لجريدة عمان:
2024-11-24@18:54:33 GMT

الإرصاد.. الوقف في مواجهة الحالات الطارئة

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

الإرصاد.. الوقف في مواجهة الحالات الطارئة

يُقَسَّمُ الوقف بحسب آراء بعض المشتغلين ببحوث الوقف ودراساته إلى ثلاثة أنواع: الوقف الحُكْمي: وهو ما يصير وقفا بحكم طبيعته الشرعية، كتحديد أرض لتكون مسجدا، أو مقبرة للمسلمين، أو بعض الأحكام التي كان معمولا بها في عمان مثل حكم إحرام ساحل البحر 40 ذراعا من خط التقاء الماء باليابس، وغير ذلك مما يصير وقفا بالحكم الشرعي، والنوع الثاني: الوقف المُلكِي: وهو ما كان مملوكا لشخص ما، ثم وَقَفَه على جهة بر معينة كأن يوقف أرضا، أو بيتا، أو بستانا أو غير ذلك مما يصح وَقْفه، فيصير وقفا بخروجه من كونه ملكية خاصة إلى ملكية الوقف، أما النوع الثالث فهو الإرصاد: وهو أن يقف الحاكم جزءا من بيت مال المسلمين لمصالح المسلمين العامة.

قامت فلسفة الوقف على المسؤولية الاجتماعية بين الأجيال، فالواقف في هذا العصر يضع في قرارة نفسه أنه يتنازل عن جزء من ماله بإرادته الشخصية، ودون إكراه، ليكون وقفا مستداما يستمر عطاؤه ليخدم جيله، والأجيال التالية في مجتمعه، مقابل استمرار الأجر والثواب من الله (الصدقة الجارية)، فهو حر في ماله، متصرف فيه، ولكن حين يكون الحديث عن الإرصاد فهذا يعني تصرف الحاكم في (بيت مال المسلمين) أو المال العام وفق الأدبيات المستخدمة اليوم، ويحجبه عن الانتفاع به في المصالح العامة، ليكون وقفا لأغراض محددة، والتي قد تكون أحداثا متوقعة، لكن تأريخ حدوثها منوط بعلم الغيب، فقد تحدث في عصر هذا الجيل، أو أجيال تالية، مثل: الكوارث والأزمات الطبيعية، والوبائية وغيرها، لذلك، يجتمع الإرصاد والوقف في موضوع (المسؤولية الاجتماعية بين الأجيال المتتابعة)، إلا أن النقاش يتجه حول أحقية تصرف الحاكم في حجب هذا المال عن التداول العام وتوجيهه لمصلحة محددة.

أجاز الفقهاء للحاكم أن يوقف جزءا من بيت المال أو من المال العام لمصلحة المسلمين، وذلك استدلالا بفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي وقف الأرض الزراعية المفتوحة في سواد العراق لمصالح المسلمين، ووافقه على ذلك كثير من الصحابة رضي الله عنهم جميع منهم: علي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، رغم معارضة بلال بن رباح والزبير بن العوام، كما أخذوا في الاعتبار بأن الحاكم قائد للمسلمين، ووكيلا عنهم في التصرف في المال العام، فيجوز له توجيه المال العام إلى ما يرى فيه مصلحة عامة ينتفع بها الناس في الدولة بطريقة مباشرة سواء بالعطاء المباشر أو غير المباشر من خلال إقامة المنشآت للمنفعة العامة، أو إصلاح المتضرر منها.

في مطلع هذا العام 2024م، وتحديدا في أول يوم منه، أصدر صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - مرسوما سلطانيا ساميا برقم 2 /2024، قضى بأن «يُنشأ في وزارة المالية صندوق مستقل يسمى (الصندوق الوطني للحالات الطارئة)؛ بهدف مواجهة الحالات الطارئة والكوارث الطبيعية كالأنواء المناخية والفيضانات والزلازل وغيرها من المخاطر التي تتعرض لها الدولة، وتلحق ضررا بالمرافق العامة والبنية الأساسية»، وهي خطوة مهمة للبلاد، ورؤية سامية لمواجهة الحالات الطارئة في المستقبل، ترتكز على توفير الحلول المالية المستدامة التي لا تركن إلى موازنة الدولة السنوية حال وقوع الحالات الطارئة، إذ سيكون هناك مصدر مالي مستعد لـ«دعم تحقيق السياسة العامة المتعلقة بالإجراءات اللازمة لإدارة الحالات الطارئة، وتقديم التمويل اللازم وفقا للمتطلبات الفعلية لضمان عودة الحياة إلى طبيعتها بعد وقوع الحالة الطارئة»، وهي رؤية مستلَّة من عمق التراث الحضاري للأمة وذلك بتفعيل (الإرصاد) في تمويل الصندوق، إذ نص المرسوم على أن تكون من بين موارد هذا الصندوق «الاعتمادات التي تُخصص للصندوق في الميزانية العامة للدولة»، وبالتالي فهي اعتمادات مالية مجتزأة من المال عام، بأمر (الحاكم) حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، لتكون إرصادا لمواجهة الحالات الطارئة التي قد تتعرض لها البلاد، إلى جانب مصادر أخرى حددها المرسوم.

إن الوقف بكافة أنواعه بما فيه (الإرصاد) يُعد ميراثا حضاريا مهما للأمة، يمكنها الرجوع إليه متى شاءت، وتوظيفه، والتجديد فيه بما يتوافق مع الاحتياجات المستجدة في كل عصر، وإن تعددت المسميات تبعا للتوصيف القانوني، أو الأدبيات الاقتصادية المستخدمة اليوم بين (صندوق) أو (محفظة)، أو غيرها.

* العبارات بين علامات التنصيص مقتبسة من نص المرسوم السلطاني

د. خالد بن محمد الرحبي: باحث في التاريخ الحضاري العُماني عمومًا، والوقف على وجه الخصوص.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الحالات الطارئة المال العام

إقرأ أيضاً:

السيسي يؤكد على أولوية الوقف الفوري لإطلاق النار بغزة ولبنان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تناول لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم ببورج برانديه رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي تطورات الأوضاع الإقليمية، سبل تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والآثار السلبية الناجمة عن استمرار الصراع في قطاع غزة ولبنان ومخاطر وعواقب تصعيده، لا سيما على الأوضاع الاقتصادية العالمية، وتطلعات شعوب المنطقة نحو التنمية والازدهار، حيث تم في هذا السياق التأكيد على أولوية الوقف الفوري لإطلاق النار، وضرورة بدء عملية سياسية تسفر عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة، باعتبارها الضامن لعودة الاستقرار إلى المنطقة وتعزيز المضي بقوة في مسار التنمية.

واستقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم "بورج برانديه" رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي والوفد المرافق له، بحضور الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، والدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، والدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج، والمهندس حسن الخطيب وزير الاستثمار والتجارة الخارجية.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن الرئيس تناول خلال اللقاء الجهود التنموية التي تبذلها مصر، وتأتي في مقدمتها المشروعات في قطاعات البنية التحتية والصناعة والزراعة، وما تتيحه هذه المشروعات من فرص استثمارية كبيرة.
 

مقالات مشابهة

  • مؤتمر عُمان الوقفي يستعرض الحلول المبتكرة والتجارب الدولية لضمان الاستدامة القطاع
  • “الدفاع المدني” تنفذ ورشة تدريبية حول عمليات الإنقاذ بمحافظة عمران
  • مؤتمر عُمان الوقفي ينطلق في ديسمبر المقبل
  • الهارب بلا مطارد .. دارمانان ابن الحركي الذي يريد حكم فرنسا خالية من المسلمين
  • الاطلاع على سير العمل بعدد من مشاريع المبادرات في مديريتي السدة والشعر بإب
  • مسؤول بمركز إسلامي أميركي: فوز ترامب لم يفاجئنا وعلينا أن نكون قوة سياسية
  • السيسي يؤكد على أولوية الوقف الفوري لإطلاق النار بغزة ولبنان
  • الأمين العام للناتو يلتقي ترامب في الولايات المتحدة
  • توم بيريلو: نقدر جهود مجلس السيادة لتسهيل زيادة حجم المساعدات الطارئة
  • المجلس العام الماروني: الإستقلالُ يكونُ بتحمُّل المسؤولية دفاعاً عن الوطن