الإبادة الجماعية.. سلاح الجبناء
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
خالد بن أحمد الأغبري
ها هي الدنيا التي تحتضن هذا العالم على أرضها.. ما أشبهها بشركة قائمة على أنشطة متنوعة ومختلفة، والمنتسبون إليها هم أقوام ممن خلق الله، وجميعهم يعملون تحت مظلتها ويتنافسون في محيطها لتقديم خدماتهم في مختلف المجالات السياسية والتعليمية والمعرفية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأنشطة، وهي قابلة للربح وللخسارة وتخضع للمحاسبة الدقيقة والشديدة عندما يقف الجميع أمام الخالق سبحانه وتعالى في "يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".
في ذلك اليوم المُنتظَر سوف يتعرف هذا الإنسان على المستويات العالية من الربح الذي حققه من خلال هذه الشراكة، بينما هناك إنسان آخر حاصره الهلع والخوف.. يقف مذهولاً على عتبة الجانب الآخر؛ حيث سيتعرف أيضًا على مدى الخسارة الكبيرة التي تعرض لها نتيجة إخفاقاته في تعاملاته وسلوكه العدائي المنحرف وعدم انضباطه في تأدية مسؤولياته وواجباته ودخوله في الكثير من الأعمال التي تخالف شريعة الله وأوامره سبحانه وتعالى، وتجاوزاته التي تثير النزاعات البينية والصراعات الأيديولوجية، فعلى الإنسان أن يدرك حجم المسؤولية ومدى تاثيرها وتفاعلها مع مختلف الحالات وفي شتى ميادين الحياة، ومن خلالها يجب عليه تحديد ملامح الطريق الذي يسلكه إما إلى نعيم مُقيم، وإما إلى عذاب مُتجدد أليم، نسأل الله اليقين بما جرت به المقادير "والعفو والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" إنه ولي كريم.
ومن منطلق هذه الحيثيات والمسارات التراكمية تتضح لهذا الإنسان تلك الخسارة الفادحة التي يواجهها في هذا العالم المضطرب الذي تتجسد منظومته في أبشع صورها الدموية التي اختلطت فيها دماء الأبرياء والشهداء من الأطفال والنساء وكبار السن والعجزة، بدماء السفاحين الصهاينة المجرمين وأعوانهم من الخونة والمنافقين في ظل سياسة مارقة وملوثة بأفكار طغاة العالم الظالمين الذين يفتقرون إلى عقول سليمة متوازنة وقادرة على استيعاب مجريات الحياة الإيجابية القائمة على الفطرة السليمة ومنهج التسامح والفضيلة التي تستجيب لنداءات النفس اللوامة، والعدول عما يجره للويل والثبور، بحيث يتمكن هذا الإنسان من الاستفادة منها بقدر كبير من المعطيات الإيجابية، وكم هناك من محروم من تلك النفوس المستيقظة والدماء النقية الطاهرة القابلة للتعايش مع الآخرين والتي تتلازم غاياتها وأهدافها مع حوكمة السمات الحسنة والسلوك المُفعم بروح الإنسانية والقيم المثلى، فتجدهم في مقابل ذلك يتواطؤون ويروّجون من أجل تشويه سمعة الإنسان وقذفه بمختلف العبارات السيئة ويقومون ببث سمومهم الخبيثة عبر الأطر الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي، ويشعلون نار الفتنة ويعملون على تأصيل ثقافة الكراهية والقتل والفساد التي أصبحت تتشكل تلقائيا وتشكّل منعطفًا خطيرًا على حياة البشرية وحياة الكائنات بشكل عام، وذلك ضمن مجموعة من الأهداف الإجرامية والخطط اللا إنسانية التي تزدري الإنسان المسلم وتقلل من شأنه وتنتهك حقوقه المشروعة.
كما أنها تنتهك القوانين الدولية المتمثلة في قوانين حقوق الإنسان وحقوق الطفل وحقوق المرأة وفي الكثير من القوانين التي أصبحت مهمشة وغير فاعلة في ظل العنجهية القائمة على الفوضى والتمرد على شريعة الله ومنهجه الكريم، وقد حلّت محلها شرعنة قوانين الغابة التي تتفجر من خلالها حروب الإبادة الجماعية وطمس معالم الحياة ونسف البيوت والمباني السكنية على رؤوس سكانها والقتل المتعمد وتجويع وتهجير المستضعفين وفي مقدمتهم الأطفال والنساء وكبار السن، وترويع الآمنين ومحاصرتهم ومنع الغذاء والدواء عنهم وفرض جميع القيود من أجل تعميق ومضاعفة معاناتهم حتى لا يتنفسوا الصعداء، والدفع بهم إلى مستنقع الموت البطيء في مختلف جوانبه وأشكاله وصوره. وكل ذلك يتم خارج نطاق المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية لا لأي شيء سوى أنهم مسلمون، وكل هذا يتم تحت غطاء إعلاميا محكما صنعته وشكلته العقول النازية الفاشية التي ترتكب جرائمها حبًا للسلطة والغطرسة والسيطرة ولتحقيق مصالحها على حساب مصالح الآخرين دون حسيب ولا رقيب، وهو ما يمثل مختلف عناصر جرائم حرب الإبادة متكاملة الأركان.
من المؤكد أنه ما يثير القلق لدى محبي السلام ورعاته والداعمين له.. مواقف بعض الدول التي انحرفت عن طريق الاستقامة والعقلانية واختارت طريقًا مغايرًا لمبادئها وقيمها وأصبحت تهرول وراء ذلك الفكر النازي الذي يهدد البشرية بمواقفه العدائية الملطخة بدماء الأبرياء؛ وذلك على خلفية ما تقوم به الصهيونية الحمقاء وأعوانها الفاسدين الذين أصابهم داء العظمة والجبروت وأصبحت دولهم تحتضن تلك الدولة الصهيونية المارقة وتدافع عنها دون حياء ومن ثمَّ تمدها بالمالي والقوة والغذاء والسلاح والجنود في صورة بشعة وظالمة ومخزية يندى لها جبين الأحرار وكل ذلك من أجل مرضاة أولئك الحاقدين والمتكبرين الذين يخططون بكل جدية لاقتلاع شريعة الكون من جذورها ولكي يتم القضاء على القيم والمبادئ الإسلامية الحميدة.
لقد تعفنت الروح الإنسانية وتحللت مظاهر الديمقراطية وطمرت الحرية وتلاشت الشهامة وتطايرت الكرامة في زمن قست فيه القلوب وتحجرت فيه العقول وانكشفت فيه الأقنعة وتبعثرت فيه القيم وانصهرت فيه المبادئ.. فلم يعد للإنسان فيه قيمة حقيقية ولم يعد للعروبة والإسلام مرجعية تحميها من فساد المفسدين ولم يعد لهما مكانة في ساحة المتنفذين، بقدر ما هي صور متلاحقة من صولات المجرمين وعنجهية الفاسدين وضجيج المنافقين من ذوي العقول الميتة والنفوس المنحطة..
فسلام على تلك الحياة التي همشت فيها العدالة وظهرت فيها قوى الظلم والظالمين وتعددت فيها بؤر البغي والفساد، نسأل الله النصر والتمكين لعباده المجاهدين، ولله عاقبة الأمور.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أنواع المشقة التي أباح الإسلام الرخصة فيها أثناء الصلاة
قالت دار الإفتاء المصرية إن المشقة التي يباح الترخص بها في ترك القيام خلال أداء صلاة الفريضة، هي المشقة الزائدة عن المعتاد بحيث يترتب عليها زيادة الألم أو تأخُّرُ الشفاءِ أو حصول ما يخشاه الإنسان إن صلى قائمًا أو فقد الخشوع في الصلاة بسببها.
أنواع المشقة عند الفقهاء
وأوضحت الإفتاء أن الأصل أن يحرص المكلف على القيام بالصلاة تامة الأركان والواجبات والشروط حتى تصح صلاته، فإذا منعه من ذلك عذر أو مشقة فيترخص له حينئذٍ القيام بها على قدر وسعه وطاقته.
وأضافت الإفتاء أنه يمكن ترك ركن القيام في صلاة الفريضة لمن يجد في الصلاة قائمًا مشقة من مرض أو غيره، فعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلاَةِ، فَقَالَ: «صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» أخرجه البخاري في "الصحيح".
وتابعت الإفتاء قائلة: والترخص بالتيسير حين وقوع العذر أو المشقة أصلٌ من الأصول الكلية التي عليها قوام الشريعة، وقد عبر الفقهاء عن ذلك الأصل بجملة من القواعد، والتي منها: "المشقة تجلب التيسير"، و"الحرج مرفوع"، و"ما ضاق على الناس أمره اتسع حكمه"، و"الضرر يُزال" كما في "الأشباه والنظائر" للعلامة السُّبْكِي (1/ 12، ط. دار الكتب العلمية)، و"الأشباه والنظائر" للعلامة ابن نُجَيْم (ص: 89، ط. دار الكتب العلمية).
أنواع المشقة
وبحسب أقوال الفقهاء تنقسم المشقة إلى نوعين رئيسيين:
النوع الأول: المشقة التي لا تنفك عنها العبادة غالبًا لأنها لازمةٌ لها؛ وذلك كمشقة الجوع الملازمة لفريضة الصيام، والجهد البدني والمالي الملازم لفريضة الحج، ولا يُباح بهذه المشقة ترك العبادة أو تخفيفها؛ لكونها ملازمة لطبيعتها ومقصودة من الآمر بها وهو الشارع الحكيم.
النوع الثاني: المشقة التي تنفك عنها العبادة؛ لكونها غير لازمة للقيام بها، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع:
الأول: مشقة عظيمة، وهي التي يُخشَى معها هلاك أو عظيم ضرر، وهذه مما يجب التخفيف بسببها؛ لأن حفظ النفس سبب لمصالح الدين والدنيا.
الثاني: مشقة بسيطة، وهي التي يقوى الإنسان على تحملها دون لحوق ضرر أو أذى به، وهذه المشقة لا توجب تخفيفًا؛ لأن تحصيل العبادة معها أولى من تركها، لشرف العبادة مع خفة هذه المشقة.
الثالث: مشقة متوسطة، وهي التي تقع بين المشقة العظيمة والبسيطة، ويختلف الحكم بالترخُّص في التخفيف بها باختلاف قُربها من المشقة العظيمة أو بُعدها عنها، فكلما اقتربت من المشقة العظيمة أوجبت التخفيف، وكلما ابتعدت عنها اختلف القول بالتخفيف بها وتوقف ذلك على حال المكلف وطاقته.
قال الإمام القَرَافي في "الفروق" (1/ 118-119، ط. عالم الكتب): [(المشاقُّ قسمان: أحدهما لا تنفك عنه العبادة، كالوضوء، والغسل في البرد، والصوم في النهار الطويل، والمخاطرة بالنفس في الجهاد، ونحو ذلك، فهذا القسم لا يوجب تخفيفًا في العبادة؛ لأنه قُرِّر معها. وثانيهما المشاقُّ التي تنفك العبادة عنها، وهي ثلاثة أنواع: نوع في الرتبة العليا، كالخوف على النفوس والأعضاء والمنافع فيوجب التخفيف؛ لأن حفظ هذه الأمور هو سبب مصالح الدنيا والآخرة، فلو حصَّلنا هذه العبادة لثوابها لذهب أمثال هذه العبادة.
ونوع في المرتبة الدنيا، كأدنى وجع في أصبع، فتحصيل هذه العبادة أولى من درء هذه المشقة؛ لشرف العبادة وخفة هذه المشقة. النوع الثالث مشقة بين هذين النوعين فما قَرُب من العليا أوجب التخفيف، وما قَرُب من الدنيا لم يوجبه، وما توسط يُختَلَف فيه لتجاذب الطرفين له] اهـ.