البقعة العمياء القاتلة في استراتيجية الهادي الهندي
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
تُرى هل تؤدي هيمنة الـفِـكر السائد في التعامل مع «منطقة الهادي الهندي» إلى تضليل الاستراتيجيين الغربيين؟
في عام 2018، تبنت الولايات المتحدة هذا الوصف الذي نشأ في دوائر السياسة الخارجية الأسترالية، عندما تغير رسميا مسمى «قيادة منطقة الهادي الأمريكية في هاواي» ليصبح «قيادة منطقة الهادي الهندي». ورُفِـعَـت مكانة الحوار الأمني الرباعي، الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، على النحو الواجب، وانضمت إليه أوروبا أيضا، مع سيل صغير من الوثائق السياسية التي تحمل المسمى ذاته.
في دفع خط منطقة الهادي الهندي، يؤكد الاستراتيجيون الغربيون عادة على أهمية جلب الهند إلى الحظيرة، لكن الهدف الحقيقي ــ وإن كان نادرا ما يُذكر صراحة ــ هو احتواء الصين في المنطقة.
لا شك أن السرد حول استراتيجية الهادي الهندي يستند إلى حيثيات موضوعية، فهو يرتكز على أساس تاريخي قوي، ولا تخلو السياسات التي ألهمها من أهمية في مواجهة عدد كبير من التحديات العالمية التي تلوح في الأفق. المشكلة هي أنه يهدد أيضا بصرف انتباهنا عن سرد بديل لا يقل أهمية: الخطاب الأوراسي.
ولكن أي الأمرين أكثر صلة بالتحديات التي يواجهها الغرب؟ في حين يستند إطار الهادي الهندي إلى أساس بحري واضح ــ والذي يؤطر المحيطين الهندي والهادئ باعتبارهما المسرح الجيوسياسي الأكثر أهمية على الإطلاق ــ فإن الإطار الأوراسي يكاد يكون أرضيا بالكامل. ويعكس كل منهما نهجا مختلفا في التعامل مع الإمبراطورية، التي تأسست في القرون الأخيرة إما من خلال القوة البحرية، أو من خلال الحروب البرية التقليدية. ولأسباب تاريخية واضحة، يأتي السرد المتعلق بمنطقة الهادي الهندي طبيعيا بدرجة أكبر في قسم كبير من العالم الأنجلوسكسوني، في حين يبدو المنظور الأوراسي منطقيا بديهيا من منظور صناع السياسات في بكين وموسكو.
وعلى هذا فإن الـفِـكر الاستراتيجي الغربي يحتاج بشكل عاجل إلى التكيف. لم تكتف الصين وروسيا بالإعلان عن شراكة «بلا حدود»؛ بل تصادف أيضا أن القوتين تهيمنان على كتلة اليابسة الأوراسية الشاسعة، وعلى الرغم من بعض الخلافات الكبرى التي لا تزال قائمة بين القوتين ــ ناهيك عن التنافس التاريخي الشرس في بعض الأحيان ــ فالآن يوحدهما إصرارهما المشترك على تعديل النظام الإقليمي والنظام العالمي الأكبر.
من جانبه، يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إحياء الإمبراطورية الروسية ــ بدءا بأوكرانيا، حيث دخلت حربه الآن عامها الثالث. على نحو مماثل، يأمل الرئيس الصيني شي جين بينج ــ مستحضرا ذكريات «قرن الإذلال» الذي عاشته الصين ــ في إنشاء إمبراطورية من شأنها أن تلقي بظلالها الثقيلة على شرق وجنوب ووسط آسيا.
يعتمد كل من المشروعين على قدرة روسيا والصين على صيانة توافق استراتيجي أساسي بينهما، وأوكرانيا اليوم قد تصبح شرق آسيا غدا، يترابط المسرحان بدرجة عميقة ــ وخاصة من جانب روسيا، التي تشترك في الحدود مع اليابان. الواقع أن نتيجة أي صراع سوف تقرر هيئة صراعات أخرى قادمة. وإذا نجح بوتين في إخضاع أوكرانيا، فمن المؤكد أن شي سيجد في نفسه الجرأة للتحرك بشأن تايوان. هذا هو الاتجاه الذي يقودنا إليه الـفِـكر الأوراسي، حتى لو لم يصف بوتين أو شي الموقف صراحة بهذه المصطلحات.
صحيح أن الصين لا يبدو أنها كانت متحمسة بشكل خاص لحرب بوتين، ولكن بمجرد إقدامه على هذه الخطوة، رأى قادة الصين أن النصر الروسي يصب في مصلحتهم. إن سقوط أوكرانيا من شأنه أن يضعف محيط أوراسيا الغربي، ويحطم الثقة في القوة الأمريكية، ويوجد فرصا جديدة للصين لتوسيع نفوذها في أجزاء أخرى من أوراسيا والمناطق المجاورة لها.
ربما اكتسب بوتين قدرا أعظم من الجرأة بعد تخلي أميركا المخزي عن أفغانستان في الصيف الماضي، وربما تصور (ومعه شي) مشهد إخلاء المروحيات الأمريكية للسفارة في كييف، تماما كما حدث في كابول عام 2021 وفي سايجون عام 1975. ولكن من الأهمية بمكان أن نتذكر أن منطق الانحياز الصيني الروسي يعمل أيضا في الاتجاه المعاكس، فإذا فشل بوتين بشكل واضح في أوكرانيا، فسوف تتقلص الخيارات المتاحة أمام شي بشكل كبير.
الواقع أن الاستراتيجيين الغربيين يهملون هذه العلاقة الاستراتيجية الرئيسية ضد مصلحتهم. ينظر فِـكر الهادي الهندي إلى الصين باعتبارها القوة الأعظم، وإلى روسيا باعتبارها قضية أوروبية ثانوية أكثر هامشية، ولكن إذا كانت القوتان الأوراسيتان تحركهما الرغبة التاريخية ذاتها، فلا ينبغي لنا أن نتجاهل هذه الحقيقة.
لن يكون هذا المنظور الأوراسي واضحا في واشنطن أو كانبيرا بقدر وضوحه في طوكيو، أما عن دلهي، فيبدو أن صناع القرار السياسي في الهند يتوهمون أن الحفاظ على علاقات ودية مع الكرملين قد يمنع روسيا من الاقتراب أكثر مما ينبغي من الصين، ومع ذلك، ينبغي أن يكون من الواضح أين قد تقف روسيا في أي مواجهة جديدة بمنطقة الهيمالايا.
كلما ازداد جبروت القوتين الأوراسيتين، كلما تعاظمت المزايا التي يمكن أن تستمدها كل منهما من الأخرى، وسوف تزداد كل منهما جرأة بفعل انتصاراتهما المتصورة، وسوف تكون البلدان الواقعة على أطراف المنطقة أول من يواجه العواقب. الحق أن الغرب يحتاج بصورة عاجلة إلى البدء في استخدام عدسة أوراسية. إن الإفراط في الاعتماد على منظور الهادي الهندي سيكون خطأ كبيرا.
كارل بيلت وزير خارجية السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيس الوزراء من عام 1991 إلى عام 1994، دبلوماسي دولي مشهور، شغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة، والممثل السامي للبوسنة والهرسك، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى البلقان، والرئيس المشارك لمؤتمر دايتون للسلام.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
لوبوان: هل يجب أن نأخذ تهديدات بوتين النووية على محمل الجد؟
تساءلت مجلة لوبوان هل إثارة الرئيس الروسي فلادمير بوتين التهديد النووي بإطلاق نوع جديد من الصواريخ الباليستية على أوكرانيا، مجرد لعبة خداع أم أن على العالم أن يأخذ ذلك على محمل الجد؟، مشيرة إلى أنه، في كل الأحوال، يمثل مرحلة جديدة في تصعيد المواجهة بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلفائها الغربيين من جهة أخرى.
وذكرت المجلة -في عمود جيرار أرو- بأن المسؤولية في هذا الصراع كله تقع على روسيا التي أطلقت "العملية العسكرية الخاصة" في الأصل، معتقدة أنها ستنشئ في غضون أيام قليلة، نظاما مواليا لروسيا في كييف، ولكن مقاومة الشعب الأوكراني أحبطت هذه الخطة وأجبرت بوتين على التخلي عنها والانتقال إلى هجوم عسكري واسع النطاق.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوباريزيان: نقاش متوتر حول غزة بين رئيسي وزراء فرنسيين سابقينlist 2 of 2تايمز: رفض الحريديم التجنيد ينذر بإحداث شرخ في الحكومة الإسرائيليةend of listوقال الكاتب إن قيام المسؤول عن هجوم بهذه الوحشية باتهام أنصار الضحية بالتصعيد فيه كثير من الجرأة، وذكر بأن إطلاق الأوكرانيين صواريخ غربية متوسطة المدى على أهداف عسكرية في روسيا ليس سوى رد فعل على تصعيد لا لبس فيه، وليس هو الذي أدخل الكوريين الشماليين إلى الصراع.
وبطريقة ما -يقول أرو- فإن الدول الغربية هي التي قدمت لبوتين العصا، لأنها حظرت على نفسها تقديم أسلحة معينة إلى أوكرانيا ثم قدمتها في النهاية، وبالتالي خلقت انطباعا بوجود تصعيد من جانبها، ومن الواضح أن الروس استغلوا ذلك فقدموا المدافعين عن أوكرانيا كمعتدين، ثم حاولوا إقناع الأميركيين والأوروبيين بأن حكومتهم تقودهم خطوة بخطوة نحو الحرب العالمية الثالثة.
وفي هذا الصدد، استمر بوتين في إثارة التهديد النووي عامين تقريبا، والآن تأتي مراجعة العقيدة النووية الروسية وإطلاق الصواريخ كأحدث مظاهر ذلك التهديد، خاصة أن التلفزيون الروسي قدم سيناريوهات لضربات نووية ضخمة على لندن وواشنطن في شبه جنون قومي.
التهديد بحرب عالمية ثالثة
وأشار الكاتب إلى أن مصلحة بوتين في المستقبل القريب، تتمثل في انتظار دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لأنه، في الغالب، سيرغب في بدء المفاوضات من وراء ظهر الأوكرانيين والأوروبيين، ويأمل منه بوتين أن يقدم تنازلات جوهرية قريبة مما قدم لطالبان والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون.
ولا شك لدى الكاتب في أن تغريدة دونالد ترامب الابن التي رأى فيها أن قرار الرئيس جو بايدن بالسماح بإطلاق الصواريخ الأميركية على الأراضي الروسية، يشكل تهديدا باندلاع حرب عالمية ثالثة، سوف تشجع بوتين، لأن إطلاق الأوكرانيين هذه الصواريخ سوف يثير مخاوف أمثال ترامب والمستشار الألماني أولاف شولتس الذين يأخذون تهديدات بوتين على محمل الجد.
بوتين وقع قبل أيام على ما سماه "عقيدة روسيا النووية الجديدة" (الفرنسية)ونصح كاتب العمود، الذي يراهن على أن موسكو سوف تضاعف التحذيرات المروعة بشكل أو بآخر في ضوء المفاوضات المأمولة والانتخابات الألمانية، بأن تظهر أوروبا أنها الأكثر تعنتا والأقوى والأكثر تصميما.
وتساءل الكاتب هل ينبغي لنا أن نستبعد استخدام الأسلحة النووية إذا فشلت المفاوضات، أم أن بوتين يخادع فقط؟
وأوضح أن الحرب في أوكرانيا تشكل أهمية وجودية لنظام بوتين وهو لا يستطيع تحمل خسارتها، كما أن الرئيس الروسي أظهر استعداده لخوض مجازفات قد يعتبرها آخرون مفرطة كما فعل في سوريا وجورجيا وأوكرانيا، وبعبارة أخرى، فإن بوتين يتمتع بما يسميه الإستراتيجيون الأميركيون "هيمنة التصعيد"، وهي قدرة موثوقة على ضرب عدوه دائما بقوة أكبر.
وخلص الكاتب إلى أن على الأوروبيين ألا ينخرطوا حاليا في التصعيد في مواجهة بوتين، خصوصا أن الروس يستعدون الآن للتفاوض مع محاور ينتظرون منه الكثير، وبالتالي ليست لديهم مصلحة في التصعيد.