الجامعة الريادية..بناء المفهوم واستشراف المستقبل (1- 2)
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
د. مسعود بن علي الحارثي
يتناول هذه المقال، في جزأين، موضوع "الجامعات الريادية"، أو كما يطلق عليها البعض "جامعات ريادة الأعمال". حيث يُركز الجزء الأول على تعريف المفهوم كواحد من المفاهيم الحديثة في مشهد التعليم العالي الجامعي. موضحاً أهمية تبني فكرة "الجامعة الريادية"، ومسوغات تحول الجامعات التقليدية إلى هذا الأنموذج في عصر يتسم بالتنافسية والتسابق الدولي لمواكبة مستجداته وانعكاساته على مكونات العملية التعليمية والبحثية من ناحية، وعلى سوق العمل ومتطلباته المتجددة، من ناحية أخرى.
الجامعة الريادية.. لمحة موجزة
إن المتتبع للتحولات غير المسبوقة في مشهد التعليم العالي خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين وما صاحبها من ثورة أكاديمية، يرى أن استيعاب حيثيات هذه التحولات وانعكاساتها المستمرة على العملية التعليمية ليس بالأمر اليسير. وبالرغم من أن التطورات التي ظهرت في السنوات الأخيرة ليست أقل عن تلك التي حدثت في القرن التاسع عشر؛ حينما شهدت "الجامعة البحثية" في ألمانيا تطوراً لأول مرة، والذي تلته تطورات في أماكن أخرى، من حيث إعادة تصميم طبيعة الجامعات في معظم أنحاء العالم، غير أن التغيرات الأكاديمية التي برزت في أوائل هذا القرن تعد أكثر شمولية نتيجة لصفة العالمية التي اتسمت بها تلك التغيرات، من ناحية، ولعدد المؤسسات التعليمية والأطراف الأخرى المتأثرين بها، من ناحية ثانية. وقد كان لهذه المعطيات أثرها في تحول التعليم العالي في أوائل القرن الحادي والعشرين إلى مؤسسة قادرة على المنافسة؛ حيث أصبحت عملية الالتحاق بالجامعات عالية المستوى في مختلف الدول يمثل تحدياً، وبات على الطلاب التنافس للالتحاق بالمساقات والبرامج النادرة في هذه الجامعات. وهذا ما يفسر التحول الذي شهدته مؤسسات التعليم العالي في أنحاء العالم خلال العقد الأخير، وشعورها العميق بأن ما تنتجه من معرفة وما توظفه من هيئات أكاديمية وما تخرجه من طلاب يرتبط بشكل وثيق بالاقتصاد المعرفي العالمي.
لقد شكلت المنافسة في أحيان كثيرة قوة دافعة في البيئة الأكاديمية، وأصبحت الجامعات تتنافس دولياً للحصول على مراكز متقدمة في الترتيب العالمي، وهو ما يؤكد أن الجامعات لم تعد تعمل في سياق منفرد، أو محلي أو وطني، بل أنها تنهض بدور أكبر على المسرح العالمي، وأن ما يحدث في المؤسسات والنظم الموجودة في جزء مُعين من أنحاء العالم له آثار تتجاوز حدود البيئة المباشرة. ولم يعد متوقعًا من الجامعات أن تعمل بشكل منعزل، بل إنها تعد جهات متفاعلة تعمل بشكل وثيق ليس مع قطاع الصناعة والأعمال فحسب، وإنما مع المجتمع والحكومة أيضاً؛ حيث أصبحت الحكومات تنظر إلى الجامعات باعتبارها الجهة الفاعلة في تقديم الحلول والمبادرات للقضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع، والمحرك المهم في المساهمة في ناتجها القومي المحلي، والإندماج مع الصناعة والسوق.
وأمام المعطيات التي واجهتها مؤسسات التعليم العالي في السنوات الأخيرة، والتي يستدعي منها أن تتجاوب معها، مثل تخفيضات الميزانية، وتغير توقعات أصحاب المصلحة، والطلب المستمر والمتزايد على التعليم العالي، والعولمة،(globalisation) ، والتواصل الشبكي، والتقنية المرئية، والابتكارات التنموية، وغيرها من المسوغات التي أسهمت في إعادة صياغة أهداف الجامعات وتشكيل أدوارها؛ لم تعد هذه المؤسسات اليوم تقتصر على أدوارها الثلاثة الشهيرة، والمتمثلة في "التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع"؛ وإنما أضاف "تسويق المعرفة”Knowledge Commercialisation” بعداً جديداً مهماً في تحول دور الجامعات الحديثة. وتحاول الجامعات اليوم اكتشاف طرق جديدة لمواجهة تلك التوقعات؛ أولاً، لدعم نفسها، وثانياً، للتنمية المستدامة للمجتمعات ووالأطراف ذات العلاقة كافة. وبالتالي فإن فكرة تحول مؤسسات التعليم العالي إلى "جامعات ريادية"، أو جامعات "ريادة الأعمال"، هي نتاج لتطور الجامعات، وقد يكون استجابة مرنة لهذه التوقعات.
مسوغات التحول إلى "الجامعة الريادية"
وتشير أدبيات التعليم العالي إلى أن ظهور الجامعة الريادية جاء نتيجة للتطور الداخلي للجامعة والمؤثرات الخارجية على الجامعة، إلى جانب الدور المتزايد للمعرفة في المجتمع، والابتكار القائم على المعرفة. وأصبحت "جامعة ريادة الأعمال" ليس من أجل تلبية احتياجات بيئتها الخاصة، والمساهمة في التنمية الاقتصادية الإقليمية والوطنية (Gibb, 2012) فحسب، ولكن أيضًا لتحسين وضعها المالي ووضع العاملين فيها. فالجامعة الريادية، أو "جامعة ريادة الأعمال"، بحسب كلارك (Clark, 2001) تعني أنها جامعة قادرة على إنتاج اتجاه استراتيجي يركز على صياغة الأهداف الأكاديمية، وتحويل المعرفة المنتجة داخل الجامعة إلى فائدة اجتماعية واقتصادية. وأنها، جامعة تنشئ مراكز لبراءات الاختراع و/أو ريادة الأعمال داخل الجامعة، وتجري أبحاثاً ومشاريع مبتكرة بالاشتراك مع الجهات الحكومية أو الشركات الخاصة، وهي في ذات الوقت تتكامل مع جميع الشركاء المهمين من خلال مراكز البحوث أو مجمعات التكنولوجيا، وتوفر الفرص والبيئات لتشجيع ريادة الأعمال لدى الطلاب.
وفي راي يتفق مع تعريف كلارك (2001Clark, )، يؤكد جيب (Gibb, 2012) على أن الجامعة الريادية يجب أن يكون لها ثلاثة أهداف رئيسة. أولاً، تحويل فكرة أن لا يكون خريجو الجامعة باحثين عن عمل فحسب، وإنما يكونوا أيضًا أفرادًا يخلقون فرص العمل. ويلفت هذا الهدف الانتباه إلى حقيقة أن الجامعة الريادية يجب أن تقوم بتثقيف الأفراد الرياديين. ثانياً، ينبغي دراسة إدارة ريادة الأعمال في مجموعات بحثية متعددة التخصصات من أجل التعامل مع المشكلات التي تظهر أثناء إنشاء شركات جديدة. ثالثًا، يمكن القول أن الأبحاث التي يتم إجراؤها داخل الجامعات ينبغي أن لا يكون تصميمها وتنفيذها للنشر الأكاديمي فقط، وإنما أيضًا كمصدر للابتكار، والإبداع، والاقتصاد الوطني، ورفاه المجتمع.
ومن ناحية أخرى، يتطرق يلخص د. أحمد الشميمري (2021) إلى عدد من الجوانب المهمة في بناء هذا المفهوم، ملخصاً الدوافع نحو تحول الجامعات التقليدية إلى جامعات ريادية، في خمسة محاور رئيسة، وهي:
أولاً: تأطير المبادرات والخطط المتعلقة بالابتكار وريادة الأعمال بالجامعات. فالأنشطة المتعلقة بالابتكار وريادة الأعمال ينبغي التعامل معها كمنظمومة متكاملة، وأن لا تبنى على الحماس الفردي والزمني للمسؤول. بمعنى أن تميل الجامعة للحاضنات، نتيجة لتحمس المسؤول لفكرة الحاضنات. أو أن تركز الجامعة جهودها في الملكية الفكرية، أو في مراكز الابتكار، من منطلق تحمس المسؤول لهذه المبادرات، ويغفل، على سبيل المثال، عن عناصر أخرى في المنظومة مثل تأهيل رأس المال البشري في الجامعة، أو أساليب التعليم الابتكاري أو التعاون مع قطاع الصناعة والأعمال.
ثانياً: أن التوجه نحو "الجامعة الريادية"، يعين الجامعة في أن يكون لديها مقياس محدد لأدائها، ومقارن مع نطيراتها من الجامعات الوطنية والدولية؛ بحيث تستطيع من خلاله قياس ما وصلت إليه في رياديتها، ومعرفة المحاور والأبعاد التي تحتاج إلى تقوية، وتلك التي تحتاج إلى تعزيز أكبر.
ثالثاً: تعد الجامعة الريادية فرصة سانحة لتميز الجامعات. فمعايير التميز وقياس الأثر تتحول في العالم اليوم من التركيز على إعداد الأبحاث والنشر العلمي والاستشهاد العلمي والسمعة، إلى التركيز أيضاَ على معاملات الأثر الاقتصادي والإجتماعي للجامعة. وبالتالي فإن مقياس التميز كجامعة ريادية هو فرصة كبيرة وممكنة التحقيق، ولاسيما بالنسبة للجامعات الناشئة.
رابعاً: تتجه معظم الدول اليوم نحو إفساح مجال أوسع للجامعات، للعمل على (أ) تنويع مصادر تمويلها، وأن لا تعتمد كلياً على التمويل الحكومي، و(ب) أن تعتمد على إدارة مواردها بنفسها، و(ج) أن تكون الجامعة منتجة وقادرة على الاستثمار “self-financing” ،و "تسويق معرفتها"، وهو المحرك الحيوي للجامعة الريادية.
خامساً: التكامل مع الهوية البحثية للجامعات. فمن المهم أن تحدد الجامعات هويتها البحثية ومسارات تميزها. وأن لا تقتصر هذه الهوية على نشرها العلمي، ونشاطها البحثي فحسب؛ وإنما ينغي أن يصاحب ذلك تميز في الابتكارات “Spin off Companies” و”Start Up” ونشاطها في الحاضنات. فمثلاً، عندما تحدد الجامعة هويتها البحثية لتتركز حول "الأمن الغذائي"، فإنه يتوقع منها أن يكون لديها ابتكارات في الأمن الغذائي، وحاضنات في الأمن الغذائي، وشركات ناشئة في الأمن الغذائي‘ بالإضافة إلى إيجاد تواصل وثيق مع قطاع الصناعة والأعمال في مجال الأمن الغذائي. وحينها يكون الأثر ذا قيمة مضافة في التنمية الاقتصادية والإجتماعية.
وتأسيساً على ماسبق، يمكن القول أن الجامعات الريادية تتميز عن غيرها في سمات عدة، ومن بينها: (أ) الإبداع: أي تجديد الخدمات التعليمية الممنوحة للمجتمع من خلال البحث والتطوير، و(ب) التميز: من خلال تقديم خدمات تعليمية متميزة، و(ج) التكلفة: وذلك بتقديم الخدمة التعليمية ذات التكلفة المناسبة دون المساس بجودة التعليم ونوعيته، و(د) التحالفات: أي إبرام اتفاقيات مع العديد من المؤسسات التعليمية الجيدة؛ بهدف تحقيق أهداف مشتركة ومكاسب أكاديمية متفق عليها، و(ه) الاستباقية: وهي القدرة على استيعاب مختلف التغيرات والبدء في تنفيذ العمل قبل المنافسين.
وعليه، فإن الجامعة الريادية هي التي تمتلك القدرة التنظيمية والثقافية التي تشجع منسوبيها على التعلم والمبادرة والابتكار والمسؤولية الاجتماعية لاستيعاب التحديات البيئية وفهم المشكلات المجتمعية ومن ثم توظيف تلك الإمكانات والقدرات لإحداث التغيير للأفضل والاستجابة لمتطلبات التنمية المجتمعية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، والتقنية، والسكانية. لذا، فإن التحول نحو الجامعة الريادية لا يعني أن الجامعة تصبح أقل توجهاً نحو البحث العلمي، بل أن الأنشطة البحثية والتعليمية يُنظر إليها على أنها رأس مال، وتتوقع الجامعة تحقيق موارد مالية من أنشطتها من خلال المشاريع مع مجتمع الأعمال.
في الجزء الثاني من المقال، سوف نتطرق بإذن الله إلى بناء المفهوم من منظور السياق الوطني، والممكنات الداعمة لمنظومة التعليم العالي ومساهمتها في تحقيق تطلعات "رؤية عمان 2040"، واهدافها الاستراتيجية.
Clark, B. (2001). The Entrepreneurial University: New Foundations for Collegiality, Autonomy, and Achievement, Higher Education Management, Vol.13, No.2
Gibb, A. (2012). Exploring the synergistic potential in entrepreneurial university development: towards the building of a strategic framework, Annals of Innovation & Entrepreneurship, 2012, 3
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تحويل الأفكار إلى مشروعات..جامعة حلوان تطلق حاضنة ريادة الأعمال ومبادرات طبية
شهدت جامعة حلوان العديد من الأحداث المهمة خلال الأسبوع الماضي وكان من أبرزها، رئيس جامعة حلوان مهنئًا السيسي: "عيد تحرير سيناء" يسطر تاريخ أمة لا تُنسى، "ضمن المبادرة الرئاسية بداية" .. جامعة حلوان تناقش كيفية تحويل الأفكار الإبداعية إلى مشروعات حقيقية.
هنأ الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين لتحرير سيناء .
تقدَّم الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، بخالص التهاني القلبية لقداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بمناسبة عيد القيامة المجيد، متمنياً له دوام الصحة والعطاء، وللشعب المصري مزيدًا من التآلف والمحبة.
في زيارة رسمية تعبّر عن روح المحبة والوحدة الوطنية، قام الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، عصر اليوم السبت بزيارة كاتدرائية السيدة العذراء مريم بحلوان، و كان في استقباله نيافة الحبر الجليل الأنبا ميخائيل.
في إطار حرص الجامعة على دعم الأنشطة الطلابية وتعزيز روح الانتماء والعمل الجماعي بين الطلاب، تنظم إدارة الأسر الطلابية بالإدارة العامة لرعاية الشباب بجامعة حلوان المهرجان الختامي للأسر الطلابية للعام الجامعي 2024 – 2025.
في ليلة استثنائية من ليالي الفن والإبداع، اعتلت خشبة مجمع الفنون والثقافة بجامعة حلوان أجواء من الحماس والإبهار، بعدما احتضنت العرض المسرحي "الهدية" الذي قدمه طلاب كلية الطب، وسط حضور طلابي كبير وتصفيق لا ينقطع.
في إطار التزام جامعة حلوان بدورها الريادي في تعزيز الابتكار التعليمي ودعم ريادة الأعمال، أطلقت كلية التربية جامعة حلوان حاضنة ريادة الأعمال التعليمية "Edu Talent.
تُعلن جامعة حلوان عن انطلاق سلسلة من المبادرات الطبية المجانية التي تستهدف جميع منتسبي الجامعة من أعضاء هيئة التدريس، والهيئة المعاونة، والعاملين الإداريين، والطلاب، بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان، ومديرية الشئون الصحية بالقاهرة.
في إطار التزام جامعة حلوان برسالتها المجتمعية ودورها الريادي في تحقيق التنمية المستدامة، عقد الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، اجتماعًا موسعًا مع اللجنة العليا لوحدة مناهضة العنف ضد المرأة، التابعة لقطاع شؤون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.
بدأ نادي ريادة الأعمال بالجامعة، سلسلة ندوات تعريفية مقدمة من البنك الأهلي المصري لتنطلق من كلية الفنون التطبيقية، شملت التعريف بالتحول الرقمي وأهميته، وأفكار المشروعات الناجحة، والخدمات المالية وغير المالية، وطرق الحصول على التمويل، وكيفية تحويل الفكرة إلى مشروع ريادي.
في إطار حرص كلية الصيدلة بجامعة حلوان على تعزيز المهارات العملية وتنمية قدرات الطالب الصيدلي، انطلقت النسخة السادسة من الحدث الصيدلي المميز "PHocus".
في إطار جهود جامعة حلوان لخدمة المجتمع وتنمية البيئة، انطلقت فعاليات حملة "أسبوع محو الأمية"، التي تنظمها الجامعة بالتعاون مع مكتب المشروع القومي لمحو الأمية، التابع لقطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وبمشاركة كليات الجامعة، وبالتنسيق مع شباب الأسر الطلابية واتحاد الطلاب
في إطار التعاون الاستراتيجي بين مكتب دعم ونقل وتسويق التكنولوجيا (التايكو) بجامعة حلوان ومجموعة المعادي ستيل، تنظم الجامعة ندوة مهنية متميزة تحت عنوان "متطلبات العمل المهني في صناعة الحديد: الفرص والتحديات"
بطولة حماسية ومنافسات مشتعلة صنعتها مواهب واعدة على ملاعب نادي جامعة حلوان، حيث استضاف النادي بطولة التحدي الأولى للريشة الطائرة تحت 15 سنة (فردي – زوجي – مختلط).
استقبل نادي جامعة حلوان وفدًا من بنك مصر لبحث سبل التعاون المشترك بين الجانبين، وتطوير العلاقات المؤسسية في مجالات الأنشطة الرياضية والاجتماعية داخل النادي.