من أعظم (أسرار السَّعادة) التى يجهلها، أو يغفل عنها، كثيرٌ من الناس: أن تعلم أنه لا يملكُ أحدٌ، كائنًا مَن كان، أن يُلحِقَ بك أيَّ ضررٍ، صغيرٍ أو كبير! لأنَّ الله بحكمته البالغةِ - التى تُبْهِرُ العقول - قد جعل من سنن هذا الكون الذى نعيش فيه (سنَّةً ربَّانية) لا تتخلف أبداً؛ وهى أنَّه لا يتضررَ بالفِعل السَّيِّئ إلا صاحبه.
قال ربنا تبارك وتعالى: (ولا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بِأهْلِهِ) ثم بيَّن - تبارك وتعالى - أنَّ هذه سنَّة ربانيَّة لا تتخلف أبداً وأنَّها الطريقة التى عامل بها كلَّ العباد منذ بدء الخليقة، فقال تعالى عن الذين يمكرون: (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلّا سُنَّتَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) إذاً، فهذه هى (القاعدة): لا يتضرَّر بالمكر السَّـيِّئ إلا صاحبُه وكلَّ مَن أَصَابَهُم شىءٌ مِن (رذاذ) فِعلٍ سيئ فعله غيرهم، فلا يكونُ لهم إلا أذىً فى الظَّاهر، ثم لا يلبثُ أن يكونَ (مِفتاحًا) لأبوابٍ مِن الخيرات لا يُحصيها إلا الله. فلولا مُحاولة إخوةُ يوسف أن يضرُّوه (بالقتل) لَمَا صارَ عزيز مصر، ولو تأملتَ (صلح الحُديبية) وما حصل للمسلمين بسببه من الخيرات والمنافع لرأيت عجباً عُجاباً من حكمة الله ولطفه بعباده الذين (لا يمكرون) ولذلك سمَّى الله تبارك وتعالى صلح الحديبية (فتحاً)، فقال سبحانه وتعالى: (إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) مع أنَّ ظاهره شروط تعسفية جائرة مُهينة للمسلمين حتى قال بعض كبار الصَّحابة: يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟! علام - إذاً - نعطى الدَّنـيَّـة فى ديننا؟! وعلى هذا، فاعلم أنه لن يفعل أحدٌ من الإنس والجن شيئاً يريد الإضرار بك إلا كان فى نهاية الأمر مفتاحاً لكثير من الخيرات لك. وتأمَّل فى حياتك - بعينِ الحكمة والإيمان - وانظر كم هى الخيرات التى تنعمُ بها اليوم والتى ما كانت لِتَطرُقَ بابَكَ لولا مكرُ مَن مَكَرَ بك من خصومٍ أو أعداء. ومن الأصول التى تتفرع عنها هذه السُّنة الربانية، أن (الأرزاق قد كُتبت)، والأقلام قد رُفِعَت، والصُّحُفُ قد جَفَّت. فالرِّزق الذى كتبه الله لك، سيأتيك لا محالة، وسيأتيك (كاملاً) لا نقص فيه. ولو اجتمع الأنس والجن على عداوتك، وأرادوا أن يمكروا بك ليضرُّوك، أو ليذهبوا بشىء مِن رزقك، (فلن يستطيعوا) ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا. قال النبى صلى الله عليه وسلم: «واعلم: أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء، لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشىء، لم يضرُّوك بشىء إلَّا بشىء قد كتبه الله عليك».
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
انهيار قمة بودابست يُعمّق الجمود فى الحرب الأوكرانية
تم تأجيل المحادثات التى كان من المقرر أن يجريها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين بشأن الحرب الدائرة منذ ما يقرب من أربع سنوات فى أوكرانيا، بعد أن كانت التوقعات تشير إلى اقتراب عقد قمة ثنائية بين البلدين فى بودابست خلال الأسابيع المقبلة. لكن يبدو أن التقارير التى تحدثت عن القمة الوشيكة كانت مبالغاً فيها إلى حد كبير.
فبعد أيام قليلة من إعلان ترامب عن نيته لقاء بوتين فى العاصمة المجرية «خلال أسبوعين أو نحو ذلك»، تقرر تعليق القمة إلى أجل غير مسمى، كما تم إلغاء لقاء تمهيدى بين كبار الدبلوماسيين الأمريكيين والروس. وقال ترامب للصحفيين فى البيت الأبيض بعد ظهر الثلاثاء: «لا أريد أن أضيع وقتى فى الاجتماع. لا أريد أن أضيع وقتى، لذا سأرى ما سيحدث».
وفى أثناء إلقائه كلمة فى مصر الأسبوع الماضى احتفالاً باتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، توجه ترامب إلى مستشاره ستيف ويتكوف، كبير المفاوضين الدبلوماسيين لديه، بطلب جديد قائلاً: «يتعين علينا أن ننتهى من روسيا». غير أن الظروف التى ساعدت ويتكوف وفريقه على تحقيق اختراق فى غزة ربما يصعب تكرارها فى حرب أوكرانيا المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات.
ووفقاً لويتكوف، فإن مفتاح نجاح اتفاق غزة كان قرار إسرائيل مهاجمة مفاوضى حماس فى قطر، وهى خطوة أغضبت حلفاء أمريكا العرب لكنها منحت ترامب نفوذاً كبيراً على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو. واستفاد ترامب من تاريخه الطويل فى دعم إسرائيل منذ ولايته الأولى، بما فى ذلك قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتغيير الموقف الأمريكى بشأن شرعية المستوطنات فى الضفة الغربية، ودعمه الأخير للحملة العسكرية الإسرائيلية ضد إيران.
يحظى ترامب بشعبية داخل إسرائيل تفوق شعبية نتنياهو نفسه، وهو ما منحه نفوذاً فريداً على الزعيم الإسرائيلى. وإلى جانب علاقاته السياسية والاقتصادية مع اللاعبين العرب الرئيسيين، امتلك ترامب شبكة تأثير سمحت له بفرض اتفاق سلام فى الشرق الأوسط.
لكن فى الملف الأوكرانى، يبدو نفوذه محدوداً. فخلال الأشهر التسعة الماضية، تأرجحت مواقفه بين محاولات الضغط على بوتين ثم زيلينسكى دون تحقيق نتائج ملموسة. وهدد ترامب بفرض عقوبات جديدة على صادرات الطاقة الروسية وبإرسال أسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا، لكنه أقر أيضاً بأن ذلك قد يضر بالاقتصاد العالمى ويؤدى إلى تصعيد الصراع.
فى الأسبوع الماضى، ومع تداول تقارير تفيد بأن البيت الأبيض يفكر جدياً فى إرسال صواريخ توماهوك كروز وبطاريات باتريوت إلى كييف، أجرى بوتين اتصالاً هاتفياً بترامب، الذى تحدث بعد ذلك عن القمة المحتملة فى بودابست. وفى اليوم التالى استقبل ترامب زيلينسكى فى البيت الأبيض فى اجتماع متوتر لم يسفر عن نتائج تذكر.
وأصر ترامب على أنه لم يقع فريسة لمناورة روسية قائلاً: «لقد لعبت طوال حياتى من قبل الأفضل منهم، وخرجت بشكل جيد حقاً». لكن زيلينسكى أشار لاحقاً إلى أن الموقف الروسى تغيّر بمجرد أن تباطأت وعود واشنطن بتزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، قائلاً: «بمجرد أن أصبحت قضية التنقل بعيد المدى أبعد قليلاً بالنسبة لنا، أصبحت روسيا تلقائياً أقل اهتماماً بالدبلوماسية».
وخلال أيام معدودة، انتقل ترامب من التفكير فى إرسال صواريخ إلى أوكرانيا إلى التحضير لقمة مع بوتين فى بودابست، والضغط على زيلينسكى للقبول بالتنازل عن كامل منطقة دونباس، بما فى ذلك المناطق التى لم تحتلها روسيا. وانتهى به الأمر إلى الدعوة لوقف إطلاق النار على طول خطوط القتال الحالية، وهو اقتراح رفضته موسكو.
ويعكس هذا التذبذب دورة متكررة فى العلاقة بين ترامب وبوتين، إذ يلمح ترامب إلى إمكانية تحقيق اختراق دبلوماسى ثم يتراجع بوتين. وتناوب الرئيس الأمريكى بين محاولات استمالة الزعيم الروسى وتهديده دون اتخاذ خطوات عقابية حقيقية.
وقال دانيال فريد، السفير الأمريكى السابق فى بولندا: «السؤال هو: هل سيفهم ترامب، ومتى سيفهم، أنه لتحقيق النتائج التى يصبو إليها، عليه الضغط على بوتين؟ بوتين يواصل التلاعب به».
لكن بعض خبراء السياسة الخارجية لا يزالون يرون أن ترامب يحتفظ ببعض النفوذ، خاصة عبر تهديده المحتمل بإرسال صواريخ «توماهوك» لأوكرانيا. وقال السفير الأمريكى السابق لدى كييف ويليام ب. تايلور: «لا يزال لديه هذا النفوذ، وبوتين يعرف ذلك». وأضاف: «بوتين كان قلقاً بشأن صواريخ توماهوك، وطلب إجراء المكالمة الهاتفية، وهو ما أدى على الأقل إلى تأجيل إطلاقها».
ورغم تعثر الجهود، أكد ترامب أنه ما زال يرى فرصة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، قائلاً عن الحرب الروسية: «لقد جئت، وعليّ أن أرى إن كان بإمكانى إخمادها». وأضاف أنه سيعلن «تحديثاً» بشأن استراتيجيته تجاه روسيا وأوكرانيا خلال «اليومين المقبلين»، وهو نمط متكرر من وعوده التى تمتد لأسبوعين ثم تتأجل.
كما أن الاجتماع التحضيرى بين روبيو ولافروف، الذى كان من المقرر عقده فى بودابست، تأجل. ووفقاً لدبلوماسيين أوروبيين بارزين، فإن تأجيل اللقاء يعكس إدراك واشنطن بأن موسكو غير مستعدة لتقديم أى تنازلات، ما يجعل القمة بلا جدوى. وقال أحدهم: «الروس أرادوا الكثير، وأصبح واضحاً للأمريكيين أنه لن يكون هناك اتفاق لترامب فى بودابست». وأضاف دبلوماسى آخر: «الروس لم يغيروا موقفهم إطلاقاً، ولا يوافقون على البقاء فى مكانهم. وأفترض أن لافروف ألقى الخطاب نفسه، وكان روبيو يقول: أراك لاحقاً».