الإرصاد.. الوقف في مواجهة الحالات الطارئة
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
يُقَسَّمُ الوقف بحسب آراء بعض المشتغلين ببحوث الوقف ودراساته إلى ثلاثة أنواع: الوقف الحُكْمي: وهو ما يصير وقفا بحكم طبيعته الشرعية، كتحديد أرض لتكون مسجدا، أو مقبرة للمسلمين، أو بعض الأحكام التي كان معمولا بها في عمان مثل حكم إحرام ساحل البحر 40 ذراعا من خط التقاء الماء باليابس، وغير ذلك مما يصير وقفا بالحكم الشرعي، والنوع الثاني: الوقف المُلكِي: وهو ما كان مملوكا لشخص ما، ثم وَقَفَه على جهة بر معينة كأن يوقف أرضا، أو بيتا، أو بستانا أو غير ذلك مما يصح وَقْفه، فيصير وقفا بخروجه من كونه ملكية خاصة إلى ملكية الوقف، أما النوع الثالث فهو الإرصاد: وهو أن يقف الحاكم جزءا من بيت مال المسلمين لمصالح المسلمين العامة.
قامت فلسفة الوقف على المسؤولية الاجتماعية بين الأجيال، فالواقف في هذا العصر يضع في قرارة نفسه أنه يتنازل عن جزء من ماله بإرادته الشخصية، ودون إكراه، ليكون وقفا مستداما يستمر عطاؤه ليخدم جيله، والأجيال التالية في مجتمعه، مقابل استمرار الأجر والثواب من الله (الصدقة الجارية)، فهو حر في ماله، متصرف فيه، ولكن حين يكون الحديث عن الإرصاد فهذا يعني تصرف الحاكم في (بيت مال المسلمين) أو المال العام وفق الأدبيات المستخدمة اليوم، ويحجبه عن الانتفاع به في المصالح العامة، ليكون وقفا لأغراض محددة، والتي قد تكون أحداثا متوقعة، لكن تأريخ حدوثها منوط بعلم الغيب، فقد تحدث في عصر هذا الجيل، أو أجيال تالية، مثل: الكوارث والأزمات الطبيعية، والوبائية وغيرها، لذلك، يجتمع الإرصاد والوقف في موضوع (المسؤولية الاجتماعية بين الأجيال المتتابعة)، إلا أن النقاش يتجه حول أحقية تصرف الحاكم في حجب هذا المال عن التداول العام وتوجيهه لمصلحة محددة.
أجاز الفقهاء للحاكم أن يوقف جزءا من بيت المال أو من المال العام لمصلحة المسلمين، وذلك استدلالا بفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي وقف الأرض الزراعية المفتوحة في سواد العراق لمصالح المسلمين، ووافقه على ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم جميع منهم: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، رغم معارضة بلال بن رباح والزبير بن العوام، كما أخذوا في الاعتبار بأن الحاكم قائد للمسلمين، ووكيلا عنهم في التصرف في المال العام، فيجوز له توجيه المال العام إلى ما يرى فيه مصلحة عامة ينتفع بها الناس في الدولة بطريقة مباشرة سواء بالعطاء المباشر أو غير المباشر من خلال إقامة المنشآت للمنفعة العامة، أو إصلاح المتضرر منها.
في مطلع هذا العام 2024م، وتحديدا في أول يوم منه، أصدر صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - مرسوما سلطانيا ساميا برقم 2 /2024، قضى بأن «يُنشأ في وزارة المالية صندوق مستقل يسمى (الصندوق الوطني للحالات الطارئة)؛ بهدف مواجهة الحالات الطارئة والكوارث الطبيعية كالأنواء المناخية والفيضانات والزلازل وغيرها من المخاطر التي تتعرض لها الدولة، وتلحق ضررا بالمرافق العامة والبنية الأساسية»، وهي خطوة مهمة للبلاد، ورؤية سامية لمواجهة الحالات الطارئة في المستقبل، ترتكز على توفير الحلول المالية المستدامة التي لا تركن إلى موازنة الدولة السنوية حال وقوع الحالات الطارئة، إذ سيكون هناك مصدر مالي مستعد لـ«دعم تحقيق السياسة العامة المتعلقة بالإجراءات اللازمة لإدارة الحالات الطارئة، وتقديم التمويل اللازم وفقا للمتطلبات الفعلية لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها بعد وقوع الحالة الطارئة»، وهي رؤية مستلَّة من عمق التراث الحضاري للأمة وذلك بتفعيل (الإرصاد) في تمويل الصندوق، إذ نص المرسوم على أن تكون من بين موارد هذا الصندوق «الاعتمادات التي تُخصص للصندوق في الميزانية العامة للدولة»، وبالتالي فهي اعتمادات مالية مجتزأة من المال عام، بأمر (الحاكم) حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، لتكون إرصادا لمواجهة الحالات الطارئة التي قد تتعرض لها البلاد، إلى جانب مصادر أخرى حددها المرسوم.
إن الوقف بكافة أنواعه بما فيه (الإرصاد) يُعد ميراثا حضاريا مهما للأمة، يمكنها الرجوع إليه متى شاءت، وتوظيفه، والتجديد فيه بما يتوافق مع الاحتياجات المستجدة في كل عصر، وإن تعددت المسميات تبعا للتوصيف القانوني، أو الأدبيات الاقتصادية المستخدمة اليوم بين (صندوق) أو (محفظة)، أو غيرها.
* العبارات بين علامات التنصيص مقتبسة من نص المرسوم السلطاني
د. خالد بن محمد الرحبي: باحث في التاريخ الحضاري العُماني عمومًا، والوقف على وجه الخصوص.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الحالات الطارئة المال العام
إقرأ أيضاً:
نهب 35 مليار جنيه من المال العام سنويًا .. حرامية الكهرباء
وافقت الحكومة على تعديل قانون الكهرباء بتغليظ العقوبات على جرائم سرقة التيار الكهربائى لتصل إلى الحبس لمدة سنة والغرامة حتى مليون جنيه.
وتعد هذه هى المرة الثانية خلال 4 سنوات التى تغلظ فيها الحكومة عقوبات سرقة التيار، إذ سبق وعدلت قانون الكهرباء فى 2020 بفرض عقوبات مالية والحبس لسارقى التيار الكهربائى. ويأتى هذا بعدما وصلت نسبة الفاقد فى شركات الكهرباء لتتراوح بين 25% و30%.
ويتكون هذا الفاقد من عاملين الأول: أسباب فنية لتقادم بعض المعدات والكابلات الموجودة بشركات الكهرباء، والثانى الفقد التجارى نتيجة سرقة التيار الكهربائى وتبلغ تكلفة فقد التيار الكهربائى حوالى 35 مليار جنيه.
وهناك طرق حديثة لسرقة التيار الكهربائى منها جهاز التحكم «ريموت كنترول» لفصل عداد حساب الكهرباء، وإعادة توصيله مباشرة من اللوحة العمومية من خلال دوائر إلكترونية تركب على العدادات يتم التحكم فيها من خلال «الريموت» أو من خلال تغيير كروت الشحن.
تمكنت الإدارة العامة لشرطة الكهرباء، من ضبط 3606 قضايا سرقة تيار كهربائى متنوعة ومخالفات شروط التعاقد، خلال 24 ساعة. وتم اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه كل واقعة على حدة.
وقال الدكتور حافظ السلماوى الرئيس التنفيذى الأسبق لجهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك، إن الحكومة وضعت تعديلات جديدة على القانون فرفعت قيمة الغرامة ومدة الحبس فى جرائم سرقة الكهرباء، ما قد يردع سارقى التيار الكهربائى، ولكن الأهم اكتشاف الأساليب الجديدة للسرقة، وتحرير محاضر منضبطة لضمان معاقبة السارقين، وكفاءة عملية الكشف عن فقد التيار الكهربائى، علاوة على وضع قواعد لسرعة تركيب العدادات الكودية فى المبانى المخالفة والعشوائيات لمحاسبة الوحدات السكنية لحين تقنين أوضاعها».
وقدر «سلماوى» نسبة الفقد فى التيار الكهربائى لشبكة كهرباء مصر بحوالى 15%، أكثر من نصفها تقريبا يكون لأسباب فنية، والنسبة المتبقية للفقد التجارى، ويشمل سرقة التيار الكهربائى والوصلات غير الشرعية ودقة العدادات الكهربائية نتيجة تقادمها، ويكلف الفقد التجارى نحو 35 مليار جنيه سنويًا.
واضاف ان تكلفة سرقة التيار الكهربائى فى العام الواحد تفوق الـ20 مليار جنيه سنويًا، ومن المتوقع أن تتراجع خلال الفترة المقبلة نتيجة المساعى التى أعلنتها الحكومة مؤخرًا بشأن القضاء على هذه الظاهرة، ومن بينها الحملات المكثفة التى تقوم بها الوزارة فى هذه الأيام.
وأكد «سلماوى» أنه فى منتصف أغسطس الماضى، أصدرت وزارة الكهرباء، قرارًا بتركيب العدادات الكودية المؤقتة مسبقة الدفع لجميع العقارات التى تحصل على الكهرباء بشكل غير قانونى، لقياس الاستهلاك الكهربائى، كما تعاقدت الوزارة مع شركة «هواوى» للاستعانة بأجهزة ذكية فى نقاط محددة على مستوى شبكة التوزيع لحساب الطاقة وكشف التلاعب فى معدلات الاستهلاك حال حدوثه واتخاذ قرارات فصل التيار فى حالات الطوارئ، وكذلك سبل تعميم التجربة لمواجهة سرقة الكهرباء.