يقول الروائى ولاء كمال لـ«الوفد»: يرتبط شهر رمضان عندى بالإبداع متجليّاً فى أجمل صوره. فهو شهر التخلى والاستسلام للأمر الإلهى. وكلما أمعنت التفكير، يواصل التوازى بين الكتابة والصوم طرح نفسه فى صورٍ شتى.

فالكتابة – والفنون عموماً- تتطلب قدراً هائلاً من التخلى. كل من يمنح جل نفسه لإبداع الفن يحتاج إلى التخلى عن الكثير مما قد تمنحه إياه الحياة أملاً فى تحقيق غاية أكبر منه.

كثيرون يفضلون تمثيل الكتابة كفتاةٍ لعوب تحسن الإغواء حتى تقود المبدع إلى الهلاك. أما أنا فأراها نداءً يتطلب الكثير من التضحية والشجاعة لمواجهة الصفحة الخالية إيماناً بغاية التنوير والخلود التى هى أكبر من مجموع حيوات البشر القصيرة والتافهة بطبيعتها. ولذلك فكلما أتى شهر رمضان توافق نداؤه بداخلى مع العزلة التى يفرضها نداء الإبداع والشجاعة المطلوبة لمواجهة النفس ونزعاتها. 

كذلك فإن الاستسلام لأمر الله بالصوم وتزكية النفس خلال الشهر الكريم لا يبتعد كثيراً عن استسلام المرء لسحر الفكرة والكلمة.

ويتجلى الاستسلام بالنسبة لى فى أزكى صوره خلال شهر رمضان. فرمضان بطبيعة الحال هو شهر الاستسلام للسمو الذى حين يمر جسدى خلاله بضعفٍ تقوى عزيمتى، وتنجلى أفكارى، وتُشحَذ المستقبلات الروحية فأتمتع بدرجةٍ مختلفةٍ من الحساسية تساعدنى على التقاط الرهيف والعابر فى الحياة فيتحول بدوره إلى إبداع. والمبدع الأصيل يدرك تماماً أنه ما هو إلا أداة تتحدث من خلالها الذات العليا فينطق بما توحى له به. ولذلك فإن المبدع حين يكون طاهر البدن والنفس ومتخلياً عن كل ما يثقل كاهله من همٍّ شخصيّ، يصبح متهيئاً لتسليم نفسه لتلك القوى واستقبال الرسالة وتضفيرها فى شكل قصةٍ تلهم وتعلم وتضىء.. ما يسمونه فى قول آخر بالوحى.

وإذا كان المؤمن الحق يسعى جاهداً لنبذ كل شهوةٍ من أجل الفوز بالثواب، فإن الكاتب الحق يجب أن ينبذ كل ذرة كبرٍ بداخله حتى يزكى نفسه عن أغراضها الدنيوية من شهرة وخيلاء، فيستحيل إلى كيانٍ من الشعور والتنوير لتصبح كلماته عندها ذات جدوى، وحكاياته تلمس شغاف القلوب وتضمد جراح الزمن والدنيا، فيحقق بذلك الخلود المنشود، تماماً كخلود النعيم الذى ننشده بالصوم.

 

 

 

المصدر: بوابة الوفد

إقرأ أيضاً:

هل تسهم المهرجانات الفنية في تعزيز الإبداع أم تروج للسلعة الثقافية؟


تعتبر المهرجانات الفنية أحد أهم الأحداث التي تجمع الفنانين والجمهور من مختلف أنحاء العالم، حيث يتم تقديم أعمال فنية متنوعة في مجالات السينما، والموسيقى، والفنون التشكيلية، والمسرح، وغيرها. ولكن مع ازدياد عدد المهرجانات الفنية وانتشارها في كافة أنحاء العالم، تطرح العديد من الأسئلة حول دور هذه الفعاليات: هل تسهم المهرجانات في تعزيز الإبداع الفني وتطويره، أم أنها أصبحت مجرد منصات تروج للسلعة الثقافية وتتحول إلى سوق تجارية؟ وبين هذه الأسئلة المعقدة، يظهر تساؤل أساسي: هل المهرجانات الفنية قادرة على حفظ قيم الفن الأصيلة أم أنها تسهم في تسليع الثقافة وتحويلها إلى منتج استهلاكي؟

المهرجانات الفنية: ملتقى الإبداع والتبادل الثقافي

في الأصل، كانت المهرجانات الفنية تهدف إلى تقديم الإبداع الفني في مجالاته المختلفة، ومنح الفنانين منصة لعرض أعمالهم وتبادل الأفكار والخبرات. كانت هذه المهرجانات تسهم في فتح أفق الجمهور على أشكال جديدة من الفن والثقافة، وتساهم في تعزيز الحوار الثقافي بين مختلف الشعوب والمجتمعات. ومن خلال هذه المهرجانات، كان يتم تسليط الضوء على أعمال فنية مبتكرة تساهم في تطوير الصناعة الفنية وتوسيع نطاق التأثير الفني على المجتمعات.
على سبيل المثال، مهرجان كان السينمائي أو مهرجان فينيسيا للأفلام يعكسان دور المهرجانات في دعم السينما والفنانين المستقلين، وتقديم فرصة لهم للوصول إلى جمهور عالمي. بينما المهرجانات الموسيقية مثل "مهرجان كوتشيلا" أو "غلاستونبري" توفر منصات للموسيقيين والفنانين الشباب لتقديم موسيقاهم، مما يعزز التنوع الثقافي ويسهم في خلق حوار بين مختلف الأجيال والأساليب.

هل أصبحت المهرجانات سلعًا ثقافية؟

مع مرور الوقت، وتحت ضغوط العولمة والتجارة، بدأت المهرجانات الفنية تتحول بشكل تدريجي من منصات إبداعية إلى سلع ثقافية تُروج وتُسوق. في العديد من الحالات، أصبحت المهرجانات تركز بشكل أكبر على جذب السياح والمستثمرين أكثر من تسليط الضوء على الفن نفسه. كما أن بعض المهرجانات تروج لنجوم الفن العالميين وتعرض أعمالًا تركز على جذب الجمهور، في حين تُغفل الأعمال الفنية المستقلة أو التجريبية التي لا تملك القدرة على جذب حشود ضخمة أو تحقيق إيرادات كبيرة.
هذه التحولات قد تؤدي إلى فرض قيود على الإبداع، حيث يصبح الفنانون مجبرين على تقديم أعمال تناسب متطلبات السوق وتواكب الاتجاهات السائدة. وبدلًا من أن تكون المهرجانات مساحة مفتوحة للابتكار والتجديد، تتحول إلى فعاليات تروج لمنتجات ثقافية تُسوق بطريقة تجارية.

الربح والتسويق: هل يضر ذلك بالفن؟

إن أحد أبرز التحديات التي تواجه المهرجانات الفنية في العصر الحالي هو التوازن بين الفن والربح. فبينما يُعد الجانب التجاري جزءًا من أي حدث كبير في العصر الحديث، فإن المهرجانات الفنية التي تركز بشكل أكبر على الربح قد تؤدي إلى تهميش الفنون التي لا تجذب الانتباه الجماهيري أو التي لا تملك القدرة على تحقيق أرباح ضخمة.
المهرجانات التي تُركز على استعراض الأسماء الكبيرة، سواء في السينما أو الموسيقى أو المسرح، قد تساهم في تعميم فكرة أن الفن هو مجرد منتج قابل للاستهلاك. بدلًا من تكريم الأعمال التي تسعى لإحداث تغيير ثقافي أو اجتماعي، يتم تقديم الأعمال التي تتوافق مع الذوق العام وأذواق الجماهير الواسعة، مما يجعل المهرجانات أقل إبداعًا وأقل تحفيزًا للفنانين الجدد أو المبتكرين.
علاوة على ذلك، فقد تحول بعض المهرجانات إلى مناسبات تجارية موجهة نحو السياحة، حيث يهيمن الجانب التجاري على التنظيم والبرمجة. في هذا السياق، يتم التركيز على جلب الزوار، مما قد يؤدي إلى تقليص فرص الفنانين المحليين أو الجدد في عرض أعمالهم في تلك الفعاليات.

المهرجانات الفنية كمنصات للتميز الثقافي

رغم هذه الانتقادات، تبقى المهرجانات الفنية أماكن مهمة لتسليط الضوء على التميز الثقافي والفني. فهي توفر فرصة للفنانين والمبدعين للتعبير عن أنفسهم والتفاعل مع جمهور عالمي، مما يعزز فهم الثقافات المختلفة. بعض المهرجانات، مثل "مهرجان القاهرة السينمائي" و"مهرجان دبي السينمائي"، على سبيل المثال، لعبت دورًا هامًا في دعم السينما العربية وتقديم أعمال مستقلة تحكي قصصًا متنوعة وتنقل رسائل قوية حول قضايا مجتمعية وإنسانية.
وتعتبر المهرجانات أيضًا منصات لتقديم الفنون التي تعكس الهويات الثقافية المختلفة وتساعد على الحفاظ عليها من الاندثار. ومن خلال التفاعل بين الفنانين والجمهور، يتم تبادل القيم الثقافية والفنية بين المجتمعات المختلفة، مما يساهم في بناء جسر من الفهم المتبادل.

هل يمكن للمهرجانات أن تعزز الإبداع دون الوقوع في فخ السوق؟

على الرغم من الضغوط التجارية التي تواجهها المهرجانات الفنية، يمكن أن تسهم هذه الفعاليات في تعزيز الإبداع بشرط أن تبقى المهرجانات ملتزمة بمهمتها الأصلية في دعم الفن والفنانين بعيدًا عن الضغوط التجارية. يمكن للمهرجانات أن تخلق مساحة للفنانين الجدد والمبتكرين، وتساعد في تقديم أعمال فنية تثير النقاش والتفكير النقدي لدى الجمهور. في هذا السياق، فإن المهرجانات التي تركز على الجودة الفنية وتركز على تقديم أعمال متنوعة تجذب الجمهور من خلال الإبداع، لا تجلب الفائدة للفنانين وحسب، بل تساعد أيضًا في تطوير الثقافة والفنون في المجتمع.
من خلال توفير منصات لعرض الأعمال المستقلة والمبتكرة، قد تسهم المهرجانات في تحفيز الحوار بين الأجيال المختلفة، وتعزيز التنوع الثقافي. كما يمكن أن تركز المهرجانات على تسليط الضوء على الفنانين الذين يتناولون قضايا اجتماعية أو بيئية هامة، مما يساهم في إحداث تغيير إيجابي في المجتمع من خلال الفن.

الخاتمة: المهرجانات الفنية بين الإبداع والتجارة

المهرجانات الفنية، في مجملها، تظل ساحة حيوية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعزيز الإبداع الثقافي والفني. ومع ذلك، فإنها لا تخلو من التحديات التي قد تؤثر في توازنها بين الفن والربح. إذا كانت المهرجانات تهدف إلى أن تكون منصات للفن الحقيقي والابتكار، فإنها بحاجة إلى الالتزام برسالتها الأصلية والتركيز على دعم الأعمال الفنية ذات القيمة الثقافية والفكرية، بدلًا من الاكتفاء بالتجارة والربح السريع. وفي النهاية، تظل المهرجانات الفنية بحاجة إلى التوازن بين إرضاء الجمهور وتحقيق الأرباح وبين الحفاظ على الأصالة الفنية وتشجيع الإبداع المتجدد.

مقالات مشابهة

  • المتحف المصري الكبير يستضيف فعالية "تأثير الإبداع"
  • ترامب يعلن اختياره بروك رولينز وزيرة للزراعة
  • ترامب يعلن اختيار بروك رولينز وزيرة للزراعة
  • فى طلب السعادة
  • مفيدة شيحة: حسين فهمي قدوتي في عدم الاستسلام للحزن
  • 10 أطعمة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان.. تجنبها تماما
  • خبير: إسرائيل تصّعد غاراتها على لبنان للوصول إلى تسوية تشبه الاستسلام
  • مصطفى بكري: الشعب المصري يثق تماما في الرئيس السيسي رغم التحديات «فيديو»
  • الدندر مستقرة تماما والعودة الطوعية في استمرار
  • هل تسهم المهرجانات الفنية في تعزيز الإبداع أم تروج للسلعة الثقافية؟