لجريدة عمان:
2025-03-04@13:41:21 GMT

الهم الفلسطيني العابر فوق جراح الزمن

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

الهم الفلسطيني العابر فوق جراح الزمن

«ليس الموضوع مجرد العنف المادي للاحتلال، بل قدرة الاحتلال على تجريد الفلسطيني من أبسط صلة تربطه بنفسه وبمكانه...» بهذا علّقت مجلة الجديدة الأمريكية على رواية مريد البرغوثي «رأيت رام الله».

ربما لا توجد قضية على وجه الأرض تتشابه مع القضية الفلسطينية؛ من حيث المد الزمني، وما صاحب هذا المد من نزيف بشري وتغيير ديموغرافي للأراضي الفلسطينية، وكذلك محاولة تجريد الفلسطيني من هُويته التاريخية وخلق أجيال لا ترتبط بالأرض ولا بالهُوية الفلسطينية، وهذا ليس خاصا بالأجيال الفلسطينية التي تولد في الداخل أو الخارج وإنما يصل هذا التجريد للأجيال العربية والمسلمة التي تنادي بأن قضية فلسطين قضية عادلة.

يتحدث الكاتب بدءا من عبوره جسر الأردن متّجها للقاهرة لاستئناف فصله الأخير في جامعة القاهرة. جامعة القاهرة التي دخلها رغبة في تحقيق حلم الوالدين بأن يكون لديهم في العائلة من يحمل الشهادة الجامعية وكان ذلك في العام الدراسي 1966/ 1967 وهو يتلقى الرسائل من رام الله بأن الوالدين قاما بطلاء البيت «عمارة اللفتاوي» استعدادا لعودته بالشهادة.

تتغير مجاري الأودية بمقدار كميات الأمطار الهابطة عليها، كذلك تتغير مجاري الحياة بمقدار الأحداث التي تغير سيرورة الزمن إما تدفعك للأمام وإما تجعلك بلا وطن وبلا هُوية.

في سنة 1967 كان الامتحان الأخير وبمقدار فرحة المغترب بقرب الرجوع للأهل والوطن ومرابع الطفولة، بمقدار الجذور التي تنبت في البلد المستضيف وبين هاتين يلتم الطلاب في أروقة الجامعة لسماع إذاعة صوت العرب والأغاني الوطنية، يذهب خيال الكاتب مع المذيع «أحمد سعيد» الذي يصوّر الحرب بأنها طريق إلى فلسطين، ليصبح اليوم التالي معنونا في كل الإعلام بأن نكسة حلت بالأمة العربية وبأحلامها التي رسمتها الأغاني الوطنية وبأن إسرائيل تمددت أكثر وأكثر سواء في الجانب الفلسطيني أو السوري أو المصري معلقا «توقفت الامتحانات لأسابيع. استؤنفت الامتحانات. نجحت وتخرجت. حصلت على ليسانس من قسم اللغة الإنجليزية وآدابها. وفشلت في العثور على جدار أعلق عليه شهادتي» من هذا التاريخ الفاصل ومن هذا المكان الذي سمع فيه بالنكسة يستمر شتاته لأكثر من ثلاثين عاما حتى يسترجع ذكريات الخروج الأخيرة التي شاهد فيها الجسر الذي يربط فلسطين بالأردن.

برغم أن الكاتب يصوّر رحلته الشخصية، فإنه يمكن إسقاطها على كل الفلسطينيين الذين تقطعت بهم السبل في الدول التي كانوا بها في سنة النكسة وما صاحب ذلك من تهجير للفلسطينيين واستقبال لليهود العرب واليهود الذين قدموا من كل بقاع الأرض من ذات المبدأ «من لا يملك، يعطي من لا يستحق» أدى ذلك لظهور حركة فتح بجانب الحركة الشعبية لمنظمة المقاومة الفلسطينية وغيرها من الحركات التي تبنت المقاومة المسلحة لاسترجاع الحق الفلسطيني المغتصب.

في الرواية يظهر الكاتب ما يعانيه المغترب الفلسطيني فمن خلال زواج الكاتب من الكاتبة المصرية المعروفة «رضوى عاشور» في عام 1970 قررا بدءا عدم الإنجاب لكون الأب فلسطيني بلا وطن وبلا هُوية ومن الصعوبة إنجاب طفل يحمل عبء الحياة من وهلة ولادته، مضيفا «بعد عودتها بالدكتوراة عام 1975 إن الوقت قد حان لنوع من الاستقرار الأسري. حملت وأجهضت في عام 76. ثم حملت ورزقنا بـ«تميم» في 1977 أي قبل ترحيلي من مصر بخمسة أشهر» ومن هذه النقطة قياسا لكل المغتربين الفلسطينيين ووفقا لشهادته بأن قرار الترحيل حد من الإنجاب بمولود آخر وكذلك ينشأ الطفل في بلد ويكون الأب في بلد آخر بمعنى قطع العلاقة الأبوية من ناحيتين، الأب بشخصه وجنسية الأب الأصلية.

ولذلك نلاحظ أن بعد مرور قطار الزمن بين المولود وبين الوالد ينادي الولد والده في أول لقيا بينهما في المهجر «عمو مريد» لكن الأب يتقبل لفظ «عمو» ولكنه لا يتقبل فكرة الغياب الذي يمارسه المحتل في طمس هوية الأطفال الذين يولدون من آباء جذورهم تنتمي لأرض كانت ذات يوم مهبطا لرسالات سماوية» والليل حولي لا يمر/ وليس حولي من يواجعني ويكذب (صادقا)/ من أجل روحي/ أو يلوم هشاشتي حتى ألومه/ أما المسافة بين أحبابي وبيني/ فهي أقبح من حكومة».

لقد عانى الفلسطيني الأمرّين سواء من السلطة الداخلية التي اعترفت بها الدول بعد سلسلة من الاتفاقيات والمؤتمرات، هذه السلطة التي آل لها الحق الفلسطيني المشروط بأن طريق هذا الحق يمر من خلال المفاوضات وليس من خلال السلاح، وبالتالي يجب تجريد الفلسطيني من سلاحه وأن تكون هذه السلطة المتراس الأول عن البيت الإسرائيلي الذي يتمدد بالمستوطنات التي تنبت كالفطر بعد نزول الأمطار دون اعتبار لصاحب الأرض الأصلي الذي لا يملك حق الدفاع عن أرضه وعرضه ووطنه، وإن قرر فغياهب السجون المؤبدة تنتظره التي سيجت بأحدث الأنظمة التي تحط من كرامة السجين. ومن هذه المتغيرات التي فرضت على الشعب الفلسطيني السجين في الداخل والسجين في الخارج تبنت الكثير من الجماعات الكفاح المسلح نتيجة للظلم الذي تمارسه إسرائيل مستندة للغرب الذي يؤيد تفوقها العسكري ومؤكدا حقها الوجودي في هذا المكان دون اعتبار لصاحب الأرض الحقيقي.

ومن خلال الرواية والبعد الزمني بين تحقيق الحلم للفلسطيني الذي يطمح بأن تكون له دولة معترف بها عالميا وبين الآلة القمعية التي تمارسها إسرائيل فقد تيقن الفلسطيني بأن طريق المفاوضات لا يكون عادلا ولن يكون إلا بتساوي القوى فلا يمكن لضعيف منزوع السيادة أن يتفاوض مع محتل تدعمه آلة حربية عالمية، وبالتالي أحداث السابع من أكتوبر ما هي إلا تداعيات فرضها الواقع الفلسطيني الذي مورست عليه كافة أنواع الظلم الذي لم يشهده غيره على سطح الأرض.

صالح الريسي كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من خلال

إقرأ أيضاً:

«وقف الأب».. تتويج لمسيرة التطورات النوعية في الحملات الرمضانية

دبي: «الخليج»

قصة نجاح عالمية مبهرة وملهمة لما يعدّ اليوم أكبر حراكاً إنسانياً وطنياً في العالم، يشارك فيه مجتمع الإمارات بأكمله، في مشهد يقدم أروع نموذج للعطاء في سبيل المساهمة في دعم شعوب الأرض للتغلب على تحدياتها الأكثر إلحاحاً بدءاً من الجوع وبما لا يقف عند تحديات التعليم والصحة.
هذا الحراك الاستثنائي رسخته سلسلة النجاحات التي حققتها الحملات الرمضانية التي اعتاد على إطلاقها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، خلال الشهر الفضيل، متوجاً هذه النجاحات خلال العام الحالي بإطلاق حملة «وقف الأب»، لتكريم الآباء في دولة الإمارات بإنشاء صندوق وقفي مستدام بقيمة مليار درهم، يخصص ريعه لتوفير العلاج والرعاية الصحية للفقراء والمحتاجين وغير القادرين.
القصة بدأت عام 2020، بحملة «10 ملايين وجبة»، لتشهد تطورات نوعية غير مسبوقة في ظل ما حظيت به من تفاعل كبير وتجاوب شامل من مجتمع الإمارات، فجاءت هذه التطورات بالتوسع حجماً عبر حملة «100 مليون وجبة» عام 2021، ثم «مليار وجبة» عام 2022، بعدها شهدت سلسلة الحملات نقلة نوعية، بالتحول نحو الوقف من خلال حملة «وقف المليار وجبة» عام 2023، مستهدفة تأمين شبكة مستدامة لمواجهة تحديات الجوع في الدول والمناطق الأقل حظاً.
ثم جاءت حملة «وقف الأم» في تحول نوعي ومبتكر، مستهدفة في المقام الأول تكريم الأمهات والثاني أن يأتي هذا التكريم عبر المساهمة باسم الأم في إنشاء صندوق وقفي بقيمة مليار درهم لتوفير التعليم لملايين الأفراد في العالم وهو من القطاعات المهمة في تمكين المجتمعات والنهوض بها.
واليوم، تستكمل هذه الحملات، سلسلة نجاحاتها وتطورها النوعي، بإطلاق حملة «وقف الأب» التي تستهدف، هذا العام، قطاعاً حيوياً جديداً يعاني تحديات عالمية كبيرة وهو قطاع الرعاية الصحية، حيث شهدت الحملة قبل أن تبدأ تجاوباً فاق النجاحات السابقة، فما الذي ترسخه هذه الحملة الجديدة في مسيرة الحملات الرمضانية؟ وكيف تطورت هذه الحملات وصولاً إلى هذه المكانة المتفردة؟
في صدارة أهدافها العليا، تضاعف «وقف الأب»، الدور المهم لسلسلة الحملات في ترسيخ القيم والسمات الأساسية التي يتميز بها مجتمع الإمارات ومع انطلاقها تماشياً مع إعلان صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تخصيص 2025 ليكون «عام المجتمع» في دولة الإمارات تحت شعار «يداً بيد»، تعمل «وقف الأب»، باستهدافها تكريم الآباء، على المساهمة في تعزيز التماسك المجتمعي وإعلاء دور الأب في تحقيق هذا التماسك بما يمثله من ركيزة قوية لاستقرار الأسرة وكونه القدوة والسند ومصدر القوة والحكمة والأمان في حياتنا جميعاً.
وثاني القيم والسمات الإماراتية التي تواصل الحملة تعزيزها هي قيمة العطاء التي أصبحت منظومة راسخة وثقافة مجتمعية شاملة وهوية تعرف بها الإمارات عالمياً عاصمة للإنسانية، حيث نجحت سلسلة الحملات في جعل الإمارات، كما يقول صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، في تأكيده أهدافها «لنكون من أكثر الشعوب عطاءً وتراحماً وتعاطفاً مع معاناة غيرنا».
وضمن أهدافها المهمة أيضاً، تواصل «وقف الأب» تأكيد أهمية قيم التكاتف المجتمعي ومحبة الخير للجميع وتقديم نموذج لما يمكن أن تصنعه هذه القيم من فارق في تحقيق الإنجازات ومواجهة التحديات ومع ما تخدمه الحملة من تعزيز هذه القيم في مجتمع الإمارات، فإنها تبث عبر نجاحاتها رسالة إلى العالم أجمع بأهمية هذا التكاتف في معالجة التحديات الملحة التي تواجه البشرية، وقدرة العالم على التغلب عليها، بالتضامن بين دوله وشعوبه.
وبتركيز «وقف الأب» هذا العام، على الرعاية الصحية، فإنها تضيء على أهمية هذا القطاع في تمكين الإنسان وحماية حياته وتحقيق استقراره، حيث إن الإنسان أولوية جميع المشاريع والمبادرات التنموية.

مقالات مشابهة

  • بعد مطالبته بكشف قتلة يحيى موسى.. مليشيا الحوثي تختطف الكاتب الحراسي بذمار
  • لوموند: كيف أثر السيسي على الدور الذي كانت تلعبه مصر في القضية الفلسطينية؟
  • رمضان عند الأدباء| المسحراتي.. منبه الزمن الجميل الذي فقد سحره
  • محافظ الغربية: نسابق الزمن لإنهاء مشروعات حياة كريمة ودخولها الخدمة
  • «وقف الأب».. تتويج لمسيرة التطورات النوعية في الحملات الرمضانية
  • التقاطع المزراحي الفلسطيني الذي لا يتحدث عنه أحد
  • الغربية تسابق الزمن.. استمرار أعمال تغطية مصرف الزهار بقطور لتطوير البنية التحتية
  • تزامنا مع القلق الذي أثاره “قاتل المدن”.. ناسا ترصد 5 كويكبات اقتربت من الأرض هذا الأسبوع
  • تحليل عظة الأب باسيليوس محفوض ليوم الغفران
  • يحيى عطية الله يسابق الزمن للعودة وتدعيم صفوف الأهلي