلب نظام سوداني ولم تطلب حكومة سابقة أو حاضرة، من مطر، أن يتخصّص في شؤون السودان، بل هي المحبّة التي عمّدته متخصصاً فيها. لقد تنبّه، باكراً، إلى تلك الثنائية التي علقت ببلاد السودان، فالجغرافيا جعلت نصفه الأعلى أقـرب إلى الشرق الأوسط، ونصفه الأدنى في قلب أفريقيا، فانطوى ذلـك على ما يشبه التمازج والتنافر في آنٍ واحد.
لم تقف الجغرافيا عند ذلك، بل أعطت السّودان، بسخاءٍ محمود، نهرين عظيمين، النيل الأبيض والنيل الأزرق. يتكاملان ليشكلا نهر النيل الواحد، في مسيره شمالاً إلى مصر، موهوباً إليها، فقال المؤرّخون إنّ مصر هبة النيل.
لم تغب تلك الثنائية الملتبسة عن ملاحظة الصحافي المعتق لها، فاختار لسلسلة كتاباته عن السـودان عنواناً حملَ الجدّية والطرافة معاً، وبما يعكس التنافر والتكامل معاً، فكانت سلسلة "الحُلـوُ.. مُـر"، عنواناً أصدر فؤاد مطر تحته عدة إصدارات بلغت ستة كتب توثيقية رصداً وتحليلاً، عن أحوال السودان وتقلباته السياسية، بين أنظمة مدنية وعسكرية، تناوبتْ على حكم البلاد بين حقبة وأخرى. و"الحلو.. مُـر" مشروب عصير تقليدي اختصّت به موائد السودانيين في إفطار شهر الصّوم، منذ زمانٍ قديم. ولا تخلو منه مائدة رمضانية، يعدّ من تخمير مخفّف لحبوب الذرة مع مكوّنات فيها بهارات، بعضها حلـوٌ وبعضها مُـرٌّ، فجاءت التسمية "حلو.. مُر". إنه مشروبٌ معتصر من ثنائية متنافرة.
أزمـة حـرب السـودان، التي عجــز المنـاخ السـياسي الدولي والإقليمي عن حلها، يخشى السودانيون من أن تطـول مثلما طالت عشرية بشّار في بلاد الشام
(5)
قدّم فؤاد مطر كتاباً توثيقياً وتحليلياً جامعاً، قارب عدد صفحاته الخمسمائة، صدر في عام 2020، عن تلك الانتفاضة، وتطوّر أحوالها خلال عامين بعد نجاح الثورة، مُتسلحاً بكامل ملكاته ومقدراته الصحافية الغنية. أراد أن يحمل عنوان كتابه ذلك التزاوج بيـن متنافرين، فاختار وجهاً سودانياً، نصفه الأيمن مدني، والنصف الآخـر عسكري لغلاف كتابه، تلميحاً ذكياً إلى المكوّنين اللذيْن تشاركا ثورة ديسمبر (2018)، لكأنّه ألمح إلى استحالة التوافق بين هذين المكوّنين اللذين ائـتلفا على تنافرهما بعد ثورة السودانيين، ووقف الجميع ينتظرون مولوداً ينتج من ذلك الائتلاف، فاستحال الأمر، واستحقّ أن يُضاف إلى العنقاءِ والخلِّ الوفي، لكن الحرب نشبت في السودان وتحققت الاستحالة التي ألمح إليها كتاب فؤاد مطر.
(6)
لعلّ الأسف الذي يستشعره أغلبُ المتابعين، قد تحوّل حسرة ما بعدها حسرة. لكننا لو أحسنّا التفاؤل، وهو بعيد، فإنّ المناخات والمواسم السياسية لن تمرّ كما تمرّ الفصول: شتاء بعده ربيع، ثم صيف يليه خريف، بل ستطول مواسم السياسة وتحوّلاتها سنوات وسنوات. ها هم السوريون، وقد عاشوا شتاءً قاسياً مُرّاً امتد 13 عاماً، يروْن موسم ربيعهم. أما ثورة السودانيين في ديسمبر/ كانون الأول 2018 فلم يزد موسم ربيعها على عامين، ويتمنّى ملايين السودانيين، في ملاذاتهم خارج بلادهم، ألّا يطول موسم شـتائهم الماثل، الذي اندلع منذ إبريل/ نيسان عام 2023، إلى أبعد من هذا العام. أزمة حرب السودان، التي عجز المناخ السياسي الدولي والإقليمي عن حلها، يخشى السودانيون من أن تطول مثلما طالت عشرية بشّار في بلاد الشام.
بعد أن غـيّبَ السودانيون بأيديهم ثورتهم التي أذهلت العالم، وفيما تتسارع وتيرة القتل والدّمار في حرب روسيا وأوكرانيا وحرب إسرائيل لإفناء فلسطين، فهل يكون لانتظار المجتمع الدولي ومنظماته من معنى، بعد أن فقد قدراته لإحلال السلم والأمن الدوليين؟ لن أرفع سـؤالي إلى شعب بلادي، أو حتى للصحافي الكبير، إذ إنَّ حلـوَ السودان قد غلب علـى مُرّه، ... ألا يُغني الحال الماثل عن السؤال؟