لجريدة عمان:
2024-12-23@10:25:54 GMT

أن تقرأ عاموس عوز في هذه الأيام

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

ولِد عاموس عوز ابنا ليهودي أوروبي ومات عن 79 عاما وهو أبٌ للأدب العبري، أو على الأقل هكذا شيَّعته صحيفة الجارديان البريطانية من المهد إلى اللحد، في مقالة كتبتها جوليا باسكال ليلةَ رحيله في 28 ديسمبر 2018. يستحق هذا التأبين الملحمي أن نتوقف عنده طويلا لنتساءل عن معنى أن تكون أبا أدبيا في لغة ظلت طيلة قرون لغةً «بلا أرض ولا شعب»؛ أجل بالضبط، هكذا يمكننا أن نقلب العبارة الصهيونية المسمومة حين نبحث عن ماضي هذه اللغة فلا نجد أنها ازدهرت في يومٍ من التاريخ كلغة أدبٍ أو لغة حياة، إلى أن جاءت الحركة الصهيونية فبَعثتها أواخر القرن التاسع عشر «من النطاق الذي عاشت فيه لقرون طويلة كلغة دين تقليدية، لتُجبَر بوسائل مختلفة على لعب دور اللغة القومية» كما يقول غسان كنفاني في دراسته المهمة عن الأدب الصهيوني، وهو ما تكلل بالنجاح بعد قيام «دولة إسرائيل».

في هذه الساعات الوحشية من التاريخ قررت أن أقرأ السيرة الروائية للكتاب الإسرائيلي عاموس عوز «قصة عن الحب والظلام» التي ترجمها جميل غانم إلى العربية. من بين أشياء كثيرة فإن أهمية عوز تكمن بالنسبة لي كقارئ عربي في نقطة الالتقاء الخطرة تلك بين الخطاب الأدبي والخطاب السياسي، حيث استطاع عوز أن يتبوأ سلطةً ثقافية لم تُتح لغيره من المثقفين الإسرائيليين، فتحوَّل بها من مجرد موهبة أدبية فريدة إلى هِبة إسرائيلية عامة، هبة أنجبتها لغة أوشكت على الانقراض ودفعتها إلى الصدارة لتزود السردية الصهيونية بما ينقصها من شرعية أخلاقية وجمالية في أكثر اللحظات التي بدت فيها إسرائيل «بحاجة إلى أصوات تتحدث إلى العالم الخارجي لتقدم وجها أكثر إنسانية من وجه آرييل شارون» كما تقول جوليا باسكال، في إشارة للاضطراب الذي لحق بصورة إسرائيل في الغرب خلال اجتياح لبنان عام 1982، وخاصة في أعقاب الصدمة المروعة التي أحدثتها مجزرة صبرا وشتيلا.

حتى وهو يحل ضيفا على لغة معادية خارج قلعته العبرية، يستحق عوز الاعتراف والإعجاب بقدرته الساحرة على نسج حبائل السرد بخفة، والتلاعب بمكائد البلاغة، والمشي على رؤوس الأصابع بين التاريخ والخرافة. لكنه في المقابل يستحق الشفقة لعجزه المريع عن تجاوز الذات اليهودية في الظاهر، الصهيونية في العمق. يكتب سيرته محاصرا بالمرايا التي لا يرى فيها سوى نفسه، يدمن النظر إلى حياته من مختلف الزوايا بوصفه ناجيا ينحدر من سلالة ناجية. عقدة النجاة لديه تضاعف من إحساس «اليهودي الجديد» بالمظلومية والاستحقاق في الوقت نفسه؛ لأن الكره الذي لاحق اليهود لم يكن، كما يزعم، سوى تعبير عنيف ووحشي عن حسد «العالم الكبير» على الامتيازات الفطرية التي تمتعوا بها: «لا يحبون اليهود لأنهم فطِنون، متوقدو الذهن ومتفوقون، وإلى جانب ذلك ضوضائيون يقفزون دائما في المقدمة».

حتى اللغة العبرية كانت بالنسبة إليه لوح نجاة من المنافي اليهودية بين لغات أوروبا وعواصمها، على الرغم من أنها لم تكن لغةً طبيعية في البداية، ولم تتمتع بما يكفي من الحميمية في الأحاديث المنزلية ولا الألفة في النقاشات العامة: «كانوا يتكلمون العبرية وهم يرهبون الوقوع في الخطأ، يتراجعون أحيانا كثيرة ويصوغون من جديد ما قالوه لتوهم: ربما هكذا يشعر سائق قصير النظر وهو يتحسس طريقه في الليل، في شبكة الطرقات الضيقة لمدينة غريبة، في سيارة لم يسقها من قبل». وهكذا عاش طفولته في القدس بين أبوين متعددي اللغات، هما اللذان أصرا على ألا يتحدثا إليه سوى بالعبرية، أراداه أن يعبر عن نفسه بالعبرية دائما لكي يكبر إسرائيليا خالصا في إسرائيل. لم يتحدثا معه بأي لغة أوروبية مما يتقنان حتى لا يصيبه الحنين الخبيث إلى العالم الغربي، ذلك الحنين الذي بدأت أعراضه تشيع كوباء سري بين الإسرائيليين الأوائل.

لطالما فكرت بأقوى الصور العاطفية التي يمكن للقارئ الغربي أن يستقبل بها الرواية الإسرائيلية، وأستطيع أن أجزم الآن بأن عاموس عوز يمثل التجويد الأبلغ للبكائيات الإسرائيلية التي وإن لم تقنع أحدا فإن وظيفتها الأهم هي استدرار المزيد من دموع أصنام الحرية وتماثيلها الاعتذارية في الغرب: «هناك في العالم جميع الحيطان كانت مغطاة بالكتابات المعادية: (أيها اليهودي الحقير اذهب إلى فلسطين) وها قد ذهبنا إلى فلسطين والآن كل العالم يصرخ علينا: (أيها اليهودي الحقير، اخرج من فلسطين)». إن سطرا كهذا ليكفي بحق أن يمنح عوز رتبة الأبوة في الأدب العبري.

سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

العالم يلاحق إسرائيل بتهم ارتكاب جرائم حرب.. واقعة تهريب جندي بسيرلانكا تفضح فظائع الاحتلال في غزة.. عاجل

كشف الصحفي الإسرائيلي يارون أفراهام، عن أن العالم بات يلاحق جنود جيش الاحتلال، موضحًا في تعليقه على واقعة تهريب سلطات بلاده جندي إسرائيلي من سريلانكا قبل لحظات من استدعائه للتحقيق في تهم ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، مشيرا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها ملاحقة جنود إسرائيليين في عدد من دول العالم.

إسرائيل تهرب جندي من سيرلانكا

ووفقًا لما كتب أفراهام على حسابه على منصة أكس «تويتر» سابقا، إن منظمة «هند رجب» وهي منظمة فلسطينية، استطاعت تحديد موقع الجندي الإسرائيلي، الذي كان في الخدمة النظامية، حيث تمكنت من مقارنة صور نشرها الجندي على وسائل التواصل الاجتماعي مع صور له خلال خدمته في العمليات العسكرية بقطاع غزة، ورفع دعوى قضائية ضده في سريلانكا.

وأضاف الصحفي الإسرائيلي، أن الجندي تلقى مكالمة طارئة من الاحتلال الإسرائيلي تأمره بمغادرة البلاد على الفور لتجنب القبض عليه.

פרסום ראשון במהדורה חייל צה"ל הוברח מסרילנקה - רגעים לפני שנקרא לחקירה על פשעי מלחמה.

רגעי דרמה משמעותיים בישראל אתמול, לאחר שמתברר שחייל צה"ל בשירות פעיל שנמצא על אדמת סרי-לנקה, מאותר על ידי ארגון פרו פלסטיני, שמצליח להצליב בין תמונה שהוא העלה לרשתות החברתיות - לבין תמונה…

— Yaron Avraham ירון אברהם (@yaronavraham) December 19, 2024

وأكد أنه على الرغم من تمكن إسرائيل من إنقاذ الجندي في اللحظة الأخيرة، إلا أن «العواقب بعيدة المدى واضحة»، بحسب تعبيره.

وقالت منظمة هند رجب أن الجندي جال فيرينبوك، فر من سريلانكا بعد رفع الدعوى، مؤكدة أن الفرار يعكس شعورًا ضمنيًا بالذنب.

وكانت المنظمة تقدمت بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية وأخطرت الإنتربول بشأن الجندي المتهم بجرائم حرب في غزة.

العالم يلاحق جنود إسرائيل

وأشار أفراهام إلى وقوع حوادث مشابهة خلال الفترة الماضية، منها حادثة وقعت في قبرص قبل شهر ونصف، بالإضافة إلى أربع أو خمس حالات أخرى تم فيها اتخاذ إجراءات احترازية لتجنب فتح تحقيقات جنائية بحق الجنود الإسرائيليين.

وأكد أنه منذ إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الجيش السابق يوآف جالانت، تتزايد المحاولات الدولية لفتح تحقيقات جنائية ضد الجنود الإسرائيليين المتورطين في جرائم حرب.

Israeli soldier smuggled out of Sri Lanka after [@HindRFoundation] linked him to killing of a civilian in Gaza

The group alerted SL authorities, ICC, and Interpol. Israel intervened, avoiding his arrest

Update from me: The soldier changed his account name to a girl, “Rana”???? https://t.co/5cjI8RaJer pic.twitter.com/njx8bjwhF4

— Younis Tirawi يونس (@ytirawi) December 19, 2024

يشار إلى أنه في أكتوبر الماضي، قدمت مؤسسة هند رجب الفلسطينية شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد 1000 جندي إسرائيلي، على إثر اتهامهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.

وتضمنت الشكوى أكثر من 8 آلاف دليل موثق، تشمل مقاطع فيديو وصوتية، وتقارير أطباء شرعيين، ووثائق تُظهر التورط المباشر لهؤلاء الجنود في ارتكاب الجرائم.

مقالات مشابهة

  • العالم يلاحق إسرائيل بتهم ارتكاب جرائم حرب.. واقعة تهريب جندي بسيرلانكا تفضح فظائع الاحتلال في غزة.. عاجل
  • خلال 8 سنوات فقط.. قصة نجاح شركة العاصمة التي أبهرت العالم بالقصر الرئاسي
  • حركة فتح: إسرائيل تواصل عدوانها على الفلسطينيين وسط صمت دولي من العالم
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
  • تعرف على الدول التي تضم أطول الرجال والنساء في العالم
  • محافظ عدن طارق سلام: اليمن بقيادة السيد عبد الملك الحوثي بات البوصلة التي تتجه نحوها أنظار العالم
  • الرئيس السيسي: «هناك فرق كبير بين أن تقرأ الأحاديث والقرآن وأن تفهم دينك وتطبقه»
  • عبر "واتساب".. إسرائيل تتجسس على 1400 صحفي ومُعارض حول العالم.. عاجل
  • الخديعة الكبرى التي اجتاحت العالم .. شحوم المواشي علاج للبشر ام كارثة على البشرية