صراع القيم الصاعدة والقيم المتوارية
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
حالة المجتمعات هي في حقيقتها صراع بين قيم صاعدة وقيم متوارية، وأتجنب هنا استخدام تعبير (قيم هابطة) لسببين؛ أولهما إدارة المعنى وما قد يصطبغ به المفهوم من دلالات سلبية، والثاني لأن القيم في حقيقتها لا تهبط وإنما (تتوارى)؛ أي يتقلص وجودها الاجتماعي في الاعتراف بها من قبل حيز أوسع من أفراد المجتمع؛ وبالتالي التوافق عليها كموجه وحاكم للسلوك الاجتماعي.
واحدة من القيم الصاعدة في المجتمع هي «التمحور حول الشهرة»، وتداعيات هذه القيمة ليست فقط في سيطرة مجموعة من الفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي على حيز اهتمامات ورأي المجتمع فحسب، وإنما في تشكيل معان جديدة للقيمة الاجتماعية، قد يستمع بعض فئات المجتمع لهذا الفاعل ويتبنى وجهة نظره والمعلومات التي يوردها أكثر من الاستماع للمؤسسات الرسمية؛ وبالتالي تتوجه بوصلة الثقة من المؤسسات إلى الفعل الفردي، وقد تكون الشهرة في ذاتها (طموحًا اجتماعيًا) يبتغى بكافة الوسائل، وقد تقوض الأنماط التقليدية لصنع المكانة الاجتماعية بما في ذلك التعليم الجيد والشهادات العليا في مقابل الطرق اليسيرة لصنعها بالوصول إلى (الشهرة) أو لنقل (الفاعلية) لضبط المصطلح. وقد يغدو الظهور الاجتماعي المبني على أسس الحكمة، والموقع العلمي، والإنجاز العام لا معنى له في مقابل السبل والوسائل المستجدة للوصول إلى (الشهرة). وهنا لنوضح أمرًا مهمًا وهو في أننا لسنا ضد فكرة وجود فئة تلقت القبول الاجتماعي من خلال المنصات الاجتماعية واستطاعت أن توجد لها حيزًا من الانتشار والتأثير، وإنما لابد من التوقف حول فكرة (التمحور حول الشهرة)؛ والتي قد توجه اهتمام الكثير من الناشئة تحديدًا نحو هذا المسلك. وهذه القيمة لا يمكن اليوم كبحها، ولكن في تقديرنا يمكن إعادة توجيهها، فالمؤسسات الاجتماعية مطالبة اليوم بإبراز منجز العلم والمساهمة الاجتماعية الحقيقية، والمساهمين في حقول الإبداع والفكر والثقافة، وتسويق المبتكرات وروادها، وتعزيز فعل العلماء والمفكرين في المجتمع، وتوسيع المساحات والمنابر الاجتماعية التي تحتضنهم وتسوقهم وتعلي قيمتهم الاجتماعية. ومن ثم فإن المجتمع بإرثه، وأنماط وتجربته يستطيع التمييز والاختيار بين من يضع على رأس وجاهة الرأي والحكمة.
هذا نموذج لقيم صاعدة قد تتصارع مع قيم بدأت تتوارى، وتقوض عمل الكثير من المؤسسات الاجتماعية، ويمكن أن نسوق تداعيات هذا المثال على قيم صاعدة أخرى كتوسع النزعات الاستهلاكية المدفوع بالميل نحو المطابقة الاجتماعية، وتجزئة المهام التربوية وتفويضها، وتراجع دور الحكمة الاجتماعية في حل الخلافات البينية والاجتماعية. مثل هذا القيم مركزية لظهور ظواهر أو مشكلات أو قضايا اجتماعية لعدة أسباب أهمها: أن المجتمعات تحتاج إلى حيز زمني معقول لقبول القيم الجديدة، وأن التوافق الاجتماعي حول ظهور أو تواري قيمة ما من الصعب هندسته اجتماعيًا، وثالثًا أن الاختلاف على القيمة الاجتماعية قد يظهر في أصغر الوحدات الاجتماعية (الأسرة). ومن هنا فإننا ندعو المشتغلين في حقل العلوم الاجتماعية إلى التفكير الأفقي في القيم وفي مرجعيتها وتحولاتها، وأسباب نشوء بعضها وتواري أخرى، ليشكل كل ذلك مدخلًا لفهم حركة المجتمع وظواهره. ففي قناعتنا أن الانشغال بتجزئة الظواهر والمشكلات وتحييدها دون مرجعياتها القيمية قد يكون عملا جيدا في حينه، لكنه لا يثمر بالضرورة فهمًا موسعًا لحيز الحركة الاجتماعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاجتماعیة التی الاجتماعیة فی
إقرأ أيضاً:
«تعليم قنا» تُطلق مبادرتي «كلنا مهذبون» و«الأندية الحوارية» لتعزيز القيم الإيجابية بين الطلاب
تحت رعاية الدكتور خالد عبد الحليم، محافظ قنا، أطلقت مديرية التربية والتعليم مبادرتي "كلنا مهذبون" و"الأندية الحوارية"، بهدف تعزيز القيم الإيجابية بين الطلاب وتنمية وعيهم تجاه السلوكيات البناءة.
من جانبه، أكد هاني عنتر، وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا، أن مبادرة "كلنا مهذبون" تستهدف جميع طلاب المراحل التعليمية الثلاث، وتهدف إلى غرس قيم الاحترام والتسامح بينهم، وتوجيه السلوكيات غير السوية نحو التفاعل الإيجابي البنّاء، إلى جانب نشر ثقافة القيم الإيجابية داخل المجتمع المدرسي.
وأضاف "عنتر" أن الإدارات التعليمية طرحت المبادرة على جميع المدارس، حيث تم تقييم الأعمال المقدمة، وصولًا إلى اختيار الفائزين بالمراكز الأولى في كل مرحلة تعليمية، وأسفرت النتائج عن فوز مدرسة بئر عنبر الابتدائية بقفط عن المرحلة الابتدائية، ومدرسة حامد سليمان الإعدادية بقنا عن المرحلة الإعدادية، ومدرسة الفنية الصناعية بنات الثانوية بقوص عن المرحلة الثانوية.
وأشار وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا، إلى أن المديرية، بالتعاون مع الإدارات التعليمية، شكلت لجانًا متخصصة للإعداد والتجهيز والتنفيذ، بالإضافة إلى المتابعة والإشراف، لضمان تحقيق أهداف المبادرة على أكمل وجه.
أما فيما يخص مبادرة "الأندية الحوارية"، فقد أوضح "عنتر" أنها تستهدف جميع طلاب المرحلة الثانوية، وتهدف إلى تنمية الفكر الطلابي، وإعداد جيل واعٍ قادر على الحوار الفعّال، مع تعزيز قيم الاحترام والتسامح والتفاعل الإيجابي البنّاء.
كما أشار إلى أنه تم عقد ورش عمل بمقر مديرية التربية والتعليم بقنا، وأجريت التصفيات القبل نهائية على مستوى جميع الإدارات التعليمية خلال شهر فبراير الماضي، فيما تستعد المديرية حاليًا لإجراء التصفية النهائية للمشاركين في المبادرة.
وتأتي هذه المبادرات في إطار جهود مديرية التربية والتعليم بقنا لتعزيز القيم الأخلاقية بين الطلاب، وإعداد جيل قادر على بناء مستقبل مشرق قائم على الحوار والتفاهم والتعاون.