ترجمة: أحمد شافعي -

من النادر أن تتصدر كلمات مسؤولي الحكومة الليتوانية عناوين الأخبار خارج بلدهم. فآراء ليتوانيا لا تشكل أولوية قصوى حتى لدى حلفائها. ولكن ربما حان الوقت لأن يتغير ذلك.

فعلى غرب الاتحاد الأوروبي أن يستمع إلى الشرق في ما يتعلق بأوكرانيا.

إننا لا نفتقر إلى القدرة، وإنما نفتقر إلى الإرادة السياسية والإلحاح اللازم لدعم أوكرانيا والحفاظ على أمننا الجماعي.

ومن ناحية أخرى، فإن روسيا لديها الإرادة لتدمير أوكرانيا وإعادة تأسيس الإمبراطورية الروسية. فمتى سوف نبدأ باستخدام قدرتنا على ردع ذلك؟

ليتوانيا بلد صغير يبلغ عدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة فقط، لذلك قد لا نتوقع منها أن تقود رد أوروبا على العدوان الروسي.

ومع ذلك، فإن الاحتلال السوفييتي لليتوانيا، المشبع بالاضطهاد والقمع ونظام الحكم الشمولي، مفهوم بعمق حتى بالنسبة للأجيال الشابة.

وقد يبدو من المنطق السليم إعطاء ثقل لوجهات نظر ليتوانيا وجيرانها يفوق ثقل وجهات نظر الدول الأخرى. فلماذا لا يحدث هذا؟

لقد توقع فيتوتاس لاندسبيرجيس، الذي كان في السابق أول رئيس لبرلمان البلد بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، وقوع هذه الحرب منذ عام 2008. ففي مقابلة أجراها موقع إخباري أوروبي على الإنترنت حول «الوضع في جورجيا»، أجاب بصراحة قائلا: «إنه ليس الوضع في جورجيا فقط، وإنما الوضع سيء للغاية في أوروبا، وسيء للغاية بالنسبة لمستقبل أوروبا، ويَعِدُ كثيرا بالمزيد والمزيد من السوء... فمن التالي بعد جورجيا؟- القادمة هي أوكرانيا».

يتناقض هذا الرأي تناقضًا صارخًا مع ما أجمع عليه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في ذلك الوقت عندما أعربوا عن «قلقهم البالغ» بشأن الحرب. فقد انتقدوا رد فعل روسيا غير المتناسب، لكنهم ضغطوا على جورجيا للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار المكون من ست نقاط، والذي سمح في الأساس «لقوات الأمن» الروسية بتنفيذ «إجراءات أمنية إضافية».

وقد أدت اتفاقية وقف إطلاق النار إلى احتلال روسيا لـ 20% من أراضي جورجيا، وهو الاحتلال المستمر حتى يومنا هذا.

في عام 2014، عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم، وافقت دول الاتحاد الأوروبي الأخرى على عقوبات معينة، لكنها استمرت طوال الوقت في إقامة شراكاتها في مجال الطاقة مع المعتدي. وبدلا من ذلك، قامت ليتوانيا ببناء محطتها الخاصة للغاز الطبيعي المسال، وأطلقت عليها اسم «الاستقلال»، بما سمح لها بالتوقف عن الاعتماد على الغاز الروسي.

في عام 2015، عندما كانت دول الاتحاد الأوروبي حذرة بشأن إعلان الاتحاد الروسي معتديا في منطقتي لوهانسك ودونيتسك في أوكرانيا، صرح سفير ليتوانيا لدى الأمم المتحدة بوضوح قائلا: «إن روسيا طرف مباشر في هذا الصراع وتتحمل المسؤولية الأساسية في الصراع الذي يمزق لحم أوكرانيا».

كيفية الرد على روسيا؟

بحلول عام 2022، كانت روسيا قد شنت هجوما واسع النطاق على أوكرانيا. جاءت كلمات الدعم من كل اتجاه، لكن الدعم الملموس كان أقل توافرا. خلال الأيام الأولى من الحرب، رفضت ألمانيا إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، بل ومنعت إستونيا من إرسال أسلحتها المدفعية القديمة من طراز هاوتزر.

وفي الوقت نفسه، دقت ليتوانيا، إلى جانب لاتفيا وإستونيا وبولندا، ناقوس الخطر بشأن التهديد الذي يشكله الوضع على بقية المنطقة، ودعت أوروبا إلى دعم أوكرانيا «بكل الوسائل المتاحة». ويرى كثيرون في المنطقة أن أوروبا يجب أن تلتزم بشكل لا لبس فيه بمساعدة أوكرانيا على كسب الحرب.

وحتى وقت قريب، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه يقترح أن أوكرانيا يجب أن تتنازل عن بعض سيادتها لتلبية مطالب بوتين. فقوبلت مثل هذه التعليقات ببرود في دول البلطيق وأوروبا الشرقية.

وعندما غيَّر ماكرون استراتيجيته ليقول إنه لا يستبعد إرسال قوات إلى أوكرانيا، واجه ردود فعل عنيفة من عدة عواصم أوروبية. ولكنه وجد حليفا في ليتوانيا.

ترسيخ المركزية الغربية: يسلط هذا المنظور التاريخي الضوء على الاختلاف الصارخ في الرأي بين دول مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وبولندا وجمهورية التشيك مقارنة بدول أوروبا الغربية مثل فرنسا أو ألمانيا. ويشير هذا إلى أن ظاهرة «المركزية الغربية» لا تزال سائدة في الاتحاد الأوروبي.

فلم يتم اختيار مرشحين من أوروبا الشرقية قط لتولي أدوار حاسمة مثل منصب الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي، على سبيل المثال. بل إنهم في واقع الأمر يتعرضون للتشويه، ومن ذلك ما فعله نائب رئيس المفوضية الأوروبية السابق فرانس تيمرمانز ومسؤول واحد على الأقل في المفوضية بشكل غير رسمي.

لا تزال أوروبا الغربية تنظر إلى أوروبا الشرقية ودول البلطيق فلا ترى فيها شركاء مساوين. ونتيجة لهذا فإن الاتحاد الأوروبي -الخاضع لهيمنة الغرب - لا ينظر إلى روسيا باعتبارها تهديدا مباشرا للأمن الأوروبي.

وفي بادرة إيجابية للاعتراف، ذكرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في خطابها السنوي عن حالة الاتحاد في عام 2022 قائلة: «لقد كان ينبغي علينا أن نستمع إلى أصوات داخل اتحادنا -أتت من بولندا ومنطقة البلطيق وجميع أنحاء وسط وشرق أوروبا».

ولابد أن تشكل لحظة الاعتراف العابرة هذه أساسا لمناقشة ذات مغزى أكبر حول من يتخذ القرار في الاتحاد الأوروبي وعلى أي أساس.

فكتوريا لابا محاضرة في معهد صنع السياسات الأوروبية بجامعة بوكوني

عن آسيا تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی

إقرأ أيضاً:

باستعادتها كورسك هل حرمت روسيا أوكرانيا من أهم ورقة مساومة؟

موسكو- أجمع مراقبون روس على أن الكرملين حقق أهم إنجاز عسكري خلال العام الحالي في الحرب مع أوكرانيا، بعد استعادة مقاطعة كورسك التي كانت القوات الأوكرانية سيطرت عليها في 6 أغسطس/آب الماضي بعملية مباغتة تسببت بصدمة لدى الرأي العام وانتقادات لأداء القوات الروسية بالمنطقة.

وبذلك، تكون موسكو -حسب هؤلاء المراقبين- قد حرمت كييف من استخدام كورسك ورقة مساومة في محادثات السلام المستقبلية، لا سيما أن الأنباء عن استعادة المقاطعة الروسية الإستراتيجية جاءت في وقت كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يبحث فيه مع نظيره الأميركي دونالد ترامب الجهود الرامية للتوصل إلى وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط.

تعزيز الموقف التفاوضي

يعد تحرير كورسك حدثا سياسيا وعسكريًا كبيرا بامتياز، حيث يرى مراقبون روس أن الكرملين حصل بفضله على ورقة مهمة لا تقبل الجدل في المفاوضات المحتملة مع أوكرانيا بشأن الحل السلمي للصراع.

ويدور الحديث عن استعادة روسيا لأكثر من ألف كيلومتر مربع من أراضيها، كانت القوات الأوكرانية سيطرت عليها، وشكلت في حينه أكبر إنجاز عسكري لكييف على حساب المناطق الروسية.

ويرى الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين أن تحرير كورسك يعد حدثا يتجاوز في حجمه الصراع بين موسكو وكييف، ويعزز الموقف الروسي في مسار المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن هذه الحرب.

إعلان

ويقول -في حديثه للجزيرة نت- إنه بالإضافة إلى أن تحرير كورسك قد رفع بشكل كبير معنويات الجيش الروسي فإنه في الوقت ذاته يشكل خسارة "كارثية" لكييف قللت من خياراتها الإستراتيجية كورقة مساومة لتبادل الأراضي مع روسيا على المستوى الدبلوماسي.

الجيش الروسي قد ينشئ منطقة أمنية عازلة لحماية المناطق الحدودية من الاستهداف (الجزيرة) "هزيمة زيلينسكي"

بموازاة ذلك، أشار ليتوفكين إلى أن استعادة كورسك شكلت فشلًا ذريعًا للقوات الأوكرانية، وهزيمة شخصية لزيلينسكي، مضيفًا أن جميع المسلحين الأوكرانيين الذين شاركوا في غزو المنطقة الروسية إما قُتِلوا أو أُجبروا على الانسحاب إلى الأراضي الأوكرانية.

ووفقًا له، يمكن الآن القول بكل تأكيد إن جميع تصريحات زيلينسكي ووعوده كانت باطلة، وإن تلك الخطب التي طالب فيها بمواصلة القتال باءت بالفشل.

وحسب رأيه، كان مصير خطة القيادة الأوكرانية لغزو مقاطعة كورسك الفشل في البداية، لأن شن عملية هجومية دون القدرة على الدفاع هو تكتيك فاشل بامتياز.

وعلاوة على ذلك، يؤكد الخبير ليتوفكين أن أوكرانيا باتت عبئا على الولايات المتحدة، وبالتحديد على إدارة ترامب الذي تتمثل أولوياته في احتواء الصين ودعم إسرائيل.

ويتابع بأنه على النقيض من الولايات المتحدة، يرى الاتحاد الأوروبي أن الصراع الأوكراني حاسم بالنسبة لمستقبل الغرب، فإذا خرجت روسيا منتصرة فسوف يتسبب ذلك في أضرار جسيمة لصورته، وستتعرض سياسة النخبة الغربية بأكملها للتهديد، على حد وصفه.

وختم بأنه بعد استعادة كورسك، سيتعين على الجيش الروسي إنشاء منطقة أمنية تكون بمثابة طوق عازل يحمي المناطق الحدودية من القصف والتخريب ومجموعات الاستطلاع المعادية.

بصمات بيونغ يانغ

وفي خضم الحديث عن "النصر الروسي" في كورسك، كان لافتًا إعلان وزارة الدفاع الروسية عن مشاركة جنود من كوريا الشمالية في عملية تحرير المناطق الحدودية بمقاطعة كورسك، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها وبشكل رسمي عن هذا الدور.

وجاء ذلك على لسان رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف، في تقريره إلى الرئيس فلاديمير بوتين، والذي قال إن الجنود الكوريين الشماليين "أظهروا حرفية عالية وصمودًا وشجاعة وبطولة في المعارك".

إعلان

وكانت كوريا الجنوبية وصفت في وقت سابق إرسال قوات كورية شمالية إلى روسيا بأنه "يتعارض مع المعايير الدولية ويستهزأ بالقانون الدولي".

لكن الخبير بالشؤون الدولية دميتري كيم أوضح أن ادعاءات سول لا أساس لها من الصحة، لأن القوات الكورية الشمالية وجدت في مناطق روسية وليست في مناطق متنازع عليها، مثل دونيتسك ولوغانسك، التي يمكن أن تخضع لمعايير احترام سيادة الدول الأخرى وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي.

وأعرب المتحدث عن دهشته من إدانة دول أخرى لموسكو بسبب إشراك جنود أجانب في هذه العملية العسكرية، متساءلًا "كيف يمكن إدانة روسيا لإشراكها جنودًا من كوريا الشمالية، وفي الوقت نفسه يتم إرسال آلاف المرتزقة والمستشارين من دول حلف شمال الأطلسي إلى أراضي أوكرانيا أو روسيا؟".

وأشار كيم إلى أن "الآلاف من المرتزقة" يقاتلون في صفوف القوات الأوكرانية، ليس فقط من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكن أيضًا من دول أخرى من القوقاز إلى أميركا اللاتينية.

وأوضح أن روسيا وكوريا الشمالية صادقتا العام الماضي على معاهدة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، والتي تنص إحدى بنودها على تقديم المساعدة العسكرية في حالة العدوان على أحد الطرفين.

وتابع الخبير أنه بعد ذلك بمدة وجيزة بدأت الوحدات الكورية الوصول تدريجيا إلى روسيا، بعد أن خضعت للتدريبات المناسبة واكتسبت مهارات التحكم في الطائرات بدون طيار، وأصبحت على دراية بالحقائق الميدانية. وأضاف أنه بعد ذلك تم نقلها إلى مقاطعة كورسك، وحتى لا يتم كشفهم تمركزوا في الخطوط الخلفية ومن ثم في التحصينات، وأخيراً بالمشاركة في الهجمات.

وقال إن الجنود الكوريين تميزوا بتماسكهم وانضباطهم وعدم اكتراثهم بالموت وقدرتهم المذهلة على التحمل، وخاصة وحدات قوات العمليات الخاصة، وقدموا مساهمة كبيرة في تحرير منطقة كورينفسكي وفي المعارك بالقرب من ستارايا ونوفايا سوروتشيني، وكانت لديهم قاعدة صارمة بعدم الوقوع في الأسر أحياء أو الاستسلام طواعية.

إعلان

مقالات مشابهة

  • روسيا: تهديدات الاتحاد الأوروبي للرئيس الصربي هي أعمال إجرامية وابتزاز
  • أوكرانيا تحدد شرطاً لمحادثات السلام مع روسيا
  • باستعادتها كورسك هل حرمت روسيا أوكرانيا من أهم ورقة مساومة؟
  • تحقيق لـCNN: لماذا يقاتل صينيون لصالح روسيا في حرب أوكرانيا؟
  • روسيا: ننتظر رد أوكرانيا على الهدنة والمباحثات
  • أوكرانيا وهنغاريا تتفقان على إطلاق مشاورات بشأن عضوية كييف في الاتحاد الأوروبي
  • روسيا تنتظر رد أوكرانيا على وقف إطلاق النار في مايو
  • نيجيرفان بارزاني يؤكد دور الاتحاد الأوروبي بتعزيز العلاقات بين بغداد واربيل
  • بعد تصريحات ترامب.. روسيا تشن هجومًا واسعًا على أوكرانيا
  • للمرة الأولى... كوريا الشمالية تعترف بإرسال قوات إلى روسيا لمساندتها في حربها ضد أوكرانيا