الاستثمار في الصناعات الإبداعية
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
يخبرنا تقرير (تأثير الاستثمار في الاقتصاد الإبداعي العالمي)، الصادر عن (الإبداع، الثقافة ورأس المال)، أن الصناعات الإبداعية تعد (نقلة نوعية ستُحدث ثورة في مفهومنا للقيمة)؛ فهذه الصناعات تعمل على إعادة إنتاج المفاهيم وتقديم أشكال ثقافية جديدة وأنماط ومواد مواكبة للتطورات الحضارية للمجتمعات، وبالتالي قادرة على إحداث تغييرات وتحولات تتناسب مع المعطيات التقنية من ناحية، وتكتسب سمات المرونة والصمود من ناحية أخرى، وتتميَّز بقدرتها على الاستدامة من ناحية ثالثة.
إن الصناعات الإبداعية باعتبار قيمتها الثقافية والاقتصادية، تفتح اليوم آفاق (تشكيل الأسواق)؛ وذلك لما تتمتع به من استثمار في رؤوس الأموال البشرية والثقافية والتقنية، وما تُحدثه من أثر مباشر في (إيجاد تغير مادي في مجتمعاتنا ونُظمنا الإيكولوجية) « بتعبير التقرير»، لذلك فإن هذه الصناعات الأكثر ديناميكية وقدرة على إحداث الأثر الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، حيث تتكامل مع القطاعات التنموية محدثة تطورات إيجابية خاصة على المستوى الاقتصادي وبالتالي تحقيق الرفاه الاجتماعي الذي تسعى إليه المجتمعات.
فالتحولات التنموية التي يُحدثها الاستثمار في الصناعات الإبداعية، تتأسس وفق مجموعة من المعطيات تجعلها (قيمة) ديناميكية قادرة على الربط بين مجموعة من المتغيرات التي تجمع بين الإبداع والتفكير المبتكر، والتجريب، وإعادة التخييل، وإنشاء نماذج جديدة قابلة للتطبيق، وقادرة على إنشاء ممارسات جديدة ضمن الأُطر الثقافية الوطنية، والهُوية المجتمعية، إضافة إلى قدرتها على تحسين فرص التواصل والانفتاح على الثقافات الأخرى.
ولهذا فإن تأسيس بنية أساسية خصبة تنشأ ضمنها هذه التحولات، سيمثِّل أساسا قويا للاستثمار في الصناعات الإبداعية، وبالتالي تسخير الطاقات الإبداعية والتقنية وقيادة التصورات الداعمة للنماذج الفريدة لهذه الصناعات، التي تنبع من حضارة المجتمع وتراثه، وتحافظ على أصوله، وتنفتح على آفاق التطورات المتسارعة، والابتكارات العالمية ذات الجدوى الاقتصادية العالية. إن تهيئة البنية الأساسية المتطوِّرة والقادرة على التفاعل مع احتياجات المجتمع وأولوياته تُسهم بشكل مباشر في فتح فرص الاستثمار في تلك الصناعات وتيسِّر سُبل تحويل الأفكار الإبداعية إلى ابتكارات ومنتجات منافسة.
إن تأطير الصناعات الثقافية وفق معطيات الاقتصاد الإبداعي باعتباره أولوية استثمار، تقود التنمية المجتمعية، وتفتح فرص سوق الأعمال، خاصة على مستوى ريادة الأعمال والوظائف الإبداعية، إضافة إلى أن هذا التأطير يوفِّر إمكانات تأسيس الصناديق الاستثمارية وفق مزايا وفرص جاذبة ومحفِّزة، وبالتالي فإنها تدفع الشركات الإبداعية إلى المنافسة في التأثير الاجتماعي والاقتصادي، سواء عن طريق الأعمال الإبداعية والابتكارية المباشرة، أو عن طريق المنتجات الثقافية ذات القيمة الاقتصادية، أو عن طريق الخدمات المساندة المرتبطة بتلك الأعمال والمنتجات.
ولهذا فإن البنية الأساسية المحفزة والمطوِّرة للعمل الإبداعي، والتأطير الواضح للصناعات الثقافية الإبداعية يمثل الطريق نحو الاستثمار في تلك الصناعات، فهما أساس التطوير والتغيير الإيجابي الداعم، والذي يمكن أن يُحقِّق الوصول إلى رأس المال البشري، الذي يمثِّل جوهر هذه الصناعات من ناحية، ورأس المال الثقافي والحضاري، الذي يدعم عمليات الصناعة الإبداعية باعتباره المحتوى الرئيس الذي تقوم عليه من ناحية أخرى، إضافة إلى أهميتهما في توفير وظائف عالية الجودة، يمكن أن تضمن حياة كريمة للمبدعين، بل وتوفِّر فرص عمل متعددة أساسية ومساندة.
ولعل ما قدمته عُمان منذ النهضة الحديثة من دعم للتنمية الثقافية وتعزيز للمبدعين وتمكين للصناعات الإبداعية، سواء من خلال البنية الأساسية والتشريعات والسياسات الداعمة، أو من خلال إشراك المبدعين ودعم تطلعاتهم وقدراتهم، أو تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصصة في المجالات الإبداعية، وغير ذلك، جعل البيئة الإبداعية مهيئة للمزيد من العطاءات والإنجازات، التي قادتنا اليوم إلى الكثير من المعطيات الأساسية التي حفَّزت التطلعات وأطلقت الأهداف الطموحة نحو المزيد من العمل في مجال استثمار مواد التراث والثقافة في صناعات أكثر إبداعا وأكثر تنافسية.
ولهذا جاء الإعلان عن المشروعات الإنمائية والاستثمارية في الصناعات الثقافية الإبداعية في ختام (حلقات العمل التطويرية للصناعات الثقافية الإبداعية)، الذي نظمته وزارة الثقافة والرياضة والشباب بالتعاون مع البرنامج الوطني للاستثمار وتنمية الصادرات (نزدهر)، ليمثِّل نقلة أساسية في تصورات الاستثمار في الثقافة بشكل عام، فهذا التعاون مؤشر مهم لفهم المجتمع لأهمية الثقافة في الاقتصاد الوطني، وقدرتها التنموية في رفد سوق الأعمال، وتحسين دخل الأفراد، وبالتالي تنمية المدن الحديثة وتفعيل حِراكها الاجتماعي الإيجابي، وتحقيق رفاه المجتمع.
فقد تم إطلاق مجموعة من المشروعات التنموية قُدِرت قيمتها بـ (15.4) مليون ريال، كما تم الإعلان عن ثماني فرص استثمارية بقيمة 19 مليون ريال، وعشرين مبادرة تمكينية –كما جاء في التغطيات الصحفية –، الأمر الذي يكشف الطموح الذي تأسست عليه تلك المشروعات والفرص، والإمكانات التي يمكن أن تُحدثها في سبيل تحقيق الأهداف الوطنية التي قام عليها (البرنامج التطويري للاستثمار في قطاع الصناعات الإبداعية والثقافية) الذي ترأسه وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، والذي سيشكِّل دفعا حقيقيا للاستثمار في هذا القطاع الفاعل.
كما أن تفاعل (235) مشاركة ومشاركا في حلقات العمل هذه، من المعنيين بالثقافة والإبداع، إضافة إلى المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي بمجالاته المتعددة، ورواد الأعمال والمتخصصين، وبيوت الخبرة، يكشف آفاق الشراكة والتفاعل الإيجابي بين القطاعين الثقافي والاقتصادي، وهو الركيزة الأساسية التي يقوم عليها الاستثمار في الصناعات الثقافية الإبداعية، فلكي يتأسَّس هذا القطاع التنموي لابد أن تكون هناك شراكة حقيقية ونقاش جاد، وهذا ما أثبتته تلك الحلقات، التي قدَّمت كشفا حقيقيا عن الفرص الاستثمارية التي يمكن أن يوفِّرها قطاع الثقافة، والتي يمكن أن تكون رافدا اقتصاديا ذات قيمة مضافة عالية في المستقبل.
ولأن القطاع الثقافي يتمثَّل في مجالات متعددة ومتنوِّعة، فإن تحديد الأولويات الوطنية التي يمكن الانطلاق منها نراها مهمة جدا، وهذا ما انشغلت به تلك الحلقات، ولعل تركيزها على (تكنولوجيا الإبداع، والتراث، وصناعة الأفلام، والتصميم والأزياء)، يُعد من الأولويات التي يمكنها أن تقود قاطرة نمو الصناعات الإبداعية، وتُسهم في تمكين القوة الناعمة العمانية ودورها في جذب الاستثمار خاصة الأجنبي، وبالتالي قدرتها على تفعيل دور الشراكة المجتمعية، وتعظيم فعل المواطنة؛ فتأسيس هذه المنظومة من الصناعات الإبداعية يُسهم في تفعيل ما يُعرف بـ(المجتمعات النابضة بالحياة)، والتي تشتهر بالبنية الإبداعية المعزِّزة للتنمية الاقتصادية والمشجِّعة للمشاركة المدنية المجتمعية، وتسهم في بناء المرونة لدى أفراد المجتمع في التفاعل والتقبُّل، إضافة إلى مساهمتهم الإيجابية في دعم الحِراك الثقافي الإبداعي، ودعم استدامة الثقافة الإبداعية باعتبارها مصدرا أساسيا من مصادر تنمية المدن وتعزيز دخل الأفراد ونموهم الاقتصادي، خاصة وأن المشروعات التي أُعلن عنها تتوزَّع بين المحافظات والمدن، بما يضمن تلك الشراكة والحِراك.
تمثِّل الصناعات الثقافية الإبداعية أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في المجتمعات الحديثة، إذ ترتكز على (الانفتاح والتجريب والتنوُّع، والشمول والابتكار)، ولهذا فإن تأسيس هذه المشروعات الاقتصادية الإبداعية يمكِّن المجتمع من الممارسات الداعمة لتوجهاته الوطنية، والقادرة على فتح سُبل جديدة وواسعة لفرص العمل والاستثمار، بما يضمن للمبدعين وروَّاد الأعمال تطوير مجالات عملهم، بما يعزِّز جودة منتجاتهم وإبداعاتهم من ناحية، ويضمن قدرتهم على المنافسة محليا وإقليميا من ناحية أخرى.
إن إطلاق مشروعات الاستثمار في الصناعات الإبداعية الثقافية يعزِّز آفاق التعاون المشترك بين القطاعات، ويفتح سبلا جديدة للمبدعين والمثقفين ويدفع إلى تطوير الخدمات والأدوات الثقافية في كافة المجالات، ويدعم ازدهار الصناعات والخدمات المساندة، إضافة إلى دورها في تنمية المجتمعات ودعم المشاركة والمواطنة الإيجابية الفاعلة.
إنه حِراك تنموي يقود إلى استثمار الطاقات الإبداعية لدى أفراد المجتمع، ويُسهم في تحقيق الرفاه المجتمعي الذي تسعى إليه الرؤية الوطنية «عُمان 2040».
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الصناعات الإبداعیة الاستثمار فی الصناعات الثقافیة الإبداعیة الصناعات الثقافیة هذه الصناعات إضافة إلى التی یمکن من ناحیة یمکن أن سهم فی التی ی
إقرأ أيضاً:
3 مليون دولار من جهاز تنمية المشروعات للمساهمة في تعزيز بيئة ريادة الأعمال لشباب مصر بالتعاون مع صندوق فونديشن فينشرز
أكد باسل رحمي الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حرص الجهاز على استمرار جهوده لتعزيز بيئة ريادة الأعمال في مصر ودعم الشركات الناشئة وذلك من خلال توفير كل ما يلزم للشركات الناشئة من خدمات متنوعة لضمان انطلاقها وتعزيز فرصها في الاستقرار والنمو.
جاء ذلك على هامش التوقيع على مستندات مساهمة جهاز تنمية المشروعات بـ 3 مليون دولار في صندوق فونديشن فينشرز
حيث شهد باسل رحمي الرئيس التنفيذي للجهاز مراسم التوقيع الذي قام به الأستاذ هاني عماد رئيس القطاع المركزي لرأس المال المخاطر بالجهاز ومازن نديم الشريك الرئيسي لصندوق فونديشن فينشرز وذلك في حضور ليلى عبد القادر أخصائي أول بالقطاع المالي بالبنك الدولي ومحمد مدحت نائب الرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات وعدد من مسئولي القطاعات الفنية بالجهاز والشركاء بصندوق فونديشن فينشرز.
وأشار رحمي إلى أن الشراكة بين جهاز تنمية المشروعات وصندوق فونديشن فينشرز تستهدف توفير التمويل اللازم للشركات المصرية الناشئة الواعدة في مختلف القطاعات، مما يساهم في تحفيز الابتكار وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد المصري وذلك من خلال البرنامج الاستثماري الخاص بالجهاز والسابق إطلاقه بنجاح من خلال شراكته مع البنك الدولي ضمن اتفاقية دعم ريادة الأعمال لخلق فرص عمل كأول برنامج استثماري مصري لتمويل صناديق الاستثمار العاملة بجمهورية مصر العربية "FoFs" عن طريق المساهمة في رؤوس أموال صناديق الاستثمار المحلية والإقليمية والدولية المعنية بدعم الشركات الناشئة المصرية في مراحلها الأولى للوصول لاقتصاد تنافسي متنوع يتماشى مع رؤية مصر 2030.
وأكد الرئيس التنفيذي للجهاز أن هذا الاستثمار يمكن الشركات الناشئة من تحقيق طموحاتها والتوسع في أعمالها وذلك من خلال توفير رأس المال اللازم لتطوير منتجاتها وخدماتها وزيادة قدراتها التنافسية في الأسواق المحلية والإقليمية. كما يساهم هذا الاستثمار في خلق فرص عمل جديدة ودفع عجلة النمو الاقتصادي في مصر.
وأشار رحمي إلى التزام الجهاز التام بدعم رواد الاعمال المصريين من خلال توفير بيئة ملائمة لنمو مشروعاتهم وذلك عبر الاستمرار في التنسيق مع كافة الشركاء من الجهات الدولية والصناديق الاستثمارية المعنية بتعزيز بيئة الأعمال وتوفير كافة أوجه الدعم الضرورية لتلبية احتياجات أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة والمشروعات الناشئة وأوضح رحمي أن الجهاز يتشرف بالمشاركة في اللجنة الوزارية لريادة الأعمال برئاسة الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي والتي تهدف إلى تعزيز قدرة الشركات الناشئة وبيئة ريادة الأعمال لتحقيق نمو اقتصادي مستدام ومتسارع قائم على التنافسية والمعرفة مما يسهم في خلق فرص عمل لائقة
كما أوضح هاني عماد – رئيس القطاع المركزي لرأس المال المخاطر إلى أن الجهاز يولي أهمية كبيرة لدعم مديري صناديق الاستثمار من الشباب ونظرًا للجودة والخبرة الكبيرة التي يتمتع بها مديرو صندوق Foundation لذا قام الجهاز بالاستثمار في الصندوق والذي سيقوم بالاستثمار في الشركات الناشئة في مراحلها الأولية والتي ستساهم بشكل كبير في تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتعمل على تقديم حلول مبتكرة للمشاكل الاقتصادية والذي سوف ينعكس ايجابيًا على الاقتصاد المصري.
وصرح مازن نديم، الشريك الرئيسي في صندوق فونديشن فينشرز “، تأكيد التزامهم في فونديشن فينشرز العميق بدعم نمو وتطوير منظومة الشركات الناشئة في مصر. حيث أشار أنه على يقين بأن السوق لا يزال في مراحله الأولى، ويزخر بإمكانات هائلة وفرص لا حدود لها للابتكار والنمو وأن كل صناعة تقليدية في مصر تحتاج إلى تمكين تقني لتواكب التحولات المستقبلية. وخلال السنوات العشر القادمة يتوقع حدوث تغييرات كبيرة في كيفية تشغيل وإدارة الأعمال. فالشركات التي لن تتمكن من الابتكار والاستثمار في التكنولوجيا ستتراجع وتفقد قدرتها التنافسية وأوضح أنه متحمس بشكل خاص للشراكة مع جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر (MSMEDA) فإلى جانب الاستثمار الرأسمالي، فقد شهد بالفعل دعمًا كبيرًا وتعاونًا مثمرًا يعكس الرؤية المشتركة لدفع النمو المستدام لمنظومة ريادة الأعمال. تمثل هذه الشراكة نقطة تحول مهمة لكل من فونديشن فينشرز والمجتمع الريادي ككل. وهو يشعر بتفاؤل كبير تجاه ما يحمله المستقبل، والعمل المشترك مع الجهاز لتمكين الشركات الناشئة، وتحقيق تأثير إيجابي، والاستفادة الكاملة من الإمكانات الكامنة في السوق المصري.”