ما زلت أتذكر سنة 2005 عندما عُرض فيلم «مملكة السماء» للمخرج ريدلى سكوت، وكيف تعرّض لحملة انتقادات كبيرة من طرف المؤرخين الغربيين، ومهاجمتهم مخرجه ووصفهم له بالمدلس والمزور.. الشىء نفسه أو بدرجة أقل فى فيلم دارين أرنوفسكى «نوح»، الذى صدرت ضده فتاوى دينية فى العالم الإسلامى.

فيلم «الخروج: آلهة وملوك» لريدلى سكوت انتُقد وهوجم أيضاً وتعرّض لحملات المقاطعة والمنع فى الكثير من الدول الإسلامية، فكلما أنتج فيلم تاريخى أو مستوحى من أحداث تاريخية، تعرّض صانعوه للانتقادات والهجوم، وفى الأخير يُعرض الفيلم ويستمتع جمهوره ويجنى صانعوه أرباحاً خيالية.

هناك حد فاصل بين التاريخ والفن السينمائى والدرامى، ولا يجوز الخلط بينهما، مخطئ من يظن أن باستطاعة التاريخ الاعتماد على الأفلام والمسلسلات لتحقيق المعرفة ونشر الحقائق التاريخية، لكن باستطاعة الفن السينمائى والدرامى الاعتماد على التاريخ لصناعة المتعة والترفيه، والاعتماد هنا ليس حرفياً أو كلياً، بل جزئياً، حيث يختار من التاريخ ما يراه مناسباً له درامياً، مع إضافة بهارات تخيلية تخدم أحداثه وتجعلها قابلة للاستهلاك، إذاً فالحقائق التاريخية فى الفن نسبية وتختلف باختلاف الرؤية الدرامية والفنية لصانع المحتوى.

الحقائق التاريخية لا توجد سوى فى المراجع والكتب والأبحاث الأكاديمية، وليس بالضرورة وجودها فى عمل سينمائى أو درامى، فالتاريخ علم، والسينما أو الدراما فن وترفيه وصناعة وتجارة تخضع للمنافسة ومتطلبات السوق. ومن السذاجة محاكمة عمل فنى ما -سواء كانت هذه المحاكمة قانونية أو شعبية أو دينية- بتهمة التزوير وعدم التزامه بالحقائق التاريخية، فالمفروض أن الفن لا حدود تحده، لأنه ببساطة يعتمد على الخيال، والخيال كما يعلم الجميع أوسع من الكون.

وهذا ما جرى لمسلسل الحشاشين الذى استوحى أحداثه من سرديات متعدّدة تهم شخصية اختلف حولها تاريخياً، بل هناك من يُشكّك فى وجودها أصلاً، الدراما أو السينما كالأدب، فهناك روايات استقت من جماعة الحشاشين أحداثها، ووظفتها بما يتناسب وخطها السردى، ولا أحد طالب بحرقها أو تمزيقها، لأنها زيّفت التاريخ وحورته، مسلسل «الحشاشين» أو «الحشاشون» تكلم إبداعاً وفناً بلسان تاريخى، ونأى بنفسه عن الدخول فى جدليات فلسفية وفكرية معمّقة متداخلة مع المعارف الدينية لإيصال رسالة ما، فخطابه شفّاف واضح وبسيط، وهذا يظهر جلياً من خلال الحوار المتداول بين الشخصيات، بما فيها العلماء، مما يفسّر لنا أن الاهتمام الرئيسى لصناع العمل هو الصورة بكل أبعادها الفنية، المسلسل فيه اجتهاد فنى واضح، رفعه إلى مقام الدراما المتميزة، ليس فى هذا الموسم فقط، بل فى تاريخ الدراما التاريخية المصرية، وأنا هنا أتكلم إبداعاً وفناً، ومن هذه الناحية فالعمل يستحق المتابعة بما يمنحه لنا من متعة بصرية، يرافقها سرد متقن وسلس للأحداث دون ارتباك حتى الآن، بسبب قوة السيناريو وحبكته المطروزة بعناية، هل أنا بهذا أرمى الورود؟ نعم أنا كذلك، لكن ليس اعتباطاً ولا مجاناً، بل لأن العمل -وبعيداً عن أى جدل بيزنطى- يستحق فنياً وإبداعياً.

المسلسل لا يقدّم لنا صورة بصرية بديعة فقط، ولا إخراجاً محترفاً متماهياً ومتناسقاً مع قوة السيناريو، بل يقدم لنا أيضاً طبقاً متنوعاً وممتعاً من فن التشخيص، من خلال مشخصين موهوبين لهم ما يكفى من رصيد لدى جمهورهم، ككريم عبدالعزيز، الذى أثبت منذ انطلاقته الأولى بأنه ليس ذاك الممثل الصدفة، الذى وجد نفسه فجأة داخل الوسط الفنى بفضل أبيه المخرج محمد عبدالعزيز، بل هو ذاك الشخص الذى اقتحم مجال التمثيل، وهو كله طموح وإرادة لتحقيق الأفضل فى كل عمل يشارك فيه، مشخّص مكافح ومواظب ومداوم على صقل قدراته الفنية، وجعلها أكثر دينامية وليونة للتأقلم مع كل شخصية يؤديها، وهذا ما لمسناه مجدّداً فى هذا العمل، حيث يلبس عباءة التاريخ بكل يُسر وسلاسة، وهناك أيضاً الرائع والكبير فتحى عبدالوهاب، الحربائى أو الجوكر، القادر على ارتداء كل الألوان واللعب على كل الحبال مهما كان طولها وسمكها، فهو يتماهى وينصهر داخل كل نوع من أنواع التشخيص، مهما كانت صعوباته وتعقيداته وتشعباته، وها نحن نراه متقمّصاً دور رجل دولة حقيقى، شخصية نظام الملك بما تشكله هذه الشخصية من كاريزما وسلطة مفعمة بالحكمة والمكر والثبات والنّضج والوفاء.. شخصية جامعة ومركبة أداها فتحى عبدالوهاب بعمق وتميّز لافتين، ولا يقف التشخيص القوى عند كريم عبدالعزيز وفتحى عبدالوهاب فقط، بل العمل يزخر بممثلين آخرين استطاعوا أن يجعلوا من المسلسل حلبة مفتوحة للتنافس الجميل والممتع.

باختصار هذا العمل الدرامى هو فى الأخير عمل فنى ترفيهى، قد تتّفق مع محتواه وقد تختلف، ويبقى لك الاختيار فى مواصلة مشاهدته من عدمها أو البحث عما يروى عطشك، فالقنوات حالياً تعج بمئات الأعمال الدرامية، شخصياً أعتبره عملاً درامياً محترفاً فى كل عناصره، وترمومتراً يُظهر مستوى صناعة الدراما فى مصر، أما من أراد الوقوف على الحقيقة التاريخية فسُبل المعرفة متعدّدة ومتنوعة، وحتماً لا الدراما ولا السينما منها.

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الدراما السباق الرمضانى

إقرأ أيضاً:

يوسف عمر في حوار لـ الفجر الفني:" خطوة عرض " مين يصدق " في مهرجان القاهرة مهمة.. وهذة كانت كواليس الفيلم

خاض الفنان الشاب يوسف عمر تجربة البطولة المطلقة لأول مرة من خلال فيلم " مين يصدق" مع المخرجة زينة أشرف عبد الباقي وتم عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي ضمن مسابقة آفاق السينما العربية، وحصل الفيلم على إشادات كبيرة فور عرضه.. لذلك حاور موقع الفجر الفني الفنان يوسف عمر ليكشف عن تفاصيل شخصية " باسم " خلال العمل وكيف استعد لها:-


 

 

و تحدث الفنان يوسف عمر عن تفاصيل العمل كاشفا أنه يعتبر هذا الفيلم مغامرة كبيرة  وكانوا قلق في البداية نظرا، لأن صناعه من الشباب ولكن بمجرد جلوسه مع المخرجة زينة أشرف عبد الباقي تلاشى هذا القلق تدريجيا بسبب تركيزها الشديد على الفيلم ورؤيتها الاخراجية الواضحة.


وعن تفاصيل تحضيرات الشخصية الخاصة به قال يوسف عمر إن التحضيرات استغرقت ثلاثة أشهر وسبقها العديد من البروفات على جميع المشاهد حتى يخرج العمل في أفضل صورة".

التدخل في تفاصيل العمل 

 

وتابع قائلا:' الكيمياء التي ظهرت على الشاشة بيني وبين بطلة العمل چايدا منصور ترجع إلى تحضيراتنا معا للشخصيات والتدريب على المشاهد.

 

 

وأشار عمر أنه لا يتدخل بشكل عام في أي تفاصيل تخص العمل،  ولكن يحرص على معرفة تفاصيل أدوار زملائه حتى يستفيد منها في تقديم شخصيته بشكل جيد مضيفا:' أنا بكون عادة ملتزم بدوري بس ولكن لازم يكون عندي خلفية عن أدوار زمايلي، لأن دا هيفدني لكن مش بتدخل بشكل عام في تفاصيل أي عمل بدخله".

 

 

وعن أقرب المشاهد لقلبه خلال الفيلم كشف يوسف عمر أن أقرب المشاهد إليه كانت مشهد سرد قصة حياته لنادين بطلة الفيلم وحديثه عن صعوبات طفولته".

 

 

عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي 

 

 

وعن مشهد النهاية قال يوسف عمر:' تناقشت مع مخرجة العمل بسبب مشهد النهاية لكنني راض عنها بشكل كبير، والنهاية بالنسبة لي كانت ظالمة لهم إلي أي حد ما ولكن الواقعية والمنطقية أحيانا تفرض ذاتها على العمل".

وعن  عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي أعرب يوسف عمر عن سعادته بهذة الخطوة قائلة:' سعيد بعرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي لأنه مهرجان كبير ومهم ومؤكد سنستفيد من هذة الخطوة".

مقالات مشابهة

  • رئيس النقابة العامة للعاملين بالبترول ..  نطالب برفع الحد الأدنى للأجور إلى 500 دينار
  • يونس ميكري للفجر الفني:" هذا ما جذبني لفيلم نوارة عشية ويكشف عن الصعوبات التي واجهها" (حوار)
  • عادل حمودة يكتب: سفير ترامب الجديد فى إسرائيل.. لا شىء اسمه فلسطين
  • يتوقف العلم عند سرعة الضوء
  • محمد الخميس: النصر لن يحقق البطولات في ظل العمل الفني الضعيف.. فيديو
  • يوسف عمر في حوار لـ الفجر الفني:" خطوة عرض " مين يصدق " في مهرجان القاهرة مهمة.. وهذة كانت كواليس الفيلم
  • د.حماد عبدالله يكتب: وظائف خالية !!
  • محافظ أسوان يستجيب لمطالب أهالي قرية الكوبانية بفتح باب الترخيص لـ20 سيارة
  • مجلس إدارة نادى القضاة يهدى درعا لمحافظ أسوان تقديراً لدعمه للمواطنين
  • محافظ أسوان يترأس إجتماع لجنة الوظائف القيادية للتجديد السنوى لمديرى العموم