في النقد الجزافي لدول 56: ليلة القبض على مُتاجر مع البرتغال (1964)
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
عبد الله علي إبراهيم
كان نقاش هويتنا من جهة انتماء السودان إلى العرب او الأفارقة (علاوة على زيف الأطروحة أصلاً التي افترضت انتماء واحداً أحداً للسودان) معرضاً لأقوال مغرضة من المتأفرقة الجدد. وهي أقوال لم يطرأ لهم أن يقيموا بها الحجة على تنصل السودان عن ولائه الأفريقي جرياً وراء ولاء عربي صمد. فلا يُسأل هؤلاء الأفارقة المحدثين على ما قالوا برهانا في حديث الشاعر العربي.
وأعادني نبأ جريدة المورننق نيوز إلى الهرج بالهوية الذي فلقنا به المتأفرقة الطارئون طوال عقدين من الزمان. فمتى نظرت في علم هوية البرجوازية الصغيرة المتأفرقة وجدته يدور حول تميمتين. أولها أنه كان بوسعنا أن نكون أحسن الأفارقة فصرنا، بتهافتنا على العرب، أسوأ العرب. أما الرقية الثانية فقولهم إن الذي يفرقنا هو المصموت منه من علائق الجنوب والشمال التاريخية.
أتعرض هنا لتميمة أحسن الأفارقة وأسوأ العرب من جهة قولهم إننا انجررنا منذ استقلالنا وراء العرب دون الأفارقة. وسأهمل المغازي العنصرية السفلى للعبارة نفسها. وقد سدرت هذه الصفوة في القول بتنكبنا الطرق الأفريقية لا يسندها دليل ولا يلجمها دليل مضاد. وظلت على هذه العقيدة الفاسدة حتى بعد صدور كتاب الدبلوماسي الأديب المرحوم عبد الهادي الصديق "السودان والأفريقانية" في التسعينات الذي استقصى المسألة في مظانها ولم يجدنا تدابرنا أفريقيا. فدولتنا ظلت، على تعاقب النظم، تلتزم بأفريقيا بصورة ما فصّله عبد الهادي. وكانت لها كبوات حين وجدت نفسها في حلف استعماري في الكنغو في 1960 أزهق حياة باتريس لوممبا، رئيس وزراء الكنغو الذي خذله نظام عبود، مما حكاه العقيد محمد محجوب حضرة في كتاب جيد. وقد احتج الشعب على لؤم الحكومة في الكنغو في مظاهرات مشهودة في 1960. وخرجت مظاهراتنا دعماً للومببا من جامعة الخرطوم وغيرها تهتف "يا للعار خذلوا الجار". وشممنا رائحة الغاز المسيل يومها لأول مرة. ونهضت حكومة أكتوبر 1964 بدعم ورثة لوممبا، ومنحتهم حق اللجوء السياسي ومَرَّرت لهم العون المصري والجزائري.
وكان دور السودان ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا شديداً. فاحتفلت أفريقيا بعيد استقلالنا في 1957 بعقد اجتماع اتحاد كرة القدم الافريقي الأول في الخرطوم الذي استبعد جنوب أفريقيا من المنافسات في القارة لعنصريتها في الرياضة. وأعلن السودان في مؤتمر قمة افريقيا إغلاق مطاراته في وجه طائرات جنوب افريقيا وبريطانيا بعد استقلال روديسيا الزائف بيد المستوطنين البيض في 1965كما سيرد. كما التزم بتدريب المناضلين السود على أرضه. وزارنا مانديلا قبل اعتقاله في 1962 لدراسة هذه الترتيبات. وفتحنا الكلية العسكرية لمجاهدي أنغولا ونامبيا (جنوب غرب أفريقيا). وجعلنا مساهمتنا لقوي التحرر الأفريقية في 1970 بنداً في الميزانية العامة ورفعناها الي 50% من السابق. وقد ذكر ذلك للسودان رئيس ناميبيا سام نجومي في أول خطاب رسمي له. ذكر أياماً له بفندق الأكربول بالخرطوم وكيف ضمه السودان الي وفده في الأمم المتحدة ليعرض قضيته بعد ان أعيت السودان الحيلة ليقنعها بقبول مندوب الحركة نجومي مراقباً في الامم المتحدة.
كما ذكر أيدي السودان الأفريقية أغوستينو نيتو، رئس أنغولا الأسبق، الذي خطب يوماً في الخرطوم قائلاً "لا احتاج أن اذكر الحضور الكريم بعون السودان للمناضلين في انجولا وبقية بلدان افريقيا. يكفيني القول إن طبقة الضباط المتنفذة في بلدي اليوم قد تلقت تدريبها العسكري في كلية السودان الحربية." ومن أطرف ما أعان به السودان مجاهدي أنغولا هو قطيع من الحمير التي أخرس البيطريون نهيقها لتعين في ترحيل معداتهم دون أن يصدر عنها صوت ينبه العدو. كما زار يعقوب قاوون، الرئيس الأسبق للجمهورية في نيجيريا، السودان ليشكر له وقفته الي جانب وحدة نيجريا والامكانيات العسكرية التي وضعها تحت تصرف الجيش النيجيري**. واشتغل السودان بنضال روديسيا الجنوبية (زمبابوي الآن). فحين أعلن إيان سميث العنصري استقلال القطر من انجلترا من جانب واحد (1965) لينفرد البيض بالحكم دعا السودان في قمة أفريقية طارئة الي استخدام القوة لرد الحق الافريقي. وقطع علاقته مع بريطانيا لموقفها المجهج من حقوق السود في روديسيا من 1965 الي 1966. ودرّب عناصر حزب زانو الروديسي ووفر لهم الباسبورتات وأوراق الهجرة وعلاج الجرحى. وحين ضايق إيان سميث، رئيس وزراء روديسيا عن الأقلية البيضاء المستوطنة، زامبيا لعونها نضال زانو طلب السودان من منظمة الوحدة الافريقية أن تعين زامبيا لتحمل العقوبات التي فُرضت عليها.
القول بأننا أسوأ كذا وأحسن كذا مجرد تميمة لا تغني عن الحق شيئاً. والقول بأن السودان انصرف عن المسألة الأفريقية تقرباً من العرب لا يخلو من مبالغة مصدرها قلة النظر واتساع الخشم. وهو ابتزاز للصفوة البرجوازية الصغيرة الشمالية افحمها من غير أن تتثبت منه ودخلت منه في أظافرها حرجاً من "عار" 56.
* وكانت حركة أنانيا في وقتها ذاك تقاتل لفصل الجنوب مما صادم السياسة الأفريقية في يومها.
الكاتب الدبلوماسي عبد الهادي الصديق
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مقتل وجرح العشرات بقصف لـ«قوات الدعم السريع» في السودان
أعلنت السلطات السودانية، فجر الاثنين، “مقتل 6 مدنيين وإصابة 36 آخرين بجروح، إثر قصف مدفعي نفذته “قوات الدعم السريع” على مدينة أم درمان غرب الخرطوم”.
وقالت حكومة ولاية الخرطوم في بيان: “قصفت مليشيا الدعم السريع بالمدافع الحارات الغربية بحي الثورة بأم درمان أثناء صلاة التراويح مساء الأحد، وأدت إلى استشهاد 6 مدنيين، بينهم طفلان، وإصابة 36 مدنيا بينهم 18 طفلا”.
وأضافت: “كما شمل القصف المدفعي الحارتين 29 و43 بحي الثورة، والحارة 50 بمنطقة المرخيات، أثناء تواجد الأطفال بميدان لكرة القدم، وطال القصف المواطنين داخل منازلهم”.
واستهدف الهجوم الذي وقع، الأحد، “أحياءً سكنية في شمال أم درمان، وأصاب مدنيين داخل منازلهم، وأطفالاً كانوا يلعبون كرة القدم”، حسبما أفاد المكتب الإعلامي لولاية الخرطوم.
وكان أعلن الجيش السوداني “سيطرته على مواقع استراتيجية وسط الخرطوم، ليضيق الحصار على “الدعم السريع” في القصر الرئاسي والمؤسسات الحكومية وسط العاصمة”.
ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، “بدأت تتناقص مساحات سيطرة “الدعم السريع” لصالح الجيش في ولايات الخرطوم والجزيرة، والنيل الأبيض وشمال كردفان وسنار والنيل الأزرق”.
وفي ولاية الخرطوم، المكونة من 3 مدن، بات الجيش يسيطر بالكامل على “مدينة بحري” شمالا، ومعظم أنحاء “مدينة أم درمان” غربا، و75 بالمئة من عمق “مدينة الخرطوم” التي تتوسط الولاية وتحوي القصر الرئاسي والمطار الدولي، بينما لا تزال “الدعم السريع” في أحياء شرق المدينة وجنوبها.
ومنذ أبريل 2023 يخوض الجيش و”الدعم السريع” حربا خلّفت “أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا”.
ويتقاسم طرفا النزاع السيطرة على مناطق مختلفة؛ إذ يمسك الجيش “بالشمال والشرق، واستعاد مؤخراً مساحات كبيرة من الخرطوم ووسط السودان”، بينما تسيطر “قوات الدعم السريع” على “معظم إقليم دارفور (غرب) وأجزاء من الجنوب”.