جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-06@10:53:16 GMT

الإبادة الجماعية.. سلاح الجبناء

تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT

الإبادة الجماعية.. سلاح الجبناء

 

 

خالد بن أحمد الأغبري

 

ها هي الدنيا التي تحتضن هذا العالم على أرضها.. ما أشبهها بشركة قائمة على أنشطة متنوعة ومختلفة، والمنتسبون إليها هم أقوام ممن خلق الله، وجميعهم يعملون تحت مظلتها ويتنافسون في محيطها لتقديم خدماتهم في مختلف المجالات السياسية والتعليمية والمعرفية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأنشطة، وهي قابلة للربح وللخسارة وتخضع للمحاسبة الدقيقة والشديدة عندما يقف الجميع أمام الخالق سبحانه وتعالى في "يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".

في ذلك اليوم المُنتظَر سوف يتعرف هذا الإنسان على المستويات العالية من الربح الذي حققه من خلال هذه الشراكة، بينما هناك إنسان آخر حاصره الهلع والخوف.. يقف مذهولاً على عتبة الجانب الآخر؛ حيث سيتعرف أيضًا على مدى الخسارة الكبيرة التي تعرض لها نتيجة إخفاقاته في تعاملاته وسلوكه العدائي المنحرف وعدم انضباطه في تأدية مسؤولياته وواجباته ودخوله في الكثير من الأعمال التي تخالف شريعة الله وأوامره سبحانه وتعالى، وتجاوزاته التي تثير النزاعات البينية والصراعات الأيديولوجية، فعلى الإنسان أن يدرك حجم المسؤولية ومدى تاثيرها وتفاعلها مع مختلف الحالات وفي شتى ميادين الحياة، ومن خلالها يجب عليه تحديد ملامح الطريق الذي يسلكه إما إلى نعيم مُقيم، وإما إلى عذاب مُتجدد أليم، نسأل الله اليقين بما جرت به المقادير "والعفو والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" إنه ولي كريم.

ومن منطلق هذه الحيثيات والمسارات التراكمية تتضح لهذا الإنسان تلك الخسارة الفادحة التي يواجهها في هذا العالم المضطرب الذي تتجسد منظومته في أبشع صورها الدموية التي اختلطت فيها دماء الأبرياء والشهداء من الأطفال والنساء وكبار السن والعجزة، بدماء السفاحين الصهاينة المجرمين وأعوانهم من الخونة والمنافقين في ظل سياسة مارقة وملوثة بأفكار طغاة العالم الظالمين الذين يفتقرون إلى عقول سليمة متوازنة وقادرة على استيعاب مجريات الحياة الإيجابية القائمة على الفطرة السليمة ومنهج التسامح والفضيلة التي تستجيب لنداءات النفس اللوامة، والعدول عما يجره للويل والثبور، بحيث يتمكن هذا الإنسان من الاستفادة منها بقدر كبير من المعطيات الإيجابية، وكم هناك من محروم من تلك النفوس المستيقظة والدماء النقية الطاهرة القابلة للتعايش مع الآخرين والتي تتلازم غاياتها وأهدافها مع حوكمة السمات الحسنة والسلوك المُفعم بروح الإنسانية والقيم المثلى، فتجدهم في مقابل ذلك يتواطؤون ويروّجون من أجل تشويه سمعة الإنسان وقذفه بمختلف العبارات السيئة ويقومون ببث سمومهم الخبيثة عبر الأطر الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشعلون نار الفتنة ويعملون على تأصيل ثقافة الكراهية والقتل والفساد التي أصبحت تتشكل تلقائيا وتشكّل منعطفًا خطيرًا على حياة البشرية وحياة الكائنات بشكل عام، وذلك ضمن مجموعة من الأهداف الإجرامية والخطط اللا إنسانية التي تزدري الإنسان المسلم وتقلل من شأنه وتنتهك حقوقه المشروعة.

كما أنها تنتهك القوانين الدولية المتمثلة في قوانين حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وفي الكثير من القوانين التي أصبحت مهمشة وغير فاعلة في ظل العنجهية القائمة على الفوضى والتمرد على شريعة الله ومنهجه الكريم، وقد حلّت محلها شرعنة قوانين الغابة التي تتفجر من خلالها حروب الإبادة الجماعية وطمس معالم الحياة ونسف البيوت والمباني السكنية على رؤوس سكانها والقتل المتعمد وتجويع وتهجير المستضعفين وفي مقدمتهم الأطفال والنساء وكبار السن، وترويع الآمنين ومحاصرتهم ومنع الغذاء والدواء عنهم وفرض جميع القيود من أجل تعميق ومضاعفة معاناتهم حتى لا يتنفسوا الصعداء، والدفع بهم إلى مستنقع الموت البطيء في مختلف جوانبه وأشكاله وصوره. وكل ذلك يتم خارج نطاق المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية لا لأي شيء سوى أنهم مسلمون، وكل هذا يتم تحت غطاء إعلاميا محكما صنعته وشكلته العقول النازية الفاشية التي ترتكب جرائمها حبًا للسلطة والغطرسة والسيطرة ولتحقيق مصالحها على حساب مصالح الآخرين دون حسيب ولا رقيب، وهو ما يمثل مختلف عناصر جرائم حرب الإبادة متكاملة الأركان.

من المؤكد أنه ما يثير القلق لدى محبي السلام ورعاته والداعمين له.. مواقف بعض الدول التي انحرفت عن طريق الاستقامة والعقلانية واختارت طريقًا مغايرًا لمبادئها وقيمها وأصبحت تهرول وراء ذلك الفكر النازي الذي يهدد البشرية بمواقفه العدائية الملطخة بدماء الأبرياء؛ وذلك على خلفية ما تقوم به الصهيونية الحمقاء وأعوانها الفاسدين الذين أصابهم داء العظمة والجبروت وأصبحت دولهم تحتضن تلك الدولة الصهيونية المارقة وتدافع عنها دون حياء ومن ثمَّ تمدها بالمالي والقوة والغذاء والسلاح والجنود في صورة بشعة وظالمة ومخزية يندى لها جبين الأحرار وكل ذلك من أجل مرضاة أولئك الحاقدين والمتكبرين الذين يخططون بكل جدية لاقتلاع شريعة الكون من جذورها ولكي يتم القضاء على القيم والمبادئ الإسلامية الحميدة.

لقد تعفنت الروح الإنسانية وتحللت مظاهر الديمقراطية وطمرت الحرية وتلاشت الشهامة وتطايرت الكرامة في زمن قست فيه القلوب وتحجرت فيه العقول وانكشفت فيه الأقنعة وتبعثرت فيه القيم وانصهرت فيه المبادئ.. فلم يعد للإنسان فيه قيمة حقيقية ولم يعد للعروبة والإسلام مرجعية تحميها من فساد المفسدين ولم يعد لهما مكانة في ساحة المتنفذين، بقدر ما هي صور متلاحقة من صولات المجرمين وعنجهية الفاسدين وضجيج المنافقين من ذوي العقول الميتة والنفوس المنحطة..

فسلام على تلك الحياة التي همشت فيها العدالة وظهرت فيها قوى الظلم والظالمين وتعددت فيها بؤر البغي والفساد، نسأل الله النصر والتمكين لعباده المجاهدين، ولله عاقبة الأمور.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التقوى مفتاحُ الفوز في الدنيا والآخرة

شاهر أحمد عمير

تحظى التقوى بمكانة عظيمة في القرآن الكريم، حَيثُ تُعدّ من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمن، بل تأتي في الترتيب بعد الإيمان مباشرة من حَيثُ الأهميّة، وقد أكّـد الله سبحانه وتعالى، في كتابه العزيز أن التقوى هي مفتاح النجاح والفوز في الحياة الدنيا والآخرة، حَيثُ جعلها شرطًا للعديد من وعوده الإلهية، كما قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ من حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2-3].

لقد قدّم الله سبحانه وتعالى، من خلال القرآن الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، التوجيهات التي تساعد الإنسان على تحقيق التقوى، وجعلها الحصن الذي يحميه من المخاطر والشرور؛ فالتقوى ليست مُجَـرّد شعور داخلي أَو حالة نفسية، بل هي التزام عملي بتوجيهات الله وسلوك مسؤول ينبع من الوعي بمصير الإنسان في الدنيا والآخرة.

إن التقوى تُعلِّم الإنسان أن يكون مسؤولًا عن أفعاله، وأن يدرك أهميّة الأعمال الصالحة وما يترتب عليها من نتائج مباركة، مما يدفعه إلى الامتثال لأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه.

ومن أهم العوامل التي تؤثر على تقوى الإنسان هو مدى وعيه وإدراكه لنتائج أعماله؛ فالإيمان بوعد الله ووعيده هو الذي يدفع المؤمن للاستقامة، لكن عندما تغيب هذه البصيرة، يصبح الإنسان عرضة للوقوع في المعاصي والانحرافات.

واليوم، تعاني الأُمَّــة الإسلامية من نقصٍ كبير في التقوى، رغم أنها تمتلك نعمة الإسلام التي توفّر لها طريق الهداية، غير أن الغفلة واتباع الشهوات والانفعالات السلبية جعلت البعض ينحرف عن هذا الطريق، مما انعكس سلبًا على أخلاق الأفراد وسلوكهم، وأدى إلى فساد في المجتمعات وانتشار المظالم والفتن.

في هذا السياق، يحرص السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- على تذكير الأُمَّــة بأهميّة التقوى كمنهج حياة، ويدعو دائمًا في جميع خطاباته ومحاضراته الرمضانية إلى العودة الصادقة إلى الله، والاعتماد عليه في مواجهة التحديات؛ فقد أكّـد في محاضراته العديدة أن ضعف التقوى هو السبب الأَسَاسي للكثير من الأزمات التي تعيشها الأُمَّــة الإسلامية، وأن الحل يكمن في تصحيح المسار، وإحياء القيم الدينية، والتمسك بالثوابت القرآنية.

كما أن اهتمامه الكبير بالشعب اليمني وبقضايا الأُمَّــة الإسلامية والعربية ينبع من إدراكه العميق أن التقوى والاستقامة على منهج الله هما السبيل الوحيد للعزة والنصر والكرامة.

إن العودة إلى التقوى هي الحل الأنجع لكل المشاكل التي تواجه الأُمَّــة الإسلامية اليوم، سواء أكانت سياسية أَو اجتماعية أَو اقتصادية؛ فالمجتمع الذي تسوده التقوى يكون مجتمعًا متماسكًا، تسوده العدالة والرحمة، وتنعدم فيه مظاهر الفساد والطغيان، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128].

إن تعزيز التقوى في نفوس المسلمين يجب أن يكون على رأس الأولويات، سواء من خلال التربية الأسرية، أَو الخطاب الديني والإعلامي، أَو السياسات العامة للدول؛ فبالتقوى تتحقّق العزة والنصر، وتستعيد الأُمَّــة الإسلامية مكانتها بين الأمم، كما أن كُـلّ فرد سيجد في التقوى مصدرًا للأمان والاستقرار، وسعادةً في الدنيا والآخرة.

وفي شهر رمضان المبارك، يطل علينا السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي -حفظه الله- بمحاضرات وإرشادات توعوية يحرص فيها على هدايتنا ورجوعنا إلى الله سبحانه وتعالى، ويدلنا على طريق القرآن الكريم، ويكشف لنا عن الأخطار التي تحيط بالأمة الإسلامية؛ فهو يوعي المسلمين بالمخطّطات التي تهدف إلى إبعادهم عن دينهم وقرآنهم، حتى تظل الأُمَّــة ضعيفة ومشتتة، تعاني من الظلم والقتل والاحتلال، وتواجه حصارًا وعقوبات ظالمة تستهدف المقاومين الشرفاء في حماس، وحزب الله، واليمن، والعراق، وكلّ من يسعى لاستعادة كرامة الأُمَّــة وعزتها.

إن التقوى ليست مُجَـرّد موعظة دينية، بل هي مشروع حياة، بها تتحقّق النجاحات، وتثبت المواقف، وتنتصر الشعوب المستضعفة؛ فبالتقوى والاعتماد على الله، تصنع الشعوب عزتها، وتحفظ كرامتها، وتحقّق نصرها على الطغاة والمستكبرين.

مقالات مشابهة

  • لماذا كل هذا الجدل بشأن نزع سلاح حزب الله؟
  • تحذيرات أممية من شح الغذاء في القطاع.. وجنوب إفريقيا: إسرائيل تستخدم التجويع سلاحاً للإبادة الجماعية
  • حماس: سياسة التجويع امتداد لحرب الإبادة الجماعية وتصعيد إرهابي ضد غزة
  • «حماس»: سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال امتداد لحرب الإبادة ضد غزة
  • حماس: سياسة التجويع هي امتداد لحرب الإبادة التي شنها العدو ضد غزة
  • من هو ملك الجن الأحمر الذي يحارب صابر في مسلسل المداح؟ 5 آيات تحفظك من شره
  • طبيبة تكشف عن المدة التي ينبغي أن ترتدي فيها مثبت الأسنان بعد التقويم
  • التقوى مفتاحُ الفوز في الدنيا والآخرة
  • حسام موافي: ليلة القدر سر إلهي.. أفضل الدعوات فيها طلب الستر |فيديو
  • متظاهرون يغلقون الطريق المؤدي لحفل “الأوسكار” احتجاجاً على الإبادة الجماعية بغزة