السودان.. الجوع يتفاقم والزراعة في مرمى نيران الحرب
تاريخ النشر: 23rd, March 2024 GMT
يواجه القطاع الزراعي في السودان الذي يُمثّل 40% من الناتج المحلي للبلاد ويوظّف 80% من اليد العاملة، صعوبات لوجتسية وأمنية في ظل استمرار الصراع الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل الماضي.
ووفق تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" والذي أعلنت وزارة الزراعة السودانية مصادقتها عليه، فإن تراجعاً كبيراً شهده القطاع الزراعي يصل في بعض المناطق إلى أقل من النصف، خاصة تلك التي ترزح تحت وطأة الحرب.
وقدّرت منظمة "فاو" الفجوة في الإنتاج خلال العام الجاري بأكثر من مليوني طن، يحتاجها السودان بشكل كبير لمنع ارتفاع معدلات الجوع، والوصول للمناطق التي لم تنتج القمح.
وقال وزير الزراعة السوداني أبوبكر عمر البشرى، إن وزارته واجهت "مشكلة كبيرة" في إيصال المدخلات الزراعية مثل "التقاوي" و"البذور المحسنة" لولايات الخرطوم وإقليم دارفور وغرب وجنوب كردفان، ولاحقاً مدخلات الحصاد لذات الولايات بالإضافة إلى ولاية الجزيرة التي اجتاحتها قوات الدعم السريع في ديسمبر الماضي.
ويمتلك السودان نحو 172 مليون فدان تصلح للزراعة، منها حوالي 6 ملايين فدان مروية ولا تحتاج لعناء كبير، إلا أنه لا يستثمر منها إلا مليون فدان فقط.
وأشار البشرى إلى أن مجموع ما تمت زراعته لمحصول الذرة 23 مليون فدان فقط، مبيناً أن الخطة كانت زراعة 36 مليون فدان في دارفور وحدها.
وأضاف: "بسبب الحرب تراجعت المساحات المزروعة خلال الموسم الشتوي بالتحديد في ولايات ذات إنتاجية عالية مثل الجزيرة وإقليم دارفور وجنوب وغرب كردفان إلى جانب مساهمة الخرطوم في الناتج الكلي".
ألقت الحرب الدائرة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع بظلالها المدمرة على الموسم الزراعي، ما قد يتسبب في وصول البلاد إلى حافة المجاعة.
واتهم محافظ مشروع الجزيرة إبراهيم مصطفى، قوات الدعم السريع "بنهب 22 جراراً من مخازن مشروع الجزيرة، إلى جانب 16 مخزناً بمساحة 5 آلاف فدان".
وأشار إلى أن "كل الكميات المخزنة من التقاوي تم تدميرها بواسطة قوات الدعم السريع ولم تسلم مدخلات الإنتاج"، معرباً عن خشيته حالياً على "الحصاد للموسم الشتوي".
ولفت مصطفى إلى أن قوات الدعم السريع "استولت على التقاوي، بل وسربت بعضها إلى الأسواق للبيع على أساس إنها (بليلة) وهي نوع من البقوليات، وكادت أن تحدث كارثة لولا تنبيه وزارة الزراعة ومنع المواطنين من تناولها".
وقال مصعب وهو مزارع من شمال الجزيرة وسط السودان لـ"الشرق"، إن "هذا الموسم ربما لم تصل المساحات المزروعة في شمال الجزيرة 10%، وأول مشكلة واجهتنا هي قطع الدعم السريع للمياه من قنطرة أبوعشر، وكنا في مرحلة الري الثانية لمحصول القمح".
وتابع: "وقتها لم تكن الانتهاكات كبيرة طلبنا منهم (الدعم السريع) إعادة توصيل المياه، ولكن تم نهب الأليات الزراعية، ولم نتوقع أن يصل الأمر لدرجة نهب الحصاد الزراعي".
وأشار إلى أن "عدم القدرة حالياً على حصد المحصول إلا بطريقة يدوية"، متطرقاً إلى صعوبة الوضع الأمني قائلاً: "نحن غير قادرين على الذهاب إلى الغيط بسبب الوضع الأمني والاعتداءات التي يمكن أن نتعرض لها".
وبيّن مصعب أنه خرج مع أسرته من المنطقة بعد أن "فقد الأمل في حصاد ما تم زرعه"، مضيفاً أن "مناطق مثل اللعوتة والمعيلق فرضت عليها قوات الدعم السريع حصاراً وداهمتها لمرات، وتعذر على المزارعين فلاحة أرضهم".
يعاني عمال اليومية في ولاية القضارف جنوب شرقي السودان، في انتظار مزارعين يستعينون بهم، بعدما أثر النزاع بين الجيش وقوات الدعم السريع على القطاع.
وأفادت وزارة الزراعة السودانية بأن 220 ألف فدان هو ما تم زراعته من جملة 550 ألف فدان كانت معدة لزراعة القمح في مشروع الجزيرة.
انعدام الأمن
وقال آدم تُرك المزارع بمنطقة هبيلا بولاية جنوب كردفان لـ"الشرق"، إنه "بسبب الحرب لم أتمكن من زراعة أرضي حيث لم تصل لا مدخلات زراعية ولا غيرها من احتياجاتنا بسبب انعدام الأمن على طول الطريق من الأبيض بشمال كردفان إلى جنوب كردفان".
ولفت إلى أن "الكثيرين حاولوا الإنتاج بما لديهم، لكن غياب الأسمدة والبذور المحسنة أدى إلى تراجع الإنتاج إلى أقل من النصف".
المزارع الطاهر حماد من شرق دارفور، أوضح لـ"الشرق"، أن "الزراعة تأثرت بالحرب الجارية بين الجيش والدعم السريع، فهناك تقليص للمساحات المزروعة بنسبة 50% هذا العام خاصة لمحصولات الفول السوداني والذرة".
وهنالك غياب للمنتجين وكبار التجار، حيث لا يوجد سوق كبير لبيع المحاصيل، أما بالنسبة للخضروات والموالح فانعدام الأمن والوقود وارتفاع أسعار البذور ساهم أيضاً في عدم إنجاح الموسم الزراعي.
واعتبر بدر الدين من مشروع "الحماداب" الزراعي بالولاية الشمالية لـ"الشرق"، أن "تأخر الأسمدة والتقاوي، ساهم في تعثر الموسم الزراعي والتحضير الجيد له، أضف إلى ذلك التأخير الذي صاحب التمويل من البنوك للمزارعين نحاول الآن الخروج بحصاد جيد".
ويزرع السودان القمح في ولايات الجزيرة وهي الأكبر إنتاجاً، وفي النيل الأبيض وكسلا والشمالية وحلفا الجديدة.
الشرق
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع ملیون فدان بین الجیش إلى أن
إقرأ أيضاً:
الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم
منذ ١٧ شهراً، يعيش السودان في صراع مستمر، حيث يجد السودانيون والسودانيات أنفسهم في مواجهة تدمير آني لحاضرهم ومستقبلهم بواسطة أولئك المناط بهم حماية مصالحهم ومن يدعون ذلك.
قوات الدعم السريع والحرب على حاضر السودان
تُعتبر قوات الدعم السريع رمزاً للدمار وعدم الاستقرار في حياة السودانيين. نشأت هذه القوات في إطار نظام الإسلاميين كقوة غير نظامية لها نفوذ واسع، وبدأت عملياتها بتدخلات مدمرة في دارفور، وامتدت تأثيراتها لاحقاً إلى مناطق أخرى، مخلفةً وراءها آثاراً كارثية على حياة الناس ومؤسسات الدولة والمجتمع.
لم تقتصر هجمات قوات الدعم السريع على الاشتباكات المسلحة فقط، بل طالت أيضاً حياة المدنيين وممتلكاتهم، والأنظمة الاجتماعية، والخدمات الأساسية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتشتيت السكان ونهب الموارد. وفي ظل سيطرتهم، أصبح من الصعب على المواطنين العيش بأمان أو السعي لكسب العيش، فقد قتلت الناس وهتكت عروضهم ونهبت أموالهم ودمرت سبل حياة الناس بالكامل. هذا الدمار الذي يطال الحاضر لن يختفي بسهولة، إذ أن آثاره الاجتماعية والنفسية والاقتصادية ستستمر لتؤثر على الأجيال القادمة، تاركةً وراءها جروحاً يصعب التئامها.
قيادة الجيش والإسلاميون وظلالهم على مستقبل السودان
بينما تدمر قوات الدعم السريع الحاضر، يُعَرِّض قادة الجيش والإسلاميون مستقبل السودانيين للخطر. فبدلاً عن بناء جيش وطني موحد، تعتمد قيادة القوات المسلحة والإسلاميون على تعزيز شبكات من الميليشيات القبلية والمناطقية كقوة موازية للدعم السريع، وبعض هذه المليشيات لها امتدادات قبلية مع دول جارة. المفارقة هنا أن هذا النهج ذاته تسبب في معضلة الدعم السريع، الذي يتمتع بعلاقات خارجية مستقلة وموارد مالية وقوانين خاصة.
تشكل هذه التحالفات بين قيادة الجيش والاسلاميين والميليشيات الجديدة هذه والقديمة تهديداً للاستقرار الوطني. فعندما تعتمد المؤسسة العسكرية الأولى في البلاد على الميليشيات، فإن ذلك يقضي على أي فرصة لبناء دولة قوية متماسكة. والأدهى من ذلك، يساهم هذا الأسلوب في تحويل السودان إلى مجتمع مليء بالانقسامات والصراعات الداخلية.
ومن منظور سياسي، فإن استراتيجيات قادة الجيش والإسلاميين تلقي بظلالها على الحكم في البلاد، إذ يركزون على تأمين سلطتهم من خلال تقوية نفوذ الميليشيات بدلاً من السعي لتأسيس نظام ديمقراطي أو حتى نظام عسكري متماسك داخلياً. نتيجةً لذلك، يصبح الانتقال إلى الاستقرار في السودان أكثر صعوبة، ويظل السودان محصوراً في دائرة مغلقة من الانقسامات، مما يعطل أي محاولة جادة لإقامة دولة قائمة على الوحدة وذات استقرار نسبي.
تأثيرات مزدوجة على المجتمع السوداني
وفي ظل هذا الواقع، يجد المواطنون السودانيون أنفسهم في وضع مأساوي. بينما تسلب قوات الدعم السريع الاستقرار من الحاضر، تضمن قيادة الجيش والإسلاميون مستقبلاً مليئاً بالتشظي والانقسامات. هذا الصراع المتبادل يهدد المجتمع السوداني بأكمله، ويمنع أي تقدم حقيقي نحو بناء دولة تحترم مواطنيها وتسعى لتحقيق تطلعاتهم. وبدلاً من أن يكون الجيل الجديد حاملاً لراية النهوض بالوطن، يجد نفسه ضحية لصراع لم يختاره، مما يدفعه إلى الهجرة أو الانخراط في نزاعات لا دخل له فيها. في ظل هذا الوضع، يتم تهميش قطاعات التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية، فتُترك الأجيال القادمة دون أي أساس قوي لبناء سودان مستقر وربما لا وجود للسودان الذي نعرفه حاليا.
ما يواجهه السودان اليوم هو أزمة وجودية تتطلب تدخلات حاسمة من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قومية موحدة، بعيداً عن النزعات القبلية والتحالفات المؤقتة. الحلول قد تكون بعيدة المنال حالياً، لكنها تبدأ بوعي المجتمع السوداني بمخاطر هذه السياسات والسعي للوحدة الوطنية، إضافة إلى ضغط المجتمع الدولي لدعم السودان في سعيه لتحقيق السلام والاستقرار.
mkaawadalla@yahoo.com
محمد خالد