كيف يؤثر الأكراد في الانتخابات المحلية القادمة بتركيا؟
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
أنقرة- في ظل التحولات السياسية المتسارعة التي تشهدها تركيا، يبرز الأكراد كعنصر هام في نسيجها المجتمعي، محتلين موقعا مهما يؤهلهم للتأثير في تشكيل ملامح المستقبل السياسي للبلاد، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية.
وتتزايد التساؤلات حول الدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الأكراد في تحديد مسار السياسة التركية نحو آفاق جديدة.
أثبتت نتائج الانتخابات المحلية لعام 2019 أهمية دعم الأكراد لـأكرم إمام أوغلو في مدينة إسطنبول، حيث فاز بنسبة تجاوزت 54% من الأصوات مقابل 45% لمنافسه. والآن في ظل الواقع السياسي المتقلب، يعيد الأكراد تقييم تحالفاتهم السياسية مع حزب الشعب الجمهوري.
وتأتي إعادة التقييم هذه على خلفية:
الوعود غير المحققة من قبل حزب الشعب الجمهوري. سلسلة الإخفاقات التي عاناها الحزب. الشروخ الداخلية التي برزت إلى العلن داخل الحزب.كل هذه العوامل دفعت الأكراد إلى التفكير مجددا في مدى جدوى تجديد التحالف مع "الشعب الجمهوري".
وقد أدلى صلاح الدين دميرطاش، الزعيم الكردي والرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي -والذي يلقى عقوبة الحبس بتهمة "الدعاية الإرهابية" – بتصريحات تلقي الضوء على الفراغ الاتصالي بين حزبه وحزب العدالة والتنمية الحاكم.
واعتبر دميرطاش هذا الفراغ خسارة فادحة لكلا الطرفين وللمشهد السياسي التركي بشكل عام.
أعلن حزب المساواة الشعبية والديمقراطية، وهو من أبرز الأحزاب المؤيدة للأكراد، خوضه الانتخابات المحلية بمرشحيه في كل من إسطنبول وإزمير والعاصمة أنقرة.
وجاء هذا الإعلان على الرغم من محادثات طويلة غير رسمية كان قد أجراها الحزب مع "الشعب الجمهوري" بشأن تحالف يدعم بقاء إمام أوغلو -الذي يسعى للترشح للانتخابات الرئاسية 2028- في منصبه.
وبحسب خبراء، قد يؤدي هذا الوضع لفقدان حزب الشعب الجمهوري جزءا مهما من أصوات الناخبين الأكراد، والتي كان الحزب قد بذل جهودا كبيرة على مدى سنوات لكسبها.
ويأتي ذلك مع تجاهل العديد من الانتقادات الموجهة إليه بسبب تحالفاته مع أحزاب يزعم أنها تدعم حزب العمال الكردستاني.
شهدت العلاقات بين الحكومة التركية والأكراد لحظات من التقارب والتباعد على مرّ السنين، ففي عام 2019، شكل الأكراد تحالفا مع حزب الشعب الجمهوري خلال الانتخابات المحلية، مما أدى إلى فوز إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول.
واعتبر هذا التحالف بمثابة بداية العودة إلى التفكير بفتح باب كان قد أغلقه الرئيس التركي عام 2015 مع دخول "الشعوب الديمقراطي" البرلمان، محققًا 12.12% من الأصوات، وهو ما اعتبر تضييقا على الحزب الحاكم.
وضم تحالف الشعب في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لعام 2023 حزب "الهدى بار" الذي يمثل الأكراد المحافظين، ليدخل البرلمان للمرة الأولى.
كما أثار لقاء إبراهيم كالين (رئيس المخابرات) بالزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني، الذي ساعد على التوسط في المحادثات مع منظمة "بي كيه كيه" في الماضي، تكهنات بشأن ذوبان الجليد في العلاقات بين الجانبين، إلا أن مسؤولا كرديا نفى أن يكون الموضوع قد شهد أي تطور.
وفي مغازلة سياسية، ارتدي مراد كوروم، مرشح تحالف الشعب، الكوفية، وأدى رقصة الدبكة الخاصة بالأكراد، وتحدث بالكردية خلال لقائه مجموعة من سكان ولاية ديار بكر في مدينة إسطنبول.
ويواجه الرئيس رجب طيب أردوغان تحديات معقدة في إدارة توازن القوى داخل تحالفه، خاصة مع حليفه القومي اليميني دولت بهجلي.
فالمخاطرة بإثارة غضب بهجلي بالتخفيف من الضغوط الممارسة على "بي كيه كيه" قد تكون عالية جدا، وأي تحرك بهذا الاتجاه قد يصب في مصلحة حزب الجيد الذي يتخذ موقفا صارما مشابها تجاه القضايا الكردية.
في تصريحاته لوسائل إعلام محلية، عبّر أحمد ترك، المرشح عن حزب المساواة الشعبية والديمقراطية لبلدية ماردين، عن ندمه حيال الدعم الذي قدمه حزبه في الماضي لحزب الشعب الجمهوري.
وأوضح ترك أنه رغم الجهود الكبيرة التي بذلها حزبه لدعم مرشح الشعب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية بمناطق جنوب وجنوب شرق، وعلى الرغم من "عدم توقعنا قدرته على حلّ المشكلة الكردية" مضيفا أن "أردوغان هو الوحيد القادر على حلّ المشكلة الكردية إن أراد ذلك طبعا لأنه قائد بكل معنى الكلمة".
في نفس السياق، توقع الباحث السياسي بمركز سيتا للدراسات باكي لالي أوغلو -خلال حديثه للجزيرة نت- أن تحافظ البلديات التي يسيطر عليها حزب "المساواة الشعبية والديمقراطية" على مواقعها بالانتخابات المقبلة، حتى مع وجود تقلبات طفيفة في نسب التصويت.
ويشير إلى أن التحدي الأبرز يكمن في العلاقات المثيرة للجدل بين هذه البلديات و"العمال الكردستاني" ففي أعقاب انهيار عملية السلام، كانت هناك مؤشرات واضحة على أن بعض بلديات "المساواة والديمقراطية" قد استغلت الموارد البلدية لدعم "الكردستاني" بدلًا من تخصيصها للخدمات المحلية، الأمر الذي عرض العديد من المسؤولين بهذه البلديات للمساءلة القانونية، وكان سببا في استبدالهم بموظفين حكوميين.
سياسي كردي بارز يتأسف على دعمهم حزب الـ CHP سابقاً
????قال أحمد ترك، مرشح حزب المساواة الشعبية والديمقراطية (DEM) لبلدية ماردين، إنهم سبق لهم وأن دعموا حزب الشعب الجمهوري، إلا أن الأخير يفتقر لشخصية قيادية.
????وأضاف أنهم حشدوا الدعم بشكل كبير في جنوب وجنوب شرقي تركيا، لـ كمال… pic.twitter.com/9sNKfaUKge
— TR99 (@TR99media) February 18, 2024
تنوع الناخبين الأكراديؤكد الباحث السياسي لالي أوغلو أن الناخبين الأكراد ليسوا كتلة واحدة متجانسة كما يُفترض عادة، بل ينقسمون إلى مجموعات متعددة تختلف اجتماعيًا وثقافيًا.
وتبرز هذه الاختلافات بشكل أوضح عند المقارنة بين الأكراد في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، وأقرانهم في المدن الكبرى مثل إسطنبول.
ويشير لالي أوغلو إلى وجود فجوة كبيرة بين الناخبين الأكراد و"المساواة والديمقراطية" الذي يتخذ من المنهج اليساري الاشتراكي أو الليبرالي اليساري موقفًا.
ويُعزى ذلك إلى تناقض هذا الموقف مع القيم التقليدية لقسم كبير من الناخبين الأكراد، بالإضافة لموقف الحزب من قضايا مثل حقوق المثليين واليسار المتطرف، والتي تبتعد كثيرًا عن التوجهات الاجتماعية للناخبين الأكراد. ويؤدي هذا التناقض إلى تعميق الشرخ بين الحزب وقاعدته الانتخابية.
ومن ناحية أخرى، يرى لالي أوغلو أن حصول "العدالة والتنمية" على أصوات من الأكراد، لا سيما في إسطنبول والمناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، سيعزز من مكانته كـ"حزب تركيا" و"ممثل مشترك للأتراك والأكراد".
ويأمل ناخبون أكراد في المقابل أن يتخذ "العدالة والتنمية" خطوات نحو إطلاق عملية سلام جديدة أو الاستمرار في تعزيز الديمقراطية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ حريات الانتخابات المحلیة حزب الشعب الجمهوری حزب المساواة بین الأکراد
إقرأ أيضاً:
فيدان يكشف عن مقترح قدمته بلاده لسوريا بشأن الأكراد.. ماذا عن الاتفاق مع قسد؟
كشف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن تفاصيل المباحثات التي أجراها خلال زيارته مع وفد تركي رفيع المستوى إلى العاصمة السورية دمشق، لافتا إلى أن أنقرة لديها مصالح حيوية متعلقة في مجال الأمن، في إشارة إلى رفض أنقرة وجود كيان كردي مستقل على حدودها مع سوريا.
وتطرق فيدان خلال مقابلة مع تلفزيون تركي، مساء الجمعة، إلى زيارته الأخير إلى دمشق قبل أيام، قائلا "لدينا في تركيا مصالح حيوية، لا سيما في مجال الأمن".
وأضاف أن "هناك تنظيمات إرهابية تستغل الظروف التي تمر بها سوريا، وكان لا بد من مناقشة هذه القضايا ومراجعة التطورات الحالية"، حسب وكالة الأناضول.
ووفقا لفيدان، فإن الوفد التركي الذي ضم وزير الدفاع ورئيس جهاز الاستخبارات التركية ناقش في دمشق أيضا "القضايا الأخرى التي يجب أن تكون على جدول الأعمال بين البلدين، مثل الطاقة والمساعدات وغيرها من الملفات المهمة".
وشدد وزير الخارجية التركي على أهمية عودة الحياة إلى طبيعتها في سوريا، ما يعد ضروريا أيضًا لعودة اللاجئين المقيمين في تركيا والدول المجاورة.
وقال: "بدون استعادة الحياة الطبيعية، لن يكون من الممكن عودة اللاجئين سواء في تركيا أو في البلدان المجاورة. نرى بعض التطورات الإيجابية ولو بشكل محدود، لكن الأهم هو ضمان الأمن والاستقرار"، وفقا للأناضول.
وتحدث فيدان عن الاتفاق الموقع بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، موضحا أن أنقرة "لا تعتقد أن يكون هناك أي تنازلات في سوريا بشأن مساعي الحكم الذاتي".
وأضاف أن أنقرة قدمت "مقترحا للإدارة الجديدة (في سوريا) هو إعطاء الأكراد السوريين حقوقهم لكن في المقابل يجب القضاء على أي كيان إرهابي في المنطقة".
وأوضح فيدان أن بلاده تتابع التطورات في سوريا على كثب، لافتا إلى أن الاتفاق قد يكون له تداعيات مختلفة، لا سيما فيما يتعلق بتنظيم وحدات حماية الشعب الكردي "واي بي جي"، التي يشكل العمود الفقري العسكري لقوات سوريا الديمقراطية.
وأشار إلى أنه أبلغ الجانب السوري مخاوف تركيا بهذا الصدد، مشددا على ضرورة التأكد من إمكانية تنفيذ هذا الاتفاق لتحديد طبيعة الخطوات المستقبلية.
وأضاف "ثمة احتمال دائما لوجود استفزازات أو مؤامرات مستقبلية. إذا تم التوصل إلى اتفاق بحسن نية، فيجب تطبيقه فعليا، لكن قد تكون هناك ألغام مزروعة للمستقبل، نتابع الوضع عن كثب، ونأمل أن يتم الانتقال إلى حياة طبيعية دون إراقة الكثير من الدماء، وأن ينتهي الإرهاب".
وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال شرقي سوريا خطرا على أمنها القومي بسبب ارتباطها بحزب العمال الكردستاني الذي تدرجه أنقرة والولايات المتحدة على قوائم الإرهاب.
ومنذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا أواخر العام الماضي، دأب المسؤولون الأتراك على التلويح بعملية عسكرية ضد "قسد" شمالي شرق سوريا، لكن خطاب زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا عبد الله أوجلان الداعي إلى حل التنظيم وإلقاء السلاح فتح الباب أمام العملية السياسية.
والأسبوع الماضي، وقيع الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، على اتفاق دمج "قسد" في مؤسسات الدولة، وذلك ضمن مساعي دمشق لحل كافة الفصائل المسلحة وبسط سيطرتها على كافة التراب الوطني.
ونص الاتفاق المكون من ثمانية بنود، على "دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز".