حاتم الطائي

 

 

الشعوب الحُرّة نجحت في قيادة حملة تغيير في الرأي العام العالمي تجاه فلسطين

العار يُلطخ سمعة أمريكا ودول أوروبية لمواقفها الداعمة لجرائم الإبادة

دواعٍ انتخابية وأخلاقية دفعت دولًا للتراجع عن مواقفها الداعمة لإسرائيل

 

 

نحو 170 يومًا من العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، أسفر عن أكثر من 32 ألف شهيد وما يزيد عن 74 ألف مُصاب، كثير منهم يُعانون من عاهات مُستديمة، فضلًا عن المجاعة التي باتت تنهش البطون الخاوية لأهالي غزة الصامدين في وجهة أشد عدوان إجرامًا ووقاحة، غير أنَّ ثمَّة تحوُّل ربما نقول إنه جوهري في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، وتجاه صورة الاحتلال الصهيوني الذي كان يزعم أنه نظام "ديمقراطي" وأنه "يُدافع عن نفسه" وغيرها من الحُجج والتبريرات المُنافقة والمليئة بالخسة والوضاعة، لأنَّ إسرائيل في حقيقة الأمر ليست سوى كيان غاصب مُجرم مُحتل، يُمارس أبشع أنواع الإبادة الجماعية والتهجير والتعذيب، لأبناء الشعب الفلسطيني بأسره، وليس فقط سكان قطاع غزة، كما يعتقد البعض، ومنذ أكثر من 75 عامًا وليس بضعة أشهر!

التغير الذي نتحدث عنه في الرأي العام العالمي، تجلّى بقوة في موقف الشعوب الحُرة تجاه ما يجري من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، وهي الشعوب التي كُنَّا نظن أنها لا تتعاطف مع العرب والمُسلمين وقضاياهم بسبب ما نجح فيه البعض لإشاعة "الإسلاموفوبيا" وكراهية كل ما هو عربي، غير أنَّ صحوة الضمير العالمي كتبت شهادة الوفاة لمثل هذه المُعتقدات الخبيثة المُلفقة زورًا وبُهتانًا ضدنا في بلاد العرب والمسلمين.

وقد شاهدنا مظاهرات مليونية تُناصر قضية فلسطين، استمعنا إلى أغنية "تحيا فلسطين" أشهر أغنية سويدية تدعم الحق الفلسطيني وتُدين الصهيونية علنًا.

قرأنا وتابعنا مواقف العديد من الكُتّاب والمُفكِّرين والصحفيين الغربيين بل والسّاسة الأوروبيين من وزراء وكبار المسؤولين في عدة دول، وهُم يُؤيدون الشعب الفلسطيني ويدينون الاحتلال الإسرائيلي المُجرم. قرأنا حتى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لمؤثرين وفاعلين في الوعي العام العالمي، وهم يتحدثون بحُرقة ووجع عمّا يجري من فظائع في غزة منذ نحو 6 أشهر. تابعنا مؤسسات حقوقية ومنصات صحفية أوروبية مُستقلة تنفذ تحقيقات استقصائية وتُجري دراسات وحتى مسوحات بالأقمار الصناعية، لتكشف عن حجم الدمار والإبادة المُتعمّدة التي ترتكبها قوات الاحتلال بكل صفاقة وإجرام.

ومنذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على غزة العزة، انبرت دول للتواطؤ مع المُحتل المُجرم، وعلى رأسها الولايات المُتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأوكرانيا وحتى الهند تحت قيادة رئيس الوزراء الحالي نارندرا مودي المُتحالف مع الصهيونية، إلّا أن تحوُّلًا طرأ على بعض الدول، إما لمصالح سياسية مرتبطة بالانتخابات مثل الوضع في الولايات المتحدة، أو دول أخرى لم تعُد قادرة على مُوَاراة سوءة إسرائيل أكثر من ذلك، وقررت أن تتسق مع ما تُعلنه من مساندة للقيم والمبادئ الإنسانية، مثل كندا، التي قرر برلمانها تأييد حل الدولتين، ثم منع تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، في خطوة مؤثرة وإن جاءت مُتأخرة!

الموقف الأمريكي خلال الأيام الماضية شهد تغيُّرًا في التعاطي مع العدوان الإسرائيلي، خاصة بعدما كشفت نتائج الانتخابات الأولية بالحزب الديمقراطي عن لجوء نحو 12% من الناخبين للتصويت بـ"غير ملتزم" تجاه الحزب، عقابًا لإدارة الرئيس الديمقراطي جو بادين على موقفه من الحرب على غزة، وهو الوعيد الذي أطلقه النشطاء والمؤيدون لفلسطين قبل فترة، وقد وعدوا فأوفوا. وظهرت نائبة الرئيس كامالا هاريس في تصريحات عدة وهي تُؤكد ضرورة وقف فوري لإطلاق النار في غزة؛ بل وتتباكى على الوضع المأساوي في غزة، وتتحدث بكلمات تُعبِّر عن مشاعر حزن وأسى لما آل إليه الوضع في غزة، وإبداء الشفقة تجاه المجاعة التي تفتك بسكان القطاع وكذلك انعدام الخدمات الصحية ووفاة أطفال نتيجة سوء التغذية والمرض مع عدم توافر أي دواء.

مثال آخر على التغير في المواقف ضد إسرائيل، دعمًا للشعب الفلسطيني، التصريحات التي يُدلي بها كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وأيضًا الأمم المُتحدة، وهي التصريحات التي تُحذر بشدة من مغبة تنفيذ عملية برية في مدينة رفح الفلسطينية التي يلجأ إليها أكثر من 1.2 مليون فلسطيني نازح من مختلف مدن ومناطق قطاع غزة المُدمَّر فعليًا. وجدنا دولاً مثل فنلندا وكندا وأستراليا والسويد تعلن استئناف دعمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، بعدما أعلنت سابقًا تعليق تمويلها للمنظمة، على إثر مزاعم وافتراءات إسرائيلية بأنَّ 12 موظفًا بالوكالة الأممية (من أصل 13 ألف موظف يعملون في المنظمة!!!) شاركوا في عملية "طوفان الأقصى". وقد وجدنا نبرة الاتهامات ضد الأونروا تتراجع في الأيام القليلة الماضية، حتى إن الولايات المتحدة- التي علّقت فعليًا تمويلها للوكالة- باتت تتحدث عن دور الأونروا المُهم في تخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المُحاصر من كل اتجاه.

أيضًا رصدنا التغيُّر الواضح والمُؤثِّر في التعاطي الإعلامي الغربي مع الحرب في غزة، فحتى وقت قريب تبنّى الإعلام الغربي- بمجمله تقريبًا- الرواية الإسرائيلية ووصف المقاومة في فلسطين بأنها "منظمات إرهابية"، والتعتيم على عدد الشهداء والضحايا، وإظهار الأمر على أنَّه خسائر "طبيعية" للحرب في القطاع، إلى جانب منح المتحدثين الإسرائيليين المساحة الكاملة لرسم صورة زائفة عمّا يجري تزعم أنَّ إسرائيل "تُدافع عن نفسها"، وغيرها الكثير من المواقف المُنحازة انحيازًا سافرًا لإسرائيل. لكن ومنذ نحو أسبوعين أو أقل، بدأ الخطاب الإعلامي الغربي يتبدّل، ووجدنا محطات مثل "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية تستضيف مسؤولين إسرائيليين وتهاجمهم بشدة حول ما يجري من جرائم وفظائع في غزة، كما شاهدنا إعلاميون كبار مثل كريستيان أمانبور تحاوِر مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين ومُحللين وخبراء مؤيدين لإسرائيل، لكنها تتبنى وجهة النظر المُضادة بهدف تفنيد مزاعمهم، الأمر ذاته رصدناه في محطات ووسائل إعلام غربية.

وفي المقابل، مارست دولٌ أخرى أدوارًا مُشرِّفة وعلى رأسها جنوب أفريقيا التي حملت على عاتقها مسؤولية تاريخية لمقاضاة دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، وقادت التحرك العالمي لإدانة إسرائيل في أعلى محكمة أممية. أيضًا هناك دول أخرى لجأت إلى طرد سفراء الكيان الإسرائيلي لديها، اعتراضًا على ما ترتكبه إسرائيل من مذابح وجرائم إبادة بحق الشعب الفلسطيني، مثل البرازيل، أو أيرلندا التي طالب أعضاء في برلمناها بطرد سفير إسرائيل، وغيرها من المواقف المُشرِّفة لدول عدة.

وهنا يجب أن نُشير بكل فخرٍ واعتزازٍ للموقف المُشرِّف لمعالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، في المقابلة التي أجرتها معه الإعلامية البريطانية بيكي أندرسون على شبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، والتي تحدث فيها وزير الخارجية بكل صدق وصراحة، وأدان بعبارات لا تقبل التأويل ما ترتكبه إسرائيل من فظائع في غزة تسببت في استشهاد وإصابة عشرات الآلاف، ودمّرت القطاع. إلى جانب تأكيد معاليه أهمية مؤتمر السلام الذي ما زالت عُمان تدعو لعقده، من أجل التوصل لحل مُستدام للقضية الفلسطينية، مُستندًا في ذلك على قدرة الولايات المتحدة على تكرار نجاحها في إبرام اتفاقيات أوسلو، من خلال التوصل لـ"حل الدولتين". ولعل أبرز ما قاله معاليه بكل شجاعة وأمانة اتهامه الصريح لإسرائيل بالاستخدام المُتعمَّد لسلاح التجويع ضد أهالي غزة، ما يُؤكد جريمة الإبادة الجماعية مع سبق الإصرار والترصُّد، وتوجيه أصابع الاتهام لإسرائيل ومسؤوليتها عن الفظائع التي تُرتكب في غزة. أيضًا حرص معاليه على تأكيد أهمية المُطالبة بتعويض الفلسطينيين عن فقدان الأرواح البريئة، وكذلك ضرورة إشراك حركة "حماس" في مستقبل فلسطين وعدم استبعادها أبدًا.

ويبقى القول.. إنَّ ما نشهده من تغيُّرات في التعاطي الإعلامي والسياسي والدبلوماسي مع ما يجري في قطاع غزة، يؤكد حقيقة واحدة نؤمن بها، ويؤمن بها كل إنسان صادق مع نفسه ومُتسق مع ذاته، وهي أن: الحق سينتصر في النهاية، مهما طال الزمن، ومهما تواطأ المتواطئون، ومهما أطلق المجرمون المزاعم والأكاذيب، ومهما قدمت دول عظمى الدعم الكامل والأعمى لدولة الإرهاب الأولى في العالم. الحق سينتصر لأنها سُنة الله في الكون، والعدالة إحدى نواميسه..

تحيا فلسطين ولا نامت أعين الجبناء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: فی الرأی العام العالمی الشعب الفلسطینی الولایات الم قطاع غزة أکثر من التی ت ا یجری فی غزة

إقرأ أيضاً:

تفاقم معاناة مرضى السرطان في غزة و5.3% زيادة سنوية بالإصابات في فلسطين

رام الله - صفا

كشفت وزارة الصحة الفلسطينية، أن سرطان الثدي هو أكثر أنواع السرطان شيوعًا في فلسطين، حيث تم تسجيل 546 حالة سرطان ثدي جديدة في الضفة الغربية خلال 2023 وبمعدل حدوث بلغ 18.6 حالة لكل 100,000 من السكان، فيما لا تتوفر معلومات دقيقة عن وضع المرض في قطاع غزة بسبب عدوان الاحتلال الإسرائيلي.

وأضافت الصحة في بيان صحفي مساء يوم الإثنين، عشية انطلاق فعاليات شهر أكتوبر الوردي للتوعية حول سرطان الثدي، أن معاناة مرضى السرطان تفاقمت في قطاع غزة في ظل الحرب ومنع دخول الدواء إلى القطاع.

ولفتت إلى أن مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني هو المستشفى الوحيد الذي يقدم خدمات السرطان في غزة، توقف عن العمل بسبب الاستهداف المباشر له من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

وأكدت الصحة أنه يمكن الوقاية من سرطان الثدي بشكل كبير، حيث تصل نسبة النجاة منه إلى 98% اذا تم تشخصيه في المراحل المبكرة.

وأشارت الصحة إلى أن طواقمها تقدم الخدمات الإرشادية والفحص السريري للسيدات المراجعات لعياداتها المنتشرة على مستوى الوطن يوميا وتدعوهم للتوجه لفحص الثدي الشعاعي (الماموجرام) الذي يعد الركيزة الأساسية للكشف المبكر عن سرطان الثدي بعد عمر الأربعين، وهي خدمة تقدم مجانًا في جميع مراكز وزارة الصحة الموزعة على المحافظات، حيث أن هناك 12 جهاز تصوير ثدي اشعاعي (ماموجرام) موزعة على مختلف مراكز مديريات الصحة في الضفة الغربية

وأوضحت أنه مجموع حالات السرطان الجديدة المُبلغ عنها من جميع الأنواع في الضفة الغربية بلغ 3,590 حالة، وبمعدل حدوث بلغ 122.1 لكل 100,000 من السكان في العام 2023. وعند مقارنة عدد الحالات المُسجلة في العام 2023 مع الحالات المُسجلة في العام 2022 والتي بلغت حينها 3,408 فإن هناك زيادة سنوية بلغت 5.3%.

وتابعت الوزارة أن "عدد الحالات الجديدة للسرطان بشكل عام المُسجلة بين الذكور بلغت 1,858حالة بنسبة 51.8% من مجموع حالات السرطان الجديدة المسجلة، وسُجلت 1,732 حالة بين الإناث بنسبة 48.2% من مجموع هذه الحالات في الضفة الغربية في العام 2023".

ورصدت الصحة ارتفاع معدل الإصابة بالسرطان عند الذكور بحيث أصبح أعلى من معدل الإصابة بين الإناث في 2023، بينما كان المعدل بين الذكور أقل من الإناث في السنوات السابقة، وهذا يتماشى مع الاتجاه العالمي حيث أن معدلات الإصابة بالسرطان أعلى بين الذكور مقارنة بالإناث في جميع أنواع السرطان التي تصيب الذكور والإناث على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوفد الوطني يبارك العملية الإيرانية التي ضربت أهدافا عسكرية للعدو داخل فلسطين المحتلة
  • إضراب في الداخل الفلسطيني ومطالبات بوقف الحرب على غزة ولبنان
  • إضراب شامل في الداخل الفلسطيني المحتل غدا الثلاثاء.. في ذكرى هبة القدس والأقصى
  • تفاقم معاناة مرضى السرطان في غزة و5.3% زيادة سنوية بالإصابات في فلسطين
  • في ذكرى “هبة القدس والأقص”.. إضراب شامل في الداخل الفلسطيني المحتل غدا الثلاثاء
  • وزير الاقتصاد يُشارك في حوار برلين العالمي لمناقشة السياسات التي تدعم النمو الاقتصادي العالمي
  • دائرة الطرق والجسور: هناك من يأجج الرأي العام ويشوه منجزاتنا
  • الاحتلال يواجه أزمة في إقناع اليهود بالهجرة إلى فلسطين المحتلة
  • الغذاء العالمي: زيادة في عدد الأسر اليمنية التي تعاني من نقص التغذية
  • غزة والضفة.. إسرائيل تواصل قتل الشعب الفلسطيني