لجريدة عمان:
2024-12-27@19:37:44 GMT

الهم الفلسطيني العابر فوق جراح الزمن

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

الهم الفلسطيني العابر فوق جراح الزمن

«ليس الموضوع مجرد العنف المادي للاحتلال، بل قدرة الاحتلال على تجريد الفلسطيني من أبسط صلة تربطه بنفسه وبمكانه...» بهذا علّقت مجلة الجديدة الأمريكية على رواية مريد البرغوثي «رأيت رام الله».

ربما لا توجد قضية على وجه الأرض تتشابه مع القضية الفلسطينية؛ من حيث المد الزمني، وما صاحب هذا المد من نزيف بشري وتغيير ديموغرافي للأراضي الفلسطينية، وكذلك محاولة تجريد الفلسطيني من هُويته التاريخية وخلق أجيال لا ترتبط بالأرض ولا بالهُوية الفلسطينية، وهذا ليس خاصا بالأجيال الفلسطينية التي تولد في الداخل أو الخارج وإنما يصل هذا التجريد للأجيال العربية والمسلمة التي تنادي بأن قضية فلسطين قضية عادلة.

يتحدث الكاتب بدءا من عبوره جسر الأردن متّجها للقاهرة لاستئناف فصله الأخير في جامعة القاهرة. جامعة القاهرة التي دخلها رغبة في تحقيق حلم الوالدين بأن يكون لديهم في العائلة من يحمل الشهادة الجامعية وكان ذلك في العام الدراسي 1966/ 1967 وهو يتلقى الرسائل من رام الله بأن الوالدين قاما بطلاء البيت «عمارة اللفتاوي» استعدادا لعودته بالشهادة.

تتغير مجاري الأودية بمقدار كميات الأمطار الهابطة عليها، كذلك تتغير مجاري الحياة بمقدار الأحداث التي تغير سيرورة الزمن إما تدفعك للأمام وإما تجعلك بلا وطن وبلا هُوية.

في سنة 1967 كان الامتحان الأخير وبمقدار فرحة المغترب بقرب الرجوع للأهل والوطن ومرابع الطفولة، بمقدار الجذور التي تنبت في البلد المستضيف وبين هاتين يلتم الطلاب في أروقة الجامعة لسماع إذاعة صوت العرب والأغاني الوطنية، يذهب خيال الكاتب مع المذيع «أحمد سعيد» الذي يصوّر الحرب بأنها طريق إلى فلسطين، ليصبح اليوم التالي معنونا في كل الإعلام بأن نكسة حلت بالأمة العربية وبأحلامها التي رسمتها الأغاني الوطنية وبأن إسرائيل تمددت أكثر وأكثر سواء في الجانب الفلسطيني أو السوري أو المصري معلقا «توقفت الامتحانات لأسابيع. استؤنفت الامتحانات. نجحت وتخرجت. حصلت على ليسانس من قسم اللغة الإنجليزية وآدابها. وفشلت في العثور على جدار أعلق عليه شهادتي» من هذا التاريخ الفاصل ومن هذا المكان الذي سمع فيه بالنكسة يستمر شتاته لأكثر من ثلاثين عاما حتى يسترجع ذكريات الخروج الأخيرة التي شاهد فيها الجسر الذي يربط فلسطين بالأردن.

برغم أن الكاتب يصوّر رحلته الشخصية، فإنه يمكن إسقاطها على كل الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل في الدول التي كانوا بها في سنة النكسة وما صاحب ذلك من تهجير للفلسطينيين واستقبال لليهود العرب واليهود الذين قدموا من كل بقاع الأرض من ذات المبدأ «من لا يملك، يعطي من لا يستحق» أدى ذلك لظهور حركة فتح بجانب الحركة الشعبية لمنظمة المقاومة الفلسطينية وغيرها من الحركات التي تبنت المقاومة المسلحة لاسترجاع الحق الفلسطيني المغتصب.

في الرواية يظهر الكاتب ما يعانيه المغترب الفلسطيني فمن خلال زواج الكاتب من الكاتبة المصرية المعروفة «رضوى عاشور» في عام 1970 قررا بدءا عدم الإنجاب لكون الأب فلسطيني بلا وطن وبلا هُوية ومن الصعوبة إنجاب طفل يحمل عبء الحياة من وهلة ولادته، مضيفا «بعد عودتها بالدكتوراة عام 1975 إن الوقت قد حان لنوع من الاستقرار الأسري. حملت وأجهضت في عام 76. ثم حملت ورزقنا بـ«تميم» في 1977 أي قبل ترحيلي من مصر بخمسة أشهر» ومن هذه النقطة قياسا لكل المغتربين الفلسطينيين ووفقا لشهادته بأن قرار الترحيل حد من الإنجاب بمولود آخر وكذلك ينشأ الطفل في بلد ويكون الأب في بلد آخر بمعنى قطع العلاقة الأبوية من ناحيتين، الأب بشخصه وجنسية الأب الأصلية.

ولذلك نلاحظ أن بعد مرور قطار الزمن بين المولود وبين الوالد ينادي الولد والده في أول لقيا بينهما في المهجر «عمو مريد» لكن الأب يتقبل لفظ «عمو» ولكنه لا يتقبل فكرة الغياب الذي يمارسه المحتل في طمس هوية الأطفال الذين يولدون من آباء جذورهم تنتمي لأرض كانت ذات يوم مهبطا لرسالات سماوية» والليل حولي لا يمر/ وليس حولي من يواجعني ويكذب (صادقا)/ من أجل روحي/ أو يلوم هشاشتي حتى ألومه/ أما المسافة بين أحبابي وبيني/ فهي أقبح من حكومة».

لقد عانى الفلسطيني الأمرّين سواء من السلطة الداخلية التي اعترفت بها الدول بعد سلسلة من الاتفاقيات والمؤتمرات، هذه السلطة التي آل لها الحق الفلسطيني المشروط بأن طريق هذا الحق يمر من خلال المفاوضات وليس من خلال السلاح، وبالتالي يجب تجريد الفلسطيني من سلاحه وأن تكون هذه السلطة المتراس الأول عن البيت الإسرائيلي الذي يتمدد بالمستوطنات التي تنبت كالفطر بعد نزول الأمطار دون اعتبار لصاحب الأرض الأصلي الذي لا يملك حق الدفاع عن أرضه وعرضه ووطنه، وإن قرر فغياهب السجون المؤبدة تنتظره التي سيجت بأحدث الأنظمة التي تحط من كرامة السجين. ومن هذه المتغيرات التي فرضت على الشعب الفلسطيني السجين في الداخل والسجين في الخارج تبنت الكثير من الجماعات الكفاح المسلح نتيجة للظلم الذي تمارسه إسرائيل مستندة للغرب الذي يؤيد تفوقها العسكري ومؤكدا حقها الوجودي في هذا المكان دون اعتبار لصاحب الأرض الحقيقي.

ومن خلال الرواية والبعد الزمني بين تحقيق الحلم للفلسطيني الذي يطمح بأن تكون له دولة معترف بها عالميا وبين الآلة القمعية التي تمارسها إسرائيل فقد تيقن الفلسطيني بأن طريق المفاوضات لا يكون عادلا ولن يكون إلا بتساوي القوى فلا يمكن لضعيف منزوع السيادة أن يتفاوض مع محتل تدعمه آلة حربية عالمية، وبالتالي أحداث السابع من أكتوبر ما هي إلا تداعيات فرضها الواقع الفلسطيني الذي مورست عليه كافة أنواع الظلم الذي لم يشهده غيره على سطح الأرض.

صالح الريسي كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. سنحتطب الغرقد

#سنحتطب_الغرقد

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 29 / 7 / 2017

معادلات الانتصار أو الانكسار، الكرامة أو الذل، التحدّي أو الاستسلام.. تختصر بسطر واحد: الأبطال والشهداء من يصنعون المجد، والسياسيون من يساوم عليه! الكرامة ليست بحاجة إلى يوم لنذكرها.. الكرامة هي امتحان يومي نقدّمه، وصلاة الكبرياء التي لا يثنيها الركوع أبدا، لذا سأسرد أربع قصص لأربعة أبطال لا يمكن أن تنساهم ذاكرة الوطن ولا ذاكرة الجيش العربي “الأردني” العظيم، وهم نماذج عشوائية لقصص كثيرة بعضها مدوّن في كتب التاريخ التي أتى ذكرها على حروبنا الثلاثة وبعضها يتم تناقله شفهياً من الأولاد إلى الأحفاد وفي حواديث الناس عندما تهتزّ شجرة الكرامة، الأبطال ليسوا “جنرالات” في الجيش ولا قادة، هم جنود بسطاء لا يعبّرون عن عشقهم وإخلاصهم للوطن ولفلسطين إلا بأرواحهم وأعمارهم وأجسادهم النازفة..
مصطفى جدعان الخرشة.. جندي أردني شارك في حرب حزيران 1967 متمترساً خلف مدفعه البدائي في مواجهة الدبابات الإسرائيلية المتطورة، لم يترك “المدفع” البسيط بحجّة أن الكفّ لا تواجه المخرز، بل صمم على القتال ولو بسكين كما قال.. استطاع هذا الجندي الأردني البدوي من حرق 4 دبابات إسرائيلية وظل يقاتل حتى نفدت ذخيرته وأصيب فوقع أسيراً في يد جيش العدو، وقتها سمع موشيه ديّان أن جندياً أردنياً كان يقاتل بضراوة رغم ضعف إمكانات جيشه ونفاد ذخيرته، وقف أمامه ليرى من أي شيء قد جُبل هذا المخلوق.. فلم يخضع أو يذلّ أو يتوسّل إطلاق سراحه بل وصف عدوّه بأبشع الصفات وذكّره أن جيشه جبان وأن الحرب كر وفرّ، فقال: (ترجم يا مترجم واسمع يا أعور.. جيشك جبان، إلك عندنا يوم، والحرب كر وفر واليوم إلك وبكره عليك). كما كتب الراحل محمد حسنين هيكل “وزير إعلام مصر في ذلك الوقت” مقالاً في الأهرام عن شجاعة أبي جدعان.. وبعد شهور تم إطلاق سراح بطلنا بصفقة تبادل أسرى استقبله في قاعدة المفرق العسكرية.. الملك حسين بن طلال.

مقالات ذات صلة وفاة الطبيب أحمد الزهارنة بسبب البرد جنوبي قطاع غزة / فيديو 2024/12/27

نحن أبناء وصفي والخرشة وغسان حجازين وشويعر والعزيزات ومشهور الحديثة وآلاف الأبطال.. نحن لا نُثنى ولا نُكسر ولا نلين… المعركة طويلة في الغد وبعد الغد
نحن أبناء وصفي والخرشة وغسان حجازين وشويعر والعزيزات ومشهور الحديثة وآلاف الأبطال.. نحن لا نثنى ولا نكسر ولا نلين… المعركة طويلة في الغد وبعد الغد
البطل غسّان حجازين أردني مسيحي أحد أبطال معركة الكرامة في عام 68، كان يقوم بزرع الألغام المضادة للأفراد في منطقة الشونة الجنوبية، فانفجر فيه أحد الألغام وفقد يديه الاثنتين بعد تلقيّه العلاج، أحيل على التقاعد لكنه رفض ذلك وأصرّ على الخدمة العسكرية في إحدى مؤسسات الجيش، فالجيش في ضمير الأردنيين عقيدة مثل الاسم والوسم وشهرة العائلة لا يمكن التنازل عنه حتى في الموت..

اسمحوا لي أن أفسد فرحة “نتيناهو” وإدارته قليلاً بعد أن تمكن من كسب جولته السياسية أمام نظرائه المرتعدين… فمعركتنا طويلة طويلة.
المقدم صالح عبد الله شويعر كان يقود مدرعة أردنية في مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني مدجّجاً بالثأر لرفاق السلاح الذين استشهدوا في حرب 48، وتمكّن البطل الأردني ومن معه من تدمير عدد من المدرعات، وقتل عدد من الجنود الإسرائيليين، وعندما نفدت الذخيرة أيضاَ بسبب قطع خطوط الإمداد، قاد مدرعته بسرعة كبيرة وقام بصدمها بمدرعات جيش العدو وذلك أقوى الإيمان في الدفاع عن الوطن والمقدسات، لم يستسلم ولم يستسلم رفاقه أيضاَ فجعلوا الحديد يناطح الحديد.. حتى تم قصفهم بالطيران الإسرائيلي ورميهم بقنابل النابالم ليستشهدوا جميعاً برؤوس مرتفعة…

الطبيب الأردني نورس اليعقوب العزيزات، في اليوم الثاني من حرب حزيران رفض مغادرة الموقع الذي يعالج به رفاقه الجرحى رغم الخطر الذي كان يحيق بهم، وأصرّ أن لا حياة ولا موت إلا معهم واستمر في واجبه الإنساني من إسعاف وتطبيب وجراحة، إلى أن استشهد بعد أن قصف الطيران الإسرائيلي المستشفى الميداني التابع للواء المدرّع الأربعين الأردني، وقد دفن الطبيب الشجاع في كنيسة الزبابدة في جنين قبل أن تنقل رفاته إلى مسقط رأسه – مادبا – في نفس العام.

قمت بسرد هذه القصص فقط لأؤكّد لكل المصدومين والمحبطين والمقهورين، أن الطبقة السياسية التي تفاوض وتوقع وتعقد الصفقات لا تمثل وجدان الشعب الأردني، فهناك انفصال وانفصام في الرؤى والتوجّه.. #الشعب_الأردني نسخ مليونية من هؤلاء الأربعة.. الشعب من نسل الجيش الذي لا يصافح ولا يسامح إلا أن يقول كلمته على الأرض بعد أن يسترد بيرق كرامته.. لذا اسمحوا لي أن أفسد فرحة “نتيناهو” وإدارته قليلاً بعد أن تمكن من كسب جولته السياسية أمام نظرائه المرتعدين… فمعركتنا طويلة طويلة.. نحن أبناء وصفي والخرشة وغسان حجازين وشويعر والعزيزات ومشهور الحديثة وآلاف الأبطال.. نحن لا نثنى ولا نكسر ولا نلين… المعركة طويلة في الغد وبعد الغد.. كن أو لا تكون مطمئناً هذا لا يعنينا، ففؤوسنا تحت رؤوسنا.. ونعدكم أننا سنحتطب الغرقد.

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

#179يوما … بقي #97يوما

#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي

#سجين_الوطن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • البرد القارس يزيد من جراح غزة.. والسكان يلجأون إلى مواقد النار (فيديو)
  • علماء يثبتون وجود زمن بالسالب في تجربة واعدة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. سنحتطب الغرقد
  • وولفرهامبتون يعمق جراح مانشستر يونايتد
  • تشيلسي يسقط أمام فولهام وويستهام يضاعف جراح ساوثهامبتون بالدوري الإنجليزي
  • سعد الدين حسن .. الكاتب الذي حادثه الوزير على تليفون المقهى
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … ونحن أيضا
  • اكتشاف قد يغير مفاهيمنا عن التوسع الكوني
  • ” الهُدهُد ” .. قصيدة من الشاعر محمد المجالي مُهداة لِلسجين الحُرّ الكاتب أحمد حسن الزّعبي
  • بين الوهم والحقيقة … نحزن ونفرح لما ليس ملكنا ؟؟