لجريدة عمان:
2025-04-28@04:56:30 GMT

سكرتيرة هتلر

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

سكرتيرة هتلر

1

القطار الذي استقليته لم يكن مزدحما بالركاب.

كان يسير وسط سهول خضراء ممتدة على جانبي الطريق ولم أكن أعلم إلى أين يسير!

كنت أرتدي فانيلا زرقاء وقميصا أخضر يبرز منه طوق الياقة فقط، وكان أنفي منتفخا حتى أنه حال بيني وبين الرؤية الجيدة.

لم يكن في المقصورة التي جلست بها سواي أنا وشخص آخر كان يتحدث في هاتفه ويضرب الهواء بقبضته كأنما يطارد بعوضة أو ذبابة أزعجته.

فجأة توقف الرجل عن مكالمته وعن مطاردته وبشكل غير متوقع هجم علي وخنقني. قاومته، صحت، واستنجدت، وخبطت بقدمي مليا دون أن يتدخل مخلوق لنجدتي أو تستجيب السماء لصرخاتي، في تلك اللحظة استسلمت لقدري مسلّمة بأنها النهاية وأنها الطريقة المقررة لي لمغادرة العالم!

انتفخت الأشياء أمام عيني وانبعجت جراء الخنق ثم تشظت وأنا أسمع صوت زخات من الشظايا تتطاير ويغلب صوتها دوي القطار

لم أعرف السبب الذي قتلني الرجل لأجله!

واصل القطار سيره وواصلت أنا الموت ثم بعد لحظات وجيزة من الموت استطعت فتح عيني من جديد، لم أتصوّر من قبل أن الموتى يستطيعون فعل ذلك.

الموت قدم لي هذه المعرفة.

كنت مدفوعة برغبة ملحة في التأكد من قدرتي على فتح عيني في حالة الموت والنظر من خلالهما، قلّبتهما في المجال أمامي، أغلقت واحدة ونظرت بالأخرى، وجدتني أستطيع الرؤية حتى بالعين المغمضة، لقد بدا الموت عظيما وخارقا بالرغم من أن أحدا لم يُعدني لهذه الحقيقة المذهلة من قبل!

2

شيئا فشيئا اتضحت لمبة الغرفة أمامي، مظهرها تبدل بشكل ملحوظ مقارنة باللمبة الأولى التي رأيتها قبل موتي. كنت أرتجف خوفا من عودة الرجل لقتلي مجددا ولا أرتجف خشية الموت الذي ذقته ولم أجد فيه ما يوازي قلق الحياة المميت.

أملت رأسي قليلا ناحية اليسار وأنا مستلقية على ظهري، بدت سيقان السرير المقابل لي ضخمة جدا كأنما صنعها فرناندو بوتيرو 1

خاطبتني امرأة غرزت شيئا في ذراعي قائلة:

- الحمد لله على سلامتك مدام، صحوت من البنج وتجاوزت الخطر.

تموجت ملامح الممرضة أمامي وتداخلت سيقان السرير بساقيها.

أخبرتني الممرضة بأنني ركلت بقدمي كثيرا وأنا مخدرة وأنني هذيت بكلام مفزع وأخبرتهم بأنني سكرتيرة هتلر.

وماذا قلتُ أيضًا؟ سألتها بلسان راكد ثقيل.

لا، لم تقولي شيئا أكثر من ذلك.

استشعرت الراحة لأن خزانتي فيها الكثير من الخبايا لم يتمكن المخدر من اختراقها والوصول إليها. لم يفلح البنج في استجوابي أو افتكاك أي أقوال مني عدا أنني سكرتيرة الفوهرر.

يبدو أن الخيارين الممكنين هما، إما أن البنج مغشوش وإما أن قوتي الداخلية تفوق أي بنج!

3

كان رأسي يدور حول المجموعة الشمسية واللمبة ترقص أمامي ببطء والتلفزيون تظهر صوره متموجة بلا صوت، لكن الشعور بأنني أشغل منصب سكرتيرة الفوهرر لم يتلاش من ذهني أو أنه راقني فتمسكت به ولم أسمح له بالانزلاق بعيدا.

أدخلت لي الممرضة مادة مسكنة في أنبوب التغذية المتصل بي، ثم غادرت مصحوبة بسيقان السرير معها.

لم يمض وقت طويل على رحيلها حتى بدأت أشعر وكأنني على شفا الموت من جديد، لكن بأسلوب مختلف عن المرة السابقة، إذ أنطلق سريري جريًا عبر ممرات المستشفى وأنا فوقه دون سابق إخطار!

وقع في ظني أنه تأثير الدواء الذي وضعته الممرضة في الأنبوب الموصول بشراييني، حاولت التأكد من أنني لا أعاني من انسحاب البنج وأن الأشخاص الذين يحاولون اللحاق بي والإمساك بجانبي السرير ليسوا حقيقيين وأنهم من صنع خيالي.

عدا أن السرير كان يجري فعلا وممرضة بدينة تدفعه بي والسقف يجري فوقنا بالمصابيح وينعطف كيفما انعطف السرير.

اصطدمت الممرضة بأسرّة أخرى تحمل مرضى في حالة هلع وكانت لا تعرف أين تتجه بي.

سمعت كلمة حريق! فلعله كان بالفعل حريقا شب في المستشفى وليس عملية انسحاب بنج!

تمايلت اللفافة البيضاء الكبيرة على أنفي، وتصلبت رموشي كأسنان شوكة صدئة من فزع عدو السرير بي في الممرات وارتطامه بدرجات المدخل الرئيس للمستشفى.

نار نار.. أخرجوا المرضى الباقين بسرعة.

انقلعت إحدى عجلات السرير ولم يخمد ذلك من سرعته. استمر في انطلاقته بقوة تشبه تأثير المنشطات، متحديا الوزن الذي يحمله بثلاث عجلات فقط.

هناك مريض آخر في غرفة سبعة نسيناه، أخرجوه بسرعة.

اسرعوا بإخراجه! صرخ أحدهم.

إلى أين يفرون بنا؟

لم يعط أحد تفسيرا أو إيضاحا عما يجري، بما في ذلك إدارة المستشفى

كان صمتا يحاول إنقاذ سمعة المستشفى من نقل المرضى للآخرة بسرعة ومن دون ألم!

تزاحمت ملائكة الرحمة حولنا في محاولة لضبط الوضع، بينما كان مريض مجاور لي يخوض غيبوبة البنج يطلق صرخات مبحوحة: «يا فاطمة.. يا علي... يا نور الدين»

ومريض آخر كان في كامل أناقته يتصفح جريدة فرنسية بهدوء مرخيا الساق على الساق، غير مكترث بما يحدث، وكأنه اعتاد الفوضى أو ربما سبق له عيش تجارب مماثلة!

صفت أسرّة المرضى في الشارع بجانب الجدار المواجه للمستشفى وكأنها عربات ديلفري قبالة مطعم إلى أن تمكنوا من إخماد الحريق.

قيل إن أحد المرضى دخّن في الحمام وتسبب في إشعال الحريق. ولعلها كانت حيلة دفاعية لا غير.

4

أعادونا لداخل المستشفى أفواجا بسرعة أحد عشر حصانا في الساعة.

لم يشفع العرج لسريري ما جعل عودتي أشق من خروجي.

أدخِلت إلى غرفة لم تكن غرفتي السابقة وإن كان بها تلفزيون يبث الأجزاء نفسها من خطاب الرئيس الذي ألقاه مساء الأمس.

كانت الكلمات المجتزأة منه هي:

فهمتكم.. فهمتكم.

شيئا فشيئا، استعدت وعيي بالواقع كاملا.

تأكدت الثورة في تونس وأعلِن عن فرار الرئيس. لم أرد شم الدخان المنبعث عن حرق الإطارات، بالكاد أصلحت أنفي للتو ولا أريد له استئناف نشاطه بشم الحريق.

عاد أنفي للخدمة وكانت أول الروائح التي التقطها عرق سائق التاكسي الذي أقلّني للمطار!

هامش:

«1» فنان كولومبي يرسم شخصيات بدينة جدا

نجوى بن شتوان كاتبة وروائية ليبية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

غزة على شفا «الموت الجماعي» بسبب الجوع

غزة (الاتحاد)

أخبار ذات صلة 84 قتيلاً و168 مصاباً بسلسلة غارات إسرائيلية على غزة السيسي: مصر تقف سداً منيعاً أمام محاولات تصفية القضية الفلسطينية

حذّرت السلطات في قطاع غزة، من أن فلسطينيي القطاع «على شفا الموت الجماعي» بسبب توسع رقعة المجاعة وانهيار القطاعات الحيوية بالكامل، مطالبةً بفتح ممر إنساني فوري ودون تأخير لإنقاذ أكثر من 2.4 مليون فلسطيني.
وحمل المكتب الإعلامي الحكومي في بيان، إسرائيل مسؤولية ما وصفه بـ«جريمة الإبادة الجماعية الموثقة بالصوت والصورة».
وقال: «نحذر من تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة بشكل متسارع ومخيف، مع استمرار الحصار الإسرائيلي الكامل وإغلاق المعابر منذ 55 يوماً، ما أدى إلى تفشي المجاعة وتهديد حياة أكثر من 2.4 مليون إنسان».
وأضاف: «باتت المجاعة في غزة واقعاً مريراً لا تهديداً، بعد تسجيل 52 حالة وفاة بسبب الجوع وسوء التغذية، بينهم 50 طفلاً، في واحدة من أبشع صور القتل البطيء».
وتابع: «يعاني أكثر من 60 ألف طفل من سوء تغذية حاد، فيما يشتكي أكثر من مليون طفل من الجوع اليومي الذي تسبب بالهزال وسوء البنية الجسمية وأصبحوا في بؤرة الخطر، فيما أُجبرت آلاف الأسر الفلسطينية على مواجهة الموت جوعاً بعد عجزها عن توفير وجبة واحدة لأبنائها».
وأطلق المكتب ما أسماه «النداء قبل وقوع الكارثة»، وقال، إن «أي تأخير في الاستجابة سيُعد تواطؤاً واضحاً ومشاركة فعلية في الجريمة، ووصمة عار لا تُمحى من جبين الإنسانية والتاريخ».
وطالب بفتح ممر إنساني آمن بشكل فوري وعاجل وبدون مماطلة لإنقاذ حياة أكثر من 2.4 مليون إنسان فلسطيني في قطاع غزة قبل فوات الأوان. ودعا إلى «تشكيل لجان دولية مستقلة للتحقيق في جريمة التجويع والقتل البطيء التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة».
وفي السياق، أعلن برنامج الأغذية العالمي، أمس، نفاد مخزونه الغذائي بالكامل في قطاع غزة. وقال البرنامج، في بيان، إن المطابخ في غزة توفر 25% من الاحتياجات الغذائية اليومية للسكان. وأكد البيان نفاد المخزون الغذائي للبرنامج في القطاع، مع توصيل آخر الكميات المتوفرة إلى المطابخ المحلية والتي من المتوقع أن تنفد أيضاً في الأيام المقبلة.
وكشف عن توقف جميع المخابز الـ25 المدعومة من البرنامج منذ 31 مارس الماضي، بسبب نفاد الدقيق ووقود الطهي.
ولفت إلى عدم دخول أي مساعدات إنسانية للقطاع منذ أكثر من 7 أسابيع بسبب إغلاق المعابر.
وذكر أن هذا يمثل أطول إغلاق يشهده قطاع غزة على الإطلاق، مما يفاقم الأوضاع في الأسواق والأنظمة الغذائية الهشة أصلاً.
وأوضح أن أكثر من 116 ألف طن متري من المساعدات الغذائية - تكفي لإطعام مليون شخص لمدة 4 أشهر - جاهزة للدخول إلى غزة فور فتح المعابر.
وحذّر من أن «المساعدات الحيوية للبرنامج قد تضطر للتوقف إذا لم تُتخذ تدابير عاجلة لفتح الحدود أمام المساعدات والتجارة».
ودعا البيان جميع الأطراف إلى إعطاء الأولوية لاحتياجات المدنيين، والسماح فوراً بدخول المساعدات إلى غزة، والوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي.
ويعتمد قطاع غزة، البالغ عدد سكانه نحو 2.4 مليون نسمة، بشكل شبه كلي على المساعدات الإنسانية، التي توقفت تماماً منذ 2 مارس الماضي، حين أغلقت إسرائيل معابر كرم أبو سالم وزيكيم وبيت حانون، بعد استئناف عملياتها العسكرية.
بدورها، حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» من عدم قدرتها على توزيع الإمدادات الغذائية الأساسية في قطاع غزة، بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على المساعدات الإنسانية في القطاع. وقالت «الأونروا» في بيان: «لم تدخل المساعدات والإمدادات الإنسانية إلى قطاع غزة منذ أكثر من 50 يوماً حتى الآن، وذلك بسبب الحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية». 
وأضافت: «نتيجة لذلك، فإن الإمدادات الإنسانية الحيوية، بما في ذلك الغذاء والوقود والمساعدات الطبية واللقاحات للأطفال، تنفد سريعاً». 
وأكدت «الأونروا» أن إمداداتها من الدقيق قد نفدت ولم يتبق سوى 250 طرداً غذائياً - يحتوي على الأرز والعدس والفاصوليا والزيت والملح والسكر والحليب المجفف والحمص والحلاوة الطحينية والخميرة والأسماك المعلبة - مصمم لتلبية احتياجات أسرة مكونة من 5 أفراد لمدة أسبوعين. 
وأشارت «الأونروا» إلى أن نحو نصف مليون شخص نزحوا مجدداً في قطاع غزة خلال الشهر الأخير، بفعل الأوامر المتعددة بالإخلاء التي أصدرتها القوات الإسرائيلية.
وأوضحت أن عمليات النزوح الأخيرة تركت الفلسطينيين محصورين في أقل من ثلث مساحة غزة الأصلية، مشيرة إلى أن هذه المناطق المتبقية، مجزأة، وغير آمنة، وتكاد تكون غير صالحة للحياة.
وأكدت الوكالة أن الملاجئ المكتظة تعاني من أوضاع كارثية، في حين تواجه الجهات المقدمة للخدمات صعوبات كبيرة في العمل وسط استنزاف شبه كامل للموارد المتوفرة.

مقالات مشابهة

  • سكرتيرة في عيادة ومعلمة في حضانة.. مهن كارولين عزمي أثناء دراستها بالثانوية العامة
  • كريمة أبو العينين تكتب: الموت من الداخل
  • شرطة ديالى تطيح بشخص أقدم على إحراق زوجته حتى الموت
  • الفنان محمد خميس: كنت عايز أدخل آداب عشان بحب الشعر ووالدي أقنعني بطب الأسنان
  • فهد بن معيان يروي تفاصيل ضرب والدته له بسبب كتاب شمس المعارف .. فيديو
  • نوبة صَحَيَانْ، لكافة أهل السودان
  • أحمد زاهر لـ ابنته ليلي: "وأنا شايفاك عروسة كنت عايز ارجع في كلامي ومتمشيش"
  • غزة على شفا «الموت الجماعي» بسبب الجوع
  • بيرغوين: بنزيما سبب انضمامي للاتحاد ولا أفكر في الرحيل
  • لاعب كرة قدم يختبئ تحت السرير مذعورا بعد اختطاف زوجته وابنه